اليوم السابع
الخميس : 29-8-2013
“..وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”
“العدل”، هذا الاسم القريب البعيد، الشائع الغامض، الله تعالى هو العدل. وصلنى هذا الاسم بكل جلاله وكنت أحسب أن “العادل” هو من أسماء الله الحسنى، وإذا به “العدل” “الرحمن” “الرحيم”، سبحانه وتعالى عما يصفون.
حين ننزل إلى المستوى البشرى، ونرى كيف وصل بنا الحال إلى استعمال لفظ وقيمة “العدل” بما لا يليق، ولا يجوز، لا بد أن نرعب لما آل إليه حالنا وقد ابتذلنا هذا اللفظ الكريم إما بسوء فهمه، أو سوء استعماله، أو تشويه ما يتعلق به
أحيانا يختلط الأمر على البعض فيتصورون أن العدل مرادف “للمساواة”، وهذا خطأ صرف أللهم إلا إذا قصدنا المساواة فى الفرص والحقوق وليس فى العائد والجزاء، وأحيانا أخرى كثيرة جدا، بل غالبة، نتصور أننا نمارس ما هو عدل، لكنه ليس كذلك نتيجة للتحيز فى انتقاء المعايير مثل المطففين ،”…. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ..”، وهذا ما يسمى باللغة الحديثة “الكيل بمكيالين”، وهو ما دأبت على استعماله الدول الأقوى، بل والمحافل الدولية فى التفرقة فى التعامل والأحكام، بين الأقوى والأغنى فى مقابل الافقر والمستضعف.
ما حدث مؤخرا فى المحيط الداخلى عندنا ، كان من أبشع أشكال التشويه التى ألحقناها بهذه القيمة المقدسة الأعظم، سواء فى تجاوز القوانين، أو التزوير الصريح والخفى، أوعقد محاكم المتظاهرين عشوائيا فى الشوارع والميادين، أو الاحتجاج ورفض الأحكام المدعمة بمبدأ الشرعية، ، أو بإصدار بيانات من أعلى سلطة مسؤولة ومراسيم تهين القانون، وتهمش رجاله ، وتبطل قراراتهم وتجرح قيمتهم، الأمر الذى وصل إلى الحيلولة – بالتظاهر– بينهم وبين الوصول إلى مقارهم لأداء وظائفهم، كذلك وصل القبح والتطاول إلى تهديد حياتهم إن لم تصدر الأحكام على هوى أصحاب الغرض.
مستويات العدل وتجلياته عديدة ومتصاعدة، إليك بعض عناوينها إلى أن أعود إليها:
يبدأ صعود سلم العدل البشرى: من حظـّابط النباطشى، إلى النيابة، إلى المحكمة الابتدائية، إلى محكمة الاستئناف، إلى محكمة النقض، إلى المحكمة الدستورية، بما يعنى أن الخطأ وارد، والتصحيح محتمل ومنظَّم وملزِم طول الوقت، فإذا تمادى خطأ البشر ولم يمكن اصلاحه بعد كل هذه الدرجات فعدل الله سبحانه لهم بالمرصاد.
وعلى المستوى الشخصى: يبدأ تطبيق العدل من محكمة الضمير (الوعى الأخلاقى المكتسب) إلى البصيرة (حكم الفطرة الإيمانية السليمة) إلى الوعى بالكتاب الذى “….لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً” إلى الوعى بالمسؤولية عن ذرات الزمن وذرّات العمل “… فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه”
ولكل هذا حديث مفصل أرجو أن أعود إليه
“..وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ”