الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (15) (عن التركيز والذاكرة ….) ….وبدون ذاكرة!!!

الأساس فى الطب النفسى الافتراضات الأساسية: الفصل السادس: ملف اضطرابات الوعى (15) (عن التركيز والذاكرة ….) ….وبدون ذاكرة!!!

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 21-6-2015

السنة الثامنة

العدد: 2851 

الأساس فى الطب النفسى 

الافتراضات الأساسيةالفصل السادس:

ملف اضطرابات الوعى (15)

  (عن التركيز والذاكرة ….)

….وبدون ذاكرة!!!

أنهينا نشرة الإثنين الأسبوع الماضى بشرح مغزى التوصية(1) العجيبة التى اقدمها أحيانا  للطالب الذى يشكو من صعوبة التركيز أن:

يذاكر يوميا كذا ساعة

بدون تركيز

وبدون فهم

وبدون قرار

وبدون رغبة

 ………….إلى أن قلت:

وحين كانت الشكوى تتضاعف بان يشكو الطالب من أنه حتى لو ذاكر، هكذا أو غير هكذا، فإنه لا يتذكر ما ذاكره اصلا، فينتقل الحوار عبر العلاقة العلاجية المتنامية إلى مغامرة أخرى تكشف عن “علاقة التركيز بالذاكرة”

ثم إنى وعدت أن أعود لمزيد من الإيضاح الضرورى حول هذه النقطة، وهأنذا أفعلا:

ذكرت الأسبوع الماضى كيف أُقَاَبَلُ بالرفض، بعد الاستغراب، من الأهل أكثر من الطالب الذى يشكو من عَرَض عدم التركيز، لكن بمجرد أن يتطور الأمر إلى التوصية أن تكون المذاكرة بدون ذاكرة أيضا، حتى ينضم الطالب لرأى أهله واعتراضاتهم بسرعة مفهومة، فأواجه بالرفض والعجب من كل من الأهل والطالب(ة) بحدّة أقوى، وكثيرا ما يحتج الطالب نفسه  بأنه:

“ما فائدة الاستذكار إذن إذا كنت لا أتذكر ما أستذكره ما دام بغير فهم وبغير تركيز؟ وما الذى سوف أعمله فى الامتحان؟”

وبصراحة أجد أن عنده حق من حيث المبدأ

لكننى أتمادى فى احترام فروضى، وإكمال التجريب معه حسب تنامى علاقتنا، وبقدر درجة ثقته بما أطرحه،  ومسئوليتى عنه، أتمادى فأقول له:

ما دمتَ قد وافقتنى، ولو من حيث المبدأ، أن المخ يعيد بناء نفسه باستمرار، وأنه ينبض كما خلقه الله لما خلقه الله، وأنه لذلك لا يستطيع إلا أن يركز ما دام قد وجد أمامه موضوعا للتركيز، فهو يركز دون حاجة إلى إذن صاحبه، وفى حالتنا الحالية، الفرض يقول إنه يركز من وراء صاحبه”

ولا أطيل فى مناقشات نظرية، بل ولا أستعمل كلمة التركيز ما أمكن ذلك، ولا أستعمل عادة كلمة بديلة، وأفضل ألا نسمى ما يفعله المخ باسم وظيفة معرفية بذاتها، فنحن لسنا فى منافسة مقارنة بين “الإدراك” و”الوجدان” و”الفهم” و”التفكير”، نحن فى موقف محاولة تخطى عقبة بالنظر فى حذورها بما تيسر من فروض جديدة، تبدو أقرب إلى الطبيعة.

مع تطور العلاقة، مع حضور ما سبق تقديمه فى نشرات الذاكرة ورفض اعتبار الذاكرة عبارة عن مخزن به محتوى مرصوص على أرفف خلايا المخ، وهذا المخزن يحتاج مفتاحا خاصا، أو كلمة مرور، أو شفرة سرية، ومع احترام احتمال امتدادها ليس فقط إلى ما بعد المخ ولكن أيضا إلى ما بعد الجسد، ودون ذكر أى شىء من ذلك ولا توضيح المبررات، أواصل تنمية العلاقة مع الطالب الذى يكون قد اختار مواصلة الدراسة (برغم أنها تحتاج ما يقول إنه عجز عنه: أنظر التخيير فى (نشرة: 1/6/ 2015 “دعه يذاكر بدون تركيز”) أروح أواصل مهمتى، فأكرر التوصيات وأضيف “وبدون ذاكرة” أى:

يذاكر يوميا كذا ساعة

بدون تركيز

وبدون فهم

وبدون قرار

وبدون رغبة

وبدون ذاكرة

ثم إننى أوصى ضمْن ذلك ألا يسمّع الطالب لنفسه ما حصّله مخه من ورائه خلال هذه الساعات الأربع، أولا بأول، وأحيانا أوصى بأن يمتنع عن التسميع نهائيا، وأن الامتحان كفيل بأن يتيح له هذه الفرصة لامتحان ما تبقى فى ذاكرته، ولتكن مغامرة ضرورية, ما دام هو الذى اختار أن يواصل كونه طالبا عليه أن يحصّل ويمتحن، وحين يحتج الطالب بأنه لا بد من التسميع أولا بأول حتى يطمئن إلى ما يفعل، أذكّره أنه يدخل نفسه امتحانات لا مبرر لها، وأنها لا تفيد بل تزيد وصايته على تلقائية تركيزه، كما تلهمنا فروضنا الجديدة، وحين يقرِّنى مخه(!!) الطالب ولو جزئيا، يصلنى أننى قد نجحت أن اقنع المخ أن يكون أكثر واقعية والتزاما من صاحبه، وبالتالى، فلا داعى أن نشككه فى ما قام به تلقائيا كما خلقه الله، ثم أعود للطالب أوصيه بدلا من التسميع  أن يراجع بنفس الطريقة (أى بدون تركيز) ما كان ينوى أن يسمّعه لنفسه، وبهذا نتجنب دخول تجربة الإفشال فالتبرير، ونؤجل التسميع الضروري للامتحان النهائي، مع الأمل أن يكون خبر تقييم لما قام به المخ  نيابة عن صاحبه، فى الوقت الضرورى المناسب.

ثم إنى  أطلب من الطالب بعد أن تزداد الثقة أكثر أن يحضر الامتحانات تحت كل الظروف، وأننى سوف أوصى مخه أن يقوم بالواجب، وأنه لن يخذلنى، ويتعجب الطالب طبعا، وأحيانا يبتسم إذا كانت الرسالة قد وصلت أعمق، فأضيف: أن كل ما عليه هو أن يأخذ قلمه الذى سوف يكتب به، وأن يصطحب قلما احتياطيا حتى لا يحتج بخلو الحبر منه، وألا يخرج إلا آخر طالب فى اللجنة، وأن المخ – صديقى – سوف يملى القلم مباشرة الإجابات، دون تدخل (الطالب) المباشر ما أمكن ذلك.(وقد نضحك سويا باقتناٍع ما)

21-6-2015_1

وقد تتسع الفرصة أكثر لأداعبه، خاصة إن كان من عامة الناس الطيبين الذين عايشوا ضاربات الودع، فأقول له: كما “توشوش” ضاربة الودع ودعها وتتهامس معه ليفشى لها بالسر الذى تنتظره زبونة فاتحة البخت، فإننى سوف “أوشوش القلم” حتى يتلقى تعليمات المخ فى الامتحان من وراء صاحبه (أو برغم صاحبه)، وحين تزيد الثقة أكثر يقبل الطالب وصيتى، فاضيف له مطمئنا أن المخ يعرف طريقه إلى القلم فالورقة أكثر من صاحبه، ما دام قد التزم بتنفيذ الوصية السابقة  حرفيا (4 ساعات يوميا بدون…وبدون….وبدون… إلخ).

 بعيدا عن الإحصاء الذى لا أستطيع أن أنكر فضله فى دعم ما أفعل، وجدتنى آخذ بيد كثيرين ممن تنامت علاقتى بهم بما يسمح بهذه الدرجة من الثقة التى تتيح لنا معا مواصلة كل ما سبق، ويدخل صاحبنا الامتحان، ويملى مخه ما تيسر له أن يمليه (أنظر الشكل) وتطلع النتيجة، ويسترها معى ومعه من خلق هذا المخ وعلـّمه كيف يعيد بناء نفسه، وكيف يذاكر بدون تركيز، وكيف يدرك بدون فهم، وكيف يُمْلى بدون “حَزّق”.

أنا آسف

يمكن لمن لا يعجبه هذا الكلام ان ينسى كل ما سبق ويعتبره من قبيل الفكاهة، ولكن ما ذا أفعل إذا كانت الفكاهة فى الممارسة تنقلب جدا، وتظهر نتيجة الامتحان أكثر أقناعا من نتائج البحث العلمى أحيانا (بل كثيرا)!!!

ويحاجّنى من يرفض كل ذلك بما جاء فى نشرات الذاكرة حين قلنا ونحن نحدد مواصفات الذاكرة الطويلة المدى أنها تعتمد‏:” ‏على ‏معنى ‏المعلومة‏ ‏وارتباطها‏ ‏بالحالة‏ ‏الوجدانية‏ ‏وقصد‏ ‏الحفظ‏، ‏وكذا‏ ‏على ‏الحالة‏ ‏الدافعية‏، ‏كما‏ ‏تعتمد‏ ‏على ‏القدرة‏ ‏على ‏الحفظ‏ ‏أصلا‏. وأيضا أشرنا  فى نفس النشرات إلى أن “خلل التذكـّر قد يرجع أساسا إلى خلل فى “عملية التسجيل” من البداية غالبا، وبديهى أن الشائع جدا، والأرجح أيضا أن “عملية التسجيل” هذه لها علاقة بـ “عملية التركيز”، لكنها ليست لها أن تشترط أن تحدث فى بؤرة الوعى، بقرار إرادى ظاهر، وموقف احتكارى لكل العلميات المعرفة القادرة على التسجيل، وهذا الموقف هو ما أتاح لنا فرض هذه الفروض العاملة.

يفحمنى منطق الأهل كثيرا وأنا أعذرهم حين يحتجون بأنه: ما دام الطالب لم يركز، ولم يفهم، أثناء الاستذكار، بناء عن أوامرى، فكيف ومن أين سيملى عليه المخ ما يكتبه فى الامتحان، وطبعا لا أجد ردا منطقيا ولا أذكرهم بالاختيارات السابق طرحها على ابنهم ، وأنه ما دعانى إلى “فرض” هذه التوصيات إلا اختياره أن يواصل دراسته دون أن يحول مساره فورا إلى عمل يدوى .

فى الحالات التى أستطيع أن أكتسب فيها ثقة الطالب أكثر، ومن ثم أثير بداخله قدراته الأخرى التى يبذل قصارى جهده (أقصد قصارى مرضه، أقصد قصارى رفضه) للحيلولة دون إطلاقها فى مسارها الطبيعى، يجىء الرد على هذه الاعتراضات من واقع الأداء الطيب فى الامتحان ، وبالتالى النتيجة.

مع تكرار هذه التجارب التأهيلية عشرات المرات، خيل إلى أن ما أفعله هو أننى أصاحب المخ من وراء صاحبه (بموافقة صاحبه الضمنية طبعا) وكأننى أعقد معه الصفقات الأربح، وأننى أقوم “بوشوشة” القلم (مثل ضاربة الرمل) ليكتب ما يمليه المخ دون استئذان صاحبه، كل ذلك أحسبه يتم ضمن تواصل “بينشخصى” متنام (وعى<==>وعى) يعدّل الأهداف، ويزيح الاستعمال الاستثمارى من الأهل لابنهم، فيوقظ فى الطالب تلقائيته الخاصة، ويحتفظ له بعائد جهده بشكل أو بآخر(2).

أشعر الآن أنه يستحسن أن أتوقف عند هذه النقطة لأننى كدت أدعمها ببعض فروض روبرت شدراك التى أشرت إليها فى هامش  فى إحدى نشرات الذاكرة، ولم أجرؤ أن أضمنها المتن، خوفا أيضا من الرفض، فأكتفى بأن أذكر باتساع مدى ومواقع الاحتفاظ بالذكريات أشمل وارحب بكثير من مجرد تصورها فى مخزن تشريحى معين، يحتاج إلى مفتاح بذاته، وشفرة محفوظة، حتى يفتح لمن يملك هذا أوذاك للبوح بالمخزون المناسب فى الوقت المناسب (يمكن الرجوع مؤقتا إلى الهامش فى نشرة الذاكرة (عدد: 2466  بتاريخ: 1-6-2014 “طبيعة الذاكرة ومراحلها”).

يمكن عزيزى العالم المنهجى، والقارئ الطيب الحذر، أن تستغنى عن كل ما جاء فى هذه النشرة، لكن ماذا أفعل إذا كان أغلب أصدقائي الطلبة الذين يتحملونى حتى النهاية ينجحون بمجموع مرتفع، وتقدير عالٍ، وفـّقهم الله، وإياكم

وعقبال عندكم حين تسمحون لأمخاخكم بما هى، وبما تمتد فيه وإليه، أن تدخل الامتحانات الأصعب التى سمّاها مولانا النفرى “البلاء” والجارى مناقشتها فى حوارات حالية أيام السبت، ولعدة نشرات:(نشرة: 20-6-2015 حوار مع مولانا النفّرى 137، –  ونشرة: 13-6-2015 حوار مع مولانا النفّرى 136، – ونشرة: 6-6-2015 “حوار مع مولانا النفّرى”135.

 وأكرر اعتذارى

وأسأل النجاح للجميع بتركيز، وبدون تركيز

[1] –  فى الواقع هى ليست مجرد توصية، فهى تكاد تكون أمرا محددا  ضمن برنامج التأهيل، وأحيانا تكون  شرطا لاستمرار العلاج!!

[2] – يمكن مراجعة أرجوزة النجاح التى نشرت فى نشرة الإثنين الماضى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *