الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / هل نحن نصنع (نبدع) أحلامنا؟ قراءة مبدئية ومنهج صعب

هل نحن نصنع (نبدع) أحلامنا؟ قراءة مبدئية ومنهج صعب

نشرة “الإنسان والتطور”

29-9-2010

السنة الرابعة

العدد: 1125

هل نحن نصنع (نبدع) أحلامنا؟

قراءة مبدئية ومنهج صعب

نشرة الأربعاء الماضى لم يكن فيها إلا تقديم جانب من بعض ما جرى فى جلسة حديثة للعلاج الجمعى الذى أمارسه فى قصر العينى (دون سواه)، ومازلت أنا شخصيا راضيا، برغم دهشتى، ودهشة الآخرين من فكرة أن ما درى لم يكن خيالا، ولم يكن سيكودراما، ولم يكن لعبة نفسية مما تعودنا عليه، ولم يكن تفكيرا منظما طبعا، فماذا كان؟

لا أعرف، ولا أظن نى سوف أعرف ما أستطيع أن أنقله بسهولة .

الفضل فى ما جرى يرجع أولا: للزميلة الصغيرة المتدربة معى: “د. دينا”  حين فسّرت المطلوب بتعبير “نعمل حلم”:، فاستبعدت الخيال بشكل  تلقائى (“نتخيل حلم”) كذلك تنحت الذاكرة جانبا (نفتكر أو نتذكر حلم)، ثم ثانيا: ما أتاحه لنا الالتزام بـ مبدأ “هنا والآن” والذى جعلنى أنبّه (بل ألقّــّن) معظم الذين لعبوا البداية  أن يبدأوا بـ: “أنا دلوقتى…” فكان ما كان.

لا أبالغ حين أكرر أننى أتعلم من مرضاى، ومن تلاميذى وتلميذاتى. لم يكن يخطر ببالى أن تحقيق بعض فرضى الخاص بالأحلام، وبإبداع الشخص العادى، يتم هكذا فى جلسة من جلسات العلاج الجمعى،  مع مجموعة من عامة الناس، بعضهم يكاد يقرأ ويكتب بالكاد، والبعض ما بين شهادة متوسطة، وبين التوقف دونها، واثنين فقط هما الذين وصلا للمرحلة الجامعية ، ولا أحد منه يقرأ فى الكتب النفسية (ولا غير النفسية!!!)، إذن هذه عينة “طبيعية” من البشر كما خلقهم الله، لم تتعرض لأى تلقين بلغة نفسية خاصة،(1) هذه المجموعة من البشر ، مرضى وأطباء، أتاحوا لنا هذه الفرصة هكذا لنتعلم منها ما ينبغى، فى كل من المنهج، والمعرفة، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فهل نستطيع؟

نبدأ بالتساؤلات الإجابات:

  • هل هناك فرق بين الخيال، وبين النشاط المعرفى التشكيلى الذى أخرج هذه الأحلام هنا والآن؟
  • إن لم يكن هذا خيالا، فما اسمه؟ (وهو ليس واقعا طبعا) ؟
  • هل هناك آلية ، أو نوع من التفكير، غير التفكير المسمى “حل المشاكل” problem solving ، أو التفكير المنطقى logical thinking الخطى التسبيبى causal linear thinking؟
  • هل يمكن أن يكون هذا الذى كان هو تنشيط مباشر لعمل النصف غير الطاغى للمخ أساسا (النصفى التصويرى، الكلى التشكيلى) ؟
  • أليس من المحتمل أن هذا النصف (المتنحى) قد استعمل النصف الطاغى (الترميزى التحليلى اللغوىلصياغة نشاطه “هنا والآن” فيما خرج فى التجربة؟
  • أليس هذا هو التفكير الإبداعى؟
  • هل هناك علاقة بين ما أسماه سيلفانوا أريتى “المعرفة الهشة” Amorphous cognition وبين احتوائها فى صورة حرّة حاضرة حركية هكذا؟

الفرض المتفرع من التجربة ومن الفرض الأصلى:

 إن كل إنسان منا هو مبدع بالضرورة ، لأن عنده نصفين كرويين قادرين على التنشيط، وعلى درجة من التناغم بحيث يخرج منها ما حدث.

وهذا هو المدخل لفهم  الفرض الأصلى وهو:

نحن لا نحلم بالمعنى الذى شاع من حكى الحلم أو من تفسيره، نحن نؤلف أحلامنا التى نتذكرها تأليفا فى الثوانى (أو البضع ثانية) التى سبق اليقظة مباشرة، نؤلفها ونحن فى حالة من يقظة غير كاملة

وبما أن الفرض الاصلى يزعم أن ذلك يتم فى جزء من ثانية أو بضع ثوان، فإن أحدا لا يمكن إثباته فى المرحلة الحالية .

فلتتولد الفروض من الفروض، ولنستفد منها ما أمكن، واعتقد أن هذه التجربة هى بعض ذلك.

 حين عرضنا نص ما جرى (2)ثم قررنا أن نناقشه فى ندوة الجمعية بدار المقطم للصحة النفسية بعد غد، حددا الأمل فى أن نناقش:

1- احتمال تحقيق الفرض

2- الفرق بين الخيال (مثلا: أحلام اليقظة)، والتفكير المفهومى، وتخليق الحلم (الإبداع)

3- تطبيق نتيجة التجربة فى فهم المرضى والعلاج

وقد وردت إلينا فى اليومين الأخيرين عدة تعليقات قد تساعدنا فى بعض ذلك.

عينة من التعقيبات وتمهيد:

كنت أتوقع رفض فكرة أن هذا ليس خيالا، كما كنت أتوقع اختزال ما حدث إلى”ما نعرف”،

أيضا انتظرت ما اعتدت عليه من اتهامى بأننى أوحى للمرضى والزملاء الأصغر بأفكارى،

أما الذى حدث  – بصفة مبدئية – فهو غير هذا وذاك

إعلان عدم الفهم لم يكن رفضا، وإنما كان بحثا عن الجديد

وثم التراجع الأمين عن الاحتجاج المبدئى

ولو لم تحقق النشرة غير هذا لكفانى (وألزمنى أن أستمر).

العينة (مع تسويد ما سوف نعود إليه غالبا)

هم د. أيمن الحداد، د. أحمد عثمان، د. أميمة رفعت.

(اكتب هذه النشرة صباح الثلاثاء، وقد تأتى تعقيبات تفيد أكثر فأكثر)

أولا: د. أيمن الحداد

جميلة جدا يا دكتور يحي اللعبة دى، خلتني انتقل من الكرسي اللي انا قاعد عليه امام جهاز الكمبيوتر الى الجروب بتاعكم، ومن الجروب الى داخل حلم كل واحد فيكم .. شوفت نفس الحاجات اللي شافها وتفاعلت معاهبمشاعرى…

بس اللي عايز اعرفه … هو العيان او غير العيان ممكن يستفيد ايه بحاجة زى كده …دا على العكس دا ممكن يكون انفصال عن الواقع اللي عايشه …فهل ده ممكن يكون مفيد

ودمتم بسعادة وود

د. يحيى:

الذى فعلته يا أيمن هو أكثر مما كنت أرجو وأتوقع، لقد تقمصت الجارى بشجاعة وتلقائية حتى صرت جزءًا من التجربة، وحققت بذلك أساسيات المنهج الفينومنولوجى على ما أعتقد (ليس بالضبط)

أما احتمال انفصال المريض (أو الطبيب) عن الواقع فهو بعيد عن خبرتى وتنظيرى، بل إننى أتصور أنه إنما يثرى الواقع الخارجى بالواقع الداخلى (وليس الخيال) وهو بذلك يقترب من واقع أرحب.

ثانيا: د. أحمد عثمان

رغم غموض ما نحن بصدده سواء الفرض او موضوع الفرض الا اننى لم استطع ايقاف الحاح رغبتى عن المشاركة  فى “عمل حلم” انا كمان و اكتشفت الاتى:

– البداية رغم عدم الفهم هى صعبة ولكنها صعوبة فى الابتداء اساسا.

– تختفى الصعوبة فجأة وتبدأ رحلة او شىء اخر متدفق لم اجده كالخيال “كما توقعت” و لكنه اكثرحيوية و متعة .

– الاحساس بالزمن جاء مختلفا و مدهشا و مفرحا ايضا وكاننى خبرت خبرة الخلق اللى بحق.

– لم ادر ما الذى دفعنى للتوقف وانى اقول “كفاية كده”

 – هناك حالة من استمرار حالة ايجابية مفرحة بعد الخبرة و رغبة ملحة ايضا فى تكرارها.

د. يحيى:

البدء بالغموض أمر رائع، وهو يحتاج إلى الصبر قبل الإسراع إلى التفسير والتأويل، والصعوبة أيضا كانت – مما وصلنى – حافزاً إلى رحلة المعرفة المفرحة، وقد كنت أرفض وصفها بالمفرحة لولا أنك لحقتنى فوصفت أنها خبرة الخلق، أما توقفك فهو رائع أيضا لأنه ضد ما يسمى “استرسال الخيال”، لأنك – لأننا بهذه التجربة – تجاوزنا مجال الخيال، وأن نُسْجَن الواقع الخارجى معا، تجاوزنا هذا وذاك، إلى رحابة الإبداع غالبا.

ثالثا: د. أميمة رفعت (1)

لم يصلنى كيف يكون عمل الحلم ليس إعمالا للخيال، فقد تصورت أنه عند التعامل مع العالم الداخلى بالوعى نسبيا كما تقول لا مفر من الإستعانة بالخيال ولو فى البداية. كما أنه للقيام بالسيكودراما وإحضار الحلم “هنا والآن” للقيام بأدوار تُمثل يُستعان بأشياء كثيرة منها الخيال أيضا فعلى الأقل نحتاجه أحيانا فى تخيل المكان أو الحيز الذى يتم فيه الحدث …

أرجو أن توضح لى هذا الأمر لأنه أربكنى .

وقد عملت حلما حسبما فهمت هكذا:

أنا دلوقتى ماشية فى شارع الجلاء، شارع عيادتى دايما زحمة جدا، لكنه فاضى تماما، رجلية بتغرس فى الأسفلت الجديد وريحته نفاذة وعربية السفلتة واقفة ورايا على جنب مهجورة، أنا ماشية ببطىء وحاسة بالوحدة. الشارع خلص فجأة وقدامى فتحة مربعة صغيرة نسبيا لازم أعدى منها، مش طايلاها وعمالة أشب، حصلتها وتسلقت ودخلت وأنا خايفة ومش مرتاحة، إتحشرت فيها وبالعافية طلعت منها الناحية الثانية. لقيت المنظر تحتى رائع، شجرة وأرض خضراء متقسمة، الجنة، نزلت فى جنينة حضانة المدرسة ووقفنا إحنا الثلاثة أنا ومارسيل وخالدة صغيرين راسنا فى روس بعض، وثلاثة ثانيين بعيد شوية من زمايلى الصغيرين مش شايفة وشهم راسهم فى روس بعض وبنم فى بعضينا. جيت أنا من بعيد زى ماما، أخذْتِنى بسرعة من أصحابى، خفت منى ليه مش بتبصلى.. أنا طويلة راسى فى السما الزرقا وإيدية تحت فى إيدى الصغيرة، نزلنا على السلم الحجر الأبيض ورحنا نجيب الخضار.

سؤال: تحول الحلم تلقائيا من المضارع إلى الماضى، وكأن تعبير “أنا دلوقتى” حدد الفعل الذى لابد إستخدامه فى بداية الكلام فأصبح “هنا والآن” ولكن مع السرد رجع الحكى للفعل الماضى وقد لاحظت هذا مع كل من شارك فى الجروب تقريبا ما عدا د. محمد نشأت الذى بدأ بالماضى من أول الحلم حتى آخره… فهل لهذا دلالة معينة؟

د. يحيى:

شكرا،

ملاحظة، التحول من المضارع للماضى تؤكد ما أحدثته آليه “هنا الآن” فى جرجرة الخيال إلى الواقع الداخلى الماثلْ المشارك فى صناعة هذا الإبداع.

رابعا: د. أميمة رفعت (2)

كنت قد سألت سؤالا كيف نعمل حلما دون إعمال الخيال، وعندما عشت التجربة بنفسى فهمت قصدك. الآن أستطيع القول أنه فعلا أثناء عمل الحلم لم يكن الخيال هو الذى يعمل بل شىء آخر لست متأكدة من ماهيته

حاولت بعد إرساله أن (أتخيل) صورا مخالفة لصور هذا الحلم ولكننى وجدت نفسى لا أريد تغييره فقد شعرت أنها مزيفة. صور خيالى ليست الحلم، وصلنى هذا بالتأكيد

ولكن أكمل أرجوك فقد أثرت إنتباهى وفتحت بابا جديدا.. أريد ان أفهم أكثر .

د. يحيى:

أشكرك لاستدراكك، فهو مفيد لى ، لنا

ثم إن تعبيرك “شعرت أنها مزيفة”، يؤكد الفرق بين الخيال المنسوج بالعقل الذى يغلب عليه عمل النصف الطاغى، والتشكيك الإبداعى من الواقع الداخلى (غالبا من تآلف النصفين وليس من غلبه النصف غير الطاغى).

التأكيد على أن تصنيع (تشكيل – إبداع) الحلم ليس هو هو الخيال شديد الأهمية، وهو الذى يميز الهلوسة النشطة فى الذهان عن الصور الخيالية المصنوعة فى عصاب الانشقاق Dissociation

*****

بقية المداخلات وصلتنى بعد ضغط شديد وعزوف مبدئيا عن التعقيب، وقد ننشرها مع حوار/بريد الجمعة أو بعد ذلك بعد مناقشة الفرض فى الندوة المعنية.

 

[1] كما زعم زميلى الذى تدرب فى إنجلترا أن هذا ضرورى لنجاح العلاج الجمعى فى بلدنا !!!

[2] – تجنبت تسمية الذى حدث بـ : “التجربة” كما جاء فى عنوان  النشرة الأسبوع الماضى، خشية أن يذهب الظن إلى أننا نجرب فى المرضى (و فى أنفسنا)، علما بأننى لم أجد وصفا أدق، فأنا لا أعرف لهذا المنهج اسما محددا، فليكن التجريب الخبراتى، أو الخبرة الكشف، أو التلقائية المغامرة للمعرفة ، أو أى شىء ترونه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *