الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الحلقة الثالثة والأربعون الخميس: 10/3/1995

الحلقة الثالثة والأربعون الخميس: 10/3/1995

نشرة “الإنسان والتطور”

30-9-2010

السنة الرابعة

العدد: 1125

Photo_Mafouz

الحلقة الثالثة والأربعون

الخميس: 10/3/1995

ليلة حرافيشة أخرى، وصلت‏ ‏متأخرا‏، ‏ولم‏ ‏يحضر‏ ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ إلى ‏فورت‏ ‏جراند، ‏زحمة، ‏ناس، ‏الأستاذ‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏طيبة، ‏نام‏ ‏جيدا‏، وتكلم‏ ‏توفيق‏ عن ‏اسم‏ ‏رواية‏ ‏أظن‏ ‏أنها‏ For sight Saga ‏وفهمت أن الاسم ليس‏ ‏بمعنى ‏بعد‏ ‏النظر‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏اسم‏ ‏العائلة‏ “‏ساجا‏” ‏سيرة‏ ‏عائلة‏ ‏ساجا، ‏ويبدو أنها ‏رواية‏ ‏أجيال، ‏ثم‏ جرى ‏حديث عن فكرة رواية الأجيال وعن‏ ‏‏توماس‏ ‏مان، ‏وروايات‏ ‏الأجيال‏ ‏عموما، ‏وقال‏ ‏الأستاذ‏ ‏إنه‏ ‏قرأ‏ ‏هذه السيرة‏ ‏وهى ‏تقع‏ ‏فى ‏حوالى ‏ستة‏ ‏آلاف‏ ‏صفحة، ‏واستعمل‏ ‏تعبيرا‏ ‏شديد‏ ‏الدقة‏ ‏قال‏ “‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الحكى ‏لا‏ ‏ينمو، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يسير‏ ‏بالطول‏”. أن تصف الحَكى بأنه ينمو أو لا ينمو فيه تركيز رائع لما هو إبداع، فى مقابل ما هو سرد: “سيْر بالطول”، ‏وأشار‏ الأستاذ ‏بيده‏ ‏إلى ‏الأمام‏ ‏إشارة‏ ‏المروق‏ ‏واليد‏ ‏فى ‏وضع‏ ‏التوسط، ‏وأضاف‏ “‏إن‏ ‏الحاكى ‏يقول‏ ‏ويعيد‏ ‏ويضيف‏ ‏ويزيد‏ ‏نفس‏ ‏التيمة، ‏ليلة‏ ‏بعد‏ ‏ليلة‏ ‏وجلسة‏ ‏بعد‏ ‏جلسة، ‏وإلى ‏ما‏ شاء ‏الله‏، ‏‏وضحك، ‏ثم‏ ‏قال‏: ‏لعله خيرا، ‏فإن‏ ‏الانجليز‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏عندهم‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الوقت‏ ‏إلا‏ ‏الجلوس‏ ‏بجوار‏ ‏المدفأة‏ ‏فماذا‏ ‏هم‏ ‏فاعلون، ‏هات‏ ‏يا‏ ‏قراءة، ‏وهم‏ ‏لا‏ ‏يريدون‏ ‏حينذاك‏ ‏أن‏ ‏تنتهى ‏الرواية، ‏وقد‏ يكون هذا هو ما ‏يحدث‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏قياسا‏ ‏هذه‏ ‏الأيام عندنا‏ ‏مع‏ ‏المسلسلات‏ ‏التى تشغل كل وقت الناس.

ثم جرى‏ ‏حديث‏ ‏عن‏ ‏تشابه‏ ‏هذه‏ ‏الروايات‏، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏التشابه‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏سرقة‏ ‏ولا‏ ‏يحزنون، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏أصل‏ ‏واحد‏ ‏ولا‏ ‏يتميز‏ ‏إلا‏ ‏بتشكيله‏ ‏الحكائى، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏الإنسانية‏ ‏كلها‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تختزل‏ ‏إلى ‏بضعة‏ ‏خطوط‏ ‏درامية، ‏لكن‏ ‏خذ‏ ‏عندك‏ ‏”كيف‏ ‏تتناول‏ ‏هذه‏ ‏الخطوط”، ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يجعل‏ ‏الحكى ‏فنا روائيا ‏(سبقت الإشارة إلى مثل ذلك) لكن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يبرر‏ ‏السرقة‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يشيع‏ ‏هذه‏ ‏الأيام‏ ‏تحت‏ ‏زعم‏ ‏أية‏ ‏مبررات، ‏فعندك‏ ‏مثلا‏ ‏وحيد‏ ‏حامد‏ ‏السينارست، ‏يعترف‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يكتب‏ ‏قصة‏ ‏واحدة‏ ‏ولو‏ ‏فى ‏صفحة‏ ‏واحدة، ‏لكنه‏ ‏يتناول‏ ‏القصة‏ ‏ويحولها‏ ‏إلى ‏سيناريو‏ ‏بشكل‏ ‏ممتاز، ‏فيعتبر وكأنه‏ ‏‏مؤلف‏ ‏القصة‏ ‏بشكلها التمثيلى، ‏وحكى ‏الأستاذ‏ ‏عن‏ ‏سيناريست‏ ‏كان‏ ‏يعمل‏ ‏معه‏  ‏بالإسكندرية‏  ‏فى ‏قصة‏ “‏امبراطورية‏ ‏ميم‏” ‏لإحسان‏ ‏عبد‏ ‏القدوس، ‏وكان‏ ‏يشكو‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏عجزه‏ ‏عن‏ ‏كتابة‏ ‏القصة‏ ‏رغم‏ ‏حذقه‏ ‏لحبكة‏ ‏السيناريو‏ ‏كما‏ ‏ينبغى، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعيبه‏ ‏إطلاقا، ‏شريطة‏ ‏ألا‏ ‏يتصور‏ ‏أنه‏ ‏صاحب‏ ‏القصة‏ ‏التى ‏صاغ‏ ‏لها‏ ‏السيناريو‏.‏

انتقلنا‏ ‏إلى ‏منزل‏ ‏توفيق‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تحدثنا‏ ‏مع‏ ‏أحمد‏ ‏مظهر‏ ‏‏لعدة ‏مرات،‏ ‏كان‏ ‏التليفون‏ ‏مشغولا، ‏قال‏ ‏توفيق‏ ‏إنها‏ ‏مريم‏ ‏فخر‏ ‏الدين‏ ‏أو‏ ‏نادية‏ ‏لطفي، ‏الأولى ‏لا‏ ‏تكف‏ ‏عن‏ ‏الحكاوى ‏عن‏ ‏الناس، ‏والثانية‏ ‏أكثر‏ ‏تحفظا‏ ‏لكنها‏ ‏أطلق‏ ‏لسانا، ‏وسأل‏ ‏الأستاذ‏ ‏عن‏ ‏عادل‏ ‏كامل، ‏فهاتف‏ ‏توفيق‏ ‏أخاه‏ ‏بشرى، واطمأن عليه.

فى ‏المنزل‏ ‏عاد‏ ‏الحديث‏ ‏إلى ‏رواية‏ “‏مراعى ‏القتل” لفتحى أمبابى، ‏أنا‏ ‏الذى أعدت ‏فتحه، ‏لو‏ ‏علم‏ ‏مؤلف‏ ‏هذه‏ ‏الرواية‏  ‏كم‏ ‏شغلتنا‏ ‏روايته‏ ‏هذه‏ ‏لسـر‏ ‏سرورا‏ ‏شديدا، ‏‏لأنها ‏احتلت‏ ‏من‏ ‏الأستاذ‏ ‏هذه‏ ‏المساحة‏ ‏من‏ ‏الوعى ‏والوقت، ‏قلت‏ ‏لتوفيق‏ ‏لماذا‏ ‏لا‏ ‏يكتب‏ ‏السيناريو‏ ‏لهذه‏ ‏القصة‏ ‏فورا، ‏قال‏ ‏إن‏ ‏تصوير‏ ‏الحرب‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏عشرات‏ ‏الألوف‏ ‏من‏ ‏الجنيهات‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏مئات، ‏قلت‏ ‏لكنك‏ ‏ستجد‏ ‏سبيلا‏ ‏إلى ‏الاختزال‏ ‏والإحالة‏ ‏والإزاحة،  ‏قال‏ دعنا ‏نرى أى منتج يقبل، ‏وشرحت‏ ‏للأستاذ‏ ‏تضفّر‏ ‏تيارات‏ ‏الرواية‏ ‏الثلاث‏ ‏حتى ‏أصبحت‏ ‏مثل‏ ‏ضفيرة‏ ‏الفلاحة‏ ‏الجميلة‏ المتجمعة فى ضفيرة واحدة.

وحكى توفيق عن سيناريت ‏ظل‏ ‏لا‏ ‏يعمل‏ ‏عشرين‏ ‏سنة‏ ‏لأن‏ ‏المنتجين‏ ‏أصبحوا‏ ‏يخافون‏ ‏منه‏ ‏بعد‏ أن كلفهم ما لم يحسبون فى فيلم ‏إبنة‏ ‏ريان‏ ‏مثلا، ‏فرحت‏ ‏حين‏ ‏ذكر توفيق فيلم‏ ‏ابنة‏ ‏ريان‏ ‏وقلت‏ ‏له‏ ‏عن‏ ‏نقدى ‏لها، ‏وأنه‏ ‏نشر‏ ‏فى ‏الأهرام،‏ ‏وأوجزت‏ ‏له‏ ‏فكرتى ‏عن‏ ‏التقابل‏ ‏الرباعى ‏وعن‏ ‏القس‏ ‏حين‏ ‏يتعرى ‏فيصبح‏ ‏عنينا‏ ‏فى مقابل‏ ‏العاشق‏ ‏الضابط‏ ‏العدو‏ ‏حين‏ ‏يتعرى ‏فيصبح‏ ‏مسخا بدائيا، ‏وفرحت‏ ‏لفرحة‏ ‏توفيق‏ ‏بهذا‏ ‏التفسير، و‏وعدنى ‏أن‏ ‏يحضر‏ لى ‏نسخة من ‏الفيلم، ‏ووعدته‏ ‏أن‏ ‏أحضر‏ ‏له‏ ‏النقد، ‏وأن‏ ‏أحضر‏ ‏له أيضا ‏نقد‏ ‏الفيلم‏ ‏الإيرانى “‏الغريب‏ ‏والضباب‏” ‏الذى ‏ظهر‏ ‏لى ‏نقده‏ ‏فى ‏نشرة‏ ‏نادى ‏السينما، ‏حكيت‏ ‏له‏ أيضا ‏عن‏ ‏نقدى ‏أيضا‏ ‏لمسرحية‏ ‏هنرى ‏الرابع‏ (‏بيراندللو‏) ‏على ‏مسرح‏ ‏الطليعة وقد نشر فى الأهرام أيضا فى دنيا الثقافة، وحين تعجب الأستاذ من إسهاماتى هذه، وكأنى ناقد محترف، أكدت له أننى إنما‏ ‏أصنف‏ ‏نفسى ‏باعتبارى “‏متلق‏ ‏محاور‏” ‏لا‏ ‏أكثر، فأنا ‏‏‏أتلقى ‏بصوت‏ ‏مسموع، أو بقلم جاهز، ثم إنى‏ ‏أرصد‏ ‏بعض‏ ‏هذا‏ ‏التلقى ‏فى ‏كلام‏ ‏مكتوب دون أن أشغل نفسى إن كان ‏ينشر‏ ‏أولا‏ ‏ينشر،‏ ‏ما دمت قد سجلته، وهو عادة ينشر بترحيب مناسب، هذا كل ما فى الأمر.

حكى ‏توفيق‏ ‏كيف‏ ‏عرض‏ “‏ديفيد‏ ‏لين‏” ‏على ‏صديقه‏ ‏أنتونى ‏كوين‏ ‏انتاج‏ ‏فيلم‏ ‏إبنة‏ ‏ريان‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏مليون‏ ‏دولار، ‏لكنه‏ ‏لم‏ ‏يفلح‏ ‏أن‏ ‏يكمل‏ ‏خوفا‏ ‏من‏ ‏مفاجآت‏ ‏شطح‏ ‏التكلفة، ‏ثم‏ ‏انتقل‏ ‏إلى ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏فاطمة‏ ‏رشدي، ‏وعزيز‏ ‏عيد، ‏وخلافها‏ ‏مع‏ ‏يوسف‏ ‏وهبى ‏لأنها‏ ‏تأخرت‏ ذات ليلة، ‏وكيف‏ ‏استقلت‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏عن‏ ‏يوسف‏ ‏وهبى ‏وفتحت‏ ‏مسرحها‏ ‏وصار‏ ‏الحوار والتنافس‏ ‏بينها‏ ‏وبين‏ ‏يوسف‏ ‏وهبى ‏مثلما‏ ‏كان‏ ‏بين‏ ‏نجيب‏ ‏الريحانى ‏وعلى ‏الكسار، ‏وذكر‏ ‏تعبير‏ ‏قالته‏ ‏فاطمة‏ ‏رشدى ‏ليوسف‏ ‏وهبى ‏وهى تعلن ‏اعتزازها‏ ‏بأنوثتها‏ ‏وقيمة‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تجنيه‏ ‏من‏ ‏ورائها‏ (!!!).

عدت‏ ‏أسأل‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏كيف‏ ‏يمكن، ‏لو أخرج مراعى القتل، وهى مليئة بصور الفقر المدقح،‏ ‏أن‏ ‏يجعل‏ ‏الممثل‏ ‏يعيش‏ ‏الفقر‏ ‏ويمثله، ‏لو‏ ‏كان‏ ‏الممثل‏ ‏غنيا‏ ‏لم‏ ‏يعرف‏ ‏الحرمان‏ ‏أصلا،‏ ‏وضربت‏ ‏له‏ ‏مثلا‏ ‏بى ‏وبأولادى ‏وكيف‏ ‏أننى ‏كنت‏ ‏مع‏ ‏إخوتى ‏نفرك‏ ‏على ‏البيضة‏ ‏الواحدة‏ ‏قطعتين‏ ‏من‏ ‏الجبن‏ ‏القريش‏ ‏حتى تكفينا ‏غموسا‏ ‏نحن‏ ‏الثلاثة، فعرفنا الفقر والتوفير برغم أن أبى لم يكن فقيرا، ‏أما‏ ‏أولادى ‏فيصعب‏ ‏تماما‏ ‏أن‏ ‏أقدم‏ ‏لهم‏ ‏معنى ‏الفقر‏، وذكرت له وللأستاذ كيف أننى عملت تجربة محاولة إشعارهم بنوع من الفقر ‏أثناء‏ ‏رحلتنا‏ ‏إلى ‏الخارج، (التى سجلتها فى الترحالات) ‏حين‏ ‏أعطيت‏ ‏كلا‏ واحد ‏منهم‏ ‏مبلغا‏ ‏محددا‏ ‏من‏ ‏المال‏ ‏للأكل‏ ‏والمبيت‏ ‏والفسح‏ طول الرحلة ‏وعليهم‏ ‏أن‏ ‏يتدبروا‏ ‏أمورهم، ‏لكن‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏كان‏ ‏تمثيلا‏ ‏ لضيق ذات اليد وليس واقعا فظا، و ثم إنى بحثت عن آثار علاقتهم بهذه التجربة بعد عودتنا فوجدت أنه لم‏ ‏يتبق‏ ‏منها ‏شىء، قال توفيق‏ ‏‏أن‏ ‏وظيفة‏ ‏المخرج‏ ‏والسيناريت‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏ينقلا‏ ‏حالة‏ ‏المعايشة‏ مثلا: الفقر المهين فى مراعى القتل، ‏إلى ‏الممثل‏ ‏‏حتى ‏ينسى ‏كل‏ ‏ما‏ ‏عدا‏ ‏أنه‏ ‏فقير، ‏‏‏أثنى الأستاذ ‏على ‏تعبير‏ ‏ ‏يوسف‏ ‏وهبى عن الفقر فى أفلامه ومسرحياته ‏وهو‏ ‏إبن‏ ‏الباشا، ‏وأنه لم‏ ‏يتميز‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏أدوار‏ ‏الفقر،‏ ‏وأن‏ ‏من‏ ‏أعظم‏ ‏أعماله‏ ‏هو‏ ‏أولاد‏ ‏الفقرا، ‏وجرى ‏حديث‏ ‏على ‏علاقته‏ ‏بأمينة‏ ‏رزق‏ ‏التى ‏صعدت‏ ‏على ‏خشبة‏ ‏المسرح‏ ‏سنة‏ 1926 ‏وهى ‏تقول‏ ‏إنها‏ ‏كان‏ ‏عندها‏ 14 ‏سنة‏ ‏والمؤكد‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏بأربع‏ ‏سنوات‏ ‏على ‏الأقل‏.‏

حكيت‏ ‏للأستاذ‏ ‏عن‏ ‏قراءتى ‏لكتاب‏ ‏جانترب‏ ‏عن‏ ‏الظاهرة‏ ‏الشيزيدية‏ ‏كأساس‏ ‏لتكوين‏ ‏البشر‏ ‏وسلوكهم‏ ‏وكيف‏ ‏قرأت‏ ‏هذا‏ ‏الكتاب‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أوصلت‏ ‏زوجتى ‏وإبنى ليأخذوا ‏المركب‏ ‏من‏ ‏فينسيا‏ ‏سنة‏ 1969 ‏فأمطرت‏ ‏الدنيا‏ ‏على ‏وأنا‏ ‏داخل‏ ‏الخيمة أستعد للعودة إلى باريس، ‏وظللت‏ ‏محبوسا‏ ‏مع‏ ‏الكتاب‏ ‏فى ‏انتظار‏ ‏توقف‏ ‏المطر‏ ‏لأجمع الخيمة‏، ‏حتى ‏أعدت‏ ‏قراءته‏ ‏مرتين‏ ‏ومن‏ ‏يومها‏ ‏تغير‏ ‏فكري، ‏وقلت‏ ‏لتوفيق‏ ‏إننى ‏فسـرت‏ ‏فيلم‏ ‏الغريب‏ ‏والضباب‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏، منطلق العلاقة بالموضوع، والنزوع للعودة إلى الرحم.

أثناء‏ ‏توصيلى ‏للأستاذ، ‏وكنت فى حالة حرافيشية نشطة سمحت لى أن أواصل الحديث معه، قلت: ‏إن‏ ‏ ‏الأصالة‏  تتجلى فى الإبداع الحقيقى حتى لو تناول فكرة مكررة، وأنه بقدر ما يكون المبدع قد عايش فكره ما، او حدثا ما‏ ‏فى ‏واقع وعيه،‏ فإنه يستطيع أن يبعث فيه الجديد من خلال الشكل الذى يختاره، ‏فلا‏ ‏يجوز‏ ‏أن‏ ‏يقرأ‏ ‏أحدهم‏ ‏عملا، ‏أو‏ ‏فكرة، ‏ثم‏ ‏يقول‏ ‏أنا‏ ‏سوف‏ ‏أكتب‏ ‏رواية‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الفكرة، ‏فى ‏الأغلب‏ ‏سوف‏ ‏يفتقد‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏إلى ‏الأصالة، ‏لكنه‏ ‏لو‏ ‏عاش‏ ‏الفكرة فى عمق مستوى من الوعى، ‏ثم حضرته وهو يشكل إبداعه، فإنها ستحضر جديدة مختلفة حتى لو كانت مكررة، فيصدر العمل أصيلا فى شكله الجديد.

 كان الأستاذ جالسا بجوارى أثناء العودة، ولم أستطع أن أقيس مدى انحناءة رأسه لأقرر مدى موافقته، فرحت أننى قلت له رأيى ونحن معا حتى أثناء قيادتى السيارة عائدين، وفرحت أنه لم يأمرنى أن انتبه للقيادة وأن أؤجل الحكى عن مثل هذه الآراء إلى مكان آخر فى حال آخر،

 يبدو أننى كنت أتكلم بالقصور الذاتى بعد هذه الليلة البهيجة.

تصبح على خير أيها الرجل الجميل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *