الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / وكل عام وأنت فرحان (أحيانا) ما أمكن ذلك؟

وكل عام وأنت فرحان (أحيانا) ما أمكن ذلك؟

“يومياً” الإنسان والتطور

 1 – 10 – 2008

السنة الثانية

العدد: 397

وكل عام وأنت فرحان (أحيانا)

ما أمكن ذلك؟

 

كنت قد أعددت لنشرة اليوم مقتطفاً من آخر جلسة من إحدى مجموعات العلاج الجمعى، بعد أن أتمت المجموعة المدة المتفق عليها، وهى عام كامل، أتمته بتاريخ 25 يوليو 2007 فى قصر العينى، نعم كانت آخر جلسة، ومع ذلك نشأت اللعبة مُقلقلة مغيرة، وكان التفاعل الذى سمح بظهورها يجرى حول تقييم خبرة العلاج إثنى عشر شهرا.

اللعبة هى عبارة ناقصة يقولها كل أفراد المجموعة، مرضى ومعالجين. ويكملها كل واحد كيفما اتفق (كما أعتدنا) العبارة تقول:

“لو كنت عارف إن الموضوع كده ….”

والمشارك يكمل العبارة دون محاولة تحديد: أى “موضوع” أو أى “كده”،

 بل إن مسار النقاش واللعب أبعَدَنا عن فكرة تقييم التجربة العلاجية وهى تنتهى، وبدت اللعبة قادرة على استثارة “أى” “موضوع” و”أى” “كده”.

حين فرّغنَا مادة اللعبة من التسجيل، وبدأتُ مهمة الكتابة تعجبت كالعادة حين حاولت تقديم ما دار وتفسير بعضه، مع أن اللعبة لم تستغرق سوى دقائق معدودة، تعجبت حين طالت منى الشروح والاحتمالات، والنقد والمراجعة حتى وصلت النشرة إلى ثلاث نشرات قدرت أنها تحتاج إلى ثلاث أسابيع متتالية كل يوم أربعاء تُذَكِّرنا بالألعاب وأيامها.

فجأة اكتشفت وأنا أهم بإرسال أول حلقة للسكرتارية لتظهر يوم الأربعاء، اكتشفت أن ظهورها سوف يوافق اليوم الأول من أيام عيد الفطر المبارك، وبما أنه كل سنة وأنتم ونحن طيبون فاعلون مجتهدون قادرون معاندون صبورون، هذا ما نتمناه، فقد خجلت من نفسى أننى نسيت هذه المناسبة، فى هذا اليوم المفترج.

ثم انتبهت أننى اليوم – الأربعاء – سوف أنشر التعتعة الأسبوعية التى سوف تصدر فى صحيفة الدستور بعد أن حكموا على رئيس تحريرها بالسجن شهرين لأنه قال للرئيس “سلامتك ألف سلامة”، ووجدت فيها من الطرافة والأمل ما يناسب تهنئة أصدقاء الموقع بالعيد.

فقلت نقتطف منها الجزء الطيب، ونكمل الباقى خفيفا خفيفا بما يناسب العيد، ثم حضرتنى طرائف باسمة متعلقة باللعبة المؤجلة فقلت نبدأ بها:

طرائف:

لعل فيما يلى ما يجعلك “تبتسم  – فى العيد- من فضلك” برغم كل الظروف

الطرفة الأولى:

 ابراهيم عيسى يلعبها هكذا:

“أنا لو كنت أعلم إن الموضوع كده …. كنت دعيت للرئيس بالسلامة فى سرى” (لم يقل كنت “دعيت عليه”، بعيد الشر، وإبراهيم رجل طيب وطنى متحمس لا يضمر شراً لأحد، وابنه اسمه “يحيى”!)

الطرفة الثانية:

كان استاذى فى الجراحة العامة قد عدل عن ممارسة الجراحة فى الخمسينات لنفس السبب (الذى جاء فى اللعبة)، ذلك أنه لم يكن “يعرف أن الموضوع كده”، لقد ذاكر كُتب الجراحة بأقل قدر من التدريب، حتى حصل على درجة الدكتوراه وعين مدرسا بالجامعة، والجراحة جراحة، فهى فن شديد الحساسية وليست مجرد مذاكرة، وسمعنا أن استاذنا الفاضل هذا حين دخل حجرة العمليات فى عملية كبيرة ورأى الدم والورم و … و…. ضربت معه لخمة، فنظر إلى مساعده (الأقل حفظا للكتب، لكنه أكثر مهارة) وقال بصوت عال سمعه كل من كان فى حجرة العمليات: “كان مَالَك وما للجراحة يا فلان (يخاطب نفسه)”… فصارت مثلا،

 وعدل هذا الاستاذ الطيب عن ممارسة الجراحة،

ترك هذا الأستاذ الأمين الجراحة إلى علاج الأورام بالعقاقير والأشعة … الخ ولسان حاله يقول:

“لو كنت أعرف أن الموضوع كده”…. ثم: كان مالك ومال الجراحة يا……

(هى لا تكون طرفة إلا إذا ذكر اسمه، كما رحنا نردده عشرات السنين)

الطرفة الثالثة:

هاجر زميلى – أكبر منى بعام واحد – فى قسم الطب النفسى قصر العينى عام 1960 وهو الذى علّمنى ألف باء الطب النفسى وأنا بعد طبيب امتياز، هاجر وأوصانى بوالديه خيرا، ورحت أزورهما بانتظام، أطمئن على الصحة، وأجيب لهما بعض الطلبات الخفيفة، أحيل الوالد المدرس/الموجه إلى المعاش ووجد نفسه فى فراغ فشارك بقالا مجاورا يتسلى معه، وضحك عليه البقال، فضاع أغلب مال الرجل، لقلة خبرته وضعف ذاكرته معاً، وحين زرته وهو فى هذه الحال، وكانت حماته (75 سنة) حاضرة، واسيتُهُ وطمأْنتُه ودَعا لى، وحين التفتُّ إلى حماته أطمئنها بدورها، وكان قد مضى على زواجه من ابنتها ما يقرب من أربعين سنة، راحت تسألنى كأنها تحقق معى وأنا أجيب بأن ما به هو حكم السن، وظروف الفراغ بعد المعاش وفساد ذمم الناس… والمرض.. الخ، إذا بها تقول رافضة حالته ومرضه جميعا، وتقول ما يشبه اللعبة بالضبط:

“يالهوى”!! دا انا لو كنت عارفة إنه كده ماكنتش اديته بنتى!!

(تذكّر أن الزواج كان قبل أربعين سنة!!)

الطرفة الرابعة:

سمعوا عن كفاءته استاذا فى الجامعة، وهو صديق لرجل مهم، له علاقة وثيقة بناس مهمين، وهو حسن النية يحب البلد فى أوقات فراغه، ويعرف طريقا إلى السلطة العليا، فرشحه هذا الصديق للجهات العليا لشغل منصب وزير فى تخصص مهم، فقبل الرجل الفاضل ليخدم البلد فى تخصصه، وإذا بالمسألة تثبت أنها سياسة واستجوابات وحركات من التى هى، وهو لا يعرف معنى كلمة سياسة أصلا، تصورته وهو يلعب نفس اللعبة بينه وبين نفسه أو حتى وهو نائم “لو كنت أعرف إن الموضوع كده” حتى وهو نائم،

 خذ مثلا من صديقنا أستاذ الأطفال الناجح جدا، ومع أن هذا الرجل المجتهد كان يحب السياسة الرسمية جدا أيضا، وذلك منذ كان مسئولا مهما فى منظمة شباب عبد الناصر، إلا أنه أيضا لايعرف معنى السياسة، وقد ظل يسعى ويسعى حتى عين وزيرا للتربية والتعليم(!!)، ثم كان ما كان على يده  مثلما على يد سلفه (وخلفه) تصورت لسان حاله يقول

“لو كنت أعرف إن الموضوع كده .. كنت عالجت كل أطفال مصر مجانا، ولا هذا”

الطرفة الخامسة:

تصورت الابن الفاضل جمال مبارك بعد أن أصبح  ما صار عليه، أو ما وجد نفسه فيه من تنقلات وتصريحات، وتعهدات، ومقابلات، وقبلات وحاجات، وأحضان، وكلها فى مجموعها قد تسمى “سياسات”، تصورت أنه وهو يراجع نفسه راح يلعبها قائلا:

“أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده …..(أكمل أنت بدلا منه من فضلك!!)”

أما بقية حكاية اللعبة كما جرت فى المجموعة العلاجية فسوف ننشرها فى حلقات ثلاثة متتالية كل أربعاء بدءًا من الأربعاء القادم.

ثانيا: مقتطف من تعتعة السبت 4 أكتوبر (بمناسبة العيد أيضا):

“….بالأمس ضبطتُ نسمة شاردة منعشة، تتسلل بعد العشاء بساعتين، وهى تخترق عباءة قيظ جاثم، فسرقتها لى قبل أن تلاحقها الرطوبة فتكتم أنفاسها، ثم أنفاسى معها، ولو أننى لم أنتبه لحقى فى هذه النسمة العابرة لجاءت ومضت دون أن ألمحها،

 بكاء طفل جارتكم لا يوقظك فقط من النوم ، لكنه قد يذكرك بتشكيلات وتقاسيم بكائك طفلا، وكيف كنتَ تستعمله لأغراض بريئة، وأخرى خبيثة طريفة، ثم أنه قد يذكرك بأن النساء مازلن ينجبن أطفالا ربما يقدرون على ماعجزنا نحن عنه.

يومك هذا المكون من 24 ساعة، هل تستطيع أن تسرق منها نصف ساعة إلى ثلاث ساعات تمارس فيها حقك فى الفرحة وأنت تُخرج لسانك لكل من يحاول أن يحرمك منها. تخرج لسانك للسياسة والبورصة والأسعار وفشلنا فى الأولمبياد، وتخبطنا فى الثانوية العامة، وكذب الشركات، وألعاب التآمر، نصف ساعة فقط تقتنصها اقتناصا ثم تعود تمارس كل حقوقك فى التعاسة، والهم، والنكد كما تشاء، عندك يا أخى باقى الأربع وعشرين ساعة، اقلبها فيهم غمًّا “كما تشاء”  واترك لك، لنا، نصف ساعة فى الأيام العادية، وثلاث ساعات متفرقة كل يوم من أيام العيد.

هل عندك مانع؟

أما بقية التعتعة فمنشورة اليوم فى الدستور،

 ثم يوم السبت 4 أكتوبر هنا فى النشرة

وكل سنة وأنت فرحان (أحيانا).

ما أمكن ذلك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *