نشرة “الإنسان والتطور”
6-2-2011
السنة الرابعة
العدد: 1255
يوميات الغضب والبلطجة
ولادة شعب جديد قديم (7 من ؟؟؟)
الفرق بين “الفتوة” و”البلطجى” و”الرئيس” (السلطة) (1 من 2)
نجيب محفوظ: يعلمنا: من “ملحمة الحرافيش”
إذا رجعت إلى ملحمة الحرافيش، وبالذات، الحكاية السادسة بعنوان “شهد الملكة” (من ص 319 إلى ص 378)، لوجدت أنك أمام عمل متكامل يمكن أن يفسر المشهد الحالى، ولقد حمدت الله أن نجيب محفوظ كتبه قبل سنة 1977 (تاريخ النشر) وإلا كان من الممكن أن أحد النقاد يختزل زهيرة إلى مصر ، ثم يمضى يترجم التنافس عليها إلى ما يجرى على الساحة الآن مثلما فعلوا بحميدة فى زقاق المدق.
فى هذا الفصل يجرى صراع بين الفتوة “نوح الغراب” والمأمور “فؤاد عبد التواب” لامتلاك شهد الملكة “زهيرة” وهى مازالت زوجة “محمد أنور”، “نوح” الفتوة مستعد لتطليق زوجاته الأربعة، وقد فعلها، والثانى مستعد للتخلى عن زوجته الأكبر منه سنا أيضا ليتزوج زهيرة، كل ذلك وهى مازالت زوجة محمد أنور بعد أن طلقت من عبده الفران (قاتلها فى نهاية الفصل).
يشمل هذا الصراع أمر يصدر من الفتوة إلى محمد أنور بتطليق زهيرة، مع أنه ذهب يستجير به من أفعالها ودلالها، وحين يحتمى محمد أنور بقوة البوليس والقانون الممثل فى شخص المأمور فؤاد عبد التواب يدخل الأخير طرفا منافسا للحصول على زهيرة.
وفيما يلى مناظر متقطعة تعرى هذه العلاقة بين السلطة الرسمية والفتونة والبلطجة ومدى التشابه.
وهو موضوع نرجو أن نستكمله غدًا.
****
المنظر الأول: (ص 357)
…….
ذهب “جبريل الفص” شيخ الحارة إلى الفتوة نوح الغراب فى مجلسه بالقهوة فحياه وقال:
– حضرة فؤاد عبد التواب مأمور القسم يطلب مقابلتك.
عجب الفتوة وتساءل مقطبا:
– لماذا؟
– لا علم لى يا معلم وما على الرسول إلا البلاغ.
فتساءل بتحد:
– وإذا رفضت؟
فقال شيخ الحارة بملاينة:
– لعله يريدك لتقديم خدمة للأمن العام يا معلم ولا موجب للتحدى بلا ضرورة.
فهز الفتوة منكبيه استهانة وصمت.
****
المنظر الثانى: (ص 358)
استقبل المأمور فؤاد عبد التواب الفتوة نوح الغراب بترحيب، جلس الفتوة أمام مكتب المأمور متحليا بابتسامة لطيفة وروائح الجلد تفغم أنفه، قال:
– يسعدنى ورب الحسين أن أقابل المأمور.
ابتسم المأمور كان بدينا متوسط القامة كث الشارب حسن الملامح، قال:
– يسرنى أن أقابلك يا معلم، الفتوة فى الواقع من رجال الأمن!
– تشكر يا حضرة المأمور.
– والفتوة هو فارس الحارة وحاميها أيضا، هو المروءة والشهامة، يد الشرطة وعينها فى مجاله، هكذا تقدركم الداخلية.
فكرر وقلقه يتكاثف:
– تشكر يا حضرة المأمور.
فقال بحزم يتناقض مع مجاملاته:
– لذلك أتوقع أن يجد المعلم محمد أنور الأمن فى كنفك.
فاحمر وجه الرجل وتساءل:
– هل شكانى إليك؟
– لى وسائلى فى معرفة الأخبار، وهبه لجأ إلى فهذا من حقه، ومن واجبى أن أوفر له الأمن، ولكنى أقنع بمطالبتك بذلك!
وفصل بينهما صمت، أدرك أن المأمور يحذره وينذره بأسلوب لطيف.
ولما طال الصمت سأله المأمور:
– ما قولك؟
فقال نوح الغراب بهدوء مريب:
ص 359
– نحن أول من يحترم القانون.
فقال المأمور بحزم:
– أعتبرك مسئولا عنه!
****
المنظر الثالث: (ص 361)
وفى مقابلة مع زوج زهيرة محمد أنور الذى استغاث به من الفتوة نوح الغراب فإذا بالمأمور يقنعه بتطليق زوجته مثل أوامر الفتوة، وهو يؤكد له أنه غير قادر على حمايته أو تأمينه.
المنظر:
واستدعى المأمور محمد أنور إلى مقابلة فى سرية مطلقة، أجلسه أمامه وقال:
– لقد رفعت راية القانون بقوة لم تعرفها حارة من قبل فهل أتاك الأمان؟
فهز محمد أنور راسه فى حيرة وقال:
– لا أدرى
فقال فؤاد عبد التواب بتسليم:
– صدقت، أنا مثلك، الحق أنى أخاف عليك ..
فقال محمد أنور بقلق:
– لا تساوى الحياة مليما فى حارتنا!
– صدقت قد يقتلك أى وغد حقير، ماذا يفيدك بعد ذلك لو سحقنا الفتونة واقتلعنا جذورها؟
– أجل ماذا يفيدنى!
فتساءل المأمور:
– هل تسمع نصيحة وإن بدت غريبة؟
– ما هى؟
– طلق زوجتك!
– أنت تنصحنى بذلك؟
– إنه أشق على كرامتى مما هو على كرامتك ولكنى أخاف على حياتك ..
– أكاد أجن يا حضرة المأمور ..
ص 362
فقال المأمور بدهاء:
– ما هو إلا إجراء مؤقت حتى أسوى الحساب مع الطاغية ..
– إجراء مؤقت؟
– ثم يعود كل شئ إلى أصله!
تفكر محمد أنور مليا ثم قال:
– سأفكر فى الأمر بكل جدية.
****
المنظر الرابع: (ص 369)
“يوم العرس” بعد أن كسب الفتوة المعركة وفاز بزهيرة بعد طلاقها قسرا من زوجها، وبعد أن طلّق هو زوجاته الأربعة، رتب المأمور مع فتنوة العطوف إفساد العرس، برغم اتفاق العريس مع الفتوات المجاورين، نشبت المعركة دامية بين الفتوة نوح الغراب ورجاله وبين فتوة العطوف
النص: “وسرعان ما ظهرت قوات الشرطة كأنما كانت متربصة للحظة مناسبة، عملت القوات على فض المعركة بلا هوادة،وإذا برصاصة تصيب العريس فترديه قتيلا”
****
المنظر الخامس: (ص 370)
” وجرى همس متواتر بأن المأمور فؤاد عبد الواب يكمن وراء التدبير المحكم الذى انتهى بهلاك نوح الغراب، وأنه أزاحه من طريقه لا دفاعا عن الأمن ولكن طمعا فى الاستحواذ على زوجته الفاتنة زهيلة”
……..
وحين لجأت زهيرة تستنقذ بعزيز الناجى وهى تخشى رد طلب المأمور يدها بعد قتله الفتوة عريسا، يتدخل عزيز الناجى بنفوذه وينقل المأمور إلى الصعيد.
………..
………..