الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1985 / يوليو 1985 – قصة قصيرة فانتازيا الليل والنهار

يوليو 1985 – قصة قصيرة فانتازيا الليل والنهار

قصة قصيرة

فانتازيا الليل والنهار

سمير عبد الفتاح

هذه محاولة لحوار عملى مع الكاتب، فالقارئ، وقد قبلها الكاتب، وننتظر حكم القارئ، ذلك أننا اتفقنا (التحرير والكاتب) على حذف “المقدمة” و “النهاية” تجنبا للمباشرة وتركيزا للابداع ثم اضفناهما فيما بعد القصة، ليشهد القارئ المحاولة وليقول معنا.. ونحن فى الانتظار)

وهاكم القصة بعد التعديل بالحذف:

مفردات الفعل:

… يحدث هذا فى الليل والنهار معا … وما يدهشنى حقا أنه يتم بنفس الطريقة:

أعود الى غرفتى السفلية.. كتبى الثقيلة على صدرى وعالمى المجنون فوق رأسى “انفض” روحى من تراب الحلبة أنفض أذنى من أصوات الناس والسيارات والكلاب.. أ.. أحكم اغلاق الباب أحكم اغلاق النافذة الصغيرة.. أحكم اغلاق الراديو. اتمدد عاريا..

أعالج مزلاج الباب أدق خلفه مسمارا جديدا تتسلل الأصوات من ثنبه من فرجاته فأضع خلفه الثياب والمقاعد أخاف أكثر فأكثر فأضع السرير والأوراق والمراتب.. وأنام على الأرض.

رد الفعـــل:

أحلم كثيرا هذه الأيام قبل أن أهب جزعا أحاكم بتهمة سرية تمتلئ القاعة بصدى الأصوات الغليظة يطلب من أن ادافع عن نفسى فاعلل أننى جامعى فاشل … لكنى لم أشتر “المترو”.. أغسل يدى قبل الأكل وبعده وأنام مبكرا.. أصلى.. وأدعو الله ألا يغير ظروفى الرائعة!

و.. يحدجنى القاضى ويبصق على المكتب يأمر باعدامى ويحل الكلمات المتقاطعة أصرخ وأبول فى ميزانه يأتى الحاجب يحيينى أعطيه سجائرى ليدخنها لى. وينفث فى وجهى الدخان أشعر بثعبان يتحرك فى داخلى.. أتحرك معه.. أتحرك مثله.. أتحرك له.. أرقص أهب قاعدا.. مفتوح العينين.

ما بعـد الفعـــل:

فى الصباح أحارب الاعتقاد بأننى لاشغل خلقت لاشغل فراغا فأفشل تزداد ضراوة الهزيمة وضراوتى تصدمنى “مانشتات” الصحف التى لا تتحدث الا عن الحروب والكوارث.. يقوم الصراع اليومى بينى وبين الآخرين “فى الباص” أسحق أقدامهم وتسحقنى.. ألعنها وتلعنى.. أضغط الاكتاف وأصرخ من رائحة العرق.

يصرخ لكمسارى ويطالبنى بحق الحكومة.. أصرخ وأطالبه بحقى.. يضحك الركاب.. أضحك أموت من الضحك اتيقظ أخاف ن أجن. أبتاع “ساندوتش” بيض لأوقف حركة الهزيمة بداخلى يتجس بداخله كتكوتا يحدجنى ويصوصو يمد يده ويصافحنى.. يسألنى عن الأحوال الجوية وأسعار الخضر أرى فى عينيه انعكاس العمارة المقابلة.. أشفق عليه وأضعه بجوار الحائط يشتمنى فأبتلعه.

يطلب النجدة … المطافئ.. يرجونى أن أذهب الى هناك فأذهب أبوح للجاويش بالوقائع فيركلنى بشاربه … أتدحرج.. تتدحرج معى الدنيا وشمس الغروب أكتب اسمه على اجندتى وأحرقها.

أتذكر أبى الذى مات ودفننى أذهب الى المقابر أدخل قبره.. يصيح فور رؤيتى

– “مانتش نافع”!

أرخى ذراعى المفتوحتين وصدرى الأبيض أتقوقع تبتسم أمى وتفتح ذراعيها أجرى اليها هائما مكسور القلب، تفقد الأرض جاذبيتها ويفصلنا ضباب أزرق كثيف، تأتى عناكب وحشية وتسقطنى فى بئر لا قرار لها تضحك أمى وتظهر نابيها بينما يصيح أبى بقوله المأثور:

– “لو نفعت ابقى تعالى (شـــ….) على تربتى”!

فى القاع المظلمة أرى عزرائيل أعانقه منافقا: أين أنت يا رجل..

وأمسح كتفيه يسألنى -:هل وصلك انذارى؟

– انذار؟ لم يصلنى شيئا.

يؤكد: بل أرسلت ثم يستطرد: لم يبق لك سوى انذار واحد و اضاحكه مداعبا، أشرب ماء عينيه أجد لافتة تحذر من البصق فأبصق.

يغرز نابيه فى عنقى، أصرخ، يكبلنى بقرنيه الكماشيتين، أصرخ مرتاعا، أتقلب، تتقلب معى الدنيا وشمس الشروق!

أهب قاعد مفطور القلب، أفتح النافذة كى يدخل الهواء والتراب.. و..

كل الأنهار تصب فى البحر:

ان عشت هكذا حتى أحصل على شهادتى – بعد عمر طويل – فربما أعين بعد أن يشيخ قلبى، وتفقد الكائنات الفتها وطزاجتها..

فأدفع الى قرية صعيدية خلف الأفق، تعوم فى الروث والحشرات. وحين أبحث عن جريدة لأقتل وقتى بالكلمات المتقاطعة.. أو صديق يشاركنى اهتماما أو طموحا، لا أجد قط وحين أغلق غرفتى الطينية مكسورة الباب والشباك أشعر بسطوة لقمة العيش وأفهم سر اللعبة: فالصراع لا يزال قائما أصرخ وأشد شعرى حين أسمع أزيز طائرة أو سقوط أناء أنبطح فيضحك الآخرون… أبكى.. كى.. أوقف حركة الهزيمة بداخلى

أنتهت

***

ولكن هل نستسمح القارئ أن يعيد قراءتها بعد أن يضيف قبلها هذا الجزء الاستهلالى:

الفعل:

علاقتى بالآخرين علاقة شد وجذب.

علاقة.. لابد فيها من صراع السالب والموجب..

الساخن والبارد..

حتى وصل الى حد الدهشة حد الارتياع..

واستوجب ذلك أن يقوم “الصراع” ويصبح – أى الصراع – هو المحور ومقياس الحضور والكينونة.

اكتشفت ذلك كله حين تجاوزت العشرين من العمر وبعد أن مات أبى قبل أن يعلمنى فاعلمه.

وبعد أن حثنى “سارتر” على سحق “الهو” ومصارعة الــ “هم” حتى أقول أنا هنا.

ولأن الآخرين يتصارعون لفرضها، فقد ضاع صوتى وسط الحلبة فاستوجب ذلك أن “أصرخ” ليسمعنى الآخرون بيد أنهم صرخوا لأكف عن الصراخ.. فكان على أن أحشد طاقات القلب والعقل معا لأكسب لاجولة

ولكى يتحقق ذلك فعلى أن الغى من عبارة: أنا هنا.

كلمة (أنا) نفسها أو أتحصن وأتخندق – طيلة عمرى – فى مواجهة جحفل الــ… “هم” حديدى المنكبين.

لا أنكر أن الــ “أنا” هذه قد عذبتنى كثيرا. ولكن ما الحل.. وقد نامت فى قاع العقل وبترت جبل الخيال. والأمان والبكارة؟

وغدا الصراع كناية لكلمة “الاغتيال”

اغيتال الــ ” نحن” و الــ “هنا” اغتيال السالب والموجب معا.

ثم نستأذن القارئ أخيرا، أن يقرأ هذه النهاية بعد أن يحذف كلمة “انتهت” من الصفحة السابقة.

حاشية:

قال: حساسيتك الخاصة فى تلقى المثيرات يمكن أن تحطمك دعك من التفكير المجرد، وتفاعل مع واقعك “ادخل البوتقة وتقولب.. فالانسان عبد حاجاته”. لا تقرأ كتبا تزيد من الهوة بينك وبين الآخرين، وحاول أن تترك الفلسفة الى قسم آخر.. وتذكر أنك لم تصب فى الحرب وحدك.. و.. و.. و

كل البحار تصب فى النهر:

فى الميدان الكبير أخلع أثمالى.. أغوص فى ماء النافورة أقعد على ساق رجل الجرانيت المقرفص أشد لحيته فيركلنى.

أثب على كتفيه وارفع شعلة الوهم

يصيح صحفى: عبقرى.

ويقول مصور: مجنون.

وتقول راقصة: الجوع كافر.

ويقول فنان: نتاج عالمنا المنفصم.

ويقول حوذى: اشترك فى الحرب.

ويقول اقطاعى: ماذا فعلت له الثورة؟

وتقول ساعة الحائط: تر.. ر.. ر.. ن.

ويقول مجنون: هاها.. هاها.. أى… !!

***

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *