الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / بُعْد الزمن (1) الفرق بين “الزمن” و”الوقت”

بُعْد الزمن (1) الفرق بين “الزمن” و”الوقت”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت31-10-2015

السنة التاسعة

العدد: 2983

  الأساس فى الطب النفسى 

 الافتراضات الأساسية الفصل السابع: 

ملف الاضطرابات الجامعة (3)

بُعْد الزمن (1)

الفرق بين “الزمن” و”الوقت”

قبل البداية:

عدد من الأسئلة قفزت  لتحتل مكان ما كنت أنوى أن أبدأ به، ومنها:

(1) ما هى علاقة الطبيب النفسى (1)(والمعالج) بهذا البعد: “الزمن”؟

(2) هل يا ترى هو يستطيع أن يميز بين ما هو “زمن” وما هو “وقت” أم أنه يختزل ما هو “زمن” لحساب ما هو “وقت”.

(3) إلى أى مدى يستوعب الطبيب بُعد الزمن كمتغير فعّال على مسيرة العلاج تيسيرا أو إعاقة أو تبادلا بينهما.

(4) ماذا نعنى حين نؤكد أن من أهم تقنيات العلاج عامة، والعلاج النفسى خاصة هو حذق “التوقيت” لكل إجراء، (وأحيانا لكل كلمة ولكل صمت بمعنى تفعيله “المناسب” وفى “الوقت المناسب”)، ولماذا نكرر فى الإشراف التذكرة بأن العلاج النفسى هو “وقت” و”توقيت”.

 (5) إلى أى مدى تؤثر ثقافتنا الخاصة وثقافتنا الشعبية خاصة فى التعامل مع الزمن عامة وتأثير ذلك على مسيرة العلاج عامة (والعلاج النفسى خاصة).

(6) ما هى طبيعة علاقة بُعد الزمن بكل من (1) التطور (2) والنمو (3) والإبداع، (4)ثم المرض والإمراضية والعلاج.

(7) كيف يستفيد الطبيب من تعميق علاقته بما هو زمن (من خلال الممارسة أساسا) فى مساعدة مريضه وحفز مسيرة نموه مهنيا وشخصيا.

(8) ما هى مظاهر اضطراب بعد الزمن فى مختلف الأمراض؟ (وكيف يتمكن الطبيب من تقييمها موضوعيا.

(9) هل يستطيع الطبيب تصور (مجرد تصور) أهمية اعترافه بما يملأ أجزاء الثوانى (تصل إلى واحد فى الألف) أثناء لقائه بمريضه.

(10) ما هى معلومات الطبيب عن عمر الكون وعمر الحياة على الأرض؟، وعمر الكائن البشرى وعمر اللغة الإنسانية الحالية، وعمر الأديان وعمر العلم الحديث، وعمر العلم الأحدث وكيف يؤثر ذلك فى ممارسته، وما علاقته بما جاء فى السؤال التاسع؟

المقدمة:

حين رجعت إلى المسودة الباكرة وجدت إشارة محدودة إلى اختلاف اللغة العربية فى التعبير عن ماهية هذا البعد عن اللغة الانجليزية اختلافا له دلالته، ففى حين توجد كلمتان فى اللغة العربية لنفس البُعد، ولكن بتفرقة دالة، وهما كلمتى “الزمن” و“الوقت” فإنه – على قدر علمى – لا توجد سوى كلمة واحدة باللغة الانجليزية هى(2)

فى اللغة العربية يبدو الوقت أكثر تحديدا، وأوضح تعيينا وكأنه جزء من ظاهرة أكبر، ومثلا تقول المعاجم: الوقت “مقدار من الزمان، قُدِّر لأمرٍ مَاَ”، وهو بالتالى أقرب إلى المعنى الذى يصلنا من عقارب الساعة، ومن اختلاف الليل والنهار (مواقيت) ومن تتالى الأيام، والعجيب أننى وجدت صيغة الفعل من “الوقت” صيغة جميلة جذبتنى، وهى: وَقََتَ، يَقِتُ قِتْ (أنظر إلى فعل الأمر: قِت: ما أروع هذه اللغة!!)(3)، المهم أن “وقَتَ الشىءَ (أو الأمرَ): جَعَلَ له وقتا محددا يُفعل فيه”، وأيضا وَقَتَ الأمر ليوم كذا: أى جعل له وقتا فى هذا اليوم بالذات، وكل ذلك يحدد الوقت كظاهرة ملموسة فى متناول التحديد والقياس والوصف والتصنيف، وذلك عكس الحال بالنسبة لما هو “الزمن”، كما سنرى حين ننتقل إلى بُعد الزمن.

فإذا جئنا إلى الزمن وجدنا أن لغتنا العربية قد احتوت كثيرا مما وصلنى من الممارسة الإكلينيكية وخاصة من منطلق مفهوم “نقد النص البشرى” الأمر الذى لم أتردد فى الإشارة إليه وأنا أتناول ملفات “الوعى” و”الأحلام” مع الإشارة إلى النقد والإبداع.

 الزمن فى العربية غير محدد كما الوقت فهو “اسم لقليل الوقت وكثيره”، وهو أقرب إلى الإطالة حيث: “زمِنَ المرضُ يقال: “أصبح مرضا مزمنا”، وقد يمتد حتى يعنى حقبة طويلة من الوقت حين يقال  مثلا: “عفا عليه الزمن”، أو يصف عصرا بأكمله بأنه “زمن الكذب والفساد”، أو “زمن الأصالة والكرم” أو “زمن العفة والطهارة”، والزمن يستعمل أحيانا مرادفا للدهر، مثل قولنا: اصابه الزمن بابتلاء شديد، أو حتى فى أغانينا المشهورة “حاسيبك للزمن”.

ثم إن تناول الزمن كبًعد رابع للوجود، بفضل أينشتاين وبعده يفسر أيضا الاهتمام الزائد بوحدات الزمن المتناهية الصغر فى العلوم الكوانتية الأحدث كما ذكرنا مرارا.

وبعد

ضد مقاومة جديدة، أجدنى مضطرا لتقديم “الزمن” كما عايشته وأعايشه حضورا موضوعيا حركيا نابضا أن أعود بحذر إلى العلاقة بين إبداع الحلم فى الأدب (والحياة العادية)، وإجهاض الإبداع فى الجنون، ثم ما يربط هذا وذاك بالمقارنة بعملية الإبداع الفائق: حيث حركية الزمن تكاد تكون واحدة فى هذه الخبرات الثلاث مع اختلاف الناتج والمآال.

وهذا ما سوف نتناوله غدًا.

[1] – اعتبارا من الآن سوف أعنى بكلمة الطبيب مفهوما أوسع من حمل شهادة فى الطب والجراحة، وأقصد به تحديدا الذى يمارس تطبيب المرضى بدءًا من مفهوم ابو قراط (أنظر المتن) (قبل كليات الطب) حتى مفهوم حفز اضطراد نمو الفطرة فى نبضها الطبيعى كما خلقها الله إليه (الطب الحقيقى لوجه الحق عودة إلى الأصل).

[2] – لابد من التحفظ هنا لأننى لا أحذق الانجليزية (أو أوعى ذلك) فليس من حقى هذا النفى على الإطلاق فمن عنده غير ذلك: يصححنى وله الشكر

[3] – على أن ثمة استعمالات مجازية لكلمة الوقت تخرجه عن حيز التوقيت بعقربى الساعى او نتيجة الحائط مثل قولنا “ابن وقته” أى لا يعمل حسابا للمستقبل، وفى نفس الوقت قد تعنى أنه “يطلع على كل شىء فى عصره”  أو تعبير “قتل الوقت” أى ضيعه فيما لا يفيد، أو يأخذ وقته:.. الخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *