الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / .. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (4 من 4)

.. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (4 من 4)

“يومياً” الإنسان والتطور

2008-10-15

السنة الثانية

العدد: 411

ماذا يحدث فى العلاج الجمعى

 للمرضى والمتدربين والمدرب؟

.. مِنْ آخر جلسة علاج جمْعى لمجموعة عمرها عام (4 من 4)

قراءة فى استجابات المرضى

“لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت ……”

ننصح مكرراً – لدرجة التشريط لو أمكن- بالعودة إلى قراءة النشرات الثلاثة السابقة وبالذات (نشرة الأربعاء الماضى 8-10-2008) قبل قراءة استجابات المرضى فى هذه النشرة والتعقيب عليها، وذلك للتعرف على ما تيسر من أحوال المريضات اللاتى سوف نتناول استجاباتهن الآن (وأيضا الرجل الوحيد فى المجموعة: محمود، وهو لم يلعب أصلاً، لكن الجميع لعبن معه!!)

****

[رفيعة]

رفيعة: يا دكتور يحيى أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت غيرت حاجات كتير

البداية حاسمة، لكن غامضة، لأن اتجاه التغيير غير واضح، رفيعة عموما فى ثورتها ضد أخيها كانت تعتمد على المجموعة وقائدها بشكل واضح، لكنها اعتمادية الند وليست الاعتمادية الرضيعية الطفيلية، ولهذا فأنا أرجح أن التغيير الذى أعلنته هكذا، بدءا بقائد المجموعة، هو فى اتجاه إيجابى من حيث المبدأ، برغم تنقبها مؤخرا.

رفيعة: يا فايقة أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده ماكنتش جيت

حضور رفيعة النشِط فى المجموعة ، ودعم المجموعة لها، جعلها أكثر ثورية، وفى نفس الوقت أعمق ألما وحيرة، وربما فى هذه اللحظة وصلها أنه: يا ليتها لم تر ما رأت من خلال المجموعة، ربما كان أسهل عليها أن تستسلم للقهر ، أو للمرض. الأرجح حتى الآن ألا نعتبر ذلك ندما، بل لعله وعى بحجم المشقة وجدية العلاج. تفاعل المجموعة الذى احتوى ثورتها وشجعها على الاستمرار فيها، وفى نفس الوقت حمّلها مسئولية اختياراتها، يبدو ان هذا وذاك مثّلا عبئا زائدا جعلها تتمنى هذه الأمنية

ولعلها تتمنى فى نفس الوقت، حسب تقديرنا، ألا تتحقق هذه الأمنية، هذا ما وصلنا من واقع ممارستها وانتظامها طول العام.

رفيعة: يا دكتور شريف أنا لو كنت أعرف إن الموضوع كده ماكنتش صدقت الناس

ربما كان هذا إشارة إلى ظاهرة تتكرر فى هذا العلاج، وهى ليست إيجابية على طول الخط، أن درجة ما يمارس من صدق فى المجموعة، يجعل بعض أفرادها يقيسون تصرف الناس فى المجتمع الأوسع بنفس المقياس، فيتبينون الاغتراب والزيف فى الحياة العادية، هذا إذا كانت رفعية تقصد بكلمة “الناس” من هم خارج المجموعة، وهذا لا يساعد على التكيف على المدى البعيد، إلا إذا نجح العلاج فى تجاوز هذا الموقف الحُكمْىِ، ولا أظن أنها كانت تقصد ناس المجموعة على أية حال.

رفيعة: يا هانيا أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت هربت من الدنيا

هكذا تتأكد بعض آثار جرعة الرؤية عند رفيعة، وما يستتبعها من الشعور بالمأزق الحقيقى فى العلاج، الذى إذا ما صبرنا عليه وأتيحت الفرصة تحدث بعده نقلة نوعية إيجابية عادة، إعلان رفيعة لهذا الحل الهروبى، وفى آخر جلسة يمكن أن يكون تعرية لحل سابق لم يعد يصلح “بعد أن عرفت أن الموضوع كده“، ولعلها تعنى أنها كانت ستهرب من هذه المعرفة أكثر من أنها تقصد هربها من الدنيا، لأنها –فى المجموعة- وبعد أن “عرفت أن الموضوع كده”، أصبحت أكثر مبادرة وأشرس ثورة، وألزم انتظاما برغم الألم والصعوبات

رفيعة: يا دكتورة مى أنا لو كنت اعرف أن الموضوع كده ماكنتش اشتغلت أساساً

أحيانا، مع غموض مثل هذه اللعبة، ينتقل التفكير والانتباه إلى، التركيز على مواضيع أخرى غير التى بدأنا بها، فمثلا هنا عند رفيعه، كان موضوع العمل وصعوبات التكيف فيه موضوعا اشتغلنا فيه فى المجموعة وقتا طويلا معها، وكانت رفيعة دائما بين نارين، التزمُّت والقهر فى المنزل من أخيها الأصولى بالذات، وصعوبات التكيف فى العمل مع رفض أخيها لمبدأ العمل من أصله، وربما تكون فى استجابتها هنا وهى تخاطب د. مى قد انتقل انتباهها لهذا الإشكال الذى لم يغب عنها أبدا طوال العام، فأعلنت تحريك موقفها الانسحابى من مواصلة تحديها لأخيها والإصرار على العمل.

ربّطُ هذا المأزق، الذى لوّح لها بالتسليم، بما وصلها فى المجموعة طوال اثنى عشر شهرا وارد، لأن المجموعة كادت تشترط فى أوقات كثيرة أن تعمل رفيعة كشرط نسبى لاستمرارها فى المجموعة، وألا تستقيل أبدا إلا بعد موافقة المجموعة، فأصبح الأمر أصعب عليها فأصعب، ومن ثم نفهم استجابتها هنا بما لا يتعلق بشكل مباشر بخبرة المجموعة نفسها، بقدر ارتباطها بالورطات والصراعات التى ارتبطت بالعمل، مضافا إلى ذلك ضغط المجموعة فى عكس اتجاه ضغط أخيها.

رفيعة: يا مديحة أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قدرت أساعدك

علاقة رفيعة بمديحة علاقة متوسطة، فهما كانتا دائما على مسافة (هكذا كانت مديحة مع معظم أفراد المجموعة، أنظر بعد)، ومع ذلك فلا يوجد مبرر موضوعى للشك فى أن ما وصل رفيعة من خبرة طوال عام، جعلها تشعر ولو شعورا غامضا بهذه المسافة، وربما جعلها تلتقط فى مديحة الجانب الطيب من الموقف الوالدى (أبلة الناظرة) –برغم سطحيته، ذلك الموقف الذى تقفه مديحة  معظم الوقت كما أشرنا، ومن ثم يمكن تصور أن رفيعة بالرغم من ألم الرؤية، ومأزق الاختيار، قد اكتسبت من المجموعة قوة تدفعها إلى تصور إمكان مساعدة مديحة  فعلا، ولو من على مسافة.

رفيعة: يا أسماء أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قدرت أعمل لك حاجه

سبق أن أشرنا إلى علاقة رفيعة بأسماء لدرجة الارتباط الثنائى السلبى أحيانا، لكن أسماء كما ذكرنا تمر بظروف خاصة فى بيتها بالنسبة لمرض أمها الصريح مرضا نفسيا أخطر من مرضها هى، وقد انعكس على علاقتهما وعلى تحصيل أسماء الدراسى، وبرغم أن رفيعة انبرت تساعد مديحة  الأبعد عنها، إلا أنها فى حالة أسماء كانت أقل حماسا لكن أكثر موضوعية، ومع ذلك فما وصلها من المجموعة يمكن أن نتصور أنه أصبح دافعا مساعدا لمساعدة صديقتها أوضح، وإن كان أصعب.

رفيعة: يا محمود أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت ممكن قدرت أخليك تتكلم

رفيعة برغم ما بدا من رغبتها فى مساعدة مديحة  ثم أسماء كما رأينا، ربما اكتشفت أنها نتيجة أنها عرفت أن “الموضوع كده!!” زاد حماسها واتضح موقفها تجاه موقف محمود الصامت المتحدى، فلم تقتصر على عرض المساعد، بل امتدت تلقائيتها إلى ما يشبه اليقين بقدرتها على تخطى صعوبة صمته، الأمر الذى لم يستطعه المعالج الأكبر بأى شكل من الأشكال. لا أتصور أن هذا شطٌح صرف أو بُعد عن الواقع، بقدر ما هو يؤكد ثوريتها وإقدامها وثقتها بنفسها بصفة عامة.

لكن هناك احتمال آخر هو أن زعم قدرتها الفائقة هكذا لم يظهر إلا حين أطمأن داخلها إلى اليقين باستحالة تحقيق هذا الزعم.

رفيعة: (تخاطب نفسها) يا رفيعة أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت قتلتك

لم أفهم جيدا هذه الاستجابة، وعندى لها عدة تأويلات: فهى قد تعنى أنها تريد أن تتخلص من رفيعة السلبية.

وفى نفس الوقت ربما تريد أن تستسلم لقهر أخيها فتتخلص من رفيعة الثورية.

وأيضا يجوز أنها تريد أن تتخلص من رفيعة الحائرة.

وكل ذلك قد يجتمع معا لتفسير “كنت قتلتك”، لكن رفيعة بكل هذا التركيب الثورى المشاكس القوى لا يمكن أن يمثل القتل لها هنا الميل للانتحار الحقيقى كما يلوح فى التفسيرات السهلة المباشرة بعيدا عن سياق هذا العلاج الجمعى، وفى نفس الوقت نحن لا نريد أن نبالغ الناحية الأخرى فنتصور أن القتل هنا هو قتل إيجابى بمعنى التغير النوعى إذْ يختفى القديم لصالح إعادة الولادة، ذلك أن رفيعة لم تدخل هذا المأزق الوجودى أثناء مسيرة العلاج ربما لانشغالها بالصراعات الخارجية والداخلية التى استولت على كل طاقتها معظم الوقت.

****

[فايقة]

فايقة: يا رفيعة أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قلت لك كلام كتير

  نلاحظ بدءا من هنا أن إجابات فايقة سوف تتراوح بين “أقول كلام كتير”، أو “أكتر” أو “أعمل كتير” أو “أساعدك” وكل ذلك دال – من وجهة نظرنا- على “تحسنها الدفاعى” ليس إلا، (أى باستعمال الدفاعات= الميكانزمات)، وهو أمر ليس لنا اعتراض عليه، لكنه ليس الهدف النهائى لهذا العلاج، ثم إنه قابل للكسر لاحقا بشكل أو بآخر

فايقة: يا أسماء أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت احاول أساعدك أكتر

 (نلاحظ أساعدك)

فايقة: يا محمود أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حاولت أعمل حاجة أكتر

  أعمل هنا استقبلتُها أنا أنها على نفس مستوى العقلنة بعيدة عن الفعل المغير، وكأنه إعلان حسن النوايا، بشكل أو بآخر، فنحن مازلنا فى منطقة “أقول كلام كتير”.

فايقة: يا دكتور يحيى أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حاولت استفيد اكتر

  نلاحظ أن فايقة حين وصلت إلى مخاطبة الطبيب الكبير المسئول طلبت المساعدة لنفسها بشكل تقليدى، وهو ما نعرفه عن علاقة المريض بالطبيب عادة، وربما يدل هذا على أنها لم يصل إليها اختلاف نوعية العلاقات بين المشاركين فى هذا النوع من العلاج الذى لاتـأتى الفائدة فيه إلا بالتفاعل، وليس بتلقى المساعدة سلبيا.

فايقة: يا دكتور شريف انا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قلت لك كلام كتير

  عودة مرة أخرى إلى “قلت كلام كتير”، ولكن هذه المرة للطبيب المساعد ، ربما هنا تأثرا بشائعة أن العلاج النفسى هو علاج بالكلام أساسا

فايقة: يا هانيا أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت إتعلمت منك اكتر

  نلاحظ أنه قد يكون مقبولا أن تستفيد فايقة من الطبيب الكبير، وأن تقول كلاما كثيرا للطبيب المساعد، لكن الذى يحتاج إلى وقفة هنا هو موقفها هذا من هانيا، وهى أصعب حالات المجموعة من حيث التشخيص والأعراض، لكنها أهم الحالات من حيث الحضور، والتفاعل

فقد كانت هانيا مثالا صريحا لتركيب بشرى تفسّخَ وتعّدد، ثم أتيحت له فرصة أن تُقبل كل وحداته معاً، فحضرت جميعها للتفاعل دون عجلة فى محاولة ضمها كما سيأتى حالا، وكان من الواضح أن الطبيب الكبير يستفيد للمجموعة من عملية اللأم التى تجرى مع هانيا، على غرابة الأعراض، وقد كان حضور هانيا النشط بكل أعراضها الذهانية، يشجع بقية أفراد المجموعة أن يقللوا من دفاعاتهم، حين يصلهم أنهم أفرطوا فى استعمالها خوفا من تفسخ ثبت أنه لا يخيف إلى هذه الدرجة إذا ما عومل كما عاملته هانيا فى المجموعة.

اضطررنا اضطرارا لذكر تشخيص هانيا “فصام بارانوى”، مع كل ما ظهر منها وعن طريقتها من إيجابيات على مسار العلاج، لكننا ينبغى أن ننبه فى هذا الصدد إلى ما يلى: أولا: أنه لايجوز تعميم ما حدث معها ولها على أنه صفات أو تركيب أى فصامى. ثانيا: أن مسار علاج الفصامى يختلف اختلافا جذريا حسب نوع العلاج، وحتى فى هذا النوع حسب حالة المريض ومرحلته وفرص تفاعله. ثالثا: أنها مثل كثير من المرضى كانت منتظمة على علاج العقاقير المناسبة مع ضبط الجرعة بالطريقة التى تلائم هذا العلاج والموجودة فى الموقع فى مكان آخر”استعمال العقاقير فى العلاج النفسى” فى صورة شرائح Power Point
 

 (عودة إلى قراءة لعبة فايقة مع هانيا)

أن تستفيد فايقة من هانيا مثلما قالت إنها تستفيد من الطبيب الأكبر وارد من حيث أن انشقاق فايقة كان مرضا أخف كثيرا من تفسخ هانيا، ومع ذلك فقد كانت هانيا أقرب حضورا، وأكثر حيوية، وأسرع تكاملا، هذا قد يشير إلى أن قول فايقة أنها يمكن أن تستفيد من هانيا قد يحمل آثارا محدودة تتوقف على قدر ما تسمح لنفسها بالتنازل عن دفاعاتها المفرطة، وهو مالم يحدث، لكن ربما النية موجودة، حركّتها اللعبة.

فايقة: يا دكتورة مى أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قلت لك حاجات كتير

  نلاحظ أن هذا هو نفس ما قالته فايقة للدكتور شريف تقريبا، وهو ما نبهنا إليه فى البداية “قلت” “كتير”!

فايقة: يا مديحة  أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت قلت لك حاجات كتير

  نلاحظ أنه نفس ما قالته سابقا للدكتور شريف

فايقة: (لنفسها) يا فايقة أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده ماكنتش زعلت على حاجة

  نلاحظ هنا أن فايقة حين وجهت الكلام لنفسها اتضح بشكل مباشر الطريقة التى رجحت لديها من خلال قوة الميكانزمات التى لجأت إليها، ومن ثم قررت أن تتعامل بها مع الأحداث، بنفس بالميكانزمات التى انتهجتها من البداية وحتى النهاية، فتأكد اختيارها، ألا “تزعل على حاجة”. (تعميم الإنكار)

****

[مديحة]

مديحة: يا دكتور يحيى أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اتمنيت اشوفك من زمان

يبدو أن مديحة  قد أدركت فرقا ما بين خبراتها العلاجية السابقة وهذه الخبرة التى امتدت سنة كاملة، إلا أن تركيزها على المعالج وليس على العلاج ككل ربما انتقص من رؤيتها للعامل الأهم فى العلاج وهو “الجماعة نفسها” أكثر من “القائد”، لكن بصفة عامة يعتبر ذلك إيجابيا لتقييم ما وصلها

مديحة: يا فايقة أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت اتمنيت إنك انتِ تساعدينى

فى الوقت الذى يبدو فيه أن مديحة ترى المعالج الرئيسى بالنسبة لها أنه الأصل، فتتمنى لو كانت قابلته من زمن، نجد أنها لاتتردد فى اعتبار أن فايقة يمكن أن تساعدها، مع أن فايقة كانت أقل عضوات المجموعة قدرة على مساعدتها أو مساعدة أى أحد، اللهم إلا بالكلام “الكتير!!” الذى يتمثل فى النصائح وحسن النية كما ذكرنا، فجاء خطاب مديحة إلى فايقة هكذا ربما ليعلن تواضع انتباهها إلى الفروق الفاعلة فى العلاج.

مديحة: يا دكتور شريف أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اتمنيت اقولك حاجات كتير

  يبدو أن علاقة مديحة  بالدكتور شريف ما زالت علاقة من النوع الشائع عن العلاج النفسى، (قلت لك حاجات كتير) فنتذكر فايقة: أقول لك كلام كتير..إلخ، ولكن الفرق هنا نلاحظه فى قول مديحة، “كنت اتمنيت أقول” عن قول فايقة “كنت قلت لك”.

مديحة: يا هانيا أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت إتمنيت إنى أنا أساعدك

فرق بين طلب مديحة  المساعدة من فايقة، واستعدادها لمساعدة هانيا، ربما لأن مديحة  مرت بتجربة ذهانية، فهى ترى أن هانيا، برغم حضورها وحركتها الضامة النمائية واحتوائها لأعراضها، تحتاج لدعم حقيقى أكثر، فغلب على ظنى صدق رؤيتها لهانيا وأنها فى حاجة إلى مساعدتها. لكن نلاحظ أيضا أن المسألة مازالت فى مستوى التمنى مثلما كان الحال مع د. شريف

مديحة: يا دكتورة مى أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش فكرت كتير

  نلاحظ الفرق بين ما قالته مديحة للدكتور شريف، وللدكتور يحيى، ثم الآن للدكتورة مى، فيبدو أنها فى حين رأت دور د. يحيى فتمنت لو كانت عرفته باكرا “اتمنيت أشوفك من زمان”، ومع د.شريف “اتمنيت أقول كلام كتير”، فإنها مع د.مى اطمأنت حتى أعفت نفسها من التفكير، ربما اطمئنانا ولو نسبيا إلى أن هذا هو الطريق الأفضل الذى تبينته فى النهاية، بعد طول رحلة العلاج

مديحة: يا رفيعة أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده كنت فكرت فيه كتير

  يكاد يبدو هذا نقيضا لما قالته للدكتورة مى ، وهو فى نفس الوقت مكمل له، فحضور رفيعة الثائر العنيد يبدو أنه يدعو مديحة  إلى التفكير ، حتى بعد أن أعلنت إيجابية ثقتها بالأطباء واحدا واحدا (ربما أكثر من المجموعة ككل)، برغم ملامح الاعتمادية غير المرفوضة”، لكن مقاومة رفيعة، وثورتها المجهضة، وألمها، كل ذلك يجسد الصعوبة مما يجعل مديحة “تفكر فيه أكتر”

مديحة: يا أسماء انا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اتمنيت إنى أنا أساعدك كتير

  نلاحظ كيف مازالت مديحة  تستعمل “التمنى” وأيضا “كتير” قبل إعلان موقفها الواحد تلو الآخر، وهذا يتفق مع تواضع حركتها فى المجموعة، فتقدمة التمنى بهذا التكرار سواء فى الكلام أو فى المعرفة، أو فى المساعدة، يجعل الفعل مؤجلا بشكل أو بآخر، 

مديحة: يا محمود انا لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت أكيد حافرح لك

يبدو أن الفرحة هنا ليست بما حققه محمود، الذى لم يحقق شيئا محددا إلا انتباهه وانتظامه فى الحضور الذى يرجع الفضل فيه أساسا إلى إصرار والدته على إحضاره، ومع ذلك فربما كان ما قالته فايقة دليلا على أن ما وصلها من المجموعة واهتمام الجميع بمحمود برغم صمته هو مدعاة للفرح بمحمود بكل تحديات حالته وصعوبتها”، علما بأن حالته لا تفرح الآن بما هى ، وهذه إشارة أيضا إلى غلبة التفكير الآمِلْ، عند مديحة  وكأنه واقع.

مديحة: (تخاطب نفسها) يا مديحة  أنا لو كنت اعرف إن الموضوع كده ماكنتش بكيت على حاجة ابداً

  نلاحظ أنه حين جاء الدور لتخاطب نفسها، أعلنت أن ما وصلها: إما أنه أنار بصيرتها حتى لا تبالغ فى انسحابها أثناء نوبة الحزن، أو أنها اطمأنت لطبيعة هذا العلاج، وأنه علاج لا يكتفى بالتسكين، بل يحاول أن يصل إلى مستويات أخرى من الصحة، الاحتمال الأبعد أن يكون هذا إنكار مثل حالة فايقة حين قالت “ماكنتش زعلت على حاجة“.

****

[أسماء]

أسماء: يا رفيعة أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش عشت لحد النهاردة

  أسماء تحضر هذه الجلسة الأخيرة وهى غارقة فى موضوعها الخاص، فهى حتى فى اللعبة بدا أنها لا تشير إلى خبرة الإثنى عشر شهرا التى دارت حولها هذه اللعبة ابتداءً، وهذا مسموح به بداهة حيث أن اللعبة لم تحدد الموضوع،

 أسماء، من منطلق أزمتها الجاثمة، تعلن جدوى الاستمرار فى الحياة، وأن العلاج الجمعى – فى هذه الحظة- لم يستطع أن يقدم ما يعين بدرجة كافية.

 أسماء: يا مديحة  أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش إتعلقت بحد

  يبدو أن أسماء ما زالت تركز على موضوعها الخاص وعلى جوعها العاطفى، وعلى الإحباطات المترتبة عليه

أسماء: يا دكتورة مى أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش قبلت

نحن لا نعرف من مجرد اللعبة ماذا قَبَلِتَ، لكن يبدو أنها ما زالت مع موضوعها الخاص جدا، أو لعلها تزحزحت إلى الموضوع الذى يتكلم فيه الجميع بمناسبة أنها آخر جلسة، وأنه مادام بعد عام كامل انتهى الأمر إلى أن ترزح تحت كل هذا الألم، لو أنها عرفت ذلك، لما قبلت ما لم يحقق لها ولو تخفيف هذا الألم فى أزمتها الحالية

أسماء: يا هانيا أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش حبيت حد

  نفس ما قالته لمديحة  تقريبا، التعليق بغض النظر عن المخاطب، طبيباً كان أم مريضة أم زميلة، الأرجح عندى أنها لم تخاطب هانيا إلا كمجرد زميلة، وليس بما تميزت به هانيا مما سبقت الإشارة إليه، أما محتوى “الموضوع” فيبدو أنه مازال هو هو المحتوى الخاص الذى تدور حوله.

أسماء: يا دكتور شريف أنا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ماكنتش جيت النهاردة

  ما زال اليأس هو الغالب، بما فى ذلك على أملها فى مساعدة المجموعة التى تنتهى فى هذه اللحظات فعلا (آخر جلسة)، فتزداد يأسا منها.

أسماء: يا فايقة لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اقولك اللي جوايا

ربما كان مثل هذا القول وهذا التفاعل متوقع فى علاقتها مع رفيعه، أما أن تطمئن لفايقة بدفاعاتها السالفة الذكر، وأيضا ببعدها (بعد اسماء) عن المجموعة عامة وعن فايقة خاصة فقد بدا لى هذا غير متوقع، إلا أنه أشار إلى احتمال انها – من فرط الألم – تطمئن أكثر لمن لا يراها، وليس لمن يراها، أو أنها لا تميز مَنْ تخاطب، بقدر ما هى تطلق ما بنفسها والسلام.

أسماء: يا دكتور يحيي لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كنتش جيت

  نلاحظ أنه نفس الكلام الذى قالته للدكتور شريف ، وهو تأكيد لليأس حتى من قدرة الراس الكبيرة على المساعدة، وأيضا هو تأكيد أنها تركز على موضوعها وليس على خبرة العام الذى مضى بنا معا فى هذا  العلاج الجمعى  هكذا

أسماء: يا محمود لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كنتش قبلت ده

أسماء خاطبت محمود الصامت وكأنها لا تراه، فكأنها تكلم نفسها، وهى مازالت غارقة فى موضوعها الخاص أيضا

أسماء: يا أسماء لو كنت عارفه ان الموضوع كده كنت قتلتك تاني

  وهل هى قتلت نفلسها أولا!؟ حتى نفهم ما تعنى بـ “قتلتك تانى؟” ربما قتلت نفسها “أوّلانى” بالمرض، وربما بالتغيير النوعى فى المجموعة كما أشرنا، وهذا التغيير النوعى يمكن أن يكون إيجابيا ويمكن أن يكون سلبيا، لكنها تعلن بهذه المواجهة مع نفسها الآن- أنه لا حل لمأزقها الحالى فى المدى القريب سواء بالعلاج أم بدونه.

****

[هانيا]

هانيا: يا دكتور يحيي لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حبيتَك اكتر

  سبقت الإشارة إلى نوع حضور هانيا الإيجابى رغم التشخيص الصعب، (هو: فصام بارنوى وأمرى إلى الله) وذلك بعكس الشائع بين الأطباء والعامة عن الفصام، (أنظر ما ذكرناه عن هانيا عند لعبة فايقة معها مثلا، وفى تقديم الحالات “يومية الثلاثاء 7-10- 2008 (1 من 4)”

 هانيا: يا فايقة لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حاولت اساعدك

  المساعدة التى تقدمها هانيا ليست بالنصائح أو بحسن النية، بقدر ما هى بالحضور والتعاون والتعرى الضام، ولعل هذا ما أقرته فايقة وهى تلعب معها حين قالت “كنت اتعلمت منك” مقارنة بما قالته فايقة للباقين.

هانيا: يا دكتور شريف لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت جيت بدري شوية

  نتذكر أن تاريخ هانيا المرضى طويل جدا وخطير جدا، بقدر ما أن مرضها جسيم، ومع ذلك فإن تجاوبها وتغيرها فى المجموعة كان رائدا ومفيدا لها وللآخرين، وقولها للدكتور شريف “كنت جيت بدرى شوية ” يؤكد موضوعية ما قالته للدكتور يحيى، الذى نرجح أنه يشير إلى علاقتها بالمجموعة أكثر من اعتماديتها على فرد بذاته، وأيضا هو يذكرنا بقول مديحة  للدكتور يحيى “كنت اتمنيت أشوفك من زمان”، بما فسرناه  أنه إشارة إلى العلاج أكثر منه إلى فرد بذاته.

هانيا: يا دكتوره مى لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كنتش سيبتك

هكذا تتأكد علاقتها بالأطباء الثلاثة بنفس الحرارة والموضوعية، كما يلاحظ أنها بدأت بالأطباء الواحد تلو الآخر دون أن تفصل بينهم بأى مريضة زميلة.

هانيا: يا مديحة  لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت ساعدتك

  حضور هانيا الإيجابى معظم فترات المجموعة كان تلقائيا بدون إعلان أو كلام، وثَمَّ فرقٌ بين تمنى مديحة  مساعدة هانيا وبين  حسم هانيا للمساعدة ربما ضمن التفاعلات النشطة التى تلقى هانيا بنفسها فيها طواعية، بالصورة التى سبقت الإشارة إليها.

هانيا: يا رفيعة لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت اشفقت عليكي

  أنا عادة ما أرفض فكرة الشفقة وأعتبرها من المشاعر الفوقية التى قد لا تفيد، بل وقد تؤذى، لكن ما وصلنى من هانيا –بصراحة- من قولها هذا كان أقرب إلى رؤية حجم العناد والثورة والألم معا عند رفيعه، فأدركت أن هذه شفقة من نوع آخر، لا أعرف كيف (ربما تحيزاً لهانيا)

هانيا: يا أسماء لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت حاولت اساعدك

تعبير “حاولت اساعدك” غير تعبير “كنت ساعدتك” التى قالته لمديحة، ربما هانيا قد قدرت صعوبة حالة أسماء فى ظروفها التى تمر بها والتى أشرنا إليها عدة مرات حالا،  

هانيا: يا محمود لو كنت اعرف ان الموضوع كده كنت فرحت بيك

  لم أفهم كيف تفرح هانيا بمحمود وهو بكل هذا الصمت طول الوقت برغم يقين الجميع بانتباهه ومشاركته صامتا، هل يا ترى كانت فرحة إصرار المجموعة على مشاركته، وقبوله بينهم برغم صمته؟ ربما، أم هى فرحة أنها أدركت أنه وهو يحمل نفس التشخيص (دون أن تدرى) يمكن أن تكون له فرصة مثل فرصتها، وبالتالى يمكن أن يتحسن مثلها؟ ربما.

هانيا: (مخاطبة نفسها) يا هانيا لو كنت اعرف ان الموضوع كده ما كانتش اتجننتي

يبدو أنه قد أمكن من خلال التفاعل مع هانيا وقبول الجميع تقريبا لكل مستويات حضورها وغير ذلك مما سبق ذكره، كل ذلك ساعدها أن تقبل هلوساتها على أنها حقائق وهو الأسلوب الذى يتبناه قائد المجموعة بشكل موضوعى، لا بتقريب مجازى، مما لا يحتمل الشرح هنا، كما يبدو أن ذلك قد ساعدها أيضا على أن تتعايش باعتبارها حقائق الداخل (وليست مجرد حقيقتها الشخصية المتخيلة)، ربما وصل الأمر من خلال العلاج إلى تحريك ما يقابل ذلك عند بعض الأفراد العصابيين فى المجموعة، بل وعند المعالجين أحيانا،

وقد تحقق لى من خلال كل ذلك بعض فرض يقول:

إن تفكيك مفردات “الجنون” (كما أسمته هى) ثم قبولها ثم إعادة ترتيبها، هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه الخبرة الممزقة المفسخة، حتى أن بعض من يمر بمثل ما تمر به هانيا يقول أحيانا فى نهاية المجموعة أو أثناها أو حتى قبل ذلك، “ياخبر ! ! دانا بالشكل كده مش حاقدر اتجنن تانى”!!!، وهذا يؤكد فرض أن الجنون هو اختيار من عمق ما أنظر نشرة (زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “1-2”)، ونشرة (زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون “2-2”)، اختيار ولكنه اختيار لا يتبين صاحبه أنه اختياره، إلا بعد اكتساب بصيرة، من نوع بصيرة هانيا هنا

 إن ما وصلها – والأرجح أنه وصل لكثير من أفراد المجموعة – يعلن بشكل مباشر من خلال قولها هذا أن جرعة البصيرة التى أتاحتها المجموعة هى “ماكنتش اتجننت”، هى جرعة تبدو موضوعية، وحامية، وربما وقائية.

****

 [محمود]

د.مى: محمود عليه الدور

د.يحيى: اتفضل يا محمود، بسيطة حتعمل ازاى! حاتبتدى تقول يا أسماء لو كنت اعرف ان الموضوع كده وتقول اى كلام، اى كلام، يلا، يلا يا محمود، هى صعب شويه لكن حاتحاول، يا لله يا ابنى

  برغم أننى كنت أعرف أنه لن ينطق حرفا، إلا أن هذا هو الأسلوب الذى كنت أتخذه معه طول الوقت، بل لعلنا نلاحظ أن أفراد المجموعة تقريبا خاطبوه بكل احترام، باعتبار أن انتباهه برغم صمته، كان يشعرنا جميعا أنه معنا، ومع ذلك فالمسألة ليست عزومة، لكنها تضع كل الاحتمالات فى الحسبان وتفصيل هذا التكنيك يحتاج إلى مناسبة أخرى، ومساحة أخرى.

وبعد (تذكرة)

حين تصل المشاركة من أصدقاء الموقع إلى “تسعة” استجابات، قد نرجع – كما وعدنا – فى نشرة لاحقة إلى تعقيب شامل على الأربع نشرات معا، وعلى مغزى اللعبة ونتيجتها وجدواها.

ربنا يسهل!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *