الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حالات وأحوال: التجمد انسحاقا من الظلم والإهانة

حالات وأحوال: التجمد انسحاقا من الظلم والإهانة

“يومياً” الإنسان والتطور

 30  -9-2008

السنة الثانية

العدد: 396

حالات وأحوال:

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

التجمد انسحاقا من الظلم والإهانة

(مع سيكودراما تفريغية محدودة)

…. هو رجل فى الثانية والثلاثين من عمره، من الصعيد، حاصل على بكالوريوس سياحة وفنادق، أعزب، يعمل مدرسا بعقد، سوف نسميه حمدى، توقف عن العمل مؤخرا، جاء مع أخيه (27 سنة مدرس لغة عربية) كانت شكواه تلقائيا:

 “..أنا مضّايق شويه، التعب زاد عندى بقاله سنه، قبل كده كنت تعبان من ساعة ما ضربونى فى القسم ورحلونى على بلدنا من حوالى 7 سنين. غيرت كذا شغلانه عشان مفيش شغلانه مناسبانى ،…. الناس فى الشارع بتبص لى بصّـه غريبة….، وممكن يتوشوشوا علىّ، كنت باسمع صوت راجل من غير ما شوفه يقول لى كلام غريب مش بافهمه، يكلمنى عن ست بتوشوش…

نلاحظ هنا:  أنه ذكر حادث الضرب فى القسم بشكل عابر هادئ، مختصر: أربعة ألفاظ وحرفىْ جر: “ضربونى فى القسم، ورحلونى على بلدنا“..،  نقارن ذلك بحكى أخيه الأصغر، وبما حدث من حوار لاحق كانت رواية أخيه (المرافق) كالتالى:

“حمدى أخويا تعبان من حوالى سبع سنين، فى الجيش حصلت له مشاكل وضربوه وحبسوه مش عارفين ليه، … .. يقعد زى النايم، تنده له ميردش عليك ،…، ولا حتى يكلم حد من زمايله، حتى كلامه فى البيت …، يدوبك يرد على أد السؤال.

“..بدا  تعبه لما كان قاعد مع عمال التراحيل مستنى شغل، البوليس أخده تحرى والضباط هناك ضربوه وبهدلوه جامد واترحل على بلدنا، والحكاية دى تعبته جامد وفضلت مأثرة فيه لغاية دلوقت، بقى يقعد قاعدة واحدة كذا ساعة مايتحركش، وجسمه يبقى مخشب، قعد 4 شهور بحالهم مايتكلمش ولا كلمة، منهم 4 أيام كان نايم فيهم على طول يادوبك يصحى يخش الحمام ويرجع ينام تانى، ولا ياكل ولا يشرب،… خَدْ علاج لكن ما تْحسنش إلا لما خد جلسات كهربا،  …. ميدوّرش على شغل ولا يسأل على مستقبله ولا يفكر فى جواز ولا حاجة، كلامه ماعدش فيه هزار ولا ضحك زى زمان، ماينزلش يروح لحد من قرايبنا ولا يتفسح ولا يتكلم معانا فى أمور البيت. بعد سنه رجع تانى للسكوت، واتحسن بالجلسات، والحكاية دى كانت ترد عليه مرتين ثلاثة كل سنة، أحيانا يقولنّا إنه بيسمع أصوات تكلمه فى ودانه، فى الفترة الأخيرة بقى ياخذ العلاج، لكن مش بانتظام.

هذه الشكوى من الأخ أوضحت:

(1) لم يحك حمدى تفاصيل الإهانات فى “الجيش”

 (2) حكى الأخ عن إهانة قسم البوليس أكثر نسبيا مما ذكر المريض

 (3) أعراض المرض تراوحت بين الانسحاب، والاكتئاب حتى التجمد (الكاتاتونيا)، و الهلوسة السمعية وإرهاصات التفسخ

(4)  مسار المرض “متفتر”: أى يتحسن، جزئيا، بعلاجات متنوعة، ثم ينتكس، ثم يسوء، وهكذا

ثم إن أم حمدى كانت تصاب أحيانا بنوبات اكتئاب، تزول بالعلاج، حتى انقطعت وشفيت تماما،

 الوالد “بنّــا”، رجل  طيب، اجتماعى، راع لأسرته، متدين، ويشرب البيرة أحيانا مع أصدقائه، توفى من عشر سنوات وعمره 55 عاما، (كان حمدى فى الثانية والعشرين)

 الأم – برغم مرضها أو بسببه – حنون مطيعة قريبة لأولادها.

 لحمدى أخوان: أخ أكبر، وأخ أصغر (المرافق) وأخت، والجميع تعلموا وحصلوا على دبلومات أو بكالوريوس، والعلاقة بينهم  طيبة.

  التاريخ الدراسى للمريض يشير إلى تفوق فى الابتدائى والإعدادى، ثم هبوط مفاجئ فى الثانوية العامة (54%) ، ثم معهد أربع سنوات، لم يرسب فيها.

 أما عن الشخصية قبل المرض فقد كان انطوائيا، خجولا، بلا علاقات تقريبا، “كان يفضل فى الفسحة قاعد لوحده فى الفصل ماينزلش يلعب مع زمايله”

عمل فى  أعمال متعددة، فى تخصصه، وغير تخصصه، أعمال يدوية (مثل السباكه..)، يعمل الآن “مدرسا” بعقد مؤقت،  يصف أخوه عمله الحالى: “يخش المدرسة مايسألش على حد ولا حتى على الناظر، يقعد فى الفصل مايتكلمش خالص لغاية ما خلوه يقعد فى حصص الالعاب، يفضل قاعد على الكرسى مايعملش حاجة، كان يروح المدرسة مايمضيش حتى.”

ولم يمكن أخذ معلومات كافية عن التاريخ الجنسى، أو العاطفى لا من حمدى، ولا من المرافق (الأخ)، وقد أظهر فحص الحالة الراهنة تماسك قواه المعرفية (التفكير- الذاكرة..إلخ)، وغلبة الاكتئاب على مزاجه، بالإضافة إلى الهلاوس (السمعية)، واحتفاظه بدرجة من البصيرة.

مقتطفات من المقابلة (بعد أخذ الموافقة على التسجيل للعلم) مع:

د. يحيى: (للمريض) د. “ك” (…الطبيب: الزميل مقدِّم الحالة)  حكى لنا الحكاية من سبع سنين: الجيش وظروف العمل والوالد والعائلة، بس دى معلومات مش كافية يا حمدى، تحب إنك تضيف حاجة؟ ….، توضح أى حاجة؟

حمدى: زى إيه مثلا؟

د. يحيى: أى حاجة، أى شىء تتصور إنه يفيدك ويفيدنا، مثلا …. تاريخك العاطفى، الدكتور كتب فيه 3 سطور، حادث الإهانة سطرين.  ينفع كده؟  تحب تضيف حاجة؟

حمدى: –   ……

د. يحيى: ……

 (فترة صمت، ثم ):

حمدى: الحادثة تركت أثر فى نفسى، يعنى الزعل

د. يحيى: الزعل يعمل كده؟ دى الحكاية وصلت  لدرجة كبيرة قوى:  لخبطة شديدة أو فركشة.. زى ما انت شايف

حمدى: صحيح

د. يحيى: هوا إيه الفرق يا حمدى بين اللخبطة، والفركشة؟

حمدى: لخبطة يعمل حاجات مفروض ما تتعملش،  الفركشة ما فيش نظام أو فهم.

د. يحيى: ياه !!  بصراحة صح، يا خبرا!! دا الحته دى ما كانتشى واضحة عندى قوى كده، كتّر خيرك، ممكن تحكى اللى حصل بالتفصيل؟

………

حمدى: من أول ما أخذونى فى البوكس بدون سبب؟

د. يحيى: أيوه: إنت كنت قاعد  مع العمال بتوع التراحيل، مش كده؟ كنت قاعد فين؟

حمدى: قاعدين فى السجن

د. يحيى: قبل ما ياخذوك السجن، كنت قاعد مستنى الشغل فين؟

حمدى: فى المعادى

د. يحيى: فين

حمدى: ميدان العرب

…….

…….

د. يحيى: إنت مدرس، مش كده ! إيه بقى إللى وداك مع عمال التراحيل ميدان العرب؟

حمدى: قبل ما ابقى مدرس، …أكل عيش.

د. يحيى: مرتبك كام

حمدى: باخد 120 جنيها

……..

د. يحيى: نحكى على الحادثة يوم ما كنتم جالسين فى عرب المعادى، كنتم كام واحد؟

حمدى: كثير

د. يحيى: كان إمتى ؟ الصبح؟ الظهر؟  بالليل؟

حمدى: كان داخل علينا الليل

د. يحيى: معقول؟  حد يروح  بالليل يستنى شغل، كلهم بيروّحوا  قبل الشمس

حمدى: إنت عارف إن مافيش شغل،  باضطر أجلس لحد بالليل

…..

د. يحيى: حصل إيه؟

حمدى: فجأه وقف البوكس عندنا ونزل منه واحد، وقال لى تعالى إركب

د. يحيى: كان فيه كام واحد فى البوكس مالأول؟

حمدى: حوالى عشرة

د. يحيى: وإنتم كنتم كام؟

حمدى: حوالى اثنين، ….، فيه ناس جِرْيِتْ.

د. يحيى: حصل إيه بقى؟

حمدى: اللى حصل إننا دخلنا البوكس، لكن قبل ما ادخل حاولت انى أستفسر من الظابط  عن إنى  متاخد ليه، هوه سافل شوية

د. يحيى: كان معاك بطاقة؟

حمدى: أيوه ، معايا كل الأوراق.

د. يحيى: عرفت إنه سافل إزاى؟

حمدى: كان حايمد إيده ، قلتله تهمتى إيه؟  ما عمِلتشْ حاجة.

د. يحيى: رده كان إيه؟

حمدى: مد إيده، فحُـشتها

د. يحيى: بعدها  حصل إيه؟

حمدى: دخلنى السجن،  كان فيه حاجات مش كويسة.

د. يحيى:  قال لهم وضبوه؟ إضربوه ؟

حمدى: سفله شتيمه وإيدين، إللى حصل جوه السجن صعب، كانت  الناس تتبول مكانهم،  لحد  ما رحلونى ما وضّحليش ليه ، وبعد كده جاب عربية كبيرة ورحنا قسم الخليفة

د. يحيى: إنت حكيت الثلات أيام كإنهم ثلات دقائق

…….

د. يحيى: معلهش حاسألك سؤال، وتجاوب عليه زى ماتيجى

حمدى: سؤال إيه ده ؟

د. يحيى: إنت اتكسرت إمتى؟  مع رَفعة الظابط إيده؟ ولا  مع دخولك مع الناس دول السجن؟  ولا مع الترحيل؟

حمدى: إتكسرت إزاى يعنى ؟

د. يحيى: يعنى اتكسرت.

حمدى: مش فاهم

د. يحيى: ما تقعدشى تفسر، إنت اتكسرت إمتى؟ هىّ كده بس!!

حمدى: لحظة ما رفع إيده.

د. يحيى: هو يعنى إيه اتكسرت؟

حمدى: يعنى كرامتى تتجرح

د. يحيى: هو ده قصدى بالضبط،…!  أديك عرفت لوحدك، إنت وصلت للى عايزينه من غير شرح.

………..

………..

(سيكودراما خفيفة (تكملة فى نفس المقابلة)

د. يحيى: هوّ انت ياحمدى لو قابلت الظابط ده  دلوقتى، تعمل إيه ؟

حمدى: دلوقتى؟

د. يحيى: أيوه دلوقتى حالاً لو قابلته بعيد عن القسم، هاتعمل إيه؟

حمدى: الظابط إللى هوه مدّ إيده؟

د. يحيى: …. آه. تحب تمثل إنك قابلته وتشوف هاتقولّـه ايه ؟ تصور إنه الدكتور “هـ”.

حمدى: دكهه كان لابس ميرى

د. يحيى: ضباط المباحث بيلبسوا ملكى.

حمدى: أيوه.

د. يحيى: إفرض الظابط اتنقل للمباحث ولبس ملكى وعرفته، واستفردت بيه “…..” بنمثل يعنى.

حمدى (يبدأ فى التمثيل مباشرة ويوجه الكلام للدكتور”هـ ….” الذى تطوع للتمثيل باعتباره الضابط،):

 ” أنا حضرتك،  أنا موجود هنا ليه؟”

(تتذكر أن هذا الحادث كان منذ 7 سنوات)

د. يحيى: …. إحنا مش بنعيد اللى حصل:  إحنا عايزين نعرف هاتعمل إيه فيه لو قابلته بالصدفة دلوقتى حالا، والظروف سمحت تاخد حقك ؟

حمدى: – (للدكتور “هـ …” هوه أنت ؟؟؟!!!

الدكتور”هـ…”: أيوه أنا.

حمدى: عملت انا إيه؟

الدكتور”هـ…الخ”: مجرم لقيته فى الشارع

حمدى: هو أى حد بتاخده؟

الدكتور”هـ”: أيوه.

حمدى: طب مش تشوف بطاقته؟

الدكتور”هـ”: …  مجرم واقف فى الشارع مع ناس، وإيه اللى يوقفك فى نص الليل؟

حمدى: مافيش شغل .

الدكتور”هـ”: مافيش شغل؟؟ تقف فى نص الليل تدور على شغل؟!

حمدى: فيه شغل بالليل آه ،عاجبك ولا مش عاجبك.

الدكتور”هـ”: لأ مش عاجبنى.

حمدى: خلاص اتفلق.

(الدكتور د. يحيى: إحنا حا نعيد السبع سنين كلام تانى وبس، مش هاينفع يا حمدى، إنت اتألمت بما فيه الكفاية لازم تاخد حقك منه دلوقتى)

حمدى للدكتور”هـ”: يابن  الوسخة بتعمل فىّ كده ليه ؟

(د. يحيى: شوف يا حمدى،  دى بداية كويسة ، بس شكلها كلام من غير انفعال، عايزينها تطلعه بِغـِِـلّ، تمثل وتندمج زى ما انت حاسسها..) 

حمدى للدكتور”هـ”: يا ابن الأحبه يا علق

الدكتور”هـ”: إنت بتشتمنى انا؟

حمدى: ايوه، امال باشتم مين.

الدكتور”هـ”: والله العظيم لعلـّمك الأدب

حمدى: تعلم مين؟

(ثم ينفعل حمدى فعلا ويرفع الكرسى ويحاول أن يضرب به الظابط (الدكتور”هـ”)

الدكتور”هـ” (لايخاف ويستمر فى التمثيل): إنت رافع الكرسى؟ أنا  حاوديك فى داهيه انت وأهلك

حمدى: دا أنا اللى هاوديك فى داهيه.

الدكتور”هـ”: إنت عارف إنت بتضرب مين

حمدى: باضربك انت

……..

الدكتور”هـ”: هاحبسك وأوديك فى داهيه

حمدى: لا، قبل كده دا انا اللى هاوديك فى داهيه،، أقتلك.

( …بعد ذلك عبر حمدى عن مزيد من التحدى وواصل محاولة الهجوم)………

ثم أوقفنا التمثيلة عند هذا الحد

د. يحيى:  يا حمدى يابنى متهيأ لى إن الحادثة اللى من سبع  سنين …. موجودة زى ما هى

حمدى: آه …،  لأ..،  بس بمرور الوقت، وكده ممكن الواحد… (صمت)

د. يحيى: ما حصلش …!!!

حمدى: سايبَهْ أثر يعنى؟

د. يحيى: مش سايبه.  دى هىّ هىّّ، كإن ما مرش عليها ولا ثانية

حمدى: بس،  بعد كده….

د. يحيى: (مقاطعا) بس إيه؟  …

حمدى: همّا كده

د. يحيى: نعم؟ نعم؟

حمدى: هما الشرطة كده.

د. يحيى: احنا فيه حمدى وفيه الواد الظابط ده، ما هو مش كل الظباط برضه يا حمدى، الضابط  بتاع البساتين إللى رجعك بلدكو زى ما قلت للدكتور وهوّا قالها لنا شفوى، ما هو ابن حلال يا أخى، مش كده؟،…..، حانعمل إيه فى النصيبة دى دلوقتى بتاع الظابط الوسخ الأولانى؟

حمدى: أحسن حاجة: ماِنفْتِكِرْهاَش.

د. يحيى: يا نهار اسود!!  إزاى؟ إذا  كانت موجودة بحجمها؟ خدت بالك ما اللى طلع منك: “كإن مامرّش ولا ثانية”

حمدى: خلاص نفتكرها بأسلوب تانى؟

د. يحيى: إزاى؟

حمدى: إزاى!!!؟  نقول إنه ماكانش قاصده مثلا

د. يحيى: يا خبر إسود ومنيل، هوّا ده اللى انت قلت عليه ابن الأحبه، وابن الوسخة، وعلق، وكنت حاتقتله يبقى: ما كانشى قصده، إنت شايف إنت بتظلم نفسك ازاى؟

حمدى: هانعمل إيه يَعنى؟ “…..” همّه كده.

د. يحيى: نقوم نقول ماكانش قاصده !!؟ أنا مش عايز اقلـّب عليك المواجع، لكن كسرة الكرامة بالشكل ده تجيب مصايب كثيرة،……،  إنت كنت بتسمع صوت ست بتوشوشك مش كده؟ إيه علاقة جرح الكرامة،  بالست اللى بتوشوشك ؟عايزين نربط بين “اللخطبة” و”الفركشة” و”الكسرة”، والست دى؟ ..مش يمكن الأصوات دى من جوه؟

حمدى: يعنى لو قالوا ست، تبقى بتطلع من جوانا … ؟

د. يحيى: مين اللى قالوا؟

حمدى: مش مصدق

د. يحيى: إيش عرّفك؟

حمدى: ست بتطلع؟!!

د. يحيى: يعنى،….، طيب بتوشوشك بتقولك إيه؟

حمدى: هما اللى بيقولوا

………..

د. يحيى: سمعت إمتى الأصوات دى؟ بالليل ولا بالنهار، ولا إمتى؟

حمدى: بالليل

د. يحيى: إزاى

حمدى: سمعت طشاش

د. يحيى: عايزين نفسرها الأصوات دى،  ونربطها بالجرح والكرامة والإهانة، لو ممكن  ولاّ إيه؟

حمدى: هوه كل ده مترتب على بعضه؟؟!!

د. يحيى: بصراحة أيوه،  أنا بافترض يعنى..

حمدى: الواحد تفكيره ملخبط شوية”…”  نشوف حل تانى

د. يحيى: هو مش كان فيه  معاملة فى الجيش برضه فيها إهانة؟

حمدى: نعم

د. يحيى: زى إيه؟

حمدى: دخولى السجن

د. يحيى: حصل إيه؟

حمدى:  كنت واخد أجازة  8 أيام، إتاخرت ساعة ونصف

د. يحيى: حصل إيه”…..”  إهانة برضه؟

حمدى: إهانة طبعا

د. يحيى: عبارة عن إيه

حمدى: تنظيف المكان ……. إهانات كتير

د. يحيى:  إيه هىّ

حمدى: التكدير

د. يحيى: يعنى إيه؟

حمدى: تقعد بالشورت بس، ويجيب جردل الميّه ويرميه عليك، وحاجات من دى.

د. يحيى: هوا  اللى حصل فى الجيش وبعدين القسم والحبس، له علاقة بسيبانك الشغل باستمرار

حمدى: علاقة؟ طبعا “!! واحد  طول حياته مستقيم وبيفكر، وكويس وحافظ كرامته،  وتيجى حاجة زى كده، بتأثر طبعا

د. يحيى: لدرجة اللى حصل؟؟  ؟؟

حمدى: ماعرفشى.

………..

د. يحيى: هوه مين الى بيحبك، يا حمدى؟

حمدى: فى الأسرة يعنى؟

د. يحيى: …. آه ، الأسرة أوغير الأسرة، بس حب بحق وحقيق؟

(جرى بعد ذلك  كلام عن العلاقة العلاجية، وضرورة العودة للعمل تدريجيا، والعقاقير المناسبة وأن الضمان هو  أن تكون هذه العلاقة تحت مظلة رحمة من قادرٍ حاضر طول الوقت، الله سبحانه، لضمان استمرار العلاقة، علاقة تفيد أكثر من الكتاب الذى كان المريض ممسكا به ويقول إنه يقرأ فيه وعنوانه “علامات القيامة الصغرى”..إلخ)

د. يحيى: …. أنا علشان أكمل معاك لى شروط واضحة

حمدى: موافق.

د. يحيى: العلاقة اللى بينا تبدأ  بالشغل، ما تسيبش شغله إلا لما تلاقى شغله غيرها، مفهوم؟ سبت الشغل يوم الثلاثاء تنزل شغل يوم الاربعاء، خليك ناصح، بتجيلك أصوات من قعدتك لوحدك فى الضلمة، بتطلع من جوه، إللى مايتملاش من برّه يتفكك من جوّه، نتفق إنك تشتغل حتى مع وجود الأصوات وهى حاتخف، تختشى تطلع قدام الناس، وبالدوا، والاتصال ببعض، وشوية كلام من ده …..

حمدى (يضحك): هو أنا كده ومش واخد بالى؟  ده شوية قلق بسيط

د. يحيى: يا نهار اسود،  كل ده قلق بسيط، الله يخيبك، إنت عامل زى الدكاترة لما يحبوا يطمّنوا العيّانين بالعافية.

حمدى: ما قصدتش …

.….. الخ

التعقيب العام:

أولا: نبدأ بالتحذير من الربط ربطا سببيا بسيطا بين هذه الإهانة وبين المرض، باعتبارها المسئول الأول والأخير عما أصاب حمدى. إن مثل هذا الاختزال يبدو مغريا، لكنه أقرب إلى الدراما، ولا يفيد العلاج كثيرا.

ثانيا: إن الاستهداف للتفاعل المرضى بهذه الصورة الجسيمة، نتيجة مثل هذا الجرح للكرامة، يكون مطروحا بشكل عنيف حين يستمد الشخص أغلب مقومات وجوده من خارجه، وليس بما امتلأ به من لبنات كينونته حتى وعى ذاته بما تستحق. إن تحقيق هذا الامتلاء هو مسؤولية التربية فالمجتمع، بكل مستوياتهما: من الأسرة حتى ضمان إقامة العدل فى دوائره الممتدة  من المجتمع حتى آخر الدنيا (مع الوضع فى الاعتبار الاستعداد الوراثى بدرجة ضئيلة).

ثالثا:  حتى لو قبلنا زعم مثل المريض “أن كلهم كده”، فإن تواتر الظلم، لا يبرر قبول هذا القبح الإنسانى، ولا التهوين من خطورته.

رابعا: إن الذى يهين الآخر هكذا، إنما يتنازل هو شخصيا عن إنسانيته وكرامته، مهما بدا غير ذلك.

خامسا: لاحظنا كيف تجّمد الزمن، كأن الوقت توقف عند لحظة سحق الكرامة، وربما أمكن الربط بين هذا التجمّد، وبين تجمد الجسم (أعراض الكاتاتونيا) التى وصفها الأخ المرافق

سادسا: إنه ليس ضروريا أن يتناسب التفاعل المرضى، أو الألم الحادث، مع شدة الجرح تناسبا طرديا بسيطا، من هنا نؤكد على أن نوع استقبال المجروح هو مهم جدا، وهذا يتوقف ضمنا على تكرار الإهانات السابقة، ظاهرا أو باطنا، و تراكمها حتى دون وعى، كما حاولنا هنا ربط إهانات الجيش بإهانات الحادث

 سابعا: إن الجرح أمام آخرين،، هو أخطر كثيرا من الجرح  على انفراد.

ثامنا: لا ينبغى التصفيق أكثر من اللازم لما حدث فى المقابلة الإكلينيكية العلاجية ، ذلك أن مجرد التفريغ (التذكر والسيكودراما..إلخ) ليس هو الحل.

تاسعا: حتى على فرض أن المُهان أتيحت له فرصة انتقام حقيقية،  فإن جرح الكرامة الذى يصل إلى جرح الوجود حتى التفسخ، والتجمّد هكذا، لا يصلحه إلا بناء إنسان من جديد، وبتخطيط علاجِىِّ مسؤول، وهذا وارد.

عاشرا: إن الارتباط الواضح بين الفقر (حامل بكالوريوس يجلس بين عمال التراحيل)، والقهر والطوارئ (سلطة البوليس الغشوم) ثم المرض، هو ارتباط هام وله دلالته القصوى، وبالتالى علينا أن نحول دونه، لكن هذا لا يعفينا من أن نبحث فى أعماق أبعاد المسألة المتشابكة المداخل.

 حادى عشر: إن التشخيص الخطير الذى يصنف الحالة (لا داعى لذكره، لأن الاسم لا يقدم ولا يؤخر)، لم يمنع التواصل العلاجى كما لاحظنا، وكان منطق المريض وبصيرته من أكثر ما ساعد على إرساء العلاقة العلاجية التى تبينت معالمها فى هذه المقابلة .

* * * *

يكفى هذا الآن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *