الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (137)

حوار مع مولانا النفّرى (137)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 20-6-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2850

حوار مع مولانا النفّرى (137)   

حوار حول الحوار

مقدمة:

كتبت فى نشرة أمس (حوار بريد الجمعة) مقدمة التعقيب الذى وصلنى من الدكتور محمد يحيى الرخاوى(1) ووعدت أن أعود إليه تفصيلا اليوم حتى لا أشغل قارئ البريد بما قد لا يكون فى بؤرة اهتمامه، ووفاء لوعدى سوف أحاول اليوم الرد قدر المستطاع.

من حوار مع مولانا النفّرى (136)   

الامتحانات صعبة وضرورية ورائعة وواعدة ولا بديل لها

د. محمد يحيى الرخاوى

1)  “شكراً كبيراً وكثيراً على كل هذا الجهد والاحترام لمداخلتي المتواضعة، وقد بت أخاف أن يبدو شكرى عادة أو مجاملة وهو ليس كذلك.

أما بعد، فإنك تظلمنى وتظلم نفسك حين تجعل الأمر يبدو وكأن رفضى لبعض مناهج التعامل مع نصوص النفرى ينطبق على هذا الرد الأخير لكم فى هذه اليومية، وهذا غير صحيح”

د. يحيى

أين الظلم يا محمد حين أذكر ما وصلنى منك حتى لو كان قد وصلنى غير ما تقصد أو وصلنى غير مكتمل، وكيف أوصل إليك احترامى لآرائك ونقدك حتى لو كان مشافهة، مما ترتب عليه أننى كثيرا ما أعمل حسابك وأنا أكتب، ليس فقط فى حوارى مع مولانا النفرى، ولكن أيضا فى مواضيع أخرى وأطروحات كثيرة قد لا يصلك منها إلا بعضها، وهذا يفيدنى كثيرا، وفى نفس الوقت لا يحد من انطلاقى (أو إن شئت فسَمِّه شطحى)، ولعلك تلاحظ وتذكر نقطة الخلاف الجوهرية بيننا حين أهاجم فرط العقلنة والتنميط الذى ساد فى كثير مما ينشر فى الغرب خاصة ما يوصف بأنه المنهج العلمى (الأوحد غالبا)، فتأخذه أنت – أو يخيل لى ذلك – على أنه هجوم على الحضارة الغربية برمتها بما قد يتضمن ما يبدو تفضيلا منى لحالتنا البدائية ولا أقول الفطرية، ولعله قد بلغك بطريق مباشر أو غير مباشر، أننى أعرف اين إيجابيات تلك الحضارة وأعترف بأفضال الانضباط فيها بشكل ملزم، وما يتبع ذلك من إتقان حتمى، وهو ما يميز أغلب من أستهلمهم منهم فأدعم بإنجازاتهم نقدى للنص البشرى، بما فى ذلك نصوص النفرى.

أغلب الظن يا محمد أن نصوص مولانا تقع فى موقع بعيد عن النص الأدبى وإن كانت اقرب إلى الشعر دون حاجة إلى تصنيفه قصيدة نثر، وفى نفس الوقت هى تصلنى بعيدة طبعا عن المقال وعن النظرية، وعن أى أطروحة معرفية ممهنجة، فهو يبدو لى وكأنه نص بشرى قائم بذاته يَخْرُجُ (وليس خَرَجَ) من مستويات وعى بشر مثابر، استطاعت أن تتناغم مع بعضها البعض إلى ما بعدها، وهو نص بشرى شديد الخصوصية له منهجه الذى لا يمكن تسميته، وقد تعلمت منه ما سمح لى بمزيد من الجرأة فى ممارستى المهنية واجتهاداتى التى قد تسمى علمية، وهى ما أطلقت عليه مؤخرا “نقد النص البشرى”، وقد تجرأت بما وصلنى من هذا النص البشرى النفرى على المضى أكثر فى خطوات منهج “نقد النص البشرى”، وإن كنت لم أشر إلى فضله علىّ فى هذه المنطقة بشكل مباشر من قبل فى حدود ما أتذكر.

د. محمد يحيى الرخاوى

2)  “إن ما أعترض عليه هو “إخضاع” نص أو نصوص النفرى لأى معايير من خارجه، خاصة لو جاءت سعياً لفهمه، فهو لا يُفهم إلا قليلاً. ولكنى أبداً لا أتحفظ على “الاستعانة على معايشته” بأى مصدر، وأظن أن ما فعلتم فى ردكم الأخير ينتمى لما أسميته “الاستعانة على معايشته”.

د. يحيى

هذا طيب! تعبير الاستعانة على معايشته هو تعبير دقيق مفيد طيب، لم أكن أعرف أننى أمارسه دون أن أسميه، فدعنى أشكرك على صكه، ثم أقول:

ألم تلاحظ يا محمد عبر كل ملف الإدراك وبعض ملف التفكير وكثير من ملف الوجدان وأكثر فى ملف الوعى فى النشرات اليومية فى موقعى: ألم تلاحظ موقفى الحذر – غير الرافض وغير النافى – لدور “الفهم” فى العمليات المعرفية كافة، فكيف يخطر لك أن ما أحاوله فى حوارى مع مولانا هو “سعى لفهمه”، ألا تذكر اللعبة التى لعبتْها المجموعة العلاجية فى قصر العينى وأحسب أننى عرضتها هنا فى النشرات: “يا خبر دانا لما بافهمشى يمكن ……..” (أكمل)(2)  وأعتقد – لست متأكدا – أننا لعبناها فى إحدى ندوات المقطم، ولعلها تدعمت بعد ذلك بلعبة “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن…” (أكمل)(3) وأعتقد أن التعرية التى أظهرتها اللعبتان أظهرت تواضع وظيفة الكلام (فالفهم) وأحيانا دوره السلبى وهو يحول دون الإدراك الأعمق أو يقِّزم دور العقل الوجدانى الاعتمالى، ولابد أنه قد وصلك من كل ذلك وغيره، أننى لا أسعى لفهم مولانا إلا مضطرا، وأن ما أحاول أن أمارسه هو أقرب إلى تعبيرك الرائع “أستعين على معايشته”، والحمد لله أن قد وصلك من الحوار الأخير بعض ذلك، فشهدتَ به.

دعنى أرجع يا محمد إلى بداياتى فى الاستعانة على معايشة نصوص مولانا، ولعلك تابعت تطور محاولاتى فى النشرات، فبعد كتابى  المشترك مع الابن د.إيهاب الخراط، وقد اكتشفت أنه عملٌ له وعليه، حين أتيحت لى الفرصة لمراجعته بعد نشره، ذلك أننى بدأت بعد ذلك سلسلة من النشرات بعنوان “حوار مع الله” وكانت بمثابة نوع النقد الذى اسميه “نص على نص” وقد وصلنى هذا المنهج بداية كما تعرف من قصيدة استاذى الفاضل المرحوم محمود محمد شاكر على قصيدته “‏القوس‏ ‏العذراء‏” ‏على ‏قصيدة‏ ‏الشماخ‏ ‏بن‏ ‏ضرار‏ ‏الغطفانى ‏فى ‏قوس‏ ‏عامر‏ ‏أخى ‏الخضر، ومن يومها وأنا أنبه أن الشعر لا ينقد إلا شعرا، فتصورت أن حوارى مع الله انطلاقا من نصوص مولانا سوف يعفينى من شبهة محاولة الفهم بالاستعانة بنص من خارجه، ولعل هذا المنهج نفسه هو الذى جعلنى أتناول الجزء الثانى  لفصول نقدى لـ…”أحلام فترة المراهقة” لنجيب محفوظ (من حلم 53 حتى النهاية) بنفس المنهج “نص على نص” بعد أن وجدت أن تفسيرى النقدى للأحلام الأولى (من حلم 1 إلى حلم 52) كاد يستدرجنى إلى ما نبهت كثيرا إلى الحذر من التمادى فيه وهو ما يسمى التفسير النفسى للأدب، الأمر الذى أعربت عن موقفى منه من أول أطروحتى فى مجلة فصول عن “العلوم النفسية والنقد الأدبى”(4)، حتى كتابى “تبادل الأقنعة”(5)، أقول حين وصلنى أننى أسُتدرج فى قراءتى أحلام محفوظ الأولى إلى التفسير النفسى، انتقلت إلى منهج “نص على نص” فى النصف الثانى، ولا أعرف إلى أى مدى وفقت فى ذلك.

أقول الآن إنه يبدو أن مرحلة “حوارى مع الله” كانت بمثابة نص على نص، لمعايشة النص الأول بما تيسر لى من تحريك للوعى، لكننى أوقفت استمرار المحاولة حين اكتشفت الفرق الواضح حتى خجلت من تجرئى على ربى وعلى شيخى معا، فاستشعرت أننى لست أهلا لهذه المحاولة (“بعد” على الأقل) فتراجعت، وقلت أحاور مولانا لأتجنب هذا الحرج، أو سمِّهِ “الحياء” الذى ورد فى بقية تعقيبك والذى سيأتى ذكره لاحقا، فانتقلت إلى ما اسميته “حوار مع مولانا النفرى” بدلا من “حوارى مع الله”، ومازلت مترددا

يا خبر يا محمد!!

لقد طال التعقيب على فقرتين من تعقيبك، فلنحترم اهتمامات من يتابعنا – إن كان هناك من يتابعنا – ولنؤجل بقية الحوار إلى السبت القادم.

[1] – من الآن فصاعدا سوف أتوقف عن ذكر أنه ابنى برغم أن هذا يثلجنى، إلا أنه قد آن الأوان أن نصل للقارئ بدون الإشارة إلى هذه الوصلة العائلية التى أظن أنها لسيت لها أية ألولوية أو أهمية فى علاقتنا المتنامية.

[2] – (نشرة 27/3/2012 “الفهم واللافهم: مدخل إلى الادراك”)   

[3] – (نشرة21/8/2012 “أنا خايف أقول كلام من غير كلام لحسن….”)

[4] – يحيى الرخاوى: “مقدمة‏ ‏عن‏:‏ إشكالية‏ ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ ‏والنقد‏ ‏الأدبى” مجلة فصول: (المجلد الرابع-العدد الاول-1983)

[5] – يحيى الرخاوى: (“تبادل الأقنعة” دراسة فى سيكولوجية النقد) الهيئة العامة لقصور الثقافة- 2006

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *