الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1985 / يوليو 1985 – قصة قصيرة الجوع

يوليو 1985 – قصة قصيرة الجوع

قصة قصيرة

الجـوع

كوثر مصطفى

أحضرت أوراقا وجلست لأكتب الجوع حكاية مثل كل الحكايات التى كتبتها من قبل، قوسته كلمة فى مقدمة الصحفة/ نظرت/ ذهب القلم وجاء وذهب وجاء أمامى أكثر من مرة فوق الأسطر، ولكنه ولأكثر من ساعة لم ينطق الا عن بعض حروف ونقاط واشارات لا تحمل أية معنى… قلت القلم قديم وكذلك وجه الورقة لا يوحى بأن هناك شئ قد يأتى، بدلت كلا منهم وبدات محاولة أخرى .

كتب القلم فوق السطر الأول منها جمجمة وفارغة من كل الأشياء، وكتب فوق السطر الثانى جمجمة أخرى/ تعجبت/ قلت سوف يكتب القلم الجوع فى السطر الثالث ولكنه استمر فى هذيانه وأخذ ينظم الجماجم صفوفا الى أن امتلأت صفحتى / مزقتها / قلت الجوع حكاية صعبة وأعدت محاولة الكتابة، كتب القلم فوق الصفحة الثانية والثالثة والرابعة – وبنفس الشئ الذى سكننى وتمكن من قلمى ومن أوراقى وأخذ يملى عليها من خوفه ومن جنونه ولساعات طويلة – جماجم لها منظر مرعب، صلبت الأوراق جميعا ونهضت، قلت أصنع شيئا آخر.

حدثت الجارة، حدثتنى جارتى عن اناس حظوظهم فى السماء، حدثتها عن يوم  هو أول أيام الشهر القادم حدثتنى عن  اناس حظوظهم قليلة. قليلة جدا، تخطط وجهى فوق الأرض واندقت ملاحه فيها، تمتمت جارتى بكلمة اعتذار. اقتلعت وجهى من الأرض اقتلاعا ونزلت. كان الشارع جسدا صلبا ممتدا لا يتحرك تحت الأقدام وكنت أدق بقوة أترقب لا يخرج من جعبته شيئا، الناس كثيرة جدا جدا فى الشارع حين نظرت، ولكن لا يوجد شخص واحد يعرفنى، لم تخرج من تحت الأرض صديقة لم ترنى منذ سنين، لم ينادنى شخص لا أعرفه باسمى، لم يسألنى طفل: الساعة؟

وظل الشارع جسدا صلبا ممتدا وظللت ادق بقوة؟ والناس ظهور تتقدمنى، كان الله فى رأسى يدور، كنت أحاول أن أفهم، والناس كثيرة جداجدا فى الشارع، قلت فى وجود الله كلمة واستحسنت القول حين سقط شريط أبيض كان يجمع شعرى وداسته الأقدام .

قلت لماذا العجلة، واخذت اهدئ من خطوى وفى لحظة اصطف الناس فى صفى، وقليل منهم فى الصف الآخر، لتمر العربة السوداء، مرت، قال صاحبها كلمة وهو يمر لم أسمع كلمته، وبعيدا عن عين الناس وقفت عربته أمامى فركبت.

قال عنى …. لم أتكلم .

قال عنه …. لم أتكلم .

قال عن الناس الـ نظروا الى حقدا حين ركبت … لم أتكلم.

قال عن الشوراع والزحام والوقت الذى يقطعه من والى …..

قلت عن الوقت الذى استغرقته فى كتابه حكاية صعبة… لم يتكلم.

قلت عن القلم الذى يعاندنى فيكتب الجوع جماجم لها منظر مرعب … لم يتكلم.

قلت عن جارتى وعن وجهى الذى تخطط فوق الأرض، نظرنى نظرته.. كنت أحاول أن أعرف هل فهمنى؟…. مد يده فهمت…. اقترب منى فهمت أكثر….[لم ولن يفهم شيئا]

جاءنى ألم وقبل مجئ الدم قفزت

فتحت الباب، قال البرد، قلت أود أن أتنفس، أن تلفحنى نسمة، قال نفتح شباكا قلت أود أن أخطو خطوة أقدامى ثقيلة، لعن امرأة تحمل رأسا من صوان. فرحت قدمى بالأرض ولأول مرة، منذ شهور، دقت دقة، ودقت دقة. كنت فى طريق العودة اسمع أصواتا تنادينى باسمى، وأقابل اشخاصا أعرفها وتعرفنى… سألتنى الأطفال كل الأطفال عن الساعة، صافحت وقبلت واجبت كل الأسئلة الحلوة وجلست لأقضم لقمة واشرب من كوب الشاى، قلت أكتب الجوع الآن أكتبه مرة أخرى. قوست الكلمة ونظرت كتب القلم فوق السطر الأول دينا فى الجمجمة والفارغة من كل الأشياء وكتب عينا أخرى، وفوق السطر الثانى، كتب أياد تتلاقى وأقداما تمشى، خفت من هذا الكائن الساكن فى قلمى وفى قلب الأوراق، ومن أجزائه المجنونة المبتورة حينا والمتراصة صفوفا والملتحمة احيانا فى هيئات ترعبنى، قلت أكتب” خوفا” قوست الـ.

دق الباب بقوة، فتحت، دخل رجل ودخل آخر، خرجت وخرجوا ومعهم أوراقى………

كان الشارع جسدا ممتدا صلبا وكنت أدق بقدمى أرض العربة، اسأل الى  اين، من أنتم؟ والناس وجوه فى وجهى لا تتكلم، والله فى راسى يدور وأحاول أن افهم ، صرخت رفع رجل يده وحملق آخر فى عينى، فهمت كما لم افهم مرة.

وحين وصلت عربتنا نزلت ونزلوا… دخلوا وأدخلونى … وهناك جاء الألم وسال الدم ، وأصبحت الحكاية سهلة جدا ولكن أوراقى بقيت معهم .

***

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *