الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1985 / يوليو 1985 – فتح ملف قائد المسيرة (المخ)

يوليو 1985 – فتح ملف قائد المسيرة (المخ)

فتح ملف قائد المسيرة: المخ البشرى

بداية حوار حول المخ والسلوك

فى الصحة والمرض

ترجمة: محمد يحيى

كان مأزقنا طوال صدورنا ونحن نحاول أن نوفق بين ما ننشر من مادة تبدو غير متجانسة، كان مأزقنا أن نحافظ على هذا الخيط  الدقيق – الخفى لدقته – الذى يربط بين أجزاء المادة وبعضها، سواء كنا نتكلم عن طبيعة التفكير البشرى فى الصحة والمرض، أو تحديات مناهج البحث فى العلوم الانسانية، أو كنا ننشر شعرا متحديا، أو قصة مستحبة، أو كنا نقيم حوارا مجتهدا بين عقول نشطة غير مستسهلة حول أحرج القضايا وأكثرها الحاحا.

ثم ها نحن نغامر بخطوة جديدة فى نفس الاتجاه، فنختار من التراث العالمى، وننشر ترجمة لفكر مواكب لما نريد، وان لم نكن موافقين عليه كلية – وهذا بديهى – ولكن الانتقاء يتم فى محاولة تنبيه قارئنا (العادى) عمن ماذا يجرى (هناك) مما يجدر به – وبنا – أن نتتبعه بحقه علينا، وحقه فيه معا.

والمغامرة فى ذلك تأتى من سبيلين: الأول أننا قد فضلنا فى بداية المحاولة – فى هذا العدد – أن ننشر الترجمة الكاملة دون أى تدخل من جانبنا، اللهم الا بعض الهوامش القليلة الموضحة كلما تطلب الأمر ذلك، وقد أدى ذلك إلى أن نعرض على القارئ (العادى – بل والمتخصص) ما لم يألف من لغة متخصصة وبالعربية، مما قد يثير رفضا مبدئيا لجرعة التعبيرات والمعلومات  العلمية الجافة، التى قد تصل جرعتها درجة قد تعيق القارئ أصلا عن اكمال القراءة، ثم إعادة القراءة، وهنا يكون النشر لم يحقق غرضه أصلا، أما السبيل الآخر (كمصدر للمغامرة) فهو أن يحسب القارئ المجتهد معنا – الذى أكمل القراءة وأعادها – أن “هذا” هو فصل الخطاب، وأن وفرة المعلومات، وأسماء العلماء، والاشارة إلى الابحاث: انما يعنى أننا نقدم “عصارة العلم” الذى انتهى إلى حل “المسألة الصعبة” . . ، . .   دمتم، وهذا بالذات هو أبعد ما يكون هدفنا أولا وأخيرا، بل أننا نشعر أننا أزعجنا قارئنا الفاضل  الصبور بأننا تجنبنا – منذ صدورنا – أن نطرح قضايانا “النفسية” و “الفكرية”فى صورة اجابات، أو ما يوحى بأنه حقائق، بل حافظنا على موقف التساؤل أغلب الوقت، آملين أن تكون مهمتنا – والقارئ معنا أبدا – هى أن نقلب “الأمر” على وجوهه بالقدر الذى يحافظ على “دفع السير”، واستمرار المحاولة، إذ لابد من الاعتراف بأن المعلومات الثابتة (النهائية) فى مجال التخصص العلمى المبدئى لهذه المجلة (علم النفس والطب النفسى) هى أقل من تصور الناس، وفى نفس الوقت هى أقل من أن يتحدث عنها بلغة تقريرية دامغة اللهم الا بتحفظات وفى حدود مبينة مسبقا.

وربما لهذا، تجنبنا أن نبدأ بعرض ماهية بعض الأمراض تفصيلا، أو الاعلان عن آمال “علمية” تدعو – فى النهاية – للطمأنينة الخادعة، والتراخى الاعتمادى.

لكل هذا خيل الينا أن بداية فتح ملفات بعض المعطيات العلمية بهذه اللغة “الحاسمة” قد يوحى للقارئ المتعجل بأننا نقدم له وجبة كاملة الطهى . . بعد أن فتحنا شهيته طوال المدة السابقة دون أى ارواء، وهذا أبعد ما يكون عن هدفنا، لهذا فنحن ندعو القارئ إلى التركيز دائما أبدا على دقة الصياغة، وحدود الكلمات، من حيث التفرقة بين “الاحتمال” و “الفرض” و “وجهه النظر” و “ترجيح الرأى” و “اثارة التجاه” . . . يفرق بين كل هذا وبين المعلومة المؤكدة، والدليل الدامغ، والحقيقة الثابتة، وقليل ما هم.

ولأن المسألة – حقيقة ومثلا – هى اثارة فكر، وليست “ابلاغ خبر” فسوف نتبع فيما ننشر فى هذا الصدد:

  • أن نقدم له برأى التحرير أساسا.
  • وقد نضيف فى “نهايته” بعض آراء زملاء التحرير الذين فى متناولهم قراءة المادة قبل نشرها.
  • أن نرسل “المقال / الرأى / البحث” . . إلى بعض من يمثل مختلف الاتجاهات المعاصرة السائدة (من متخصصين وغير متخصصين)، نطلب منهم أن يعقبوا عليه فى نفس العدد، أو فى عدد تال.
  • أن ننتظر من القارئ المتخصص وغير المتخصص تعقيبه “الشخصى” و “المدعم بالاجتهاد العلمى” على حد سواء .
  • أن نواصل الحوار كل عدة أعداد حول موضوع واحد، ثم ننتقل بعد ذلك إلى موضوع آخر . . كلما أمكن ذلك.

ولعلنا بذلك نكون قد اقتربنا أكثر إلى “تخصصنا” بحيث نفى بمسئوليتنا الجزئية، دون أن نبتعد – كثيرا – عن مسئوليتنا العامة فى فتح سائر منافذ المعرفة . . بكل لسان . . ومن كل زواية.

تركيب المخ … والنمو … والفصام

وموضوع هذا العدد هو رؤية شاملة تبدأ من منطلق بيولوجى، يحاول فيها عالم رائد فى مجال التنظير والبحث الجزئى على حد سواء هو: ” أ. فاينبرج”، أن يقدم تفسيرا لظهور الفصام فى سن المراهقة بوجه خاص، وهو يقدم رأيه بتواضع العلماء، فلا يدعى أنه يتحدث عن كل أنواع الفصام، أو عن كل طبيعة الفصام، وانما هو يقصر اجتهاده فى الربط بين “توقيت” ظهور الفصام فى فترة المراهقة، وبين عمليات تشذيب وعزل، للمشتبكات العصبية (مناطق التوصيل بين الخلايا العصبية) بحيث تختصر – فى الشخص الطبيعى – كثير من التوصيلات الزائدة عن الحاجة إلى ما هو لازم “لانجاز” أعمال المخ (الذهنية العليا” خاصة) بشكل مفيد وعملى ومتعلق باحتياجات الفرد فى عالم الواقع – وبالتالى فان العجز عن هذا التشذيب أو ذاك العزل فى هذا الوقت (المراهقة)، سيترك المخ كبركة سائحة من احتمالات التوصيل المتعددة الاتجاهات، بما يترتب عليه “عدم الانجاز” ابتداء، ثم عدم التخصص، ثم التشدد، فالتناثر، فالتفسخ، فالعجز الوظيفى، ثم التشوه التركيبى نتيجة للتعجز – وهذا هو مسار الفصام يقوم بتدعيم تسلسل التدهور من عندنا وليس رأى فاينبرج) وفاينبرج يقوم بتدعيم فكرته هذه بأدلة ومعطيات معملية رائعة، تدل على موسوعيته وحماسه الشديد لرأيه فى نفس الوقت، وهو يتجه إلى القول أن هذا الاقصاء والتشذيب، بل وموت الخلايا، هو متضمن أصلا فى استعدادات وراثية فى الجينات، ومبرمج بحيث يبدأ بعد الولادة، ويستمر، ويترواح ويبلغ أقصاه فى المراهقة ، وهو يثبت ذلك أو بعض ذلك بدراسة:

  • ئتطور تغيرات رسام المخ الكهربائى منذ بعد الولادة مباشرة، وخاصة فىالتطورات التى تظهر على رصد نشاط المخ كهربائيا أثناء مراحل النوم المختلفة، ورغم أن رسام المخ ما زال أداة متواضعة واجمالية لقياس فرق الجهد من أجزاء ظاهرة من التركيب المخى، الا أنه يكفى للاشارة المناسبة فى اتجاه الفرض.

وهو يكاد يستنتج من خلال نقص النوم العميق (الى النصف) خلال المراهقة، أن الانسان السوى لايعود يحتاج إلى كل هذا النوم العميق لأن الصحو لم يعد يؤثر تأثيرا شديدا على مرونة المخ وحركيته، بعد أن تشذب واختزلت توصيلاته، باعتبار أن النوم العميق يوظف أساسا لعكس أثر الصحو على هذه المرونة والحركية (التى أطلق عليها طول البحث، مطاوعة المخ) – أى أنما يهم فاينبرج هنا هو “أن يعلن أن الاختزال والعزل والتشذيب هما “غاية المراد” فى هذه السن بالذات!

  • كذلك فانه أثبت من خلال قياس الوقت بين مؤثر (حدث) وبين جهد كهربى معين يظهر فى الرسام الكهربى متعلقا بهذا الحدث (البسيط) أثبت أن الفاصلة بين “الحدث” و “وظهور” الموجة الدالة عليه تختصر تماما فى المراهقة، مما يؤكد على حدوث الاختزال بالعزل والتشذيب، أى أن التوصيل يتم مباشرة وبفاعلية، ما دام بعدد أقل من “المحطات” البينية.

(جـ) وعلى نفس المستوى ربط بين اختزال بالتوصيلات، ونقص حاجةالمخ للاكسجين الدال على انخفاض التمثيل الغذائى المقاس بوسيلة أو بأخرى، (وأوضح ذلك بأكثر من دليل وطريقة) – أى أن المخ يعمل أسرع وأكفأ بأقل من الطاقة. !!

(د) كذلك ربط فاينبرج بين ظاهرة أن جزءا من المخ يستطيع القيام بوظيفة جزء آخر (فى حالة تلف الأخير) فى السن الأصغر، وعزا هذا الى المرونة وفرط المشتبكات فى الطفولة، أمابعد  المراهقة – حيث يتم الاختزال ويزيد التخصص – فان هذه المرونة والمطاوعة تقل حتما، وهذا دليل آخر على أن النضج – حسب رأيه – يسير دائما أبدا فى اتجاه التخصص، وقد ربط بين ذلك وبين اكتساب معالم ما أسماه “التفكير الناضج” وخاصة فيما يتعلق بالتفكير المسمى بالقدرة على “حل المشاكل” ونحن نتصور أنه يعنى ذلك التفكير الممنطق الواضح الذى يحتاج للتركيز أو والتجميع، (وهذا غير، بل يكاد يكون عكس، التفكير المنفرج والمتعدد الاتجاهات) !!

وقد تناول فاينبرج الفصام باعتباره أخطر الأمراض العقلية، حيث يتميز بالتفسخ، والتناثر، والانسحاب من الواقع، والتحوصل على الذات، ثم التدهور المرجح فى كل النشاطات العقلية.

ويعود فاينبرج لطرح رأيه القائل أن المعدل للفصام فى سن المراهقة، أنما يعنى ان هذه العمليات الاختزالية: تفشل، فيضل المخ مترامى الاتصالات، مفرط الاحتمالات، ولكنه – للأمانة – لم يحد تماما أن الفصام ينتج عن زيادة المشتبكات بالضرورة، وأنما قد ينتج عن نقص وظيفى أو اضطراب ثالث، ففتح بذلك الأبواب لكل احتمال، رغم أن المتتبع لمنطقه منذ البداية لابد وأن يرجح تفضيله للأقل من التوصيلات كعلامة مميزة للسواء، اذ هو يعلى من شأن الاختزال والعزل لأى توصيلات ” زائدة” على حد قوله.

وقد أشار – تدعيما لذلك أيضا – أن عدد المشتبكات العصبية فى تناقص مستمر مع التقدم فى العمر وخاصة فى فترة المراهقة التى يحدث فيها هبوط حاد ملحوظ.

وفى محاولة لحل التناقض الظاهرى بين “نقص فرص التوصيل المتعدد”، (مقص كثافة المشتبكات) وبين “زيادة كفاءة التفكير” (المنطقى) حاول فاينبرج ان يوضح وفرة الحلول الممكنة عند الأطفال لأى مشكلة لا تعنى بالضرورة أن المشكلة قابلة للحل فعلا وعزا ذلك لفرط تداخل الاحتمالات – بل أنه ذهب الى التذكرة بأن ثمة حالات من ضعف العقل تتميز “زيادة” كثافة المشتبكات، علما بأن ضعف العقل يتميز عامة بنقص حجم المخ ونقص عدد الخلايا، بمعنى أن العجز من التمتع بالذكاء يأتى – فى هذه الحالات ذات المشتبكات العصبية الأكثر كثافة – يأتى من ” زحمة” المواصلات حتى الاختناق (أن صح التعبير).

وعاد يؤكد أن كثافة المشتبكات مرتبطة بسعة موجة بطيئة خاصة منم موجات رسام المخ الكهربائى، هى موجة “د لتا” وذهب يعدد ما يثبت نفس آرائه المطروحة منذ البداية.

 ثم يعود للفصام ليؤكد أن التباعد فى الوظائف العقلية والتركيب العضوى لدرجة التناثر أن التفسخ: قد يكون ناتجا عن فرط التشابك والتداخل حتى العجز – على ان هذا  قد يعطل التوصيل ولكنه لا يؤثر بشكل لا رجعة فيه فى القدرات العقلية الأساسية فى الفصامى، حيث من المعروف أن الذكاء الأساسى والذاكرة لا يتأثران بالفصام مباشرة، وهو يكاد يعزو الشفاء من الفصام – حتى بالصدفة، حتى لحالات بدت وكأنها ماتت ذهنيا لسنوات طويلة – هذا الشفاء قد يعزى الى عودة القدرة على التوصيل السريع المنجز،(ربما بعملية عزل وتشذيب لغابة المشتبكات المتداخلة، أو بتشبيه أقرب نطرحه من جانبنا نقول: ان توقف المرور نتيجة لتعدد الاتجاهات والتقاطعات دون تنظيم مركزى قادر وفى نفس الوقت نتيجة لزيادة عدد العربات، هذا التوقف لا يعنى عجز العربات عن السير لتلف أصاب محركاتها، وأنما يعنى زيادة العربات – والاتجاهات المتقاطعة – بقدر يصعف تحمل الشوراع حتى يعوق المسيرة، وقد تعود العربات للانطلاق اذا نقصت العربات أو التقاطعات الى النصف، أو / و اذا استطاع التحكم المركزى ضبط الاتجاهات وتبادل التسيير بشكل مختزل متقطع وسريع).

وتبلغ أضعف حججه فى الربط بين تغيرات النوم فى الفصام وبين ما ذهب اليه من فروض، حيث أدخل القلق كمتغير جديد بطريقة متواضعة نسبيا.

لكنه عاد وفت ملف “التطور” وبرمجة موت الخلايا بشكل ابداعى رائع، حين نقل التنافس بين الأحياء المشهور فى الفكر التطورى، الى التنافس بين الخلايا، وأن “البقاء للأهداف” (الأكثر ارتباطا بالهدف) أى أن الخلية التى تفوز بالمادة المغذية المحدودة (على فرضه) هى الخلية المتعلقة بهدف “واضح ممكن”، وأن غياب الهدف هو الذى “يقتل” (أو: يبرر موت) الخلية، ويقدم لذلك أدلة منطقية عظيمة – وهذه قفزة لابد أن تحسب له وأن يأخذها المحاورون والمعقبون فى الاعتبار بشكل يفتح الآفاق ويوضح الأمور سواء بالقبول أو بالرفض.

وأخيرا: نجده – فى تواضع العلماء – يعلن أن “الدعوة عامة” للبحث واعادة النظر

* * *

وبهذا التقديم الموجز نرجو أن يصاحبنا القارئ، ثم يساهم، فى الحوار المنتظر، وذلك بعد أن يتكبد قراءة المتن اللاحق حالا (أن تفضل، وأمكن) – على اننا نأمل – اذا هو رأى غير ذلك – أن يواصل معنا الحوار حتى لو اكنفى بهذا المختصر، وأن يجعل النص مرجعا لمزيد من التفاصيل اذا ما احتاج الحوار حتى لو اكنفى بهذا المختصر، وأن يجعل النص مرجعا لمزيد من التفاصيل اذا ما احتاج الحوار لذلك.

المهم أننا فى جميع الأحوال نحتاج مشاركته بأى قدر كان واليكم نص الترجمة، يعقبها التعليق الذى وعدنا به، وحاور النقاش المطروحة.

الفصام: هل هو نتيجة خطأ فى العزل المبرمج

للمشتبكات العصبية خلال مرحلة المراهقة؟؟[1]

SCHIZOPHRENIA: CAUSED BY A FAULT IN PROGRAMMED

SYNAPTIC ELIMINATION DURING ADOLESCENCE?

الموجز:

تشير الدلائل المتجمعة الى أن المخ البشرى يعاد تنظيمه جذريا خلال مرحلة المراهقة: فتتناقص فترات النوم “العميق”، ومعدلات التمثيل الغذائى المخى، (الأيض) بصورة حادة، كما تناقص كذلك الفترة الفاصلة بين وقوع بعض الأحداثأو الوقائع، وبين ظهور الجهد الكهربى المتعلق بها 1، كذلك فأن القدرة على استعادة كفاءة وظيفة ما – عقب عطب يصيبها – تقل فى فترة المراهقة أيضا، كما تظهر فى نفس الفترة كفاءة “حل المشكلات” على المستوى الراشد، وقد ظهر أخيرا أن هناك اختزالا (نقصا) يحدث لكثافة المشتبكات العصبية اللحائية فى نفس هذه الفترة – مما قد يفسر كل هذه التغيرات ومثل هذا “التشذيب pruning للمشتبكات العصبية قد يكون مشابها للاقصاء المبرمج للعناصر العصبية فى المراحل المبكرة من النمو، ومن ثم فأن خطأ ما فى عمليات النضج هذه: قد يكون مسئولا عن حالات من الفصام[2] مما يظهر خلال مرحلة المراهقة.

مقدمة:

استعملت نظريات الفصام البيولوجية نموذجين اساسيين للوقوف على أسبابه: أحدها يفترض نموا مجانبا للسواء فيما يتعلق بنمو الجهاز العصبى المركزى فى مراحل ما قبل الولادة، أو بعد الولادة مباشرة، وهو نمو قد يحدث كنتيجة لعيوب جينية أو داخل الرحم، أما النموذج الثانى فيطرح العيوب الوظيفية الجزئية (كالافراز المفرض للدوبامين dopamine مثلا) والتى قد ترتبط هى الأخرى بمكونات أو أسباب جينية، وهى أما أن تعرب عن نفسها بصورة دائمة ومستمرة أو تنطلق وتتحرك فى مرحلة متأخرة من الحياة خلال حدث بيولوجى أو نفسى / اجتماعى (نفساجتماعى) منفصل، على أن كلا من النموذجين يجد صعوبة فى تفسير البداية المتواترة للفصام فى فترة المراهقة، خاصة بالنسبة لتلك الحالات التى يشير تاريخها السابق على المرض الى نمو نفسى تام السواء، وفى مثل هذه الظروف، تظهر دلالة نموذج الحالات  ذات الاستعداد المرضى تحت ضغوط معينة، ويفق هذان النموذجان على أن الضغوط البيئية والنفسية الحادة تعمل على أرضية من الاستعداد البيولوجى للمرض لتنتج الاصابة الاكلينيكية على أن هذه التفسيرات غالبا ما يربكها الافتقار الى اثبات احداث جسيمة ضاغطة عند بدايات المرض، وفى مثل هذه الحالات، تقدمت بعض الفروض المعقدة لبيان كيف أن الخبرات العادية للحياة قد تعمل كضغوط كافية الحدة لدرجة تجعلها سببا فى جنون يستمر مدى الحياة.

وفى هذا المقال، أحاول تقديم نوع ثالث من النماذج البيولوجية نسببية الفصام، وهو نموذج يلائم للحقائق الاكلينيكية بشكل أكثر يسرا، أى دون لى لأعناق الأمور وهذا النموذج يتسق كذلك مع المبحث حديث البزوغ فى علم البيولوجيا العصبية neurobiology ، المعاصر – الا وهو أن الارتقاء البنائى للجهاز العصبى المركزى C.N.S. يستمر بعد الولادة لمدة أطول كثيرا مما كان يعتقد فيما سبق، وأن اعادة تنظيم هيكلية عميقة تحدث فى المخ فى مرحلة كان يعتقد – فيما سبق – أن عملية النضج قد أتمت اكتمالها قبلها.

وفيما يلى، سأحاول – أولا – أن أراجع البرهان الذى مؤداه أن اعادة التنظيم الكبرى لبناء ووظيفة المخ تحدث فى مرحلة المراهقة المبكرة ثم أناقش متضمنات هذه التغيرات بالنسبة لبدء الفصام ولأن ما أثار اهتمامى بهذه المسألة هى تلك الملاحظات المتضمنة فى أبحاث النوم فانه يبدو من المناسب ان ابدأ بهذه البيانات.

تغيرات “ر.م.ك”[3] للنوم فى مرحلتى الرضاعة والمراهقة:

بصفة عامة، يظهر رسام المخ الكهربائى (ر.م.ك) أهم التغيرات المرتبطة بالسن – بعد العام الأول من الولادة Feinberg1976))

وهذه التغيرات يمكن قياسها طوال المسيرة الحياتية على أن هناك مرحلتين تظهر فيهما معدلات كبيرة للتغير، هما مرحلة “الرضاعة المبكرة”، و “مرحلة المراهقة”.

وقد تم وصف أنماط النوم بعد الميلادى مباشرة neonatal  وارتقائها عن طريق عدد من الباحثين بمن فيهم Parmalle et al (1967) Dreyfus-Brisac (1958) ، وباختصار، فأن موجات رسام المخ الكهربائى “ر.م.ك” فى حالة النوم تتكون من موجات غير واضحة المعالم، تتسم بأنها بطيئة ومنخفضة الفولت نسبيا، وتنمو فى السنة الأولى من العمر – وبسرعة – معظم خصائص ر. م. ك. المميزة لأنماط النمو عبر أغلب مدى الحياة، بما فى ذلك موجات دلتا عالية الفولت، ومغزليات سيجما وكذلك مركبات ك[4]، وكذلك يختلف نمط دورة النوم عند الطفل حديث الولادة، عنه بالنسبة لدورة نوم الراشد، حيث أنه فى حالة الراشد، كثيرا ما يسبق النوم ذو حركة العين السريعة (نحعس) REM Sleep  [5] أما فيما بعد ذلك، فى الطفولة الباكرة أيضا وعبر مراحل الحياة المختلفة، فأن ما يحدث عادة هو العكس، حيث يحدث النوم ندحعس أولا، كما أن نسبة النوم ذى حركة العين السريعة (نحعس) تصل الى حد عال عند الولادة (50% من مجموع ساعات النوم) لكنها تقترب من معدلها عند الرشد (حوالى 25%) حول منتصف العام الأول.

وحول سن سنتين تظهر كل خصائص “رمك” للنوم عند الراشد رغم أن ترددات “رمك” تكون أبطأ وأكبر سعة بالمقارنة بمثيلاتها فى مراحل متأخرة من العمر[6]، وعند بداية النوم يحدث بانتظام أن يأتى ندحعس أولا، قبل ظهور نحعس ويسمح لنا حدوث موجات دلتا عالية السعة (0, 5-3 Hz) ومركبات ك، والمغزليات، بتصنيف ندحعس داخل مراحل النوم الثانية، والثالثة، والرابعة، وذلك تبعا للنسب المتزايدة من موجات دلتا فى الفترات التى ترصد فيها.

وهناك أساس تشريحى عصبى للتغيرات الرمكية فى النوم فى مرحلة الرضاعة ويظهر هذا الأساس بشكل كلى فالمخ ينمو بصورة هائلة فى العام الأول، مع زيادات فى التشجر العصبى neuronal arborization  وفى الكثافة المشتبكة synaptic density وفى التغطية بالنخاعين (الميلين) (التملين)[7]  myelination وفى حجم الخلية Conel, 1939, 1963; (Dobbing and Sands, 1973) وهذه التغيرات الهيكلية (الموروفولوجية) الى جانب النضج العصبى النيورونى، يمكن أن تفسر زيادة سعة الموجات فى “رمك” (انظر بعد) وظهور تلك الخصائص[8] “الرمكية” المميزة الأخرى والتى تكون غائبة أو فى صورة أولية حين الولادة.

وخلال المراهقة، تكون تغيرات “رمك” للنوم كمية أكثر منها كيفية، ومع ذلك فهى ملفتة للنظر فالوقت المستغرق فى النوم العميق (المرحلة الرابعة للنوم) يختصر بنسبة حول 50% وتنخفض كذلك سعة موجات دلتا التى تميز تلك المرحلة الرابعة بصورة ملحوظة، مما قد يعنى احتمال أن التخفيض الكلى للعملية البيولوجية المعنية هو تخفيض كبير وتشير القياسات اليدوية للتسجيلات الرمكية للنوم والمرصودة بالنظر (شكل 1) الى أن قمة سعة موجة دلتا تهبط حوالى 75% من قيمتها فى المرحلة العمرية بين 10، و16 عاما (Feinberg et al. 1977)  وبالاضافة الى تقلص (اختزال) المرحلة الرابعة للنوم، فان المدة الكلية للنوم تقل كذلك حوالى الساعتين (Williams et al. 1974)، وبهذا يوضح رمك للنوم كيف أنه فى الأعوام القليلة الاولى من المراهقة تحدث تغيرات نضوجية أكبر فى الضخامة من تلك التى تظهر خلال النمو عبر العقود الأربعة التالية.

وقد افترضنا فى موضع آخر (Feinberg and Carlson 1968, Feinberg et al. 1967)  ارتباط تغيرات النوم فى المراهقة بالانخفاض فى معدل التمثيل الغذائى بالمخ، وفى مطاوعة المخ[9] الذين يحدثان فى هذه الفترة، وهذا الفرض Feinberg and Carlson 1968,  Feinberg et al. 1967, والذى يدعى أن عمليات النوم تعكس مطاوعة المخ يستدعى تعليقا مختصرا فهذا الفرض ينشأ – أساسا – من الرأى القائل بأن احدى وظائف النوم هى أن يعكس آثار الصحو على مطاوعة خلايا المخ، وقد طرح موروزى سنة 1966 Moruzzi (1966) وجهة نظر مماثلة فى نفس الوقت تقريبا وفى عام 1974، توسعنا فى تفسيرنا، بذكر أن عملية العكس هذه لابد وأن تتم من خلال النوم من نوع ندحعس، ولابد أن تحدث فى أعلى معدل لها خلال النوم العميق (المرحلة الرابعة – حيث تتميز هذه المرحلة: بالكثافة، والفولت العالى، والموجات “دلتا الحصول عليها بها عن طريق مثيرات غير متواترة وحادثة عشوائيا والتى يجب على المفحوص أن يستجيب لها وقد وجد كورشيس سنة 1977 courchesne (1977)  أن فاصلة موجة 300 الموجبة عند الأطفال من 6 الى 8 سنوات كان 702 ملليثانية بالمقارنة بـــ 417 ملليثانية عند الراشدين من 23 الى 35 سنة، باختلاف قدره41% وهذه النتيجة أيدها جودن وزملاؤه Goodin et al. (1987) الذين أشاروا، بالاضافة الى هذا التأييد، الى أن انخفاض فاصلة موجة 300 الموجبة يحدث فيما بين عمرى 5، 15 سنة شكل (1) متوسط سعة موجات رسام المخ الكهربائى (ر.م.ك. “رمك”) البطيئة أثناء النوم بالنسبة لأشخاص بين 25 عاما، 86 عاما، وترمز كل نقطة لمتوسط 50 موجة عند شخص واحد اختبر، كما أوضح ذلك فاينبرج سنة 1967 (Feinberg 1967)، ويمثل المنحنى الدرجة السادسة فى تعدد المسميات، والذى يثبت بصورة دالة جودة الملاءمة فوق نظام الوظائف التحتى والنقاط الأساسية المثيرة للاهتمام فى هذا المنحنى هى الارتفاع الملحوظ فى السعة خلال مرحلة الرضاعة، وكذلك الانخفاض الملحوظ خلال المراهقة أما التراوحات فى المراحل العمرية الأكثر تأخرا 30% فى سعة موجات (0, 503 Hz) بين عمرى 23، 72 سنة (بيانات غير منشورة، فاينبرج ومساعدوه) عن فاينبرج وآخرين 1967 (Feinberg et al. (1967)

(والمهم فى هذا المنحنى هو ملاحظة نسبة الانخفاض فى سعة الموجات البطيئة مع التقدم فى العمر – المترجم).

وهذا المدى العمرى يمثل أهمية خاصة لسببين: أولهما أن التغير فى زمن الفصل يبدو ناتجا عن آليات مختلفة عن تلك المسئولة عن التغير فى سعة موجة دلتا التى تظهر فى “رمك” النوم، والذى سبق الحديث عنه، وهذا يوفر دليلا مستقلا نسبيا على أن المخ البشرى يعانى تغيرات نضوجية هامة بين عمرى 5، 15 سنة، وثانيهما أن موجة 300 الموجبة ترتبط ارتباطا وثيقا بالفعلنة المعرفية لحدث منتبه اليه، مما يشير الى أن هذه التغيرات النضوجية تشمل الأساس البيولوجى لعملية فعلنة المعلومات12

الانخفاض فى معدل التمثيل الغذائى للمخ بين الطفولة والمراهقة.

ومن التغيرات الأخرى الهامة والملفتة فى وظيفية التكوين المخى (فسيولوجيا المخ) والتى تحدث فى مرحلة ما بين الطفولة ونهاية المراهقة، هو ذلك الانخفاض فى سرعة أيض المخ[10] كما يقاس من خلال استهلاك اكسجين المخ (CMRO2) (سرعة أيض المخ بالاكسجين = س أم أ2) بطريقة وقد تم قياس الــ س. أ. م. أ2 بطريقة أكسيد النتروز[11] (Kety and schmidt, 1948) عند الأطفال والراشدين الأسوياء ويمكن الرجوع لملخص ذلك عند كيتى سنة 1956 kety (1956) ويظل استهلاك الاكسوجين ثابتا بني عمرى 5، 10 سنوات (ا ر 5، 3 ر 5 سم 2 / 100 جم من المخ فى الدقيقة) وينخفض بنسبة 20% الى ( – ر 4) فى عمر 13 سنة، الى 7ر3 فى عمر 19 سنة، ثم يستقر على معدل حول 3.5سم2/ 100 جم من المخ فى الدقيقة وهو ما يقل بحوالى 30% عن قيمته فى الطفولة، وتمدنا حقيقة أن الفروق فى معدل التمثيل الغذائى بين سن 10، 13 سنة هى فى حجم الفروق الملحوظة بين مراحل العمر الأكثر تقدما من جهة والكهولة المتأخرة من جهة أخرى، تمدنا هذه الحقيقة بمكتسبات عن مدى أهمية هذه التغيرات النضوجية(Freyhan et al., 1956; Lassen et al; 1960)

وبينما تصل تلك التغيرات النضوجية فى معدل الـ س . أ . م .أ2الى مستوى عال من الدلالة الاحصائية، فأنها (بسبب المتطلبات المنهجية لطريقة أكسيد النتروز) لا تركز الا على نتائج حالات قليلة. فقد يكون من المثير للاهتمام حقا، اجراء عدد أكبر من القياسات للتغيرات الطارئة على هذا المتغير، خاصة بين عمرى 10،20، ومثل هذه البيانات قد تصبح متوفرة فى القريب المرتقب كنتيجة للتطبيقات المتزايدة لاطلاق البوزيترون مقاسا بالرسم المقطعى بالأشعة (التموجرافى)[12]. وهى الطريقة التى يمكن بها قياس التمثيل الغذائى باسلوب أقل اقتحاما من تكنيك أكسيد النينروز، والتى تسمح بقياسات لمناطق مخية محددة، وفى الوقت نفسه قياسات شاملة لمعدل التمثيل الغذائى المخى ككل.

وقد افترضنا فى موضع آخر: (Feinberg and Carlson, 1968; Feinberg et al., 1967)

أن الانخفاض فى س . أ. م . أ2 بين الطفولة المتأخرة والمراهقة، يرتبط بالانخفاض فى درجة مطاوعة المخ خلال نفس المرحلة، معللين ذلك بأن أكثر الخلايا العصبية مطاوعة، لابد وأن تتطلب القدر الأكبر من التمثيل الغذائى. فاذا عكس النوم آثار الصحو على الخلايا العصبية المطاوعة، واذا كان لمزيد من الخلايا المطاوعة معدلات أعلى من التمثيل الغذائى، تبع ذلك بالضرورة أن تتوازى منحنيات مدد النوم الكلية مع س . أ. م . أ2 عبر مراحل العمر،و هو الشئ الحادث بالفعل(Feinberg et al., 1967) .

المطاوعة التشريحية العصبية للمخ والقوة (الكفاءة) الوظيفية:

تشير التعاقبات الحادثة فى الوظيفية الكهربية للمخBrain electrophisiology  والتمثيل الغذائى فى الطفولة المتأخرة والمراهقة الى احتمال أن هناك اعادة تنظيم كبرى لوظائف المخ تحدث فى هذا الوقت. وهناك دليل آخر على أن المخ يتغير بطريقة جوهرية، خلال هذه المرحلة وهو ما نراه من تنلقض قدرة استعادة كفاءة وظيفة ما بعد اصابتها (بالتقدم فى العمر) – وسأسمى هذه القدرة بالمطاوعة  هذه القدرة بالمطاوعة التشريحية العصبية neuroanatomicl plasticity طالم أن هناك احتمال يقول باعتمادها على التوصيلات التشريحية بالاضافة الى اعتمادها على التغيرات الوظيفية – وقد تنبه أطباء الأعصاب لفترة طويلة ان اتلاف مراكز الكلام فى نصف المخ الأيسر عند الأطفال عادة ما يتبعه شفاء كامل لقدرات الكلام بعد عام أو عامين اذا ما بقى النصف الأيمن دون اصابة. وفى المقابل فأننا نجد أن نفس الاصابة اذا ما حدثت فى المراهقة المتأخرة أو الرشد، فان ما ينتج عنها من حبسة[13] يصبح نتيجة مزمنة ودائمة. وقد تمت مراجعة التراث بالنسبة لهذه المسألة عن طريق ساتز وبولارد – باتس سنة 1981 (Satz an Bullard-Bates, 1981)، وقد اشارت تحليلاتهم الى أن الشفاء السريع من الحبسة بالنسبة للأطفال قبل البلوغ، أنما هى ظاهرة قد تم اقرارها بالفعل، وأن كانت المعلومات والبيانات فى هذه المنطقة البحثية قليلة وناقصة بالدرجة التى لا تسمح لنا بتبين – بوضوح – منحنى عمريا للمطاوعة التشريحية العصبية[14] التى يعسكها مثل هذا الشفاء.

وفى نفس الوقت الذى تقل فيه المطاوعة التشريحية لعصبية، تظهر – بازدهار – القدرة على حل المشاكل المعقدة وعلى انجاز التحليلات المنطقية المطولة، ويستطيع المرء أن يسمى تلك المهارات باعتبارها “قوة” وظيفية، ورغم أن طفل العشر سنوات يمتلك امكانيات عقلية ملحوظة، إلا أن الفارق بين ذى العشر سنوات وصاحب الستة عشر عاما بالنسبة لمهارات حل المشكلات، فارق شاسع، وبالفعل فأنه من المحتمل ان الطاقة أو القدرة المطلقة على التحليل تكون فى أعلى مستوياتها فى نهاية مرحلة المراهقة مقارنة بمدى  العمر كله، وهذا الظهور لمهارات الراشد فى حل المشكلات (التفكير الاجرائى بمصطلحات بياجيه(Piaget: operational thinking) فى المراهقة ينظر اليه باعتباره أثرا أضافيا للتعلم المستمر. وعلى أيه حال، فأنه من المحتمل أن هذا الارتقاء يقتضى تغيرات جوهرية فى الأساس العصبى للأفكار. وقد يبدو فيما نلاحظه من ازياد القدرة الوظيفية جنبا الى جنب مع انخفاض المطاوعة التشريحية العصبية تناقض ما، وسنحاول تجاوز هذا التناقض الظاهرى عندما ناقش الدليل على التغيرات الهيكلية (المورفولوجية) للمخ.

بداية الفصام فى مرحلة المراهقة

أن ظاهرة بداية الفصام أثناء أو بعد المراهقة بفترة قصيرة أنما هى ظاهرة شائعة بحيث لا تحتاج الا لأقل قدر من الشرح، ومن المؤكد أن الفصام يتدرج عند بعض المرضى بعد تاريخ طويل من السلوك المنحرف، ومن ثم لا يبدو هنا أنه ظارة جديدة تماما (تأتى من فراغ)، ومع ذلك يمكن للمرض أن يحدث بشكل فجائى عند الصغار الذين يظهرون سلوكا سويا، أو حتى عند أولئك الذين يظهون سلوكا – قبل المرض – بارزا وظاهرة البراعة والتواؤم، وهذا النوع الأخير هو المرض الذى نضعه نصب أعيننا فى هذا المقال.

ويلاحظ أن المعدل المرتفع للفصام فى المراهقة لم يفسر بشكل كاف، ولا يعنى وجود هذا الاحصاء بشكل مألوف التكرار أنا نعرف سبب حدوثه، وقد كان الافتراض العام الشائع هو أن بزوغ الفصام فى المراهقة يظهر كنتائج للضغوط النفسية الاجتماعية الميزة لهذه  المرحلة، والتى تمثل عاملا مهيئا لحدوث المرض فى ظل وجود استعدداد له، ويمكن أن يعتبر هذا الاستعداد أو هذه القابلية للمرض ظاهرة طارئة حدثت نتيجة للاضطراب فى اعادة التنظيم الشامل لوظائف المخ، والذى يحدث بشكل سوى خلال السنوات الأولى للمراهقة.

العمر وكثافة المشتبكات العصبية

سبق أن اشرت الى أن هناك دلائل تشير الى أن المخ يستمر – هيكليا –(مورفولوجيا) فى تمثيل حالة ن الدينامية لفترة حياتية أكثر تأخرا مما كان متصورا فيما سبق. وتعد الملاحظات الحديثة لـ بى – هاتينلوكر Re-Huttenlocher من جامعة شيكاغو ملفتة للنظر فى هذا الصدد.

فقد قام هاتنلوكر سنة 1979 (Huttenlocher,1979) بقياس الكثافة المشتبكية فى علاقتها بالعمر، وذلك بالنسبة لتلافيف وسط الفص الجبهى لعينة من 21 شخصا سويا بعد وفاتهم. ويشير شكل الى النتائج الرئيسية.

شكل (2) الكثافة المشتكية فى طبقة 3 فى التلفيف الأوسط الجبهى فى الانسان وتأثير العمر. احظ أن العمر مبين بطريقة مختلفة عن شكل(1)، فاذا أخذنا هذا الاختلاف فى الاعتبار، فان المنحنيين يتشابهان تماما (باذن من هاتنلوكر 1979(Huttenlocher, 1979)

فبعد الميلاد تزداد كثافة المشتبكات العصبية بحيث تبلغ أقصاها فى الفترة ما بين سنتين وثلاث سنوات. وبعدئذ يحدث اختزال لهذه الثافة فى مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة الة مستويات يتم الحفاظ عليها مع تقدم السن وحتى الأعمال المتأخرة تماما. ويبدو شكل هذا المنحنى مشابها الى حد كبير للشكل (1) الموضح لسعة موجات دلتا (عند أخذ درجات أو مستويات العمر المختلفة فى الاعتبار).

ويشير هانتلكوهر الى أن التغيرات التى لاحظها يمكن أن تشكل الأساس التشريحى للتغيرات فى الخصائص الكهربية للقشرة المخية التى تحدث فى الطفولة المتأخرة، بما فى ذلك نضج أنماط “رمك”، وارتفاع عتبة النوبة[15]، وقد ذهب هاتنلوكر (1979 ص1202) الى الاشارة الى أن التغيرات النيورونية والمشتكية فى القشرة المخية فى الانسان تعد مسئولة عن نقص القدرة على الشفاء من بعض أنواع الأعطاب المخية كالحبسة التى تحدث بعد أعطاب كبيرة للنصف الكروى السائد، فتتناقص القدرة على استعادة القدرات الكلامية فى الطفولة المتأخرة فى الوقت الذى تصل فيه الكثافة المشتبكية والنيورونية الى المستوى الذى نجده عند الراشدين ( 202).

وكما اشار هانتلكوكر نفسه (اتصال شخصى)، فأن ملاحظاته ليست جازمة ولا نهائية، فالبيانات التى تم جمعها قليلة والملاحظات تعد ناقصة اذا أخذنا فى اعتبارنا السنوات الحاسمة فى المراهقة المبكرة، وهناك أيضا اشكالات على مستوى التكنيك لم تحسم بعد، وهى تتعلق بتقدير الكثافة المشتبكية بشكل مستقل عن حجم المخ، وبالرغم من عدم اليقين الناتج عن هذه الصعوبة المنهجية، فأن النتائج تبرهن قيمة االفتراض الذى مؤداه أن التغير فى هيكلية المخ التى تعكسها بيانات الوظائف المخية والخصائص الفسيولوجية فى المراهقة.

وقد استخدمنا فى المناقشة التالية مصطلح “الكثافة المشتبكية المختزلة”reduced synaptic density ليتضمن التغيير الكيفى (اعادة التنظيم) بالاضافة الى التناقص الكمى. ويتضمن هذا اتلغيير الكيفى على  سبيل الافتراض، خطوة مكسب لصالح التخصص على حساب المطاوعة التشريحية العصبية وهذا لا يستلزم ضمنا نقصا فى المشبكات العصبية بشكل شامل، فعلى سبيل المثال فان اعادة التنظيم قد تشمل مدخلات بنسبة أقل بالنسبة لعدد النورونات (مدخل / نيورون) بينما تشمل نسبة أكبر من المشتبكات الى المدخل (مشتبك / مدخل)([16]) مثلما يحدث فى بعض الأنظمة البسيطة خلال الارتقاء المبكر (انظر بعد)، ويبدو أنه من المحتمل أيضا أن هناك تغيرات مخية تختص بها مرحلة المراهقة، ولم يتم وصفها بعد.

العلاقة بين التغيرات السلوكية وتغيرات الكثافة المشتبكية

كنت قد أشرت الى أن القدرة على حل المشكلات الأكثر تجريدا وتعقيدا (القوة الوظيفية) تظهر خلال المراهقة، ويبدو هذا اتلغيير غير متسق مع افتراض أن ذلك ينتج عن تناقض الكثافة المشتبكية فى الأساس العصبى للتفكير، ويمكن للمرء أن يفترض فرضا مقبولا مؤداه أن أكبر عدد ممكن من المشتبكات العصبية مسئول عن العمليات المعرفية المعقدة، ومع ذلك فمن الممكن أن يكون هذا الفرض خاطئا وأنه فى ظل الارتباطات العصبية، هناك موافق يكون فيها “الأقل هو الأكثر” less is more وهناك بعض الملاحظات الكيفية لأسلوب حل المشكلات لدى الأطفال لها علاقة بهذا الموضوع، على سبيل المثال: كان شيئا مفاجئا لى أن أرى له حتى الأطفال الصغار يمكنهم اقتراح استراتيجيات على قدر من العمق والمعالجة الصحيحة لمفاهيم حتى ولو لم تكن قابلة للتفنيذ، حدث ذلك أثناء دراسة عن حل المشكلات المكانية فى معمل لبياجيه(Feinberg and Laycock, 1964) Piaget   ويمكن ارجاع كثير من أخطائهم فى التنفيذ – ببساطة – الى نقص الخبرة، والى عدم معرفة أى الطرق هى الأكثر عملية. ولكن مصدرا واضحا آخر للصعوبة كان يتمثل فى العجز عن دفع أى فكرة للوصول الى نهايتها بسبب كثرة الأفكار المتنافسة.

فاذا كان هذا التفسير صحيحا،  فأن التناقض السابق ذكره والمتمثل فى أن النقص فى المطاوعة التشريحية العصبية يصاحبه زيادة فى القوة الوظيفية سيتم حسمه هنا على الوجه التالى: أن فرط الارتباطات العصبية قد يجعل تمييز وتنظيم السلاسل العصبية المعنية اللازمة للتفكير النطقى المتماسك، قد يجعلها عملية صعبة. ويعد طول فاصلة الحدث / الجهد لموجة 300 الموجبة فى الأطفال مظهرا من مظاهر هذا التغير فى القدرات التوصيلية، ويتطلب الاطار النظرى لقياس طول”فاصلة الدث / الجهد” القيام بعملية تتعلق بحدث بسيط (مثلا: عد مثير غير متكرر) ويبدو من المحتمل أن طول الفاصلة فى نتائج الأطفال يرجع الى اختلافات تشريحية – مثل المسارات الكبيرة التفريع والتشجر والأكثر كثافة – أكثر من كونة يرجع الى اختلاف اساسى فى الطريقة التى تنفذ بها هذه المهمة المعرفية البسيطة.

وربما يصح ممكنا اختبار بعض هذه الأفكار من خلال دراسة اشكال الضعف العقلى المرتبطة بالزيادة فى كثافة المشتبكات العصبية أكثر من تلك المرتبطة بالنقص فيها(Cragg, 1975; Huttenlocher, 1979) فأذا أصبح من الممكن تشخيص هذه الحالات قبل الوفاة، فأنه يمكن أن نتأرن خصائهم السلوكية والمعرفية والوظيفية الكهربية (الالكتروفسيولوجية) بتلك الخصائص الموجودة عند مرضى زملات تخلف متميز بنقص مرضى فى المشتبكات العصبية.

سعة موجة دلتا والكثافة المشتبكية

نستطيع من خلال التناق فى الكثافة المشتيكية بين الطفولة وأواخر المراهقة أن نفسر مباشرة التناقص فى سعة موجة دلتا الذى يحدث تقريبا فى نفس الوقت. ذلك أن موجات “رمك” المسجلة من فروة الراس، أنما هى نتاج تغيرات بطيئة فى الفولت (مجموع الجهد المشتبكى المثبط والمهيج) وهى التى تحدث فى تآزر فى مجموعات من النيورونات معا(Elul, 1972) وتعتبر سعة هذا الفولت (أى سعة الموجات) هى نتاج كل من حجم الجهد المتولد من كل نيورون، وكذا من عدد النيورونية قد ينتج عنه ذلك النقص فى سعة موجات دلتا أثناء المراهقة بشكل مباشر تماما.( والاحتمال البديل هو ان متوسط تغيرات الفولت فى النيورونات يقل نتيجة لتغيرات) الخاصة بمسئولية هذه النيورونات أو فى حدة المثير المسئول عن التآزر، وهذا الاحتمال البديل لا يمكن استبعاده، وأن كان ما يزال يفتقر حتى الآن الى دليل يبرر اقتراحه).

وبينما يستطيع التناقص فى حجم البقعة النيورونية – العصبية – (مجموع خلايا عصبية متداخلة التوصيلات) أن يفسر الهبوط فى سعة موجة دلتا، فان هذا التناقص لا يحتاج أن يسبب أى اختزال لعدد الموجات (Feinberg et al., 1967) ومع ذلك، فان اختزال المرحلة الرابعة (للنوم) فى المراهقة يصحبه بالضرورة اختزال فى العدد كما فى سعة موجات دلتا، فاذا كانت كلتا الظاهرتين ترتبطان بالكثافة المشتبكية المتناقصة، فأن ذلك يتضمن أن مزيدا من الترابطية العصبية أنما ياحب (أوينتج عنه) عدد أكثر فأكثر اتساعا من موجات دلتا.

الفصام والنضج المتأخر

يترك الدليل المذكور فيما سبق قليلا من الشك فى أن الأساس النيورونى للتفكير والسلوك يتغير بشكل هام فى المراهقة، لنفترض أن هذه التغيرات تنتج عن انخفاض مبرمج فى كثافة المشتبكات العصبية، وذلك لمدى ملحوظ الأهمية، وأن خطأ أو عيبا فى هذه العملية يعطى دفعة للفصام. على أننا لا نعرف، بدرجة كافية، شيئا حول الأساس العصبى للنشاط الهقلى بما يمكننا من أن نحدد الأنساق أو البناءات المخية المختصة، ومع ذلك فمن الممكن لنا ان نميز العمليات المعرفية التى تنجو من أى نقص فى الفصام عن تلك التى تصاب بعطب ما، وقد كان بلويلر(Bleuler, 1950)- وهو أكثر الملاحظين حدة بالنسبة لما يتعلق بظاهرة الفصام – من أول من لاحظوا أن الوظائف البسيطة لا تتأثر كثيرا بهذا المرض بما فى ذلك الذاكرة، والتوجه (التعرف على المحيطين والبيئة) وتلك الوظائف المعرفية الأخرى والتى ندرك أعطابها الآن كأعطاب دالة على أمراض كلية أو “عضوية” بالمخ[17]، وقد كان بلويلر يؤمن ان العطب المحورى بالفصام هو فى “تكامل “integration العمل الوظيفى العقلى، أى التنظيم الهيراركى للأفكار، وتكاميل الأفكار مع المشاعر، والأفكار مع الادراكات، فقد كتب تحت تعريف المرض يقول:” فى كل حالة نواجه بانقسام قاطع ما بين الوظائف النفسية، فاذا كان المر واضحا، فأن الشخصية تفقد وحدتها، وفى أوقات مختلفة، تظهر وكأن المركبات (العقد)النفسية المختلفة هى التى تمثل الشخصية، ويظهر التكامل بين مختلف المركبات غيركاف، أو حتى مفتقدا، ولا تمتزج المركبات النفسية فى تكتل من الاجتهادات، مما بترتب عليه نتاج موحد كما هو الحال عند الشخص السوى، وبالأحرى، فأن موقفا واحدا من هذه التركيبات قد يسود الشخصية لفترة، بينما تتصدع مجموعات الأفكار والدوافع الأخرى وتبدو عاجزة جزئيا أو كليا” (Bleuler, 1950, p:9.).

ومن المدهش أن ملاحظين آخرين قد قدموا تفسيرات مشابهة فى نفس الوقت تقريبا، فافترض فرنيك Wernicke عطبا فى التكامل (العصبى) أسماه فقد التوحد sejunction واستعمل سترانسكى Stransky المصطلح البراق “الهزع داخل النفس” intrapsychic ataxia (لمراجعة مدرسية لهذه المفاهيم انظر ماى 1931 (May 1931) وتتضمن هذه التفسيرات القول بخطأ فى تكامل انساق نيورونية جسيمة نسبيا بينما تكون هذه الانساق سوية فى ذاتها.

ويتضمن التكامل الخاطئ عادة ما يسمى قطع الوصل، رغم أن الوصلات غير المائمة أو المفرطة قد تؤدى هى الأخرى الى مشاكل بالنسبة للتكامل المنشود. لذلك فأنه من غير الممكن أن نتاكد اذا كان العطب المخى فى الفصام ينتج حقا من تشذيب أو قضب مشتكبى غير منظم خلال المراهقة، فالاضطراب هنا قد يعزى الى اقصاء مشتبكى زائد، أو ناقص، أو فى غير محله (اقصاء لمشتبكات غير المطلوب اقصاؤها)، وقد افترضت فى موضع آخر(Feinberg 1978) أن العطب فى آليات التغذية الانبعاثية (الأمامية)[18] أو التفريغ الناتج طبيعيا[19] فى التفكير قد يكون مسئولا عن ظهور بعض الأأعراض المميزة للفصام، بما فى ذلك الهلوسة السمعية، واقحام الأفكار،و (فقد) التحكم فى الأفكار، وفقد حدود الذات، فالوظيفة الحقيقية الأولآ لآليات التغذية الانبعاثية يمكن أن تعاق عن طريق بواقى الوصلات الزائدة والغير مترابطة ـ وفى نفس الوقت عن طرق اختزالها الى أقل من المستوى المطلوب.

دراسات النوم فى الفصام

ينشأ دليل امبريقى مرتبط بهذه الاستنتاجات من الدراسات عن النوم فى الفصام، فحوالى 40% من مرضى الفصام يظهرون قدرا شديد الصآلة من نوم المرحلة الرابعة الذى يمكن رصده بالنظر، وبالفعل فان الكميات القليلة من نوم المرحلة الرابعة هى أكبر الاختلالات التى يمكن رصدها بصورة متسقة مكررة، من بين ما لوحظ حتى الآن بالنسبة لوظائف المخ عند الفصام (لمراجعة عن هذه المعلومات انظر فاينبرج وهايات 1978)(Feinberg and Hiatt 1978)، ويشير تحليل الكمبيوتر ان الانخفاض فى سعة موجات دلتا مسئول بصورة أساسية عن المستويات المنخفضة من نوم المرحلة الرابعة (ملاحظات غير منشورة Hiatt, Floyd and Feinberg.

ولقد ذكرنا من قبل ان الانخفاض أو التناقص فى سعة الموجات “رمك” فى الطفولة والمراهقة قد ينتج عن انخفاض فى حجم الشبكات العصبية القادرة على احداث تغيرات متزامنة فى الجهد، وهذا التعليل بفترض أن بعض أنواع الفصام قد تنتج عن نقص شديد فى المشتبكات العصبية القادرة على احداث تغيرات متزامنة فى الجهد، وهذا التعليل المرحلة الرابعة فى “رمك” فأنه يبقى من الممكن أن المستوى المنخفض فى الفصام هو استجابة ثانوية للمرض أكثر منها ظهور مباشر لتغير عصبى،وقد يبدو من المهم أن نوضح هذه المسألة بتعريف بالارتباطات الاكلينيكية بهذه المرحلة الرابعة من النوم، والمنخفضة فى الفصام، مع تأكيد خاص على علاقة محتملة بالقلق، كما يقاس فسيولوجيا وبالتقديرات الاكلينيكية. وقد أهملت هذه المشكلة البحثية الهامة فى العقد الماصى، وهو اهمال عجيب ومؤسف من ناحية ما نجده من ندرة المؤشرات والأدلة على طبيعة الاضطراب الوظيفى للمخ فى الفصام.

نماذج للتشذيب المتأخر للمشتبكات العصبية: الموت المبرمج للخلايا تكون الجنين وعزل المحاور فى الطفل حديث الولادة

سبق أن بينا وجهة نظرنا فى أن التناقص فى الكثافة المشتبكية فى المراهقة قد يبرر أو يفسر ارتقاءات المخ الملفتة للنظر فى هذه المرحلة،ألا وهى: افتقاد المطاوعة المخية (التشريحية العصبية) وظهور مهارات الراشدين فى حل المشكلات والتغيرات العريضة والسريعة فى الكهربية الفسيولوجية، بما فى ذلك التناقص فى سعة موجة دلتا، وطول فاصله الموجة الموجبة 300 (الجهد/ الحدث) والانهباط فى التمثيل الغذائى المخى، وأخيرا أنه اذا ما سلكت العملية مسكا خاطئا، فثمة بداية للفصام، ونحن الآن نتابع أفكارنا لنأخذ فى اعتبارنا أى الآليات هى التى يمكنها أن تنتج هذا الأقصاء المبرمج للمشتبكات العصبية.

هناك دليل واضح على أنه، خلال مرحلة مبكرة من النمو، يفرط الجهاز العصبى فى انتاج الكثير من العناصر العصبية مبدئيا، ثم يعزل أو يقصى عددا منها بنظام محدد، وخلال تظور الجنين تتضمن هذه العملية الانتاج المفرط للنيورونات واقصاؤها (الموت المبرمج للخلية)، أما فى مرحلة ما بعد الولادة فأننا نجد اختزالا لزوائد المحاور، وهكذا، فأن الاقصاء المبرمج للمشتبكات العصبية خلال مرحلة المراهقة المبكرة قد يظهر مثالا عاما ثالثا لاقصاء العناصر النيورونية الزائدة، وتبدو القيمة واضحة تلك القيمة البيولوجية لآلية الانتاج المفرط للعناصر العصبية الأولية، يعقبه عملية اقصاء لاحق لتلك العناصر التى فشلت فى أن تصل الى مستوى معيارى للقيمة الوظيفية.

وقد لوحظ موت الخلية المبرمج – وهو أكثر ما امتد وصفه فيما يختص بهذه الظاهرة – فى أكثر من نسق – حركى، وحسى وبين نيوروناتى – (لمراجعة باكرة انظرCowan 1973) (ولمجموعة مراجعات قريبة، انظرNeuroscience Commentaries, 1(2) (1982) خاصة مقال (Hamburger & Oppenheim) ومن المعتقد فيه أن هذه العملية تلعب دورا هاما بالنسبة لتنظيم عدد النيورونات فى الجهاز العصبى، فما يحدث هو كما يلى: عند نقطة معينة فى الارتقاء الجينى، يموت عدد كبير م النيورونات فى فترة قصيرة، وهذه الظاهرة يمكن التنبؤ بها بالكامل فى الانساق التى تمت ملاحظتها، وهكذا، وبمعنى عام، فقد تم تعريفها جينيا، ومعظم النيورونات التى تموت لا تكون مخطئة، بمعنى ارتباطها بأهداف غير ملائمة كلية،بل أن تلك الخلايا التى تموت تكون مبعثرة عشوائيا مع تلك التى تواصل الحياة، وطالما أن ذلك العدد الذى يبقى يمكن رفعه أو تخفيضه بتغيير حجم أهدافه، فأن المعتقد أن البقاء يعتمد على تنافس ناجح فيما بين النيورونات على عامل غذائىما، وهذا العامل ربما يصبح فى المتناول عن طريق النشاط العصبى الوظيفى الذى يوازن بين ترابطات بذاتها موازنة انتقائية (Changeux & Danchin, 1976).

وقد تم قريبا وصف مرحلة ثانية من الاقصاء السريع للعناصر العصبية فى الثدييات حديثة الولادة، فقد بين أنوسينتى سنة 1981 Innocenti (1981) الفقد الذى يحدث لمحاور فى الجسم المندمل  Corpus callosum فى اللحاء البصرى Uisual cortex للقطط الصغيرة خلال الشهرين الأولين بعد الولادة، وقريبا اوضح ايفى، كيلاكى سنة 1982 (Ivy and Killackey ,1982) اقصاء مشابها لمحاور المندمل التى تظهر فى اللحاء الجدارى للفأر، ولاذى يحدث بين اليوم الثامن عشر واليوم العشرين بعد الولادة، وباتفاق مع انوسينتى ولورى وزملائه.Innocenti,1981; O Leary et al., 1981 اشار ايفى وكيلاكى Ivy and Kallackay (1982) أن هذا الفقد للمحاور لم يكن نتيجة لموت الخلايا، وأنه – علاوة على ذلك – فأن العمليات الخاصة بالجانبية المثلية ipsilateral لهذه النيورونات قد استبقيت سليمة، وفى هذه الحالة، اذن فقد كان اقصاء المحاور المندملية انتقائيا.

 وقد لخص بيرفس وليشتمان Purves and Lichtman(1980) عدة ملاحظات

كلية، بل إن تلك الخلايا التى تموت مبعثرة عشوائيا مع تلك التى تواصل الحياة، وطالما أن ذلك العدد الذى يبقى يمكن رفعه أو تخفيضه بتغيير حجم أهدافه، فإ المعتقد أن البقاء يعتمد على تنافس ناجح فيما بين النيورونات على امل غذائى ما، الذى يوازن بين ترابطات بذاتها موازنة إنتقائية (changeux & Danchin, 1976).

وقد تم قريبا وصف مرحلة مرحلة ثانية من الإقصاء السريع للعناصر العصبية فى الثدييات حديثه الولادة، فقد أنوسينتى سنة 1981 (Innocenti (1981) الفقد الذى يحدث لمحاور فى الجسم المندمل Corpus callosum فى اللحاء البصرى uisual cortex للقطط الصغيرة خلال الشهرين الأولين بعد الولادة، وقريبا أوضح إيفى، كيلاكى سنة 1982 (Lvy and Killackey 1982) إقصاء مشابها لمحاور المندمل التى تظهر فى اللحاء الجدارى للفأر، والذى يحدث بين اليوم الثامن عشر واليوم العشرين بعد الولادة، وباتفاق مع أنوسينتى ولورى وزملائه، Innocenti, 1981; O’Leary et al., 1981 أشار إيفى وكيلاكى Lvy and Kallackey (1982) أن هذا الفقد للمحاور لم يكن نتيجة لموت الخلايا، وأنه – علاوة على ذلك – فإن العمليات الخاصة بالجانبية المثلية ipsilateral لهذه النيورنات قد استبقيت سليمة، وفى هذه الحالة، إذن فقد كان إقصاء المحاور المندملة إنتقائيا.

وقد لخص بيرفس وليشتمان Purves and Lichtman (1980) عدة ملاحظات عن الإقصاء بعد الميلادى للعناصر المحورية فى كثير من الأنساق النيورونية البسيطة بما فى ذلك العضلات المخططة والعقد العنقية العليا والغدة تحت الفك للفأر. وفى كل من هذه الأنساق النيورونية البسيطة بما فى ذلك العضلات المخططة، والعقد العنقية العليا، هناك اختزال لعدد المحاور التى تتعامل مع كل خلية مستهدفة ويعرب هذا الاختزال عن نفسه فى تقارب منقوص للمدخلات، على أن عدد المشتبكات لكل نهاية مستعادة يزداد فى نفس الوقت مما يعلى من فعالية التوصيلات المتبقية.

ونستطيع الوقل أن التطور “محافظ” ، بمعنى أن الآليات الفعالة على المستويات الأكثر بساطة، عادة ما يبقى عليها وتستعاد لتستعمل فى الأنساق والنظم المعقدة، لذلك فإن أقصاء مشتبكيا مبرمجا خلال المراهقة قد يظهر اختزالا منظما ثالثا وأخيرا للفائض العصبى، اختزالا يكيف الأنساق العصبية المتداخلة فى أكثر وظائف المخ البشرى تعقيدا وتميزا. ويمثل أحد النماذج الممكنة (للتفسير) أن المخ البشرى ينمى جوهريا كل التويلات البين نيورونية interneuronal (العصبية) المتوقع نفعها فى سنى الحياة الأولى طالما أنه لا يمكن مسبقا أن يحدد أى التوصيلات ستكون موضع طلب طالما أنه لا يمكن مسبقا أن يحدد أى التوصيلات ستكون موضع طلب أو حاجة. على أن فرط التوصيلات تفرض تكلفة أو ثمنا أساسيا على القدرة على فعلنة المعلومات، والدليل على هذه التكلفة هو عدم القدرة النسبى على تحمل التفكير المنطقى المطول الذى تتطلبه عمليات حل المشكلات المعقدة. وفى نهاية الطفولة عندما تتحدد أنواع الوصلات النيورونية (العصبية) التى يتطلبها التكيف من خلال تفاعل الفرد والبيئة، يحدث الإقصاء للوصلات قليلة الاستعمال.

والآن، كيف يمكن لمثل هذا الإقصاء أن يحدث؟ لقد ذكرنا من قبل إنه فى الإرتقاء المبكر يعتمد البقاء الحيوى العصبى (والمحاورى) على التنافس الناجح من أجل بعض العوامل الغذائية فى الخلية المستهدفة والتى تتدخل الوظيفة فى تنشيط تواجدها والمساعدة عليه (C. f. Hamburger and Oppenheim, 1982) وعلى ذلك فربما يحدث خلال مرحلة المراهقة نقص مبرمج فى توافر بعض العوامل الغذائية المشابهة والتى يتطلبها الاستمرار الحيوى للمشتبكات العصبية. وبالتالى، فإن ما يسبب الإقصاء المشتبكى قد يكون تنشيطا لحاجة المشتبكات العصبية للعناصر الغذائية، والذى يرجع للتغير فى الوسط النيوروكيميائى. ولأن المراهقة المبكرة هى مرحلة تغير عميق فى وظائف الغدد الصماء، ولأن عوامل هذه الغدد تلعب دورا هاما فى التحكم فى موت الخلية بالنسبة للكائنات الأكثر بساطة (C. F. Truman and Schwartz, 1982) فإن للمرء أن يميل إلى اعتبار أن هذه العملية تحركها، أو ربما تقودها كلية الآليات العصبية الأندوكرينية (الغدد صمائية).

ومن الطبيعى أنه لا يعمى الاختزال المتأخر للعمليات المشتبكية عن احترام فائدتها ومن ثم فإنه من الصعب أن تعزل تلك الوصلات التى تستعمل بكثافة فى حين تترك غير المطلوبة فى حالة سليمة، فأيا كانت العملية المتدخلة، فلابد لها أن أن تأخذ فى اعتبارها خبرة حياة الخلايا العصبية، أى تاريخ نشاطها. فإذا ما أخذ هذا التاريخ فى الاعتبار، فإن ذلك يسمح بدور ما للعوامل البيئية والخبراتية (بما فى ذلك الوجدانية (emotional فى النموذج المقترح هنا للباثولوجيا العصبية للفصام، كما ذكر زميلى الأستاذ سيمون أوستر Simon Auster (اتصال شخصى).

ولكن، هل احتمال أن المخ يستعمل آليات تحكم مشابهة لتلك المكتشفة فى تطور الجنين، هو احتمال بعيد ومجلوب أو مصطنع؟؟ أن الرأى المجتمع يفترض غير ذلك، فقد كتب الأستاذ “ديل برف” Dale Purves من جامع واشنطن يقول:

“إن فكرة التنافس بين الوصلات المشتبكية ليست وحدها ما يشغل علماء البيولوجيا العصبية الإرتقائية. فمن المعروف جيدا أن المحاور الناضجة تنبت وتصنع مشتبكات إضافية إذا قطعت مستهدفاتها بحرمان هذه المستهدفات من التزود بالأعصاب، وبالعكس، فإن محاور الراشد تستطيع أن تختزل عدد المشتبكات التى تصنعها على الخلايا المستهدفة تحت ظروف مختلفة. وهذه الظواهر تشير إلى أن عدد المشتبكات الموجودة أو الحاضرة حين النضج يستمر تنظيمه عن طريق التفاعلات عند مستوى الهدف، بالدرجة التى ينتظم بها التنافس بين الخلايا العصبية من أجل البقاء، فى مرحلة حياتية أسبق من مراحل النمو”.

(برف، سنة 1980 Purves, 1980 مع تأكيدات إضافية ص: 585 وقد صاغ هامبورجر وأوبنهايم وجهات نظر مشابهة:

(Hamburger and Oppenheim)

“بشكل أكثر عمومية، قد يكو الموت النيورونى هو أكثر الحالات تطرفا لما هو فى الواقع متصل من الحوادث النيروجينية النكوصية والتى لها دلالتها الأنتوجينية والفيلوجينية جميعا. فالإنتاج الخلوى المفرط، والنمو المتضخم والعمليات التشجيرية، والتكون المفرط للمشتبكات العصبية كل هذه قد تعكس فقط الحالات الواضحة والتى يعمل فيها النكوص على تشكيل النتاج النهائى ……” ص: 49.

وهما يذهبان للاشارة الى أن الاضطرابات فى هذه العمليات النضوجية قد تؤدى الى المرض، كما يمكنها كذلك أن تؤكد الفروق الفردية فى السلوك السوى:

“…………… ان احتمال أن ثمة تعطيلا للموت النيورونى الطبيعى هو عامل فى مختلف الاضطرابات المرضية، لا يمكن تجاهله، وان العيوب الجينية (الخلقية) فى عمليات موت الخلية يمكن أن تغير من عدد الخلايا أما مباشرة أو عبر النيورونات وقد تؤثر العوامل البيئية – كالأدوية التى تعطى للأم الحامل – على أعداد النيورونات بافساد العملية الطبيعية للموت الخلوى كما يمكن تخيل أنه حتى الاختلافات العصبية السلوكية الحميدة (غير المرضية) بين الأفراد الأسوياء – فى بعض الأمثلة – قد تكون مرتبطة باختلافات فى أعداد النيورونات الناتجة عن التغيرات الجينية أو الناتجة عن البيئة والمؤثرة فى الموت النيرونى” ص: 49

وقد وصل بيرف، وهامبورجر، وأوبنهايم purves, Hamburger and Oppenheim  وآخرون لوجهات نظرهم تلك من خلال ملاحظة الارتقاء المبكر للجهاز العصبى وقد وصلت مستقلا (Feinberg, 1982) الى تصور مشابه تقريبا، مما فرض على – كدليل ملزم رغم كونه ظرفيا – أن افترض أن اعادة تنظيم أساسية للمخ تأخذ مكانها فى مرحلة المراهقة البشرية وبطريقة لا تتغير وأن تغيرا مؤثرا ومعقدا يمكن أن يكون فى بعض الأحيان معيبا ومن ثم سببا لمرض عقلى.

منطلقات للبحث العلمى:

يبرز من هذه الأفكار الكثير من الموضوعات المتضمنة للبحث العلمى وأهمها هنا أن نفحص بدقة – فى المراهقة المبكرة – ما يتعلق بالموروفولوجى وخصائص الناقلات النيورونية، وعلاقات النيورونات الوظيفية، للبحث عن المعالم التشريحية المرتبطة بالتغيرات النضوجية فى أنماط ر.م.ك للنوم، والجهد المرتبط بالحدث (ج. م. ح)، ومعدل التمثيل الغذائى المخى، ومطاوعة المخ، والتفكير المنطقى المتماسك[20] ومن القياسات ذات الأهمية الدالة، ما يمكن أن يجرى من مزيد من القياسات المنهجية للكثافة المشتبكية كوظيفة للعمر ومن الضرورى واللازم قياس مستويات الناقلات العصبية والتى عرف أن بعضها يظهر تغيرات انتوجينية ملحوظة، وذلك بالتوازى مع الدراسات المورفولوجية (الهيكلية) وفى هذا السياق، نجد من المثير للأهتمام ان بتجرو وكازاماتسو Pettigrew and Kasamatsu, 1978 وكازاماتسو وبتجرو kasamatsu and Pettigrew 1976 قد أتيا ببيانات تشير الى أن مادة النور بنفرين norepinephrine نستطيع تسهيل اعادة تنظيم مطاوعة المخ عند القطط الوليدة والأكبر.

ويعتبر فرض الدوبامين[21] أقدر المفاتيح الى دراسة أسباب الفصام ولهذا السبب فأنه ذو أهمية خاصة أن يتحدد اذا ما كانت الكثافة المشتبكية فى الأنساق الدوبامينية تتغير بشكل ذى أهمية فىالمراهقة فاذا ما أخذت فى الاعتبار امكانية الشفاء التلقائى للفصام بالاضافة الى قدرة العقاقير ذات الأثر النفسى على التغلب على الأعراض الفصامية فأن هذا يرجح أن هذا الاضطراب قد يكون ناتجا عن “لا – تكامل” أو “لا – توصيل” جزئى أكثر منه كلى، لذلك فان هذا الاضطراب يبدو كميا أكثر من كونه اضطرابا كيفيا، وربما كان هذا هو ما يشرح الخداع فى تقييم المرض وقد لاحظ البحاث (بمن فيهم الكاتب) الذين عملوا تحت ظل تسهيلات ميسرة لرعاية مرضى الفصام المزمن، لاحظوا فى بعض الأحيان شفاء مذهلا، لمرضى أظهروا فصاما لا جدال حوله لسنوات عديدة وهذه الحقيقة – ان الأعراض الفصامية طويلة الأمد قد تشفى بتلقائية بمحض الصدفة – تعلن احتمالية أنه لا توجد تغيرات سلوكية ملحوظة فى هذا المرض لا يمكن البرء منها، وهى حقيقة ينبغى أن تشجع البحث فى هذا المجال.

وهذه الفكرة عن البحث عن الاضطرابات الكمية للتنظيمات المشتبكية فى مخ يحتوى على عشرة بلايين خلية عصبية (نيورون)، كل منها قادر على عدة مئات الآلاف من الوصلات العصبية، لا تبدو ملهمة حتى لأكثر مشرحى الأعصاب حرصا ووسوسة وقد يضيق نطاق البحث بعض الشئ ذلك الدليل المتاح عن اقصاء المحاور خلال الارتقاء فى مرحلة حديثى تلخيصها حديثا على يد برف، وليشتمان Purves and Lichtman 1980

وقد أشار هذان الباحثان الى أنه – كما فى الموت المبرمج للخلية – يتم الاقصاء النيورونى محكوما بالمردود أو العائد من الخلية المستهدفة، وأنه يبدو أن النيورونات المعصبنة innervating تتنافس على عامل غذائى لازم لاستمرار التوصيل، ويعتمد توافر هذا العامل على النشاط العصبى، وخلال الارتقاء المبكر لبعض الأنساق، ظهر أن المدخل غير المتزامن للهدف يدعم اقصاء المحاور.

فاذا كان الفصام ينتج عن خطأ ما فىالاقتصاء المشتبكى المبرمج، والمعد لكى يتحقق خلال مرحلة المراهقة فأن التتابع التالى للأحداث يمكن وضعه كفرضية محتملة:

فىالمراهقة المبكرة، تتغير البيئة النيورونية بطريقة ما لتسرع بشكل حاد من عملية اقصاء المشتبكات العصبية التى بدأت بسرعة أبطأ – منذ الطفولة، ومن التخمين المنطقى هنا أن التغير فى الوسط هو تحت سيطرة الغدد الصماء ومن الممكن تدريب هذه السيطرة، بتحديد مدى توافر، أو شدة الطلب على العامل الغذائى الذى يحافظ على الوصلات المشتبكية، وفى مثال واحد على الأقل من أمثلة الموت المبرمج للخلية، نجد أن هذا العامل هو البروتين، عامل نمو العصب (Purves 1980) وكنتيجة لحدوث اضطراب ما فى هذه العملية فأن مشتبكات أقل، أو أكثر مما ينبغى، أو مشتبكات غير مستهدفة، هىالتى تتعرض للاقصاء (وللأسف، نحن لا نملك أساسا لتقرير أى هذه الاحتمالات هو الأصح). وكنتيحة لهذا “الازعاج” فى البرنامج الجينى، تنشأ اضطرابات فى التكامل العصبى (النيورونى) منتجة أعراض الفصام فاذا كانت أنساق الدوبامين متورطة مباشرة فى سببية هذا المرض، فأنها قد تمارس التأثير بطريقة مخربة على انتاج هذا العامل الغذائى أو على الاستجابة له ومن المعروف أن مادة الدوبامين تلعب الدور الأكبر فى السيطرة على مستوى احد الببتيدات[22] العصبية (البرولاكتين)، وأنه لذو أهمية نوعية أن مجموعة فرعية من نيورونات الجهاز الحرفى الأوسط تحتوى على كل من الدوبامين والكوليستوكينين[23] (Hokfelt et al., 1980)

فاذا ما أخذنا هذه الاعتبارات مع تعليقاتنا الأسبق، فانها تشير الى أن الأبحاث الموجهة نحو اكتشاف البروتينات أو الببتيدات التى تعمل كعوامل غذائية متحكمة فى بقاء / اقصاء المشتبكات العصبية، بما يشمل النيورونات المحدثة المتكاملة، أى ذات التغذية الأمامية – والتى يتحكم ذيها نفسها، أو يتفاعل معها الدوبامين – هذه الأبحاث قد تلقى الضوء على سببية الفصام ويزيد الانتاج، أو الطلب على، هذه الموارد بصورة ملحوظة فىالمراهقة المبكرة، وقد يظهر منحنى موازيا لتلك المنحنيات الظاهرة فى شكل (1)، شكل (2) وطالما أن فهمنا لهذه العمليات هو على هذه الدرجة من الابتدائية، فأن هذه الملاحظات تدفع فى اتجاه الأبحاث الأساسية، أكثر منها الى الأبحاث الاكلينيكية.

ومن المتضمنات الأكثر عملية لتأملاتنا هذه، ما يمكن اجراؤه من فحص للأطفال الاكثر عرضة للاصابة بالفصام، بسبب معاناة أحد الآباء أو كليهما من المرض وهذه الدراسات تميل أساسا الى التركيز على سنى الرضاعة والطفولة المبكرة والفرض المتقدم هنا يشير الى أنه ينبغى أن يمارس تأكيد مساو على سنى المراهقة، طالما أن الاضطراب البيولوجى الجارى البحث عنه قد لا يعبر عن نفسه قبل البلوغ.

ولست احتاج هنا الى تأكيد الطبيعة التأملية لهذه المناقشة، فاحتمال التخمين المصيب لآليات المخ المسببة للفصام، من خلال معرفتنا المحدودة، هو احتمال صغير لدرجة التلاشى ولكنى مع ذلك، آمل أن يثبت هذا المقال نفعا للأطباء النفسيين من ثلاث أوجه على الأقل:

أولا: هو تذكير مهنتنا أننا لا نعرف لماذا تكون بداية الفصام عادة فى مرحلة المراهقة، وان هذه الظاهرة تبقى على جزء هام من الحيرة والارباك وثانيها: هو الاشارة الى الدلائل المنتشرة والموسعة على أن أعادة تنظيم كبرى لوظائف المخ تقف وراء التغيرات السلوكية فى المراهقة وأن هذا الاحتمال لابد أن يؤخذ فى الحسبان حين التنظير السيكولوجى.

وثالثها: هو توجيه الانتباه لظاهرات التنافس النيورونى والموت المبرمج للخلية واقصاء المشتبكات العصبية وهو ظاهرات مثيرة للاهتمام بشكل فائق كآليات تطورت لتنظيم ارتقاء المخ، واستمرار وظائفه بدرجة لم تزل غير محدودة وقد أشار بيرف Purves 1980 حديثا للأهمية الشاملة لهذه العمليات عندما علق قائلا:

“يظهر اذن التنافس النيورونى كدال أو مؤشر على عمليات هامة كانت تبدو من قبل غير مترابطة: (موت النيورون، الخلية العصبية)، اقصاء المشتبكات العصبية عند حديثى الولادة، فى كل من المشتبكات الطرفية والمركزية وفى كل من التكاثر والنكوص أثناء النضج وهكذا، فأنه يبدو أنه (اى التنافس النيورونى) سيكون أحد المباحث السائدة فى علم اليولوجيا العصبية لوقت قادم”.

حواشى

1 – ذكر هتنلوكر Huttenlocher at al., 1982 حديثا اكتشافات فى اللحاء البصرى تتسق مع ملاحظاته الأولية عن اللحاء فى الفص الجبهى ففى اللحاء البصرى يكتمل اختزال الكثافة المشتبكية الى مستوى الراشد فى عمر أسبق (حول عمر 11 سنة) منه بالنسبة لما يحدث للحاء فى الفص الجبهى، وهذا مما يمكن توقعه بالنسبة لنسق أبسط وأقل مطاوعة.

وقد أشار هتنلوكر وزملاؤه  Huttenlocher et al. أيضا الى أن التغير فى كثافة المشتبكات العصبية لم يكن ملاحظة خادعة أو مزيفة من جراء التغير فى حجم اللحاء فحجم اللحاء البصرى ذو حدود مضبوطة تشريحيا (بالمقارنة مع حدود اللحاء الجبهى)، مما يجعله حساسا للقياسات، انما يصل الى مستوى حجمه النهائى (حجم اللحاء البصرى للراشد) عند عمر حوالى السنتين ولنا أن نأمل أن تثير هذه الملاحظات المزيد من الفحوصات مما يتيح الفرصة لمقارنة المنحنيات المتوفرة للارتقاء المشتبكى عبر العمر مع منحينات لأوجه أخرى من أوجه ارتقاء المخ.

2 – فى تقرير حديث لشوهارى، هان (N. Chaudhari and W.E. Hahn 1983) طرح اساس جزيئى للتغيرات النضوجية للمخ التى أشير اليها هنا (فى هذا المقال) فقد وجد الباحثان تزايدا متدرجا فى مركب، غير متعدد الادينيلات nonpolyadenylated من نوع حامض الريبونيوكليبك الحامل Messenger فى الفئران، وهذا التزايد المتدرج بواكب التقدم فى العمر، وقد تعمل تسلسلات هذ المركب النادرة (poly A) كجينات منظمة وهذه التسلسلات تكون غائبة عند الولادة، ولا يتم الوصول اليها نهائيا الا عند مرحلة الشباب الراشد وقد ذكر شوهارى، وهان Chaudhari and Hahn:

“أن حوالى 20% من هذا المركب (poly A) عند الراشد – وكم يبدو هذا مدهشا – تكون غائبة عن البوليزوم Polysomes حتى بعد 35 يوما من الارتقاء بعد الولادى، مما يشير الى ظهور بروتين جديد فى المخ خلال مرحلة الارتقاء من المراهقة حتى الرشد…”

(ص: 926).

وقد أجريت هذه الدراسات على الفئران، ولكن الباحثين قررا “ان البرنامج الممتد الذى يظهر خلال أيام قلائل من الارتقاء بعد الولادى لمخ الفأر – حتى ولو كانت الحالة هى حالة المخ البشرى – قد استهلك اعواما ليكتمل ويبدو أن مدخلات بيئية متنوعة، بما فى ذلك المحيط الواسع من التفاعلات الاجتماعية، تؤثر على حاصل الارتقاء بعد الولادى، بصورة هى أكبر على بعض الأنواع منها على غيرها وهذه الافتراضات تنسق كلية مع تأملاتنا نحن وبالاضافة الى ذلك، فأن عمل شودهارى، وهان Chaudhari and Hahn يفتح الباب لاتجاه هام وجديد للبحث فى هذه المشكلة.

ترجمة: محمد يحيى

REFERENCES

Bleuler, E. (1950) Dementia Praecox or the Group of Schizophrenias (Translated by Zinkin, J.). International Universities Press, New York.

Borbely, A.A. (1982) Sleep / wake – dependent and circadian aspects of sleep regulation. Paper presented at the Sixth European Congress on Sleep Research, Zurich, Swizerland.

_______ Baumann, F., Brandeis, D., Strauch, I. and Lehmann, D. (1981) Sleep deprivation: effect on sleep stages and E.E.G. Power density in man. Electroenceph. Clin. Neurophysiol. 51, 483 – 493.

Changeux, J.P. and Dachin, A. (1976) Selective stabilization of developing synapses as a mechanism for the specificationof neuronal networks. Nature 264, 705 – 712.

Chaudhari, N. and Hahn, W.E. (1983) Genetic expression in the developing brain. Science 220, 924 – 928.

Conel, J.L. (1930 – 1963) The Post-Natal Development of the Human Cerebral Cortex, Vols I-V. Harvard University Press, Cambridge, MA.

Courchesne, E. (1977) Event-related brain potentials: comparison between children and adults. Science 197, 569 – 592.

Cowan. W. M. (1973) Neuronal death as a regulative mechanism in the control of cell number in the nervous system. In Development and Aging in the Nervaus System (Edited by Rockstein, M.), pp 19 – 41. Academic press. New York.

Cragg, B. C. (1975) The density of synapses and neurons in normal, mentally defective and ageing human brains. Brain 98, 81 – 90.

Dobbing. J. and Sands, J. (1973) Quantitative growth and development of human brain. Arch. dis. Child. 48, 757 – 767.

Dreyfus-Brusac, C., Samson, D., Blanc, C. et Monod, N. (1958) L’electroencephalogramme de Penfant normal de moins de 3 ans. Etudes neoatal 7, 143 – 175.

Elul, R. (1972) The genesis of the EEG. In International Review of Neurobiology, Vol. 15 (Edited by Pfeiffer, C.C. and Smythies, J.R.), PP. 228 – 272. Academic Press, New York.

Evarts. E.V. (1971) Feedback and corollary discharge: a merging of the concepts. Neurosci. Res. Prog. Bull. 9, 86 – 112.

Eeinberg, I (1974) Changes in sleep cycle patterns with age J. Psychiat. Res. 10, 283 – 306.

_______ (1976) Functional implications of changes in sleep physiology with age In Neurobiology of aging (Edited by Geshon, S. and Terry, R. D.), Raven Press, New York.

________ (1978) Efference copy and corollary discharge: implications for thinking and its disorders. Schizophrenenia Bull 4, 636 – 640.

________ (1982) Schizophrenia and late maturational brain changes in man. Psychopharmac. Bull 18 (3), 29 – 31.

________ and Carlson, V. R. (1968) Sleep variables as a function of age in man. Archs gen. Psychiat. 18, 239 – 250.

_______ and Evarts, E. V. 91969) Charging concepts of the function of sleep: discovery of intense brain activity during sleep calls for revision of hypotheses as its function. Biol. Psychiat. 1, 331 – 348.

________ and Floyd, T. C. (1982) The regulation of human sleep: clues from its phenomenolyg. Hum Neurobiol. 1. 185 – 194.

________ and Hiatt, J. F. (1978) Sleep patterns in schizophrenia a selective review. In Sleep Disorders: Diagnosis and Treatment (Edited by illiams, R. L. and Karacan, I), pp. 205 – 231. John wiley, New York.

_______ Hibi, S. and Carlson, V. R. (1977) Changes in the EEG amplitude during sleep with age In Aging Brain and Semile Dementia (Edited by Nandy, K. and Sherwin, I.) pp. 85 – 98. Plenum Press, New York.

_______, Koresko, R. L. and Heller, N. (1967) EEG sleep patterns as a function of normal and pathological aging in man. J. psychiat. Res. 5, 107 – 144.

______ and Laycock, F. (1964) The ability of blind folded children to use landmarks to lokate a target. Child devel. 35, 547 – 558.

Freyhan, H. A., Woodford, R. B. and Kety, S. S. (1951) Cerebral blood flow and metabolism in psychoses of senility. J. nerv. Ment. Dis. 113, 449 – 456.

Goodin, D. S., Squires, K. C., Henderson, B. H., and Starr, A. (1978) Age – related variations in evoked potentials to auditiory stimuli in normal human subjects. Electroenceph. Clin. Neurophysiol. 44, 447 – 458.

Hamburger, V. and Oppenheim, R. W. (1982) naturally occuring neuronal death in vertebrates. Neurosci. Commentaries 1 (2), 39 – 55.

Hokfelt, T., Johansson, O., Ljungdahl, A., Lundbreg, J. M. and Schultzberg, M. (1980) Peptidergic neurones. Nature 284, 515 – 521.

Huttenlocher, P. R., de Courten, C., Garey, L. J. and Van Der Loos, H. (1982) Synaptogenesis in human visual cortexevidence for synapse elimination during normal development. Neurosci. Lett. 33, 247 – 252.

Innocenti, G. M. (1981) Growth and reshaping of axons in the establishment of visual callosal connections Science 212, 824 – 827.

Lvy. G. O. and killackey, H. P. (1982) Ontogenetic changes in the projections of neocortical neurons. J. Neurosci. 2 (6), 735 – 743.

Jackson, J. H. (1958) Selected writings, Vol. 1 (Edited by Taylor, J.) Basic Books, New York.

Kasamatsu, T. and Pettigrew, J. D. (1976) Depletion of brain cathecholamines: failure of ocular dominance shift after monocular occular dominance shift after monocular occlusion in kittens. Science 194, 206 – 209.

Kety, S. S. (1956) Human cerebral blood flow and oxygen consumption as related to aging. Assoc. Rssoc. Res nerv. Ment. Dis. 35, 31 – 45.

_______ and Schmidt, C. F. (1948) The nitrous oxide method for the quatitative determination of cerebral blood flow in man: theory, procedure and normal values. J. clin. Invest. 27, 476 – 484.

Lassen, N. A. Feinberg. I. and Lane, M. H. (1960) Bilateral studies of cerebral oxygen uptake in young and aged normal subjects and in patients with organic dementia. J. clin, Invest. 39, 491 – 500.

May, J. 91931) the dementia praecox – schizophrenia problem. Am. J. Psychiat. 88, 401 – 466.

Moruzzi, G. (1966) The functional significance of sleep with particurar regard to the brain mechanisms of underlying consciousness. In Brain and Conscious Experience (Edited by Eccles, J. C.) pp. 345 – 388. Springer, New York.

O’Leary, D. D. M., Stanfield, B. B. and Cowan, W. M. (1981) Evidence thar the early postnatal restriction of the cells of origin of the callosal projection is to the elimination of axonal collaterals rather to the death of neurons. Devl Brain Res. 1,607 – 617.

I’armalee,A. H, Jr., Wenner, W. H., Akiyama Y. Stern, E and Flescher, J. (1967). Electoencephalography and brain maturation. In Regional Development of the Blakwell, Oxford.

Pettigrew , J. D. and Kasamatsu, T. (1978) Local Perfusion of noradrenaline maintains visual cortex plasticity. Nature 271, 761 -763.

Purves, D. (1980) Neuronal competition. Nature 287. 153 – 586.

Purves, D. and Lichtman, J, W. (1980) Elimination of synapses in the developing nervous system. Science 210, 153 – 157.

Satz, P. and Bullard-Bates, C. (1981) Acguired aphasia in children In Acquired Aphasia (Edited by Sarno, M, T.) PP. 399- 426. Academic press, New York.

Truman, J,W. and Schwartz, L. M. (1982) Insect systems for the study of programmed neuronal death. Neurosci, Commentaries 1 (2), 66 – 72.

Williams, R, L. Karacan, I. and Hursch C.J (1974) Electroence- phalograpy  (EEG) of Human Sleep Clinical Applications. John Wiley, New York.

تعقيب ودعوة

سواء قرأ القارئ المتن كله (المقال الأصلى) أم اكتفى بالموجز، فنحن ندعوه للحوار، وسوف نقوم جانبنا بارسال هذا العرض الى زملاء مختصين، وعقول قد يهمها “الأمر”، وسوف نحاول أن ننشر تعقيباتهم تباعا، ونرجو أن يقبل القارئ الجاد هذه الدعوة بكل ما نحتاجه – ويحتاجه – من رغبة فى الاسهام والمشاركة. ونحن نظرح – كبداية – عدة اسئلة ورؤوس مواضيع، لا أملا فى اجابة محددة أو طلبا لفتوى واضحة، ولكن كمثيرات للمناقشة أساسا:

1- هل التكلم عن النفس بلغة بيولوجية يقربنا اليها اكثر أم يبعدنا عنها أكثر.

2- هل احتكار أبجدية التحليل النفسى (القصد.. والجنس .. والسبب الطفلى…. الخ) لأفكار العامة عن ما هو “نفس” هو فى صالح معرفة النفس أكثر، أم العكس.

3- هل الحديث عن “الفروض” المتعلقة باحتمالات معرفة النفس محتمل فى مرحلة نضجنا الحالى، أم أننا سوف نظل نندفع اكثر فأكثر الى التسليم للايهام بالمعلومات الجزئية كأنها الحقائق المنقذة.

4- هل مشاركة غير المتخصص وتفتح له آفاقا جديدة حقا أم أنها سوف تبذل المرعفة فى أيدى من لا يقن التناول؟

وبالنسبة للمقال بوجه خاص:

1- ألا يدعونا مثل هذا الطرح الى النظر فى أن الوظائف النفسية (فى السواء والمرض) أنما تتم فى المخ، لا فى الهواء الطلق؟

2- هل وفق كاتب المقال فى حل مشكلة “ظهور الفصام فى فترة المراهقة” بالفرض الذى طرحه؟

3- الى أى مدى دفعه حماسه لوجهه نظره تلك الى افتعال الأدلة واقحام حقائق غير متعلقة؟

4- هل يمكن أن يسمى مثل هذا التفكير، بما أشيع عن الكاتب من أنه “منظر مرفه” (يكتب من على مقعد وثر)، لا يعانى ما يعانيه نساك المعامل العمليين؟

5- كيف اثبت الكاتب أننا نحتاج لاستيعاب الجزئيات فى فروض أشمل بنفس القدر الذى نحتاج فيه الى اتقان رصد هذه الجزئيات حتى ولو لم تندرج – مرحليا – ضمن فرض أشمل؟

6- ما هى سلبيات التسليم لهذا الفرض على علاته جملة وتفصيلا؟

7- ماهى الانبعاثات التى يمكن أن تنطلق من هذا الفرض، ترده، أو تعدله، أو تطوره؟

وغير ذلك من الأسئلة التى لابد وان يثيرها مثل هذا الفكر المتميز والى العدد القادم فى انتظار المشاركة حتما.

[1] –  قدم هذا البحث فى صورة مبدئية فى الاجتماع السنوى للكلية الأمريكية للفارماكولوجيا العصبية American college of neuropsycho-pharmacology

  • سنسميها بعد ذلك “فاصلة: الحدث / الجهد” حيث ستتكرر كثيرا، وذلك ترجمة لــ Latency of event-related potential

وهى المدة  (الزمن) الواقعة بين “الحدث” وظهور الجهد الكهربى المتعلق به فى رسام المخ الكهربى

(ملحوظة: الهوامش المسبوقة بالنجوم هى هوامش مؤلف المقال الأصلى، أما المسبوقة بالأرقام فهى هوامش المترجم والتحرير).

[2] – ذكرت الفصام هنا بصيغة مفردة بغرض التسهيل، وهذا لا يعنى أبنى أعتبره هوية منجانسة وذات سببية محددة، بل ان العكس محتمل، وفى هذا البحث، يستخدم مصطلح الفصام ليميز احدى المجموعات الفرعية (المؤلف) (ونضيف احتمال أنه يعنى الفصام من النوع المزمن غير المتميز، أو الهبيفرينى (chronic unidifferentiated or hebephrenic

(المترجم: والفصام عموما هو أخطر الأمراض العقلية وأكثرها دلالة، وهو تفسخ بين مكونات المخ، واغتراب فى الوجود، وتباعد فى الوظائفن وابتعاد عن الواقع، وفقد الفاعلية نتيجة لكل ذلك).

[3] – “ر.م.ك.” هو الرمز الذى نقترحه اختصارا لـــ “رسام المخ الكهربائى” مقابل E.E.G. ، وقد نستعمل لفظ “رمك” لاختصار أكبر، ونرجو أن نجد تجاوبا من المترجمين لهذه المحاولة – اذ ينبغى علينا أن نبدأ بالمغامرة ببحث الألفاظ التى لابد أن تستقر مع وفرة الاستعمال فالتعود.

[4] – موجات دلتا هى موجات تعد من علامات موجات “رمك” لغير الناضجين، فهى غير موجودة فى الناضج اليقظ الواعى وهى توجد فى حالات مرضية مثل الأورام فى المخ، بعض حالات الصرع، وحالات اضطرابات الدورة الدموية فى المخ وغيرها.

أما مغزليات سيجما فهى ظاهرة عرضية تتكون من الموجات الكهربية مغزلية الشكل ويطلق عليها “مغزليات النوم”، وهى موجات سريعة، تحدث أثناء المرحلة رقم 2 من النوم أى أثناء النوم “ندحعس”.

أما مركبات ك فهى مجموعات من موجات كهربائية تظهر فى عموم مناطق المخ أثناء مراحل النوم العميق، غالبا، باستجابة لضجيج أو أى مثيرات خارجية وعموما فأن رسام المخ الكهربى هو مقياس اجمالى للجهد الكهربى بين نقاط متعددة من المخ أو الرأس.

[5] – هذان اختصاران سبق استعمالهما لكل من نوعى النوم (دليل الطالب الذكى فى علم النفس والطب النفسى) الجزء الأول، يحيى الرخاوى – دار الغد للثقافة والنشر، القاهرة 1982.

[6] – فى المراحل المتأخرة من العمر تقل نسبة الموجات كبيرة السعة – موجات ألفا – وتميل الى البطء قليلا.

[7] – الميلين هو المادة الدهنية التى تغطى المحاور للخلايا العصبية، ولها وظائف هامة فى الترابطات، وكونها لا تغطى كل المحاور لحظة الولادة، ثم تتواصل العملية التى أسميناها هنا “التملين” أى التغطية بالميلين بعد الولادة ولفترة طويلة من العمر حتى المراهقة، يعطى أهمية هائلة دور المعلومات والأنظمة البيئية فى نمط التملين وترتيبه حسب مستويات التنظيم وطرائق التوصيل.

[8] –  ان الجزء الأكبر من التغيرات الموصوفة هنا يحدث بين عمرى عشرة وأربعة عشر عاما، ولكن معدل التغير يظل ثابتا حتى نهاية العقد الثانى من العمر، حيث يصبح أبطأ كثيرا.

[9] – تعبير مطاوعة Plasticity  المخ يشير الى قدرة المخ على التشكل واعادة التنظيم حسب الاحتياجات الوظيفية والبيئية وكذلك كتعويض لاى تلف يمكن أن يلحق به.

[10] – كلمة “أيض” هى الكلمة التى ارتضاها المجمع اللغوى ترجمة لكلمة Metabolism  اى التمثيل الغذائى.

[11] –  طريقة أكسيد النتروز طريقة لقياس استهلاك الاكسجين فى المخ، وان كانت قد حلت محلها طريقة أقل خطرا (واقتحاما) سيأتى ذكرها  فى المتن.

[12] – هذ الأسلوب هو المعروف شيوعا بالرسم بالكمبيوتر حيث يظهر فيه المخ وخاصة ما يحوى من تجاويف (بطنيات) وما يحاط به من مجارى حول التلافيف.

 [13]- هذه ترجمة لكلمة Aphasia وهى تعنى عادة العجز عن النطق رغم سلامة أعضاء النطق الطرفية،و هى أنواع متعددة، وتتصل باصابة مراكز الكلام العليا فى المخ اساسا.

[14] – لايبدو أنه بلانسبة لأى حدث يمكن لمنحنى عمر واحد أن يمثل كل الوظائف المطاوعة للمخ، وافتقاد القدرة على الشفاء من الاصابة المخية ربما يمثل علاقة مختلفة بالعمر عن تلك التحديات الأقل تطرفا التى نواجه المطاوعة، كتعلم لغة جديدة مثلا أو تحصيل مهارات نفسية حركية معقدة (انظر((Feinberg and Carlson 1968 لمناقشة العلاقات بين العمر والكثير من اتلحليات السلوكية للمطاوعة).

[15] – ترجمة لـSeizure threshold وهو الحد الأدنى من قوة المؤثر اللازم لاحداث التهيج اللازم فى النيورونات لبدء نوبة تشنجية صرعية وهو يعتمد على متدرج تركيز الصوديوم عبر جدار النيورون.

[16] – المدخل (بضم الميم) يشير الى كم المعلومات الواصلة الى المخ عبر الحواس عادة، ونقص نسبة المدخل الى عدد الخلايا العصبية (مدخل / نيورون) يعنى أن الخلية تتعامل مع قدر مناسب من المعلومات المتاحة، أما زياددة نسبة المشتبكات الى المدخل فهو يعنى أن قدر المعلومات الضئيلة يمكن أن تتنوع ارتباطاته طالما أن المشتبكات الموصلة أكثر. وهذا وذاك علامات تطور افضل.

[17] –  نحن بالطبع لا نأخذ هذه” البساطة” على أى محمل حرفى، فنحن نعترف كذلك ان تغيرات غائرة فى هذه العمليات المعرفية قد ظهرت تجريبيا فى الفصام، وعلى أية حال فانه ليس ومن الواضح بعد ما اذا كانت أى من هذه التغيرات جوهرية بالنسبة لباثولوجيا الفصام، فقد تكون كلها ظواهر ثانوية ناتجة عن درجات متباينة من التعاون بين مستويات الاستثارة، وتأثير العلاجات … الخ.

[18] – تمت دراسة هذه الآليات فى علاقتها بالتحكم فى الحركة (انظرEvarts 1971) فاذا كان الأمر كما تصور جاكسون سنة 1978(Jackson,1978) أن الأفكار هى أكثر الحركات نعقيدا، فأن مفس آليات التحكم ممكن أنت تمارس فعلها هنا.

[19] – هذه ترجمة بتصرف لتعبير Feed Forward – حيث أنه يقابل التعبير الشائعFeed-back والذى يطلق عليه: التغذية المرتجعة (وهناك تحفظ على كلمة تغذية باعتبارها خاصة بالطعام ولكن الواقع أنها أنسب كلمة ما هى ارتقاء ونمو فى هذا المقام) – وقد فضلنا كلمة الانبعاثية عن الأمامية لأنها تعنى واقع العملية حيث تشير الى الاطلاق التلقائى دون اعتماد مباشر على مثير راجع، أى أنها انبعاث طبيعى (دورى غير ذلك).

[20] – لابد وأن تصبح الدراسات لمثل هذه الأسئلة على الانسان غير مباشرة وستكون فى غاية الصعوبة ولست أدرى اذا كانت الحيوانات وثيقة الصلة كالشمبانزى تمر بخبرة ارتقاء المخ فى المراهقة بطريقة يمكنها معها أن توفر نموذجا لدراسة تغيرات مخ الانسان أم لا.

[21] – ينشأ هذا الفرض من ملاحظة أن كل العقاقير المؤثرة فىعلاج الفصام تجمد تحبط مستقبلات الدوبامين وتحدث أعراضا خارج هرمية Extrapyramidal وطبيعى أنه يظل محتملا أن العقاقير العصبية تعمل لعكس اضطراب وظيفى منشأ من خارج الجهاز الدوبامينى أصلا وفى هذه الحالة يمكن أن يحسنوا مرض الفصام من خلال تغير الميزان ما بين الجهاز الدوبامينى السوى وبين هذا الجهاز المجهول فى المخ (المسئول عن الاضطراب أساسا).

[22] – الببتيد Peptide هو المركب المكون من أحماض أمينية ولقد أشارت الدراسات الحديثة الى وجود خواص سلوكية للبيتيدات المختلفة والى عملها كموصلات عصبية، بالاضافة الى تأثيراتها الهرمونية المعروفة سابقا ويعتبر المخ والغدة النخامية من المراكز الهامة فى الجسم التى تقوم بتخليق هذه الببتيدات.

[23] – الكوليستركاينين من الببتيدات المعروفة ومعروف عنه أنه يؤدى الى تفريغ محتوى الحوصلة الصفراوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *