الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / .. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (3 من 4)

.. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (3 من 4)

“يومياً” الإنسان والتطور

14 – 10 – 2008

السنة الثانية

العدد: 410

.. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (3 من 4)

قراءة فى استجابات الأطباء

لاحظنا كيف أن اللعبة بدأت بالطبيبين المتدربين وليس بالمرضى، وأنها نشأت من خلال مناقشة عابرة بين د. مى والأستاذ المدرب، كما أتضح معنى عدم تحديد “الموضوع” فى ألفاظ اللعبة، (لم نقل” لو كنت اعرف إن العلاج كده، أو إن التدريب كده، أو إن الجروب كده، ولم نقل: لو كنت اعرف الصعوبة، أو لو كنت اعرف المخاطرة ..إلخ). هذه التلقائية هى  التى جعلت الاستجابات طليقة بحيث تحَّركَ ما تَحَرَّك من مستويات الوعى دون وصاية او توجيه لوجهة معينة.

نشرنا يوم الثلاثاء الماضى كيف ظهرت هذه اللعبة فى آخر جلسة من جلسات العلاج الجمعى، وكانت البداية حين تطرق التفاعل إلى أن تنظر الزميلة المتدربة فيما حدث خلال اثنى عشر شهراً من التدريب على العلاج الجمعى، لكن الفكرة استدرجتنا إلى تعميم الرؤية على أى موضوع – كما ذكرنا – مهما كان غامضا.

وربما من هذا المنطلق دعوْنا زوار الموقع إلى المشاركة، ومازلنا نجدد الدعوة.

نؤكد مرة أخرى أن المقصود ليس “مراجعة ما كان” برغم لفظ “كنت” فى اللعبة، لكنه نوع من “استحضار الماضى فى الحاضر” لتقييم مستوى التغيّر (التعلم) وحفز اتخاذ القرار الآن، ثم ماذا؟.

بعد أن نشرنا الأسبوع الماضى الاستجابات كلها للأطباء والمرضى على حد سواء دون مناقشة لإتاحة الفرصة للتلقى الحر، نبدأ اليوم فى قراءة مجتهدة لاستجابات الأطباء ثم غدا لاستجابات المرضى، ثم دعونا نأمل فى قراءة شاملة الأسبوع القادم لو جاءتنا مشاركات كافية من زوار الموقع.

والآن: إلى استجابات الأطباء:

“لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت …….”

د. مى: يا دكتور يحيى أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت جيت من زمان

قول مى للدكتور يحيى “جيت” من زمان جعلنى أرجع لها وأنا أكتب الآن هذا التعقيب لأتأكد، وفى نفس الوقت لأتأكد أيضا من قولها -كما سيأتى – لمحمود كنت “جريت كتير” فتأكدت منها الآن هاتفيا أنها تذكر الكلمتين “جيت” و”جريت”، وأنهما ليستا خطأ فى تفريغ الشرائط، وحين سألتها عن الكلمة الأولى ، قائلاً: “جيتى فين”؟ قالت: “لا أعرف” لكننى قلتها فعلا كده، قلت لها: ولسه فاكراها؟ قالت: آه، أصلها علّمت فىّ ساعتها، وحين سألتها عن ما قالته لمحمود، (الاستجابة التالية) “كنتى جريتى فين”، قالت: “ما اعرفشى”، لكن أنا فاكرة أنا قلت دى ودى كده، بالضبط.

فرحت أن اللعبة جرت منذ فترة قريبة، وأنه يحق لى أن أطمئن للتسجيل والتفريغ

الأرجح عندى أن د. مى حين قالت “جيت” بهذه التلقائية كانت تعنى “الحضور” الذى هو من صفات الوعى التواصلى أكثر منه لخدمة أية وظيفة فكرية أو حتى وجدانية أخرى، المجموعة فى العلاج الجمعى تستدعى هذا النوع من “الحضور الذى يمثل “علاقة أكثر كلية من العلاقة الفكرية، أو حتى العاطفية“، “كنت جيت من زمان” التى قالتها د. مى إذن ربما تشير إلى أنها تتذكر بأثر رجعى أنها أمضت فترة مترددة قبل أن تلقى بثقلها فى المجموعة، ربما تتناسب مع فترة السماح لها بالاعتذار عن التفاعل (النور الاحمر)[1]

[د. مى]

د.مى: يا محمود أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت جريت كتير

محمود هو المريض (الذكر) الوحيد فى هذه الجلسة، وهو الصامت طول الوقت كما قدمنا، ويلاحظ أن كل أفراد المجموعة لم يستثنوه فى اللعب وكأنه يتكلم، وهو لا يشارك ولا حتى بالإشارة، لكنه كان شديد الانتباه طول الوقت، كما يلاحظ أن د.مى، مثل كثير من الذين سوف يلعبون معه، وسوف يخاطبونه مباشرة بنفس الجدية، كما لو كان متفاعلا معنا طول الوقت، يحدث ذلك دون توجيه خاص من المعالجين، كان الكلام يوجه إليه بطريقة واضحة عادية مثله مثل الآخرين، برغم اليقين بأنه سوف لا يتكلم، وبالتالى سوف لا يلعب حين يأتى عليه الدور، لكن هذا من ضمن تقنيات هذا العلاج، أعنى: أن نعتبر مشاركته صامتا هى مشاركة كاملة برغم كل شىء.

بصراحة لم أنجح أن أجد تفسيراً لما تقصده د. مَىْ بـ “جريت”، ولا هى قدمت تفسيراً بعد الاتصال بها كما ذكرت، ربما تعنى أنها لو أسرعت الخطى فى التدريب (جريت)، ولم تقاوم، ربما كانت أصبحت أقدر على مساعدته، ربما.

 (تكمل مى)

د.مى: يا أسماء أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت يمكن ساعدتك أحسن

استجابة د. مى ما زالت فى اتجاه أنها تتصور أنها  لو كانت اطمأنت أكثر تبكيرا، لكانت حَذِقَت التدريب بشكل يجعلها أقدر على مساعدة محمود كما لاحظنا، برغم صعوبته، و من ثَمَّ مساعدة أسماء وهى تبدو أسهل برغم ظروفها المرحلية التى احتدت فى هذه الجلسة بالذات.

د.مى: يا رفيعة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت يمكن كنت ماوافقتِشْ

بعد هذا الإقرار مع كل من الدكتور يحيى ومحمود و أسماء بما يشير إلى أن “الموضوع” الذى هو “كده” وصل “د. مى” بشكل إيجابى وأنها كانت تتمنى أن تحضره من زمان، وأن تجرى نحوه، وأن يساعدها ذلك أن تساعد الناس، بعد هذا الإقرار يقفز الجانب الآخر يعلن وعيا أعمق بالصعوبة، فإعلان د. مى هنا بأنها لو عرفت مسبقا ما كان سيحدث هكذا من تغيير غير محسوب، وصعوبات مجهولة، وجدية ملزمة، لكانت “ما وافقتش“، هذا النوع من الاختيار، ولو أنها تبينت أبعاده بأثر رجعى، هو موقف جيد يساعد فى التدريب، وهو أفضل من الحماس على طول الخط، أو التقاط الجانب الإيجابى للخبرة والتدريب استقطابا، وكأنه أمر مرغوب فقط.

وعموما فإن قول دكتوره مى “كنت ما وافقتش” هكذا مفتوحا، ليس بالضرورة إشارة إلى أنها لم تكن توافق على خوض تجربة التدريب، فربما هو يشير إلى عدم موافقتها على جرعة الكشف والتحريك التى غامرت بها.

د.مى: يا مديحة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت استحملت أكتر

بعد أن تبينت د.مى حقها فى “عدم الموافقة” راحت تقر أنها لو تبينت حقيقة وطبيعة الجارى، لأكملت متحملة وهى تدفع الثمن لأنه تبين أنه (الموضوع الْكدا) يستأهل، ولكن يا ترى تتحمل ماذا؟ تتحمل لماذا؟ تتحمل أكثر ماذا؟ أو مَنْ؟ تتحمل أعضاء المجموعة، أم آلام النمو؟ أم ضغط المدرب؟ أم كل ذلك؟

د.مى: يا شريف أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كان برضه حايحصل نفس اللى حصل

هذا التعبير وصل إلىّ باعتبار أن له دلالته المنهجية الرائعة، بمعنى أن المعرفة المسبقة، سواء بتفاصيل ما يمكن أن يحدث أو بالصعوبات أو بالآلام أو المقاومة، كل هذا ليس له علاقة مباشرة بحركية النمو من خلال الخبرة، إن المعرفة المسبقة لا تمنع ولا تحدد مسار وطبيعة الإستجابة الخبراتية الممتدة عبر عام كامل، وفى هذا ما فيه من التأكيد على أن التدريب هو عملية تجرى على مستويات واقعية عملية كلية وليست مجرد تنفيذ مخطط محدد المعالم مسبقا ،

 مرة أخرى نؤكد أن قول د. مى “كان برضه حايحصل اللى حصل” لا يتنافى مع استجاباتها السابقة التى تشير إلى وعى فائق باحتمالات تراجعها، وضرورة تحملها فى آن. 

د.مى: يا فايقة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت أخدت أجازة

غير واضح هنا مدة ولا توقيت ولا سبب هذه الأجازة، لكن ربما تكون أجازة طويلة سابقة تعفيها من مغامرة التدريب أصلاً بما يتفق مع إجابتها “كنت ما وافقتش” حتى تتجنب التجربة من البداية، أو لعلها أجازة قصيرة تلتقط فيها أنفاسها من ملاحقة التغيير

د.مى: (تخاطب نفسها) يا “مى” أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كان يمكن غيرت حاجات كتير

[فى هذه اللعبة، مثل كثير من الألعاب، خاصة تلك التى نلزم فيها المشاركين (أطباء ومرضى) باللعب مع كل أفراد المجموعة بلا استثناء، يلعب المشارك مع نفسه، ونضع أمامه حقيبة إحدى المشاركات أو جهاز محمول أو أى شىء على المنضدة المتوسطة، ونجعله يخاطب نفسه بنفس الألفاظ، وكأنه “آخر” ماثل أمامه].

 استجابة مى هنا قد تشير إلى تبيّنها أن ما عرفته من خلال هذه الخبرة هو جوهرى بحيث أنه يترتب عليه أن تغير موقفها فى أمور كثيرة، أو لعلها تشير إلى أن هذه الخبرة، وليس الكلام المكتوب، أو مجرد حسن النية، هى القادرة على التغيير الحقيقى.

د.يحيى: برافوا عليكى يا مى تدى الكورة لمين

د.مى: لشريف بقى

بصراحة، وأنا أكتب التعليق الآن، فرحت أن المتدرب الثانى هو الذى لعب بعد زميلته مباشرة بحيث يمكن استنتاج أثر خبرة اثنا عشر شهرا على المتدربين أولا قبل أن ننتقل إلى بقية المشاركين من المرضى والمدرب المعالج الرئيسى،

لعلنا لاحظنا فى الحلقة الأولى أن العلاقة شبه الأخوية بين الطبيبة وزميلها تبدو وكأنما أخوين فى أسرة يتبادلان حوارا طيبا به من التحدى والفرحة والإغاظة والتوريط مثل ما يوجد فى الأسرة بشكل ما (ظهر ذلك فى نشرة سابقة الثلاثاء 7-10-2008)

 أظن أن مى ألقت الكرة (وهو التعبير الذى نستعمله للسؤال عن اختيار الزميل أو المريض للذى يلعب بعده) لشريف تكملة لتنافس الإخوة فى الأسرة الذى ألمحنا إليه فى نشرة الثلاثاء الماضى فنتذكر كيف أن شريف فرح فيها لأنها ستلعب مع الجميع. فردت عليه مباشرة أنه هو أيضا سيأتى عليه الدور، وربما لهذا بادرت، فاختارته بعدها مباشرة قبل المرضى.

[د. شريف]

 (يبدأ د. شريف اللعب) 

د.شريف: يا فايقة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت فكرت كتير قبلها

إعلان مباشر من د. شريف أنه اكتشف من التجربة أنها غير ما كان يتصور، وهذه الاستجابة قريبة من استجابة د.مى حين قالت “كنت ما وافقتش“، جنبا إلى جنب مع قولها “كنت استحملت“، هذا التروى (بأثر رجعى) يدل على جدية التجربة ومفاجآتها المختلفة حتما مهما كان التنظير المسبق لتوضيح أبعادها، ومهما كانت الإشاعات التى تدور حولها لمن لم يخبرها. على “أن التفكير كتير قبلها” لا يعنى احتمال أنه نادم على الإقدام دون تفكير كاف، وإنما هو قد يشير إلى حجم الفرق بين ما كان يتصوره، وما اكتشفه من خلال التجربة.

 

د.شريف: يا دكتور يحيى أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت كملت الجروب الجاى

يبدو أن الذى وصل إلى شريف تحديدا هو ما أتصور أنه وظيفة هذا التدريب، وهو أنه يفك العقلة (الوقفَة) ويحدد التوجه، ثم تستمر عملية النمو إلى غايتها التى ليس لها نهاية، ومن هنا فإن تعبير د. شريف عن رغبته فى أن يكمل المجموعة التالية، هو إعلان ضمنى أنه قد وصلته فكرة أنها خبرة ممتدة، وأن من بدأها لا يستطيع – بسهولة- أن يوقفها، وهو يعلم تماما أن الاستثناء الوحيد الذى جعل المجموعة تمتد سنتين مع نفس المعالج الرئيسى حدث مرة واحدة للمرضى دون المتدربين، وكان ذلك فى المجموعة السابقة لهذه المجموعة مباشرة لأسباب علمية تجريبية أساسا، وهو استثناء قررنا بعده، بعد تقييم التجربة، أنه لن يتكرر، لأنه لم يحقق أغراضه، ومع ذلك عبر د. شريف عن رغبته الدالة فى إكمال الطريق هكذا … “كنت كملت الجروب الجاى“.

(ملحوظة : د. شريف كان حاضراً مشاهداً لتلك المجموعة التى امتدت سنة أخرى)

د.شريف: يا محمود أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت حاشوفك أحسن

نفس الفكرة التى ذكرناها مع د.مى، إن الموضوع الذى هو “كده”، لما تبين أنه “كده”، وصل منه أنه قد يتيح فرصة أكبر للقيام بعلاج أنجح حتى للحالات الصعبة المتحدية مثل حالة محمود، وذلك محتمل، وهو يعلن أن الدعوة قائمة لمشاركة المتدرب الأصغر، مهما صعبت الحالة. وسوف يتكرر حالا نفس الموقف بالنسبة “لأسماء”، التى تمر بازمة مرحلية صعبة أيضا عرفها الجميع عن طريق زميلتها (وصديقتها) رفيعة، ثم أقرت بها.

 د.شريف: يا أسماء أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت ساعدتك أكتر

د. شريف ما زال يشعر أن ما وصله من ناتج إيجابى للخبرة يمكن أن يمكّنه من أن يساعد أكثر بتنامى شحذ مهارته معالجا، قادرا، وأزمة أسماء الصعبة المرحلية تتحدى، وإن كانت بدرجة أقل من صمت محمود.

 د.شريف: يا رفيعة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت حاخاف شوية

حين انتقل د. شريف إلى رفيعة، وهى تعايش ألما أقل من معاناة أسماء فى هذه المرحلة، وفى نفس الوقت تمارس ثورة أكثر، وتحديا أكثر شراسة، كما ذكرنا، وكما سيأتى ذكره، ابتدأ د.شريف يعبر عن الجانب الآخر من التجربة، وهو خوفه الذى كان سيتملكه لو أنه ألم  بكل أبعاد ما يمكن أن يحدث مسبقا،

إعلان الخوف هنا يضيف إلى موضوعية المشاعر ولا يقلل من ترجيح الاختيار،   لكننى توقفت عند تعبير “شوية“، وأظن أنه تعبير إيجابى أيضا من حيث ما يتضمن من أن المسألة ليست مغامرة عشوائية خطرة، لكنها مخاطرة محسوبة تحت مظلة التدريب على مدى متسع ، ومن ثم “الخوف شوية” لا أكثر.

 د.شريف: يا مديحة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت استنّيت شوية

الأرجح أن هذه الإجابة مكملة للإجابة السابقة، فحين يكون الخوف “شوية”، فإن التروى، ولو “شوية” أيضا، يصبح هو المطروح أو المطلوب.

د.شريف: يا مى أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت حافكر بطريقة أحسن

حين جاء الدور على زميلته عاد التنافس الطيب ليعلنها  أنه حين أخذ الكرة، أحسن اللعب، وأن الموضوع الذى تبين أنه “كده”  يحتاج  إلى تفكير يليق به (بطريقة أحسن) 

د.شريف: (مخاطبا نفسه) يا “شريف” أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده كنت حاكمل برضه

أما مواجهته لنفسه، فى نهاية اللعبة، فقد جمعت محصلة مراجعته، فجاءت فى نفس اتجاه ما ذكرته د.”مى” ، لكنها هنا يمكن ربطها بلعبه مع الطبيب الكبير، المدرب، حين قال له كنت كملت الجروب الجاى، عموما هى استجابة قريبة من قول د.مى له شخصيا “كان حا يحصل برضه، وكأن كلا من الرغبة فى التكملة، والتسليم بأن العملية التى بدأت يصعب إيقافها تفيدان نفس المغزى، مع كلا من المتدربين.

ملحوظة هامة:

نلاحظ أنه لا د.مى، ولا د. شريف لعب مع هانيا، مع أنها (كما سنرى لاحقا)، كانت تمثل تحديا رائعا وتفاعلا نشطا مع كل أفراد المجموعة، وبصراحة أنا لم أنتبه إلى هذا التجاوز إلا وأنا أكتب التعليق الآن، وقد رجعت إلى التسجيل فتأكدت أنهما كليهما لم يلعبا مع هانيا، فرجعت إليهما شخصيا وسألتهما عن سبب ذلك، فلم يعطيا تفسيرا، اللهم إلا أن الدكتور شريف قال: ربما لأنها حضرت متأخرة فلم تكن موجودة أثناء اللعبة ولقد لعبنا أنا و”مى” فى البداية، إلا أنى أخبرته أنه بمراجعة التسجيل تأكدت من وجود هانيا، وحتى الآن لم أجد تفسيرا لذلك.

هذا علما بأننى وسائر أفراد المجموعة عادة نذكِّر أى عضو يلعب بمن نسى أن يلعب معه، فأعترف أنا هنا أننى لم أجد تفسيراً لماذا لم أقم بتذكيرهما الواحد تلو الآخر بهذا السهو.

(ندع الآمر مفتوحا حتى لا نتعسف التفسير، وهذا مهم: القدرة على السماح لما لا تفسير له ولو مرحليا أن يحضر فى الوعى حتى يجد تفسيراً، أو لا يجد).

****

[د. يحيى]

(عادة كقاعدة إلا فى استثناءات محدودة، يلعب المعالج الرئيسى وهو المدرب، آخر واحد، وهو يبرر ذلك بأنه لا يريد أن يبدو كمدرس يشرح للآخرين كيف يلعبون، وربما حتى لا يحذو بعضهم حذوه،

ثم إننى لا أعرف هل يحق لى التعقيب الآن على أدائى شخصيا مثلما أعقب على أداء الآخرين أم لا،

 لكننى سأجرب باعتبار أن كل شىء مطروح للتجريب،

ثم إنه بصفتى أمضيت ثلث قرن قبل أن ألعب هذه اللعبة، المفروض أننى عرفت من خلال مئات الجلسات وعشرات النتائج أن “الموضوع كده” فما الجديد

هل ستكون خبرتى السابقة (قلت أكثر من ثلاثين عاما) وصية على لعبى هنا والآن؟

هل يمكن بعد كل هذا أن تكون تلقائية؟

المقاومة التى عشتها لفترة قصيرة قبل أن أبدأ اللعب قد تشير إلى أننى لم أضع فى الاعتبار إجابات محتملة لهذه الأسئلة.

فى البداية ترددتُ فعلاً فى أخذ الكرة حتى قالت مديحة (أبلة الناظرة) ساخرة منى وهى تشجعنى ضاحكة:

 مديحة: حضرتك ما تخافشى، إبدأ والكلام حيجي لوحده.

 (يبدأ د. يحيى اللعب) 

د.يحيى: يا مديحة لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كنتش قلقت ابدا علي اللي انا بعمله

  يبدو أن  الجرعة التى وصلتنى من هذه اللعبة بالذات ونحن فى آخر جلسة، كانت من الوضوح بحيث يبدو هذا التقرير بمثابة تأكيد جديد يبرر نوعا من الرضا عن طبيعة العلاج وحقيقة فاعليته

د.يحيي: يا مى لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حمدت ربنا اكتر

  يبدو ذلك كأنه تأكيد آخر أوضح عن الرضا بالنتيجة

د.يحيي: يا هانيا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت شكرتك بجد اكتر ما شكرتك

  لعل كل ما سبق شرحه بالنسبة لهانيا (الفصامية!!!!)  ودورها الإيجابى فى حفز البصيرة، وكسر الهيبة مما يسمى الجنون،  (بالنسبة لكل أفراد المجموعة وللمعالجين أيضا)، ثم مواصلتها الحضور والّلم، كل ذلك يفسر هذه الاستجابة من المدرب.

لقد تمرستُ على ممارسة هذا الموقف (شكر المريض) على تحسنه باعتبار أنه أعطانى أنا شيئا بهذا التحسن، وذلك تأكيدا على دوره الإيجابى فى عملية العلاج، فهو شكر موضوعى يتجاوز المجاملة، وقد تأكد هذا عندى – كما اظهرته اللعبة- فيما قامت به هانيا طوال عمر المجموعة.

د.يحيي: يا شريف لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت ما بطلتش اعلّم الناس

لعل هذا له علاقة بشكى المستمر فى مدى اختيار وتلقائية زملائى الأصغر المتدربين قبول هذه  المخاطرة للتدريب بهذه الطريقة، الأمر الذى ظهر فى تتبع ماذا تبقى بعد سنوات من متدربين سابقين، وهو ما يجعلنى أشك معظم الوقت فى جدوى ما أفعل، لكن يبدو أن هذه الإجابات فى هذه الجلسة (بالإضافة إلى اشياء أخرى كثيرة) كانت من الدعائم التى تجعلنى أكمل.  محاولاتى الممتدة.

د.يحيي: يا فايقة لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اتعلمت منك اكتر واكتر

تبدو حيرتى إزاء حالة فايقة كبيرة، وبالذات بالنسبة لاختفاء الأعراض تماما بعد أول جلسة، وفى نفس الوقت ظهور هذا القدر من الدفاعات (الميكانزمات) السابق الإشارة إليه مما جعلنى أحتار فيما إذا كان علىّ – علينا– أن نخلخل هذه الدفاعات لكى نفك قيدها فتواصل عملية النمو، أم نرضى بها ما دامت الأعراض قد اختفت حتى عادت فايقة إلى مزاولة حياتها: الانتظام فى الجامعة والاستذكار كما اتفقنا، علما بأنها امتحنت أثناء حضورها المجموعة، وأدت الامتحانات بكفاءة بعد أن كانت تعزف عن الامتحانات، ووفقت فى الإجابة (بحسب كلامها، بدرجة معقولة)، من هنا قد أفهم استجابتى على أننى لو زادت ثقتى فيما أفعل لما ترددت أن أتعلم منها أكثر مما قد يساعدنى على التغلب على مثل هذه الحيرة، التى جعلتنى أرضى- مترددا- بتوقفها هكذا، وهذا الموقف منى لم يتم حله حتى نهاية المجموعة.

د.يحيي: يا محمود لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كنتش ايأس ابدا

الخبرة التى وصلتنى من حضور محمود بهذا الانتظام هذه المرة، دون أى نجاح حتى بالمقارنة بنجاحنا معه منذ أربع سنوات، ثم قدرة أفراد المجموعة على مواصلة التفاعل معه هكذا، دون استعمال أية لغة إشارية، ثم مبادرتهم فى هذه الجلسة – كمثال – بإشراكه معنا، ومخاطبته من قِبَلِ كل الأفراد وكأنه سوف يتكلم اللحظة التالية، كل ذلك قد يفسر ما وصلنى من احترام ما تعلمناه فى العلاج مما دعانى للتصريح بأننى “ما كنتش أيأس أبدا”.

د.يحيي: يا أسماء لو كنت اعرف إن الموضوع كده كان صُعُبْ عليا اللي بيشكُّوا في ربنا اكتر

  يبدو، برغم كل التحفظات ، أنه ينبغى علىّ أن أتعرض لشرح مبسط  للفكرة الجوهرية فى استعمال حضور الله سبحانه حضورا محوريا ضاماً داعما للتواصل بين البشر، كما يصلنا من خبرتنا فى هذه المجموعة كمثال.

أنا أمارس هذا العلاج وغيره، وأنا على يقين من أن ثم قوة محورية موضوعية، بيولوجية، وكونية، هى التى تجمع البشر إلى بعضهم البعض فى وحدة أكبر قابلة للتصعيد فى هارمونية متسقة إلى وحدات أكبر فأكبر نحو الوعى الكونى إلى وجه الحق تعالى، إذن فهى ليست فكرة دينية تقليدية، بل إنها حقيقة ماثلة نمارسها دون تسميات دينية، فعلاً: نحن نمارسها طول الوقت بأقل قدر من المباشرة أو استعمال اللغة الدينية خاصة الاغترابية منها، وإعلانى هنا وأنا ألعب. غالبا غصبا عنى – أن ما حدث من إيجابيات هو دليل على معايشتى هذا الوعى بشكل أو بآخر، وقد بدا لى من واقع ما قلت هكذا، أنها بالنسبة لى فكرة بديهية ماثلة، وبالتالى يمكن تفسير لماذا أشفق على من ينكر مثل هذه البديهية التى تتجسد لى كل عام، كل مجموعة، كل خبرة كل لحظة، دون قصد، وتتأكد أكثر حين يثبت لى أن “الموضوع كده”

ربما.

د.يحيي: يا رفيعة لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اتلخبط

لم أفهم حتى الآن –حتى وأنا أحاول التعقيب- لماذا قلت ذلك، ولماذا حين تصلنى كل هذه الإيجابيات – على حد تقديرى – أُربك (أتلخبط) هكذا؟.

هل يا ترى لأننى لم أتوقع هذه الدرجة من الوعى بما يجرى؟.

هل لزيادة حيرتى ما بين العجز عن تعميم ما حدث، وبين الحيرة فى التوصل إلى منهج ينقل الخبرة (وبعض الحقائق) إلى من لم تتح له الفرصة لحضورها ومعايشتها؟.

هل لإدراكى مدى العمق الذى وصل إليه أفراد هذه المجموعة، على تواضع واختلاف مستوياتهم الذهنية والاجتماعية والثقافية والمرضية بكل المقاييس العادية؟.

كل ذلك وغيره جائز،

 لكن هذا هو ما قلته.

د.يحيي: يا يحيي لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اديتك على خلقتك

  يبدو لى الآن أن ذلك كان بمثابة العقاب لى على شكى فى ما أفعل.

أو على ما يساورنى أحيانا من أنه تكفى هذه السنوات التى جاوزت الثلاثين عاما، ما دامت الخبرة غير قابلة – بسهولة – للانتقال إلى أجيال لاحقة.

أو ربما كان ذلك لأسباب خاصة لا أعرفها أنا شخصيا حتى الآن .

****

ملاحظة شاملة:

نلاحظ أن الأطباء الثلاثة ركزوا على خبرتهم فى هذا العلاج فى هذه المجموعة بعد عام كامل، وهذا يختلف قليلا عما سنراه غدا مع المرضى حيث سوف نجد أن أغلب المرضى قد فعلوا مثل الأطباء تماما (كان الموضوع لديهم أيضا: هو خبرة هذا العالم فى هذه المجموعة، أما الأقلية فقد خرجوا إلى موضوع آخر خطر على بالهم لا نعرفه، وربما هم أيضا لم يحددوه، فلم يكن هذا شرطا.

أما الدعوة لأصدقاء الموقع فهى مفتوحة بالنسبة لأى موضوع كما جاء فى النشرة الأولى من هذه السلسلة (1من4)، سواء كان موضوعا محددا، أم غائما غامضا.

شكراً.

* * *

(غداً نعرض استجابات المرضى والتعقيب عليها)

ومازالت الدعوة موجهة لأصدقاء الموقع

(وهى التى فصّلناها فى أول نشرة من هذه السلسلة).

مع الشكر مقدما للمشاركة.

 

[1]يومية 14-9-2007 لعبة الخوف (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *