الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة التاسعة عشر الاثنين‏: 23/1/1995‏

الحلقة التاسعة عشر الاثنين‏: 23/1/1995‏

نشرة “الإنسان والتطور”

15- 4 – 2010

السنة الثالثة

العدد: 958

Photo_Mafouz

الحلقة التاسعة عشر

الاثنين‏: 23/1/1995‏

……… ‏ربما‏ ‏كانت‏ ‏جرعة‏ ‏المصاحبة اليومية ‏ ‏أدسم‏ ‏وأثرى ‏مما‏ ‏أحتمل‏، ‏وربما‏ ‏احتاج‏ ‏الأمر‏ ‏للنظر‏ ‏من‏ ‏بعيد بعض الشىء‏، ‏وعلى ‏فترات‏. ‏رتبت‏ ‏الأمور‏ ‏حيث‏ ‏يقوم‏ ‏بعض‏ ‏أبنائى ‏من‏ ‏ظهرى، ‏وأبنائى ‏من‏ ‏فكرى ‏وحضورى: ‏بدور‏ ‏جزئى ‏يكمل‏ ‏ويحل‏ ‏محل‏ ‏ما‏ ‏أقوم‏ ‏به‏:‏

ذهبنا‏ ‏إلى فندق ‏نوفوتيل‏ ‏المطار‏، ‏إبن‏ ‏أخى ‏جهز‏ ‏لنا‏ ‏مكانا‏ ‏مستقلا‏ ‏فى ‏الفندق‏ ‏الذى ‏يديره‏، ‏وقد‏ ‏شعرت أن ‏الأستاذ‏ ‏بدأ يفضل، ولو بعض أيام الأسبوع، أن يجالس هذا‏ ‏العدد‏ ‏المحدود‏ ‏من‏ ‏الأصدقاء‏، ‏كان‏ ‏كوبرى 6 أكتوبر‏ ‏مزدحما‏ ‏على ‏غير‏ ‏توقع‏، ‏لكنى ‏فهمت‏ ‏من‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الطريق‏ هو ‏من‏ ‏المسارات‏ ‏المألوفة ‏للأستاذ‏، ‏إذن‏ ‏فليس‏ ‏طريق‏ ‏سقارة‏ ‏وحده‏ ‏هو‏ ‏المزار‏ ‏والمسار‏، ‏لكنها‏ ‏القاهرة‏ كلها ‏من‏ ‏شمالها‏ ‏لجنوبها‏، نجيب محفوظ هو مصر، وهو القاهرة بالأصالة عن نفسها، والنيابة عن كل ربوع مصر، لا فرق بين قاهرة قديمة وقاهرة حديثة، كوبرى 6 أكتوبر لا مكان له فى طفولة نجيب محفوظ، وهو يفتقر إلى رائحة بيت القاضى ، ويمر أعلى العباسية، وليس فى ثنايا نبضها، ومع ذلك فهو قاهرة، قاهرة، خشيت أن يضجر الأستاذ ونحن نسير بكل هذا البطء نتيجة الزحام على الكوبرى، رحت‏ ‏أتصور‏ ‏أننا‏ ‏تدبسنا‏ ‏وليس‏ ‏امامنا‏ ‏إلا‏ ‏الصبر‏، ‏تذكرت‏ ‏نكتة‏ ‏لا‏ ‏بأس‏ ‏من‏ ‏إعادتها‏ ‏مع‏ ‏التحوير‏!! ‏لاتحكى ‏إلا‏ ‏بالإنجليزية‏، ‏كان‏ ‏حكاها‏ ‏لى ‏إبن‏ ‏أخى ‏صباحا‏ ‏عن‏ ‏واحد‏ ‏يسأل‏ ‏الآخر‏ ‏ماذا‏ ‏هو‏ ‏فاعل‏ ‏لو‏ ‏أنه‏ ‏صحا‏ ‏من‏ ‏النوم‏ ‏فوجد‏ ‏أسدا‏ فى سريره….، ‏فأجاب‏ ‏هادئا‏، ‏ليس‏ ‏أمامى ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏أسترخى ‏وأستمتع‏، ‏ضحك‏ الأستاذ وقال “تريد أن تصبرنا وتنصحنا بأن نسترخى ‏ونستمتع‏ ‏بزحمة‏ ‏المرور هذه؟ ‏”‏ ‏حضور‏ ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏أى ‏مكان، ولو محشورين نسير بسرعة خمسة كيلو مترات فى الساعة‏ ‏يبعث‏ ‏حيوية‏ ‏تسمح‏ ‏بأن‏ ‏تكون‏ ‏الصحبة‏ ‏متوهجة نابضة، كانت سيارة الحراسة التى تصاحبنا ‏ ‏تطلق‏ ‏صرخات‏ ‏الإنذار‏ ‏والتنبيه‏ ‏لعل‏ ‏البعض‏ ‏يفسح‏ ‏الطريق‏ ‏أو‏ ‏يفتح‏ ‏الإشارة‏،‏ ‏لاتوجد‏ ‏إشارات‏ ‏فوق‏ ‏الكوبرى ‏أصلا فما فائدة هذه الأبواق؟، ‏لكن قهقهة الأستاذ كانت من الجمال بحيث تطغى على أى ضجر أو صخب، ماذا يمكن أن تفعل صرخات نفير بوليس الحراسة فى دفع حركة عربات متراصة فوق كوبرى ليس له إلا منافذه المحدودة فى أماكن بذاتها؟ أوصلت للأستاذ تساؤلى هذا فواصل ضحكاته وهو يقول: “ربما ينبهوننا أنهم ليس لهم ذنب فى هذا الزحام، وأنهم – هكذا- عملوا كل ما يستطيعون”، الروح التى يشيعها الأستاذ فى مجلسه تحضر معه وحوله ‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏المكان‏ ‏والزمان‏، زاد بطء السير فاضطررت أن أعيد فتح مواضيع قديمة لا أمل من تغيير رأى الأستاذ فيها مهما أعيد تقليبها، قلت للأستاذ أنت تريد منا أن نسترخى ونستسلم (مثل النكته) للأمر الواقع إذا ما حكمنا هؤلاء الذين يحتكرون تفسير أوامر ونواهى ربنا، فلم يضحك، حتى ضحكة الأستاذ التى أصبح لها توقيت وحجم متغيرين، أصبحت لغة فى ذاتها، هذا الرجل يحترم الواقع، ويثق فى الناس، وفى قدرتهم على التصحيح بشكل لا أصبر عليه، لكن يبدو أن هذا هو الاحترام الحقيقى للناس الحقيقيين، وأيضا هو السبيل الأضمن للتغيير،

ربما !!!

وصلنا‏ ‏متآخرين‏ ‏إلى ‏الفندق‏، ‏ووجدنا‏ ‏المكان‏ ‏معـد‏ ‏بطريقة‏ ‏أراحت‏ ‏الأستاذ‏ ‏وأراحتنا‏ ‏معه‏ ‏وبه‏، ‏وكان‏ ‏خبر‏ ‏اليوم‏ ‏هو‏ ‏ذلك‏ ‏الفدائى (‏وزميله‏) ‏اللذان‏ ‏فجـرا‏ ‏العبوة‏ ‏الناسفة‏ ‏شمال‏ ‏تل‏ ‏أبيب‏ ‏فمات‏ 18 ‏وأصيب‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ستين‏ ‏يهوديا‏ ‏إسرائيليا‏ ‏أغلبهم‏ ‏من‏ ‏العسكريين‏، ‏قلت‏ ‏له‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏خطر‏ ‏لى ‏بعد‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏مشاعر توصف‏ ‏بالإنسانية‏ ‏والشفقة‏ (‏ورغم‏ ‏أسف‏ ‏مشروط‏ ‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏مشاعرى‏) ‏قلت‏ ‏له‏ ‏دعنى ‏أكشف‏ ‏لك‏ ‏عن‏ ‏حلم‏ ‏يقظة‏ ‏يراودنى فأرفضه، لكنه يراودنى ولا أستطيع أن اتصنع إنكاره، برغم موقفى الحاسم والمطلق ضد قتل أى إنسان، حتى أثناء حرب معلنة مع عدو رسمى (كما سبق أن أشرت)، أنا لا أتصور كيف تضطرنى أية حرب لأى سبب أن اقتل شخصا له أسرة، وأنا لا أعرفه أصلا، لمجرد أنه أطاع أوامر رئيسه فى جيشه، فجاء موقعه فى مرمى مدفعى، فقتلته؟ أنا لم أستسغ هذا أبدا مهما قالوا لى أننى لو لم أقتله لقتلنى هو دون أن تخطر له هذه المشاعر، أتعجب من نفسى وأنا أعرف عنها كل هذا الرفض للقتل حتى دفاعا عن النفس، و‏فى ‏نفس الوقت يطل علىّ حلم اليقظة الذى حكيته للأستاذ مترددا بمناسبة ربط هذا الحادث التفجيرى الذى قرأه أحدنا عليه اليوم، بما يفعل الإسرائيليون فى المدنيين العزل من الشيوخ والنساء والأطفال، فلا أبرره بسهولة،‏ يسألنى الأستاذ عن تفاصيل حلم يقظتى فأحكى فى خجل دون اعتذار أن الحلم “‏يصور‏ ‏لى ‏أنه‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏نستغنى ‏عن‏ ‏مليون‏ ‏فرد‏ ‏منا‏، ‏ونحن‏ ‏والحمد‏ ‏لله‏ ‏كثرة‏ ‏من‏ ‏المسلمين‏ ‏والعرب‏، ‏وكل‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏هؤلاء‏ ‏يفجر‏ ‏نفسه‏ ‏فى ما تيسر من الصهاينة، بواقع واحد لكل خمسة أو ستة، فيختفى من الوجود هذا الكيان المحشور خطأ فى غير موضعه”، ‏مال‏ ‏الاستاذ‏ ‏برأسه‏ ‏للخلف‏ ‏قليلا، ثم ابتسم بشفتيه حانيا لعله يطمئننى أنه وصله مدى ألمى، الذى أخففه بشطحى، برغم تحفظى على قتل نملة، ألمى الذى جعل هذا التخيل يقفز إلىّ هكذا، ‏ ‏وشطحى فى محاولة تخيف بعض ذلك،‏ ‏تمتد الابتسامة إلى بقية وجه الأستاذ فيضحك‏ وهو يقول: “‏شريطة‏ ‏أن‏ ‏يوافق‏ ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏على ‏ذلك‏”، ‏إجابة‏ ‏غير‏ ‏متوقعة‏ ‏أفحمتنى ‏فلم‏ ‏أنبس‏، ‏قفز‏ ‏محمد‏ ‏إبنى ‏فرحا‏ ‏فىّ ‏وهو‏ ‏يقول‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الرد‏ ‏الذى ‏كنت‏ ‏أتمنى ‏أن‏ ‏أرد‏ ‏به‏ ‏على ‏والدى ‏كلما‏ ‏قال‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الكلام‏، ‏ونقلت‏ ‏إلى ‏الاستاذ‏ ‏شماتة‏ ‏محمد‏ ‏فىّ ‏وأنا‏ ‏فى ‏حال‏، ‏وابتسم‏ ‏الاستاذ‏ ‏ابتسامة أخرى أعتقد أنها كانت موجهة لابنى هذه المرة، فهو يطيب له أن يتابع‏ ‏هذه‏ ‏المعركة‏ ‏المستمرة‏ ‏بينى ‏وبين‏ ‏إبنى فى حضوره، وعادة ما ينصف محمد علىّ.‏.‏

حين‏ ‏عاد‏ ‏الأستاذ‏ ‏من‏ “‏ركن‏ ‏تسديد‏ ‏الرأى‏”، (دورة المياه) ‏وجدته‏ ‏يبتسم ابتسامة من نوع ثالث، عرفت بحدسى أنها بعيدة عن الابتسامتين السابقتين، فسألته عن سر ابتسامته، قال‏: .. ‏تذكرت‏ ‏فكرى ‏أباظه‏ ‏وهو‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏ما‏ ‏كنت‏ ‏فيه‏، ‏يحكى ‏لنا‏ (‏ما‏ ‏معناه‏) ‏إنه‏ ‏كان‏ ‏يشجع‏ ‏أعضاءه‏ ‏للقيام‏ ‏بهذه‏ ا‏لوظيفة‏ ‏البيولوجية‏ ‏دون‏ ‏خشية‏ ‏أن‏ ‏تُكَلَّف‏ ‏بمهام أخرى ‏ ‏ ‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏قادرة عليها‏ ‏‏، ‏وضحكنا‏ ‏جدا‏، ‏وفرحت‏ ‏به‏ ‏وهو‏ ‏يستعيد‏ ‏مرحه‏ ‏بسرعة‏ ‏برغم الأحداث‏. ‏

تطرق‏ ‏الحديث‏ من جديد ‏إلى ‏ندوة‏ ‏محمد‏ ‏حسنين‏ ‏هيكل‏ ‏فى ‏معرض‏ ‏الكتاب، وكيف أن الحضور للجلسة المخصصة للجنة الثقافة العلمية كان كثيفا، مما أثار تعجبنا نحن المكلفين بتقديمها، وإذا بهذا الحضور هو لمجرد حجز أماكن للندوة اللاحقة التى كان هيكل هو ضيفها، ‏ ‏أعدت على الأستاذ كيف أننى انتهزتها فرصة فحضرت ندوة هيكل، و‏ أننى ‏لم‏ ‏أخرج‏ ‏منها‏ – ‏كالعادة‏- ‏بشيء‏، ‏قال‏ ‏و‏أنا أيضا كنت أخرج من مقالاته فى أحرج الأوقات بعلامات استفهام أكثر مما دخلتها، لم أكن أحصل مما يكتب على ما أنتظره منه أبدا، كان‏ ‏الأستاذ قد شهد بكفاءة الأستاذ هيكل قبل‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏العوامة‏ ‏ ‏بأمانة قائلا : ‏رضينا‏ ‏أم‏ ‏لم‏ ‏نرض‏، ‏فعلينا‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الرجل‏ ‏صحفى ‏عصرى ‏من‏ ‏الطراز‏ ‏الأول‏، ‏ثم‏ ‏أكمل‏ ‏تعقيبه‏ ‏على وصفى هيكل بالزئبقية‏‏ (ربما بعد التحفظ على اللفظ) قال: ‏”‏لقد دوخنى الأستاذ‏ ‏هيكل‏ ‏بعد‏ ‏حرب‏ ‏يونيو‏ 1967، ‏وأنا‏ ‏ ‏أقرأه‏ ‏باحثا‏ ‏عن‏ ‏شيء‏‏، ‏منتظرا‏ ‏شيئا‏، ‏آملا‏ ‏فى ‏شىء‏، ‏بلا‏ ‏طائل‏”، ‏قلت‏ ‏له‏، أما أنا فقد احتدت دوختى قبل‏ الحرب (67) أكثر، حين كان هيكل يكتب آنذاك مقالاته الدائرية، وكأنه يلوك “لبانا لا يُبلع” ثم أردفت “…، أنا لا أعفيه من مسئولية ما حدث، برغم أن اللبانة لا تزال فى قلمه، ‏قال‏ ‏الاستاذ‏ :” ‏ولكن‏ ‏قبل‏ الحرب نحن ‏لم‏ ‏نكن‏ ‏متلهفين‏ ‏على ‏شيء‏ ‏محدد‏، ‏وكان‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏نحتمل‏، ‏لكن‏ ‏بعد‏ ما حدث من كارثة ‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏مختلفا‏، كنا نريد أن نعرف عن طريق هيكل وهو المتحدث الرسمى للحكومة حجم المصيبة، كنا نريد أن نعرف إلى أين نحن ذاهبون..”، ‏قلت له ‏ ‏إننى ‏طول‏ ‏عمرى ‏أتصور‏ ‏أنه‏ ‏يلعب‏ ‏لعبة تكتيكية ننبه فى العلاج الجمعى عندنا إلى وجهها السلبى، وهى لعبة: ‏“نعم‏ …‏ولكن..”، ‏ هذه اللعبة باستعمالها السلبى تقوم بمهمة أن ‏ تمحو “لكن”، ما سبقها بـ “نعم” ، مهما كانت قوة هذه الـ “نعم”، ‏ فتكون‏ ‏النتيجة‏ ‏فى ‏النهاية‏ صفرا = ‏لا‏ ‏شىء”

‏ ‏هز‏ ‏الأستاذ رأسه‏ ‏ووافق‏ ‏تلك‏ ‏الموافقة‏ ‏الحذرة،‏ ‏غير‏ ‏الكاملة‏، لم‏ ‏يعد‏ ‏يخفى ‏علىّ ‏أن‏ ‏الأستاذ‏ ‏لايحضر‏ ‏بكله‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏مما‏ ‏يجامل‏ ‏به‏، ‏وحسدته من جديد على مدى حذقه لهذه ‏ ‏المهارة‏ ‏التى ‏ليس‏ ‏فيها‏ ‏إحراج‏ ‏لأحد‏، ‏ولا‏ ‏موافقة‏ ‏مطلقة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، رحت أواصل رأيى فى هيكل، بعد تقديم كل احترام لكفاءته فى مهنته، ومهاراته الحرفية، قلت للأستاذ ‏: ‏إننى أتصور أن الأستاذ‏ ‏هيكل‏ ‏منذ‏ ‏استغنى ‏السادات عن خدماته، ربما ” لأنه “مبروم على مبروم ما يتفتلشى”، فوجئ بما لم يتوقع، ليس لأنه حريص على كرسى فى السلطة، ولكن لأنه لم يتصور أن شخصا ما، مهما بلغت درجة “مبروميته”، يقدر أن يستغنى عنه من حيث المبدأ، منذ هذه اللطمة، التى أعتقد أنه اعتبرها لطمة أقسى بكثير من حجمها، حتى لو كانت فى صالحه،‏ ‏راح‏ ‏يكرس‏ ‏قلمه‏ ‏وحرفيته‏ ‏لأمرين‏: الأول: ‏تبرير‏ ‏موقفه‏ (‏لدرجة‏ ‏الدفاع‏ ‏الهجومي‏)، ‏والثانى: ‏الإنتقام‏ ‏بشكل شخصى،‏‏ ‏ولأنه‏ ‏يحذق‏ ما أسميه “‏الكذب‏ ‏الموثق”، و”الانتقاء الموجّه”‏، ‏فهو‏ ‏ناجح‏ ‏فى مهمته تلك التى ما أسهل أن يجد لها تبريراتها التى تسمح له بما يقول ويفتى، ‏أبلغت الأستاذ أن الناقد الصحفى سامى خشبة كان أحد المنتدين معنا فى ندوة الثقافة العلمية فى لجنة الكتاب التى سبقت ندوة الأستاذ هيكل مباشرة، وهو من تلاميذ هيكل المخلصين، ومع ذلك فقد وافق على بعض آرائى ونحن نعقب على ندوة هيكل، ‏ ‏وأضاف الأستاذ سامى‏ ‏تعقيبا‏ ‏على‏ ‏الندوة‏”‏ أن‏ ‏هيكل‏ ‏بدا‏ ‏متعاليا‏ ‏على‏ ‏الحضور فعلا”، وقد سألت الأستاذ سامى خشبه عن سر ‏الكاريزما‏ ‏التى تتجلى فى كل هذا الحضور ليس فقط من المثقفين والإعلاميين، وإنما من الطبقة الأعلى، ونسائها الأنيقات الجميلات هكذا، فأجابنى الأستاذ سامى “عليك أنت تفسر لنا أنت ذلك،  ألست طبيبا نفسيا”، سألت الأستاذ نفس السؤال، شارحا أن علمى قد عجز عن الإجابة على السؤال، وأننى أسأله بدورى مصداقا لأنه “إسأل مجرب”

‏التقطها الأستاذ وضحك ضحكة واسعة شملتنا جميعا.

أكملت‏ ‏للأستاذ‏ ‏أن ‏هيكل‏ ‏ذكر‏ ‏يوسف‏ ‏القعيد‏ ‏ذكرا‏ ‏حسنا‏ ‏فى ‏ندوة‏ ‏الكتاب‏، وبالإسم، ‏قال‏ ‏علمت‏ ‏ذلك‏، ‏وفرحت‏ ‏بهذه‏ ‏الشهادة ليوسف. تعجبت‏ ‏كيف‏ ‏ينتقد‏ ‏الأستاذ‏ ‏هيكل‏ ‏بكل هذا الوضوح‏، ‏ثم‏‏ ‏يفرح‏ ‏بشهادته‏ ‏لأحد‏ ‏أبنائه‏ ‏ومريديه هكذا؟ يا لتحمل كل شىء معا!!!! يا لأستاذيته!

ذكرت‏ ‏له‏ ‏ما‏ ‏سمعت‏ ‏فى ‏لندن‏ ‏من‏ ‏رد‏ ‏مأمون‏ ‏الهضيبى ‏على ‏المذيع‏ ‏حول‏ ‏اعتقال‏ 18 ‏من‏ ‏قادة‏ ‏الإخوان‏ ‏بتهمة‏ ‏قلب‏ ‏نظام‏ ‏الحكم‏، ‏وكيف‏ ‏قال‏ ‏مأمون‏ ‏الهضيبى ‏للمذيع‏، ‏أى ‏قلب‏ ‏وإلى ‏أين؟‏ ‏هل‏ ‏سنقلبها‏ ‏ملكية‏، ‏إن‏ ‏الدين‏ ‏الإسلامى ‏يرى ‏أن‏ ‏رئيس‏ ‏الدولة‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏تنتخبه‏ ‏أغلبية‏ ‏الشعب‏، ‏والرئيس‏ ‏مبارك‏ ‏انتخبته‏ ‏أغلبية‏ ‏الشعب‏، ‏ودستورنا‏ ‏يعتبر‏ ‏أن‏ ‏الشريعة‏ ‏هى ‏المصدر‏ ‏الأساسى ‏للتشريع‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏نريده‏، ‏فأى ‏قلب‏ ‏للنظام‏ ‏يتهم به الإخوان بحيث‏‏ ‏يعتقل‏ ‏كل هؤلاء‏ ‏الذين‏ ‏يتكلمون‏ ‏علانية‏، ‏ويمثلون‏ ‏النقابات‏، ‏ويدخلون‏ ‏مجلس‏ ‏الشعب؟‏ ‏هز‏ ‏الأستاذ‏ ‏رأسه‏ ‏معجبا‏ برد الهضيبى، ‏فأضفت‏: ‏أليس‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏رأيك‏ ‏الذى ‏تريد‏ ‏أن‏ ‏توصله‏ ‏لنا‏ ‏دائما‏ ‏بإعطاء “الإخوان”‏ ‏الفرصة‏؟ ‏فهز‏ الأستاذ ‏رأسه‏ ‏إيجابا‏، ‏فأكملت‏: ‏‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏أخاف‏ ‏منه‏ تحديدا، لقد وصلنى رد الهضيبى هذا باعتبار ليس إلا تكتيكا منظما، لا يُلزمه بشىء حتى إذا ما ولى الحكم بتغير كل شىء، نحن لا نستطيع أن نحكم على هذه الجماعة من تصريحاتها، ولا يمكن تبين إلى أين سوف تذهب إلا ‏ ‏بعد‏ ‏اعتلاء‏ ‏الكرسى، ‏فأطرق‏ ‏وكأنه‏ ‏يقول‏:”‏ولو‏”.‏ لم أنقبض للاختلاف مثل سابق عهدى لهذه الـ:”ولو!”، ودعوت الله ألا يصدق ظنى من أجل خاطره، منعت نفسى هذه المرة من أعود لإعلان تحفظى على ما يسمى ديمقراطية تأتى بهؤلاء الأخطر على الديمقراطية نفسهأ، بصراحة، خجلت من نفسى ‏.‏

قـرّظ‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏المكان‏ ‏الخاص‏ ‏الذى ‏نجلس‏ ‏فيه‏ ‏بالفندق‏ ‏وأثنى ‏عليه‏ ‏لدرجة‏ ‏أنه‏ ‏قال‏ ‏يا‏ ‏ليتنا‏ ‏نستبدل‏ “‏بفرح‏ ‏بوت‏” “‏عوامة‏ ‏الثلاثاء‏” ‏هذا‏ ‏المكان‏ ‏الآمن‏، ‏فرحت‏ ‏بالتقريظ‏ ‏لكننى ‏تحفظت‏ ‏على ‏الاقتراح‏، فأنا أعرف علاقة توفيق صالح برواد “فرح بوت”، ‏وقلت‏ ‏للأستاذ‏ ‏نريد‏ ‏أن‏ ‏نصالح‏ ‏توفيق‏ ‏على “‏فرح‏ ‏بوت‏”، ‏يخيل‏ ‏إلىّ ‏أنه‏ ‏معمول‏ ‏له‏ ‏عمل‏ ‏بكره‏ ‏هذه‏ ‏العوامة‏ ‏ويومها‏، ، ‏فقال‏ ‏الأستاذ‏ ‏أعتقد‏ ‏أنه‏ ‏يتحرج‏ ‏من‏ “‏الوقفية‏” ‏التى ‏وقفها‏ ‏لنا‏ ‏إبراهيم‏ ‏كامل‏ – ‏لأننا‏ ‏لا‏ ‏ندفع‏ ‏مقابل طلباتنا برغم‏ ‏كل‏ ‏الإصرار‏ ‏والمحاولات‏، ‏قلت‏: ‏هذا سبب غير كاف، برغم حساسية توفيق من الأخذ، ‏ووافقنى ‏توفيق‏ ‏على ‏السببين ثم أضاف مازحا وهو يقدم سببا آخر لتفضيله هذا المكان الذى نحن فيه عن العوامة واصفا إياه أنه‏ ‏لا‏ ‏”يهتز”‏ (‏مثل‏ ‏العوامة‏)، ‏فالتقطها الأستاذ وضحك‏‏، ‏فقلت‏ ‏له‏ ‏أخشى ‏أن‏ ‏نذهب‏ ‏يوما‏ ‏فنجد‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏قد‏ ‏خرق العوامة ‏ ‏حتى ‏تغرق‏، ‏فضحك‏ ‏الأستاذ‏ ‏وعقب‏ ‏توفيق‏ ‏بما جعلنى أتذكر موقف سيدنا الخضر من السفينة التى خرقها، ولا أذكر إن كنت قد صرحت بما خطر لى  عن سيدنا الخضر، ربما لم أفعل خشية أن يجرنا الحديث إلى قتل الطفل الذى وجدت له تفسيرا أخيرا فى أنه الطفل الذى بداخلنا إذا انفصل عن سائر مستويات الوعى.

تذكرت فجأة النكتة التى قالها الأستاذ بعد عودته من “تسديد الرأى” نقلا عن “فكرى أباظه” فسألته ‏هل‏ ‏كان‏ ‏يعرفه‏ ‏شخصيا‏، ‏فقال‏: ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏يعرفه‏ ‏إلا‏ ‏قبيل‏ ‏وفاته‏، ‏لكنه‏ ‏كان‏ ‏يقرأ‏ ‏له‏، ‏ويحب‏ ‏كتابته‏، ‏وذكرنا‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏بحديث‏ ‏فكرى ‏أباظه‏ ‏الإذاعى ‏بالعامية‏، ‏ذلك‏ ‏الحديث‏ ‏الرائع‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يقوله‏ ‏أسبوعيا‏، ‏قلت‏ ‏للاستاذ‏ أنه‏ ‏ثمة‏ ‏ربطة‏ ‏عندى ‏بين‏ ‏فكرى ‏أباظة‏ ‏وسليمان‏ ‏نجيب‏ ‏لست‏ ‏أدرى ‏لماذا‏، ‏فاستغرب الأستاذ‏ ‏وقال‏: ‏إنه‏ ‏يعرف‏ ‏جانبا‏ ‏خاصا‏ ‏بهما‏، ‏يؤكد‏ – ‏رغم‏ ‏إحتمال‏ ‏الشبه‏ ‏الذى ‏أشير‏ ‏إليه‏ وأيضا برغم أن كليهما لم يتزوج – ‏أنهما‏ ‏مختلفان فى سبب موقف كل منهما فى ذلك‏، ‏وتطرق‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏مساحة ‏ ‏الحرية‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏متاحة فى تلك ‏ ‏الأيام‏، ‏حيث‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏العلاقات‏ ‏والتصرفات‏ ‏الشخصية‏ ‏تشين‏ ‏صاحبها‏ ‏ما‏ ‏دام‏ ‏ملتزما‏ ‏ومعلنا‏ ‏ومسئولا‏ ‏وشريفا‏، ‏وقارنـت‏ ‏بين‏ ‏هذا‏ ‏الوضع‏ ‏وبين‏ ‏ما‏ ‏أخشاه‏ ‏حين يلى الأمر من يضيّقون كل مساحات الحركة والحرية إلا تحت سقفهم وحسب وصايتهم، وأننى أخشى آنذاك أن ‏ينقسم‏ ‏المجتمع‏ ‏إلى ‏مجتمع‏ ‏ظاهر ‏يتبادل‏ ‏إصدار‏ ‏الأحكام‏ ‏الأخلاقية‏ ‏والدينية‏ ‏على ‏بعضه‏ ‏البعض‏، ‏ومجتمع‏ ‏آخر‏ ‏سرى ‏يمارس‏ ‏حريته‏ ‏وشطحاته‏ ‏بكل‏ ‏المضاعفات‏ ‏المحتملة‏، ‏مثل‏ ‏مجتمعات‏ ‏خليجية‏ ‏معروفة‏، ‏وهز‏ ‏الأستاذ‏ ‏رأسه‏ ‏كالموافق، ولم أعقّب.

عدت‏ ‏إلى ‏حديث‏ الأستاذ ‏العابر‏ ‏تلك‏ ‏الليله‏ ‏عن‏ ‏الأغانى ‏للأصفهانى، ‏وما‏ ‏ذكره عن احتمال اضطرار الأصفهانى لتلك العنعنة التى لا يتحملها القارئ المعاصر، قلت‏ ‏له‏ ‏إنه‏ ‏بالرغم‏ ‏من‏ ‏موافقتى ‏الشديدة‏ ‏على ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏متطلبات‏ ‏الحضارة‏ ‏الشفاهية‏، ‏إلا‏ ‏أننى ‏أشك‏ ‏تماما‏ ‏فى ‏مصداقية هذا المنهج ‏كمصدر‏ ‏للتاريخ‏ (مع أنها ربما تكون ‏ليست‏ ‏أقل‏ ‏مصداقية‏ ‏من‏ ‏وثائق‏ “‏هيكل‏” ‏على ‏كل‏ ‏حال‏!!)، ‏هز‏ ‏الأستاذ‏ ‏رأسه‏، ‏وكان‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نقارن‏ ‏فى ‏ذلك منهج‏ ‏علوم الحديث الشريف، وخاصة علم الجرح والتعديل، فعقب الأستاذ أن ‏المسألة‏ ‏شديدة‏ ‏الصعوبة‏، ‏وأن‏ ‏بعض‏ ‏علماء‏ ‏الحديث‏ ‏قالوا‏ – ‏والعهدة‏ ‏عليهم‏ – ‏إنهم‏ ‏لو‏ ‏طبقوا‏ ‏قواعد‏ ‏المصداقية‏ ‏فى ‏علم‏ ‏الحديث‏ ‏تطبيقا‏ ‏صارما‏ ‏مطلقا‏ ‏لما ‏صح‏ – ‏بهذا‏ ‏التطبيق‏ – ‏سوى ‏أربعة‏ ‏عشر‏ ‏حديثا‏، ‏ياه‏ !!، ‏فقلت‏ ‏لو‏ ‏أخذ‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏هذه‏ ‏الرخصة‏ ‏لا‏‏نتقى ‏كل‏ ‏مسلم‏ أربعة عشر حديثا خاصا‏ ‏به‏ ‏يمشى ‏بها‏ ‏حاله‏.‏

بعد‏ ‏أن‏ ‏شرب‏ ‏الاستاذ‏ ‏السيجارة‏ ‏الثانية‏ ‏مع‏ بضع شفطات من كوب ‏الليمون‏ ‏الساخن‏، ‏فرغت‏ ‏علبة‏ ‏سجائره‏، ‏فطواها‏ ‏وركنها‏، ‏فسألته‏ ‏هل‏ ‏هذه‏ ‏العلبة‏ ‏هى ‏نفس‏ ‏العلبة‏ ‏منذ‏ ‏الحادث‏، ‏فقال‏ ‏أنهم‏ ‏سلموه‏ ‏العلبة‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏معه‏ ‏عند‏ ‏الحادث‏ ‏مع‏ ‏سائر‏ ‏الأشياء‏ ‏التى ‏أخذوها‏ ‏منه‏، ‏لكنه‏ ‏ليس‏ ‏يدرى ‏لماذا‏ ‏لم‏ ‏يطق‏ ‏أن‏ ‏يستعيدها‏ ‏وتخلص‏ ‏منها‏ ‏دون‏ ‏أسف‏، ‏ثم‏ ‏أخرج‏ ‏علبة‏ ‏جديدة‏ ‏قبل‏ ‏انصرافنا‏، ‏وطلب‏ ‏من‏ ‏زكى ‏سالم‏ ‏أن‏ ‏يفتح‏ ‏غلافها‏ ‏الشفاف‏، ‏ففزعت‏ ‏خشية‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏قد‏ ‏احتاج‏ ‏لسيجارة‏ ‏ثالثة‏، ‏وقد‏ ‏اتفقنا‏ ‏على ‏سيجارتين‏ ‏فى ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏خروج‏، ‏وأنا‏ ‏أعرف‏ ‏مدى ‏إلتزامه‏، ‏فسألته‏ ‏لماذا‏ ‏نفتحها‏ ‏الآن‏؟ ‏فقال‏ ‏ألم‏ ‏تعدنى ‏أن‏ ‏نخرج‏ ‏غدا؟‏ (‏كنا ‏ ‏نخرج‏ ‏يوميا‏ ‏ ‏ ‏عدا‏ ‏السبت‏ ‏والأحد‏، ثم اتفقنا أن نجعل عدم الخروج قاصرا على يوم واحد)، ‏فأجبت‏ ‏بالإيجاب‏، ‏فقال:‏ “‏إننى ‏أستعد‏ ‏لسيجارة‏ ‏الغد”‏، ‏ووصلنى‏ ‏هذا‏ ‏الخيال‏ ‏الطفلى ‏الجميل‏ ‏الذى ‏يعيش‏ ‏المتعة‏ ‏قبل‏ ‏حدوثها‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يعيشها‏ ‏من‏ ‏تحقيقها‏، ‏وذكرته‏ ‏ببيت‏ ‏الحسن‏ ‏بن‏ ‏هانيء (ابى نواس) القائل ‏. ‏

أسكر‏ ‏بالأمس‏ ‏إن‏ ‏عزمت‏ ‏على ‏الشرب‏ ‏غدا‏، ‏إن‏ّّ ‏ذا‏ ‏من‏ ‏المعجب

….

أستأذنت، وبارك انصرافى كما اعتدت حرصاً على مصالح كل من يصحبه، وتوجهت إلى عيادتى فقد أزف موعدها‏، ‏وبدأت‏ ‏أشعر‏ ‏أننى ‏سأحرم‏ ‏من‏ ‏صحبة‏ هذه ‏الجماعة‏ ‏بداية‏ ‏من‏ ‏اليوم‏، ‏وأسفت‏ ‏رغم‏ ‏شعورى ‏بعودتى تدريجيا إلى ممارسة حياتى ‏العادية جنبا إلى جنب مع استمرار صحبته، كان توفيق صالح هو أول من انتبه إلى ما طرأ على جدول حياتى ‏حين‏ ‏سألنى مباشرة‏ ‏”هل‏ ‏أغلقت‏ ‏عيادتك‏ يا دكتور؟ وكنت قد أجبته : “‏تقريبا‏”، ‏قال‏ ‏كيف؟‏ ‏قلت‏ ‏لا‏ ‏تخشى ‏شيئا‏ ‏مستورة‏ ‏والحمد‏ ‏لله‏، ‏قال‏ ‏ليست‏ ‏المسألة‏ ‏مسألة‏ ‏مستورة‏، ‏لكن‏ ‏الناس‏ ‏الذين‏ ‏يأتون‏ ‏لك‏ ‏يحتاجونك، وكان بذلك يبلغنى ما تناقش فيه هو والأستاذ بشأن وقتى وعيادتى،

‏ ‏فانتبهت‏ ‏،

ووصلنى الحب والسماح.

انحنيت على يده أقبلها وأنا أودعه وقد ركب سيارة محمد إبنى وقلت: ‏تصبح‏ ‏على ‏خير‏،

‏قبّـل‏ ‏رأسى ‏وهو يسحب يده بسرعة، وربت‏ ‏عليها قائلا:” وانت من أهل الخير”.

يا ليت!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *