الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى: ملف الاضطرابات الجامعة (19) ‏الواحدية‏ ‏والذات‏ ‏والجسد‏….عن قوة الأنا ووظائفها [1]

الأساس فى الطب النفسى: ملف الاضطرابات الجامعة (19) ‏الواحدية‏ ‏والذات‏ ‏والجسد‏….عن قوة الأنا ووظائفها [1]

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت 2-1-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3046

   الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (19)

الواحدية‏ ‏والذات‏ ‏والجسد‏

….عن قوة الأنا ووظائفها(1) 

مقدمة:

لم أجد للفظ Ego  بالإنجليزية  ترجمة مناسبة بالعربية، ذلك أننى بصراحة  لم أرتح أبدا لترجمته إلى لفظ “الأنا” ، حيث لم أجد له ما يدعمه  فى كل ما مر بى من تراث العربية القادرة الجميلة، ومع ذلك فليس عندى بديل حتى الآن.

بمراجعة المفهوم أو المضمون الذى يقدمه هذا اللفظ بالإنجليزية عامة وفى العلوم النفسية خاصة، لم أجد اتفاقا جامعا مانعا على تحديد ماهيته برغم وفرة استعمالاته،  لذلك سوف أجعل نشرة اليوم مجرد إشارة محدودة  إلى هذه القضية من حيث بعض استعمالاته، ومدى الاختلاف حولها، ويمكن مراجعة التفاصيل  فى مقال نشر بمجلة الإنسان والتطور (الأم) فى أكتوبر 1986 بعنوان “علم نفس الأنا” للأستاذ الدكتور رفعت محفوظ (2) وقد استعرض فيه نشاة مفهوم الأنا ثم مراحل تطور “علم نفس الأنا”، منذ ما قبل فرويد وحتى ما لحق بالمفهوم الفرويدى من نقد وما تجاوزه من تنظير وتطبيق، وإليكم لمحة عابرة حول بعض هذه الحيرة:

غلب  على مفهوم ما هو “إجو” فى البداية أنه كيان ضعيف سلبى تحت رحمة قوى تحتية (الهو) وفوقية (الأنا الأعلى) ثم الواقع الخارجى، لكن أضيفت له بعد ذلك مفاهيم أكثر إيجابية باعتبار أنه قوة فعالة ومنظمة ومسئولة عن التكامل والتحكم فى السلوك لها دور أساسى  فى التكيف والفعل وتحديد معالم الشخصية كما تبدو لنا ونتعامل معها، وقد زاد هذا الاختلاف من الحيرة فى التوصيف والتعريف ، وخاصة بعد أن تناول النقد الأوجه المتناقضة لهذا المسمى الأنا، مثلا: الأنا هو الذى يقوم بالعمليات الدفاعية (الميكانزمات) التى تضبط التوازن بين طاقة وحركية ما تحته (الهو) وما فوقه (الأنا الأعلى)، وبين متطلبات ولزوم ما يتعامل معه من واقع خارجى متضمنا العلاقة بالآخر، وفى نفس الوقت هو المختص بالعمليات الثانوية الشعورية  الأحكم والأرقى مثل التفكير المنطقى والذاكرة والتجريد والاستنتاج، فكيف يكون عمله الدفاعى الأساسى لا شعوريا (الميكانزمات) فى حين أن كل وظائفه الظاهرية شعورية متماسكة محكمة ؟ 

وبرغم كل ذلك وغيره، فليس أمامنا إلا أن نستعمل المصطلحين الواردين فى العنوان عن “قوة الأنا” و”وظائف الأنا”، ثم قد نعود للربط بين ذلك وبين النظرية التطورية الإيقاعية(3)

أولا: قوة الأنا 

يستعمل‏ ‏تعبير‏ “‏قوة‏ ‏الأنا‏” ‏بدرجة أقل ‏ ‏فى ‏الممارسة‏ ‏الإكلينيكية‏ ‏العادية، أقل‏ ‏من‏ ‏استعمال‏ ‏تعبير‏ ‏”وظائف‏ ‏الذات”‏،  ‏وعادة‏ ‏ما‏ ‏يستعمل‏ ‏لفظ‏ ‏قوة الشخصية‏ ‏فى ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏لفظ‏ ‏قوة الأنا‏، وقد سبق أن أشرنا الأسبوع الماضى إلى كيف أن الافتخار بما يسمى “الشخصية القوية” صار فى تراجع مستمر، مقابل اضطراد الفخر بمرونة الشخصية وقدرتها على التغير والحركة والإبداع، حتى استعملنا التعبير الذى نحتناه نحتا وهو “الشخصية فى “الْيَتَكَوّن دائما” مقابل تعبير The personality always in the making.

دعونا نحدد ما نعنيه بهذا المصطلح “قوة الأنا” من منطلق إكلينيكى عملى، من حيث  أنه يشير إلى  ‏”درجة‏ ‏المقاومة‏ ‏التى ‏يتمتع‏ ‏بها‏ ‏شخص‏ ‏ما‏ ‏ضد‏ ‏الكسر أو الضعف ‏النفسى، وهذا قد  يكون مرادفا لدرجة المناعة التى لديه ضد المرض النفسى، وأيضا درجة الصلابة فى مواجهة ضغوط الحياة العادية وأكثر، الأمر الذى يمكن ربطه بما‏ ‏تمتع ‏ ‏به‏ ‏الفرد‏ ‏من‏ ‏رعاية‏ ‏دالة‏ ‏وكافية‏ ‏أثناء‏ ‏نموه‏، ‏وأيضا  بمدى‏ ‏الإنجاز‏ ‏الفعلى الذى يمارسه فى حياته اليومية، وكذلك بقدر “المعنى” الذى ‏يصله من عمله وليس مجرد إنجازه أوعائده، وأيضا بقدر اتساع دائرة معاملاته وعلاقاته مع مختلف الأشخاص فى مختلف الظروف.

وكما نرى فإن هذه الصفات الحميدة الآمِلة المُرسَلَة تحتاج إلى قياسات محكمة لتحديدها وتقنينها وضبطها إذا كان المطلوب هو الإستفادة منها إكلينيكيا، وقد جرت بحوث كثيرة باستعمال مقاييس مختلفة أعِدَّت لذلك، لكن بالنسبة للممارسة الإكلينيكة فإن المريض عادة لا يحتاج إلى هذه المقاييس ولا إلى هذا التقييم، كما أن الهدف من العلاج ليس هو أن نقوى شخصية المريض “جدا” حتى يتمتع بقوة “أنا” غير مسبوقة، الأمر الذى يقترب من المفهوم الذى  شاع مؤخرا تحت عنوان “نوعية الحياة”(4)

الأهم فى الممارسة الإكلينيكية هو تقييم وظائف الذات إكلينكيا وقياسيا، لأن هذه قدرات وسمات محددة مرتبطة بالهدف من العلاج وبمنع النكسة، وأيضا يمكن أن نقيس من خلال تحسنها مدى الاستجابة للعلاج كما يمكن ترتيب أولوياتها فى كل حالة حسب مدى اضطرابها، وأيضا مدى حاجة كل مريض لتصحيح ما آلت إليه هذه الوظيفة أو تلك  أولا.

أما وظائف الأنا فلها دور عملى إكلينكيى تطبيقى أكثر وضوحا  وأقرب فائدة:

ثانيا: وظائف الأنا

يبدو أنه ما دام لا يوجد سبيل واضح محدد لتعريف “الأنا” فإن الاتفاق على تحديد وظائفه قد يكون الوسيلة الأقرب للاقتراب منه وفهم ما نعنيه به، علما  بأنه لا  توجد إجابة محددة حتى الآن عن عدد هذه الوظائف، لكن  وضع الباحثون والممارسون قوائم كثيرة لتقييم هذه الوظائف وهى متاحة وعملية، ومع كثرتها وتعددها فإنها يمكن أن تعد تطويرا وتفصيلا لما أسماه هارتمان(5) “الثالوث القوى”؛  والذى يتضمن ثلاثة وظائف أساسية هى التكيف – التحكم – التكامل،وهذا علما بأن كثيرا من وظائف الذات – كما سيرد ذكره – يشمل معالم ما يسمى “قوة الأنا”.

 وفيما‏ يلى ‏بعض‏ أسماء ‏وظائف‏ ‏الأنا‏ ‏التى انتقاها  بلاك وزملاءه (Bellak et al. (1973 (6)وهى اثنتا  عشره نعددها اليوم لنعود إليها غدا لنتعرف على موقعها فى ثقافتنا الخاصة و فى الممارسة الإكلينيكية

1-     اختبار الواقع Reality Testing 

2-     الحكم على الأمور Judgment

3-     الاحساس بواقعية العالم وواقعية الذات Sense of Reality of the World and of the Self

4-     التنظيم والتحكم فى الدوافع والمشاعر والاندفاعات Regulation and Control of Drives, Affects and Impulses.

5-     العلاقة بالموضوع (الآخر) Object Relations

6-     عمليات التفكير Thought Processes

7-     الوظيفة الدفاعية Defensive Function

8-     حجز وتنظيم المثيرات  Stimulus Barrier

9- الوظائف الأوتونومية (التلقائية الاستقلالية) Autonomous Functioning

10- السيطرة والكفاءة Mastery – Competence

11- التكامل وعمل الولاف    Synthetic – Integrative Functioning  

12– النكوص التكيفى فى خدمة الأنا Adaptive Regression in the service of the Ego

…….

وغدا نفصل بعض معالم  هذه الوظائف فى ثقافتنا خاصة:  فى الصحة والمرض

 

[1] – Ego Strength and Ego Functions

[2] – رفعت محفوظ: “علم نفس الأنا” مجلة الإنسان والتطور عدد أكتوبر 1986، علما بأن معظم ما جاء فى نشرة اليوم مستمد من هذا المقال أساسا.

[3] – التى أشار إليها كاتب المقال الأصلى د. رفعت محفوظ فى آخر هامش فى مقاله، دون المتن وعنده حق، فهى لم تكتب متكاملة بعد، ولم تنشر أصلا

[4] –  Quality of Life   (لاحظ: يقترب من، وليس مرادفا لـه ولا مكافئا له)

[5]- Hartmann, H. (1936) Ego psychology and the problem of adaptation. New York: International Universities, 1975.  (رفعت محفوظ نفس الهامش رقم 1)

[6]-  Bellak, L., Hurvich, M. and Gediman, H. (1973) Ego Functions in Schizophrenics, Neurotics, and Normals. New York London: John Wiley & Sons.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *