الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (36) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (36) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 26-8-2021                                  

السنة الرابعة عشر                 

العدد: 5108

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (36)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏36- ‏المتسول‏ ‏

إنه‏ ‏يسبح‏ ‏فى ‏بحر‏ ‏الماضى ‏فتغمره‏ ‏موجة‏ ‏مخضبة‏ ‏بلون‏ ‏قاتم‏ ‏وصداها‏ ‏ينداح‏ ‏فى ‏نغمة‏ ‏حزينة‏ ‏لا‏ ‏تتلاشى

عندما‏ ‏يكون‏ ‏المرء‏ ‏فى ‏العشرين‏ ‏و‏ ‏جارته‏ ‏فوق‏ ‏الخمسين‏ ‏وقد‏ ‏وهبته‏ ‏من‏ ‏الذكريات‏ ‏الحنان‏ ‏والأمومة‏، ‏وفى ‏خلوة‏ ‏بريئة‏ ‏تهل‏ ‏خواطر‏ ‏من‏ ‏عالم‏ ‏الرغبات‏ ‏المتوهجة‏ ‏وتند‏ ‏عن‏ ‏لمعة‏ ‏العين‏ ‏حرارة‏ ‏النداء‏ ‏يشكمه‏ ‏الحياء‏ ‏قليلا‏، ‏وشئ ‏كالخوف‏ ‏يرافقه‏ ‏بعد‏ ‏الندم‏، ‏ويتسول‏ ‏النسيان‏.‏

أصداء الأصداء

إطلالة‏ ‏جنسية‏ ‏دالة‏ ‏تقفز‏ فوق ‏الحواجز‏، ‏وتظهر‏ ‏فى ‏الذاكرة‏ ‏آمنة‏ ‏لاستحالة‏ ‏تحقيقها‏ ‏بعد‏ ‏فوات‏ ‏الفرصة‏، ‏شاب‏ ‏فى ‏العشرين‏ ‏وجارة‏ ‏رحبة‏ ‏فى ‏الخمسين‏، ‏أم‏ ‏حانية‏، ‏ليكن‏، ‏لكن‏ ‏الرغبة‏ ‏المتوهجة‏ ‏التى ‏قفزت‏، ‏والنداء‏ ‏الحار‏ ‏الذى ‏أطل‏ ‏من‏ ‏العينين‏ – ‏ما‏ ‏وصلنى ‏أنه‏ ‏أطل‏ ‏أولا‏ ‏من‏ ‏عينـى ‏المرأة‏ /‏الأم‏- ‏هو‏ ‏إحساس‏ ‏بشرى ‏أيضا‏، ‏وطبيعة‏ ‏حارة‏، ‏لا‏ ‏يضبطها‏ ‏إلا‏ ‏الحياء‏ ‏والخوف‏، ‏وعلى ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏الضبط‏، ‏والالتزام‏، ‏وأن‏ ‏ذلك‏ ‏كان‏ ‏فى ‏الماضى، ‏وأنه‏ ‏كان‏ ‏إيجابيا‏ ‏بدليل‏ ‏هذا‏ ‏العرفان‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏رائحة‏ ‏الندم‏ ‏تهل‏، ‏وكأنه‏ ‏عملها‏.‏

وعلى ‏الرغم‏ ‏مما‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الصورة‏ ‏من‏ ‏ملامح‏ ‏أوديبية‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏عناصر‏ ‏التفسير‏ ‏الأوديبى ‏غير‏ ‏كافية‏ ‏هنا‏، ‏فلا‏ ‏أب‏، ‏ولا‏ ‏تنافس‏، ‏ولا‏ ‏أمومة‏ ‏مباشرة‏ ‏تمنع‏ ‏إطلاق‏ ‏الحيوية‏ ‏بلا‏ ‏تحفظ‏، ‏وقد‏ ‏قدمت‏ ‏فى ‏موقع‏ ‏آخر‏ ‏تفسيرا‏ ‏للموقف‏ ‏الأوديبى(2) ‏يجعل‏ ‏الرغبة‏ ‏والدعوة‏ ‏والنداء‏ ‏تبدأ‏ ‏من‏ ‏الأم‏ ‏لاستعادة‏ ‏طفلها‏ ‏الذكر‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏تستطع‏ ‏أن‏ ‏تلده‏ ‏نفسيا‏ ‏حتى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أصبح‏ ‏رجلا‏، ‏وتكون‏ ‏خطوة‏ ‏الإبن‏ ‏نحو‏ ‏أمه‏ ‏هى ‏استجابة‏ ‏لهذا‏ ‏النداء‏، ‏وليست‏ ‏رغبة‏ ‏جنسية‏ ‏بادئة‏ ‏تنافـسا‏ ‏مع‏ ‏الأب‏.‏

ثم‏ ‏لاحظ‏ ‏أن‏ ‏الحلوة‏ ‏ذات‏ ‏الخمسين‏ ‏عاما‏ – ‏كانت‏ “‏بريئة‏” ‏ولأن‏ ‏حضور‏ ‏هذه‏ ‏الذكرى “‏الآن‏” ‏هكذا‏ ‏كان‏ ‏كاملا‏ ‏وكأنه‏ ‏وقع‏ ‏من‏ ‏جديد‏، ‏وكأن‏ ‏الاحتمال‏ ‏الذى ‏يمتد‏ ‏بالخيال‏ ‏قد‏ ‏تحقق‏، ‏فهو‏ ‏يحاول‏ ‏النسيان‏، ‏وهيهات‏.‏

‏ ‏ولا‏ ‏أتبين‏ ‏لماذا‏ ‏يتسول‏ ‏النسيان‏، ‏لماذا‏ ‏استعمل‏ ‏كلمة‏ ‏تسول‏ ‏هنا‏،‏؟‏ ‏ربما‏ ‏ليؤكد‏ ‏أن‏ ‏النسيان‏ ‏هو‏ ‏السيد‏ ‏القادر‏ ‏على ‏التصدق‏ ‏بمنح‏ ‏الغفلة‏ ‏والإنكار‏ ‏لمثل‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يكن‏، ‏واللافت‏ ‏هنا‏، ‏وهو‏ ‏صحيح‏، ‏هو‏ ‏أن‏ ‏حضور‏ “‏ما‏ ‏لم‏ ‏يكن‏” ‏فى ‏الذاكرة‏، ‏هو‏ ‏أقوى ‏وأبقى ‏من‏ ‏حضور‏ ‏ما‏ ‏كان‏، ‏وبالتالى ‏فنسيانه‏ ‏أصعب‏، ‏إذ‏ ‏هو‏ ‏دائم‏ ‏التخلق‏ ‏من‏ ‏جديد‏.‏

[1] – يحيى الرخاوى “أصداء الأصداء” تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (الطبعة الأولى 2006 – المجلس الأعلى للثقافة)، و(الطبعة الثانية  2018  – منشورات جمعية الطب النفسى التطورى) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net

[2] – يحيى الرخاوى “إعادة تفسير الموقف الاوديبى”: الندوة العلمية، جميعة الطب النفسى التطورى ندوة يوليو 1997

admin-ajax (1)

admin-ajax

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *