الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (3)

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 26-2-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:   4561

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)

 الفصل‏ ‏الثانى: تقديم وتعريف، واعتبارات أساسية (3)

توقفنا الأسبوع الماضى حول:

 المعلم: إن‏ ‏علم‏ ‏التشريح‏ ‏المقارن‏ ‏وعلم‏ ‏الأجنة‏ Embryology ‏المقارن‏ ‏هما‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏العلوم‏ ‏التطورية‏، ‏وهما‏ ‏يؤكدان‏ ‏نظرية‏ ‏التطور‏ ‏التى ‏هى ‏أساسية‏ ‏فى ‏فهم‏ ‏الترتيب‏ ‏الهرمى ‏للمخ‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏للوظائف‏ ‏والمستويات‏ ‏النفسية‏، لكن تؤجل تفصيل ذلك الآن، ثم ‏دعنا‏ ‏نؤكد‏ ‏ثانية‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏منطقة‏ ‏بذاتها‏ ‏أمكن‏ ‏تحديدها‏ ‏تماما‏ ‏لوظيفة‏ ‏بذاتها‏ ‏من‏ ‏الوظائف‏ ‏النفسية‏.‏

الطالب‏: ‏وهل‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏مفهوم‏ المخ والوظائف النفسية ‏عبر‏ ‏التاريخ‏ ‏؟

المعلم‏: ‏لقد‏ ‏مَرَّ‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بمراحل‏ ‏متعددة‏ ‏يستحسن‏ – ‏وأنت‏ ‏الذكى – ‏أن‏ ‏تلم‏ ‏بها‏ ‏بسرعة‏ ‏وإيجاز‏: ‏

‏(1) ‏إن‏ ‏مناقشة‏ ‏وظائف‏ ‏النفس‏ ‏وماهية‏ ‏النفس‏ ‏كانت‏ ‏موجودة‏ ‏منذ‏ ‏أفلاطون‏ ‏وأرسطو‏ ‏وقبلهما‏ .‏

‏(‏ب‏) ‏كان‏ ‏أول‏ ‏من‏ ‏استعمل‏ ‏كلمة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بالمعنى ‏السائد‏ ‏اليوم‏ ‏هو‏ ‏العالم‏ ‏وولف‏ ‏فى ‏كتابة‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏العقلى Rational psychology ‏سنة‏ 1734. ‏

‏(‏جـ‏) ‏كانت‏ ‏الفلسفة‏ ‏هى ‏الممر‏ ‏الطبيعى ‏لعلم‏ ‏النفس‏، ‏لكن علم النفس مؤخراً قد‏ ‏بالغ‏ ‏فى ‏الانفصال‏ ‏عنها‏ ‏محاولا‏ ‏التشبه‏ ‏بالعلوم‏ ‏الجزئية‏ ‏المحددة‏، ‏وحتى‏ ‏الآن‏ ‏لم‏ ‏ينجح‏ ‏تماما‏ (ولعل هذا أفضل!). ‏

‏(‏د‏) ‏مر‏ ‏تطور‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏بمصائب‏ ‏معوِّقة‏، ‏منها‏ – ‏كمثال‏ – ‏معرفة‏ ‏سمات الشخص بقياسات خارجية للجمجمة وسمى هذا‏ ‏العلم‏ ‏الفرينولوجيا‏Phrenology   (‏وقد‏ ‏ظهر‏ ‏قبيل‏ ‏أول‏ ‏القرن‏ ‏الثامن‏ ‏عشر‏)، ‏وثبت‏ ‏فشله‏ ‏فكانت‏ ‏فضيحة مع أن الحديث عن هذا العلم‏ ‏استمر‏ ‏عشرات‏ ‏السنين‏ ‏مما‏ ‏ينبهنا‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏التخلى ‏عن‏ ‏الحماس‏ ‏الأعمى ‏للحلول‏ ‏السهلة‏ ‏المتعلقة‏ ‏بتطور‏ ‏هذا‏ ‏العلم‏ .‏

‏(‏هـ‏) ‏فى ‏القرن‏ ‏العشرين‏ ‏ومنذ‏ ‏قبيل‏ ‏بدايته‏ ‏وحتى ‏الآن‏ ‏مرت‏ ‏على ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏موجات‏ ‏متتالية‏ ‏جعلت‏ ‏بندوله‏ ‏يتراقص‏ ‏بعنف‏ ‏من‏ ‏أقصى ‏اتجاه‏ ‏إلى ‏أقصى ‏عكسه‏ ‏حتى ‏سميت‏ ‏هذه‏ ‏النقلات‏ ‏بالحركات‏ ‏الأربع‏ ‏لمسيرته‏.

الطالب: وما هى هذه الحركات الأربع

المعلم: خذ عندك يا سيدى: ‏

(i)‏الحركة‏ ‏الأولى: ‏وهى ‏التى ‏غلبت‏ ‏فيها‏ ‏مفاهيم‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏العقد‏ ‏النفسية‏ ‏واللاشعور‏ ‏والجنس‏ ‏المكبوت‏ (‏الأمر‏ ‏الذى ‏مازال‏ ‏شائعا‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏كمرادف‏ ‏لعلم‏ ‏النفس‏ ‏عند‏ ‏الرجل‏ ‏العادى).‏

(ii)الحركة‏ ‏الثانية‏: ‏وهى ‏التى ‏غلبت‏ ‏فيها‏ ‏مفاهيم‏ ‏عكسية‏، ‏وهى ‏الحركة‏ ‏السلوكية‏ ‏التى ‏تهتم‏ ‏أساسا‏ ‏بظاهر‏ ‏السلوك‏ ‏وكيفية‏ ‏تعديله‏ ‏بالتعليم‏ ‏المنظم‏، ‏وتكاد‏ ‏تنكر‏ ‏ما‏ ‏وراءه‏ ‏وما‏ ‏يدفعه‏.

(iii) الحركة الثالثة: وهى الحركة المسماة بعلم النفس الإنسانى وهى التى اتجهت إلى أن:

* تؤكد أن الإنسان كيان كلى له أعماق وآفاق وليس مجرد سلوك ظاهرى كما يقول السلوكيون.

* كما تؤكد أن الإنسان كيان شعورى له اختيار وإرادة، وليس مجرد كائن مُسَيّر باللاشعور لا نملك إزاءه إلا البحث عن أسباب تسييره، كما يشاع عن التحليل النفسى.

* واخيرا فهى تؤكد على طبيعة الإنسان المتجهة إلى الفضيلة والتكامل تلقائيا، وليس كمجرد تعويض أو إخفاء لطبيعته الحيوانية الأدنى.

(iv) الحركة الرابعة: وهى التى تؤكد أن الإنسان كائن ممتد فيما بعد ذاته لذلك سميت علم النفس البعذاتى Transpersonal (أو عبر الشخصية)، أى أن الإنسان لا يهدف إلى تحقيق ذاته فحسب، ولا يكتفى بتكامل شخصه فقط، ولكنه يحصل على التوازن بتخطيه نفسه إلى الآخرين وباهتماماته بما هو أبقى، وهى حركة موازية للبعد الإيمانى الخلودى فى الأديان كما هو ظاهر.

الطالب: إذن فعلم النفس ليس هو التحليل النفسى كما يشاع عند الأغلبية، فما هو التحليل النفسى تحديدا؟

المعلم: هو اتجاه خطير بخيره وقصوره، وقد نشأ حول بداية هذا القرن، وذهب يفسر سلوك الإنسان بدوافع عميقة بعيدا عن متناول شعوره، تنبع أساساً من غرائزه الجنسية (ليست تناسلية بالضرورة)، وقد حاول تفسير كل شئ بناء على هذا الفرض، وبالغ بعض الأحيان فى هذا الاتجاه (مثل حديثه عن الجنسية الطفلية، وبالذات ميول الطفل “الذكر” الجنسية لأمه.. وبالعكس)، بل وفسر كل فضائل الإنسان باعتبارها نتيجة لمحاولة إخفاء (كبت) هذه النزعات الجنسية البدائية، (أو) إعلاءها، وقد كان له وجاهته العلمية وقت ظهوره، إلا أن استقبال الناس له بالترحيب كان مبالغاً فيه، وتفسير ذلك أنه اعتبر نوعا من الثورة على قيم القمع والقهر، التى كانت سائدة فى العصر الفكتورى فى أوربا آنذاك، لكن الثورة امتدت أبعد من هذا الطغيان حتى غمر التحليل النفسى أغلب الشائع عن علم النفس دون وجه حق، ولقى قبولا متسعا عند العامة خاصة.

خلاصة القول أن على الطالب الذكى أن يفصل بين علم النفس والتحليل النفسى، كما أن عليه أن يفصل بين انتشار فكرة ما وبين صحتها، كما أن عليه أخيرا ألا يرفض نفس الفكرة، مهما قيل حولها، رفضا كاملا، بل ينتفع من إيجابياتها ويبعد مبالغاتها، لأن عبقرية سيجموند فرويد مبتدعها لا جدال فيها.

الطالب: وما علاقة علم النفس بالطب بعد كل هذا؟

المعلم: إن هذه العلاقة – ومن خلال ما تقدم وما سيأتى – هى علاقة شديدة الوضوح، وتكاد تبدو حتمية.

1- لأنه – أساسا- علم وظائف المخ فى مجموعها الكلى الأرقى.. ولا يمكن تأهيل طبيب تأهيلا متكاملا دون إلمامه بوظائف المخ (الأمخاخ)، أهم وأرقى عضو فى الإنسان.

2- وهو علم عملى (فنـّى معاً) سوف يكون عاملا مساعدا فى أن يحذق الطبيب حرفته ويحسن التعامل مع مرضاه.

3- ثم إن معرفة وظائف النفس فى الأحوال العادية هى أساس تحديد اضطراباتها فى حالات المرض النفسى.

الطالب: هل تشرح لى كيف أن علم النفس هو أساس فهم علم الأمراض النفسية.

المعلم: بنفس القدر الذى يلزم فيه لأخصائى القلب معرفة فسيولوجية عمل القلب، وأخصائى الصدر بمعرفة تشريح الرئتين وفسيولوجية التنفس، كذلك فإن فهم علم النفس كمظهر معقد من نشاط المخ ككل هى أساس لمعرفة اضطراب المخ ككل، وهكذا ترى أنه نفس القياس ونفس الأساس فى سائر التخصصات.

الطالب: وما هى الفائدة العملية التى يمكن أن أجنيها أنا الآن – وفيما بعد حين أصير طبيبا – من دراسة هذا العلم؟

المعلم: فى اعتقادى أنك لو أخذت هذا العلم بحجمه المتواضع لسهل عليك أمورا كثيرة فى حياتك الشخصية ابتداء من موقفك من الحياة حتى طريقة استذكارك، ولأعدك إعدادا طيبا لمزيد من فهم نفسك، ومن فهم مرضاك، ومن عونهم فيما بعد، ودور علم النفس الإيجابى لكل التخصصات هو دور محورى.

الطالب: لكل التخصصات؟ كلها؟ كلها؟

المعلم: كلها، كلها.

الطالب: لا أكاد أصدق

المعلم: اصبر علىّ وسوف أعدد لك بعض ذلك

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، (من ص 73- إلى 77)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *