نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 9-1-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4879
….. أدنى من النمل الأبيض!!! (1)
إلى أين نحن – البشر- ذاهبون تحت قيادة هذا النظام الإبادى الجديد؟
المسألة ليست، قاصرة على صراع إقليمى محدود، يحتاج لشرق أوسط “سابق التجهيز”. الأمور تتطور– عبر العالم- أخطر فأخطر. القوى التى أصبحت تمتلك أسلحة الانقراض الشامل تسيطر على العالم بلا رادع ظاهر كاف حتى الآن. الأطفال، صانعوا مستقبل النوع البشرى، يتشكلون حاليا من واقع الأحداث البشعة المحيطة. الذى يجرى حالا لا ينذر فقط بخراب الديار، وهلاك الأبرياء، وانتصار الظلم، وإنما هو نذير بتخثر وعى الأجيال القادمة. لا يقتصر الأمر على قراءة مغزى تلك الجريمة التى تلخص موقف القوى المغيرة على الحياة، جريمة رسائل الموت التى يكتبها أطفال إسرائيل إلى أطفال لبنان (يا للفضيحة/البشاعة) وإنما يمتد إلى إفساد برمجة وعى كل أطفال العالم حين يصبح الدمار- لا البقاء – هو البرنامج الغالب لنوعية الوجود البشرى. القيم التى تترسخ فى وعْى فعقول النشء عبر العالم من واقع ما يصلهم من الإعلام، ومن الواقع الماثل، أصبحت تهدد مستقبل البشرية. الظلم الذى يسّوقه المجتمع العالمى رسميا لم يعد يتجاوز مواثيق الأمم، أو قانون العدل الدولى فحسب، المسألة أصبحت تهدد بتجاوز قوانين البقاء الطبيعية. قديما كان الأمر يقتصر على قهر أو سحق المهزوم حتى لو كان المنتصر هو الظالم الغبى، الأمر الآن تجاوز ذلك إلى الإعلاء من جدوى القهر المبيد. هذا هو ما يصل إلى وعى كل الناس ويبرمجه تدهوراً دون استثناء الأطفال،هل لدينا الشجاعة أن نعترف أن الأحياء الأدنى قد أصبحوا أقدر على البقاء من البشر فعلا؟!!
الحشرات التى تدعى عادة بالنمل الأبيض ليست إلا صراصير اجتماعية، ظهرت على الأرجح من 200 مليون سنة، قبل الحشرات الاجتماعية الأخرى مثل النحل والنمل. كيف يتم التنسيق بين نشاطات أفراد هذه الكائنات؟ فشل التفسير الذى يعزو مثل هذا التنظيم البالغ التعقيد والكفاءة إلى فرد متفوق يقود القطيع، برغم وجود ملك وملكة، حاول العلم تفسيراً آخر فافترض أن كل حشرة على حدة مبرمجة لعدة استجابات بسيطة، تتكامل مع برنامج زميلتها دون تواصل مباشر، إلا أنهما من نوع واحد، كل حشرة مفردة تتفاعل مع الحشرات الأخرى من نوعها بناء على برنامج أكثر رقيا يجمع الجميع فى “محيط” واحد قادر على البناء لتحقيق الأمن والبقاء. هكذا يبرز السلوك الاجتماعى مكتملا من خلال الترابط بين الوحدات المجهولة بعضها لبعض، فيتم بناء العش، وتشكيل قافلة، وجمع الغذاء، تماما مثلما تعمل خلايا المخ البشرى إذا لم تتشوه بما نلحقه بها، تعمل فى محيط تكاملى. (كما ثبت مؤخرا قياسا بحاسوب عملاق).
مستعمرات هذه الحشرات تتناسق فى”حقول اجتماعية” تشتمل على مخططات دقيقة جامعة لبناء المستعمرة، حتى أنه تم تقسيم قطيع من هذا النمل إلى مجموعتين فصلا بحاجز بينهما، فقامت كل مجموعة ببناء نصف المستعمرة بما يكمل النصف الآخر تماما، لا بما يشبهه، وكأنهما فريقان من المنفذين لرسم هندسى، يقوم كل قريق بجانب فى التنفيذ فى موقعه، ليتكاملا فى النهاية بناء متصلا.
أضف إلى هذا السلوك الاجتماعى البقائى بين أفراد النوع أن وجود نوع من الأحياء قد يتطلب الحفاظ على وجود نوع آخر، وهو ما يسمى “التوازن الحيوى”، هذا هو قانون قبول الآخر الحقيقى وليس ما يجرى بين البشر من كلام، وقبلات، فى الندوات والمؤتمرات والاجتماعات، بما فى ذلك اجتماعات مجلس الأمن ولا مؤاخذة!!، تلك الاجتماعات التى لا يخرج منها إلا تدعيم الاستعلاء فالظلم فالقتل فإلإبادة للقاتل والمقتول معا.
البشر – بما يجرى- لم يرتدوا إلى قانون الغابة، بل ابتدعوا أخبث وأسرع البرامج للفناء والانقراض.
أولى بنا أن نتعلم من الأحياء الأدنى وبرامج التطور، بدلا من أن نزعم أننا ارتددنا إلى قانون الغابة الذى بدا مؤخرا أنه أرقى مما يفعله الصهاينة، هم ومن يشجعونهم، ويدعمونهم، سرا وعلانية.
وبرغم كل ذلك، فالنصر فى النهاية هو لحراس الحياة من المبدعين والشعوب، حيثما كانوا، كيفما كانوا، مهما طال الزمن.
[1] – نشرت بالأهرام بتاريخ 31-7-2006