الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كراسات التدريب صفحة 19

من كراسات التدريب صفحة 19

نشرة “الإنسان والتطور”

11-3-2010

السنة الثالثة

العدد:  923

11-3-2010-1

 الحلقة الرابعة عشر

الجمعة‏: 13/1/1995‏

…..، بدأت‏ ‏أشعر‏ ‏بالألفة‏، ‏وفى نفس الوقت: الخوف‏ ‏من‏ ‏عدم‏ ‏التمكن‏ ‏من‏ ‏الاستمرار‏، ‏أعدت على‏ محمد إبنى ‏تساؤل‏ ‏الاستاذ‏ ‏أمس عن ما صرح به إليه قبل ذلك بشأن رأيه عن ضعف انتماء الشباب (الذى يمثله بشكل ما) إلى ما هو وطن، وأخبرته بموجز ما أسف له الأستاذ مندهشا غير مصدق، وبشكل ما مدافعا محتفظا بأمل ما، وطلبت من محمد أن يرد على رأى الأستاذ (الذى أثبتـُّـه  فى النشرة السابقة (نشرة 4-3-2010 الحلقة الثالثة عشر 12-1-1995) ‏قلت‏ ‏لمحمد‏: “‏ما ذا كنت تعنى أنه لم يعد ينتمى للبلد إلا الإرهابى لدرجة أنه -دون غيره- يضحى بحياته من أجلها ، وأعدت عليه قول الأستاذ أنه لو صح ذلك، فقد تحول الهتاف الرائع،”نموت ويحيا الوطن”، إلى واقع مؤلم يقول:”نموت، ويموت الوطن معنا”، ‏قال‏ ‏محمد‏: ‏”إن‏ ‏الشعور‏ ‏الذى ‏نفتقده‏ ‏أنا‏ ‏ومن‏ ‏مثلى ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الواحد‏ ‏منا‏ ‏لا ‏ ‏يمتلك‏ ‏هذا‏ ‏البلد‏، ‏لا يمتلك‏ ‏الشارع‏، ‏لا يمتلك‏ ‏المقهي‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏جيلكم‏ (جمعنى مع الأستاذ وتوفيق صالح حاسبا أننا من جيل واحد) ‏كان‏ ‏يمتلك‏ ‏البلد فعلا‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏يدفع الواحد منكم‏ ‏أن‏ ‏يدافع‏ ‏عنها‏ ‏ويضحى ‏فى ‏سبيلها‏ ‏ويتمرغ‏ ‏فى ‏ترابها‏‏، ‏رد‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏مخاطبا الأستاذ ‏:”‏إن‏ ‏جيلنا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يمتلك‏ ‏البلد‏ ‏بالصورة‏ ‏التى ‏يتحدث‏ ‏عنها‏ ‏محمد‏، ‏بل‏ ‏الانجليز‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏كانوا‏ ‏يمتلكون‏ ‏البلد‏ ‏ويمتلكوننا‏ ‏بالمرة‏”‏، ‏رد‏ ‏محمد‏ :”‏أنه‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏وجود‏ ‏الإنجليز‏ ‏وبين‏ ‏الشعور‏ ‏بالامتلاك‏، ‏قد‏ ‏أشعر‏ ‏أننى ‏أمتلك‏ ‏الشىء‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كان‏ ‏فى ‏حوزة‏ ‏غيري‏، ‏فأنا‏ ‏مالكه‏ برغم أن غيرى يستولى عليه الآن، لكن ما دام هو ملكى فسوف يعود إلىّ، بل إن سعيى لاسترداده، ‏ ‏قد‏ ‏يزيد‏ ‏من‏ ‏شعورى ‏بإمتلاكه”.‏

قال‏ ‏الأستاذ‏ :”‏إن‏ ‏الجيل‏ ‏الأكبر‏ ‏والسابق‏ ‏والأسبق‏ ‏كان‏ ‏يولد‏ ‏فى ‏”‏وطن”،‏ ‏، ‏ويعيش‏ ‏فى”‏وطن”،‏ ‏ويملأ‏ ‏وعيه‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏”‏وطن”،‏ ‏، ‏ثم‏ ‏حلت‏ ‏مسائل‏ ‏أخرى ‏بجوار‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏”‏وطن”،‏ ‏، ‏ذلك أن‏ ‏الأمور‏ ‏تطورت‏ ‏فحل‏ ‏الدين‏ ‏والأيديولوجى ‏محل‏ ‏الوطن‏ (‏إسلامية‏ ‏لا‏ ‏قومية‏، ‏وكذلك‏ ‏أممية‏ ‏الشيوعية‏) ‏وحين‏ ‏انهار‏ ‏الإتحاد‏ ‏السوفيتى ‏وصار‏ ‏التعصب‏ ‏الدينى ‏إلى ‏ما‏ ‏صار‏ ‏إليه‏، ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏الشباب‏ ‏يتبين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏الوطن‏ ‏فكان‏ ‏هذا‏ ‏الضياع‏ ‏الذى ‏آلمنى ‏والذى ‏أعلن‏ ‏عنه‏ ‏محمد”.

قلت: ‏”إذن‏ ‏فالمسألة‏ ‏ليست‏ ‏أن‏ الشاب ‏الإرهابى‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يشعر‏ ‏بالمسئولية‏، وبالتالى فهو الذى ينتمى إلى ما تبقى من وطن، وحتى لو أنه يشعر بمسئولية ما فهى مسئولية  ‏ ‏ضد‏ ‏الوطن‏ ‏وليست‏ ‏لصالحه‏‏، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏مسئوليته‏ ‏المزعومة‏ ‏تنقلب‏ ‏إلى ‏دافع‏ ‏أعمى ‏لتحقيق‏ ‏ما‏ ‏يفتقده‏ ‏شخصيا‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏الإنتماء‏ ‏إلى أرضه وناسه إلى ‏التمسك‏ ‏المتعصب‏ ‏بأجزاء‏ ‏المفاهيم التى حشروها فى دماغه، ‏ ‏هؤلاء‏ ‏لايعرفون‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏الوطن أصلا‏، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏أحدا‏ ‏منهم‏ ‏ليس‏ ‏مسئولا‏ ‏عن‏ ‏الوطن‏ ‏بحيث‏ ‏يقارن‏ ‏أصلا‏ ‏بهؤلاء‏ ‏الشباب‏ ‏المهمش‏ ‏المنتظر”‏، ‏قال‏ ‏الأستاذ يعلمنا من جديد :”‏نعم‏ ‏هذا صحيح ، قد يكون هذا صحيحا، ‏لكن‏ ‏هناك‏ ‏الواقع‏، ‏والتجربة‏، ‏ولا‏ ‏سبيل‏ ‏للعيش‏ ‏إلا‏ ‏بمواجهة‏ ‏الواقع‏، ‏ثم‏ ‏اختبار‏ ‏الشائع بما يجرى فى الواقع‏، ‏الواقع‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏سوف‏ ‏يسمح‏ ‏بعد‏ ‏أربع‏ ‏سنوات‏ ‏أن‏ ‏تتكرر‏ ‏أية تجربة سياسية حاكمة، أو لا تتكرر‏، ‏إن‏ ‏كان‏ ‏الحكم‏ ‏قد‏ ‏عاد‏ ‏بالخير‏ ‏على ‏الناس‏ ‏سيستمر‏، ‏وإلا‏ ‏فالناس‏ ‏ستتجمع‏ ‏وتتحزب‏ ‏وتدفع‏ ‏ثمن‏ ‏اختيارها‏، ‏ألم أقل لكم‏ ‏أنه لو أن‏ ‏جبهة‏ ‏الإنقاد‏ ‏فى ‏الجزائر‏ ‏تولت‏ ‏السلطة‏ ‏من‏ ‏أربع‏ ‏سنوات‏ ‏لكانت‏ ‏على ‏وشك‏ ‏الإنقضاء‏ ‏الآن‏، ‏لأنهم‏ ‏كانوا‏ ‏سيواجهون‏ ‏فشلهم‏ ‏لو‏ ‏لم‏ ‏يحققو‏ ‏للناس‏ ‏ما‏ ‏وعدوا‏ ‏به‏.‏

قال‏ ‏محمد‏ ‏مرة أخرى إ‏ن ‏الخوف‏ ‏هو أنهم  ‏ما‏ ‏سوف‏ ‏يغيرون‏ ‏نوع‏ ‏الإنتخاب‏ ‏الذى ‏أتى بهم إلى السلطة، ‏قال‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏: ‏نحن‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏حقيقة‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏جارى ‏ونحن‏ ‏بعيدون عنه‏، ‏خذ‏ ‏مثلا‏ ‏إيران‏، ‏لقد‏ ‏شاهدت‏ ‏فيلما‏ ‏إيرانيا‏ ‏حديثا‏، ‏أظن‏ ‏أنه‏ ‏ظهر‏ ‏منذ‏ ‏سنة‏، ‏كان‏ ‏رائعا‏ ‏ومتماسكا‏ ‏فنيا‏، ‏وكانت‏ ‏مخرجته‏ ‏إمرأة‏، ‏وكان‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏المعانى ‏السامية‏ ‏ما‏ ‏أرضانى ‏وأبهرنى ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏الفنية‏ ‏والإنسانية‏، ‏فأى ‏مبادئ‏ ‏أفرزت‏ ‏هذا‏ ‏الفيلم‏، ‏وأى ‏نظام‏ ‏سمح‏ ‏به‏، لا بد أنه نظام قادر على إفراخ الإبداع، وليس كما نشيع عنه مما يصلنا من السياسيين.

قلت‏ ‏له‏ ‏هذا‏ ‏حديث‏ ‏مهم‏، ‏وهو‏ ‏بالنسبة‏ ‏لى ‏شىء‏ ‏طيب‏ ‏لأننى ‏حين‏ ‏رفضت‏ ‏الثورة‏ ‏الإسلامية‏ ‏الإيرانية‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏أجل‏ تأييدى للشاه‏ ‏أو‏ ‏النظام‏ ‏السابق بكل ادعاءاته وحرياته المشبوهة، ‏وإنما‏ ‏كان‏ ‏خوفا‏ ‏على ‏الفن والإبداع ، وذكرت لهم أننى مازلت‏ ‏أذكر‏ ‏فيلما‏ ‏إيرانيا‏ ‏اسمه‏”‏الغريب‏ ‏والضباب”‏ ‏كنت‏ ‏قد‏ ‏شاهدته‏ ‏فى ‏نادى ‏السينما‏ 0(بسينما أوبرا على ما أذكر فى أوائل السبيعينات)، ‏وكتبت فيه نقدا نشر فى نشرة النادى التى كان يشرف عليها رجل طيب اسمه أحمد الحضرى على ما أذكر، وقد وصلنى من هذا الفيلم كيف أن حدس المخرج وكل من شارك فيه قد وصل  ‏إلى ‏جذور‏ ‏تركيب‏ ‏النفس‏ ‏البشرية‏ ‏وعرضها‏ ‏بطريقة‏ ‏متكاملة‏ ‏وجميلة ومخترقة، ومفيقة‏، ‏وهأنذا‏ ‏أسمع من توفيق‏ ‏أن‏ ‏فن‏ ‏السينما باق‏ ‏ومتطور، ثم إننى تصورت بعد قيام الثورة الإسلامية أن مثل هذا الفن سوف يختنق نتيجة للوصاية والتدخل، لكن يبدو أن هذا لم يحدث حسب شهادة توفيق التى احترمها بشكل يستحقها، ثم أضفت: إن مثل هذه الشهادة قد تدعونى إلى إعادة‏ ‏النظر‏، ‏وقبول ما رفضته من قبل، ثم اضفت أن ‏ ‏عندى ‏تحفظ‏ ‏هام‏، إذ يبدو لى ‏ ‏أن‏ ‏المذهب‏ ‏الشيعى ‏غير‏ ‏المذهب‏ ‏السني‏، ‏فأنا أعتقد أن  ‏المذهب‏ ‏السنى (‏حتى ‏فى ‏التصوف‏: المحاسبى مثلا) ‏‏يضع‏ ‏سقفا‏ ‏لحركة‏ ‏الفكر‏ ‏والإبداع، وهو مذهب لفظى فى رأيى بعد أن وضع تفسيرات نصوص السنة القولية المقولة بالتشكيك ‏ ‏موضع القداسة فالإلزام، وبالتالى فالأرجح عندى أنه إذا تولت سلطة سنية الحكم ‏ ‏فلن‏ ‏يصدر‏ ‏قانون‏ ‏أو‏ ‏يمارس‏ ‏نشاط‏ من أى نوع  ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏إصدار‏ ‏فتوى ‏بأنه‏ ‏حلال‏ ‏أو‏ ‏حرام‏، بديلا عن محاولة الإبداع المتجدد من القيم الإسلامية الخلاقة، ‏إن‏ ‏المخاوف‏ ‏لا‏ ‏تأتى ‏من‏ ‏قيام‏ ‏قيم‏ ‏الإسلام‏ ‏مثلا‏، ‏وإنما‏ ‏تأتى ‏من‏ ‏أن‏ ‏الذين‏ ‏سيتولون‏ ‏السلطة‏، ‏ونحن‏ ‏بهذا‏ ‏القدر‏ ‏من‏ ‏التخلف‏، ‏سوف‏ ‏يجدون‏ ‏تحت‏ ‏إيديهم‏ ‏نصوصا‏ ‏تأويليه‏ ‏يستعملونها لتثبيت حكمهم، لا لتوليد إبداع جديد فى أى مجال، ‏ قلت أيضا: إنهم لن يوجهو ‏خطابهم‏ ‏إلى ‏واقع‏ ‏حضارى،  ‏وإنما‏ ‏إلى ‏غرائز‏ ‏دينية (ليست إيمانية بالضرورة) عانت‏ ‏من‏ ‏الحرمان، وإلى ‏عقول‏ ‏متخلفة عانت‏ ‏من‏ ‏الإهمال‏ ‏والتهميش حتى ‏انتهت‏ ‏إلى ‏الاستغناء ‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏عن المنطق‏ ‏ولكن‏ ‏أيضا‏ عن ‏المصلحة‏. ‏إن‏ ‏الذين‏ ‏سيتولون‏ ‏أمرنا‏ ‏ليس‏ ‏الشيخ‏ ‏الباقورى ‏أو‏ ‏كمال‏ ‏أبو‏ ‏المجد‏، ‏وإنما‏ ‏هم‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏ممن‏ ‏سيستسهل‏ ‏الركوب على رؤوسنا، والكتم على أنفاسنا ‏ ‏إلى ‏الأبد‏.‏

ذكر‏ ‏الأستاذ‏ ‏الشيخ‏ ‏محمد‏ ‏عبده‏، ‏وذكر‏ ‏توفيق‏ ‏صالح‏ ‏رفاعة‏ ‏الطهطاوي‏، ‏وحاولت‏ ‏أن‏ ‏أميـز‏ ‏بينهما‏، ‏وقلت رأيى: “إن رفاعة‏ ‏ناقل‏ ‏منبهر‏ ‏تحت‏ ‏سقف‏ ‏مازال‏ ‏غير‏ ‏متحرك”، ‏أما ‏”‏محمد‏ ‏عبده‏ ‏فهو‏ ‏مستوعب‏ ‏فاهم‏ ‏ثائر‏ ‏مخترق‏ ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يستلهم‏ ‏المصدر‏ ‏الدينى ‏من موقف‏ ‏إبداعي”‏.‏

قال‏ ‏محمد‏ ‏يحيى ‏إنه‏ ‏لابد‏ ‏ألا نخشى حركية النقل‏، ‏ يجب‏ علينا أن نغترف منهم بلا تردد، ثم بعد ذلك نحاول أن ‏نستوعب‏ ‏ما‏ ‏نقلناه، ‏ثم‏ ‏ننظر ‏ إن كنا أهله أم لا ، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏نشترط‏، ‏ونحن‏ ‏ننقل‏ ‏من‏ ‏البداية‏ ‏أن‏ ‏ننتقى ‏ونعدل‏ ‏باستمرار‏ ‏بما‏ ‏يلائمنا‏، ‏ونحن‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏أصلا‏ ‏ما‏ ‏يلائمنا‏ ‏الآن‏ ‏بلغة‏ ‏العصر‏، ‏فهذا‏ ‏تجميد‏ ‏وتحديد‏ ‏قد يعطلنا إلى درجة خطيرة.

قلت‏ ‏لهما‏ (الأستاذ و‏محمد‏) ‏إننى ‏أحسدكما‏ ‏أنتما‏ ‏الاثنين‏: ‏الأستاذ‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏التاريخ‏ ‏والتجربة‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏تولى ‏السلطة‏ ‏من‏ ‏سيغير‏ ‏القواعد‏ ‏التى ‏جاءت به إليها، ‏ومحمد‏ ‏واثق‏ ‏من‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏التبعية‏ ‏بعد‏ ‏الإستيعاب‏ ‏الكافى ‏للمنقول‏ ‏كما‏ ‏هو‏ – ‏أما‏ ‏أنا‏ ‏فأرى ‏أن‏ ‏القوى ‏غير‏ ‏متكافئة‏:  ‏سواء‏ ‏بغلبة‏ ‏السلطة‏ ‏الدينية‏ ‏الجاهزة‏ ‏لتغير‏ ‏الدستور لصالحها، ‏أو‏ ‏بغشم السلطة‏ ‏العلوية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏تشكيل‏ ‏وعينا‏ ‏تقليدا‏ ‏جاهزا‏ ‏منقضا‏ ‏علينا من أعلى، بلا‏ ‘‏نحن‏’، و‏بين‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏حوار‏ ‏أو‏ ‏إبداع‏، ‏وإن كان قد وصلنى من هذا اليقين البادى فى الحوار أننى مخطئ، أو خائف أكثر من اللازم، إلا أننى سوف أظل أحافظ على إعلان حذرى اليقظ طول الوقت، حتى لا أفاجأ، أنا أتصور أن عندنا ما نضيفه من واقع لغتنا العبقرية، وثقافتنا المتحركة برغم بدائيتها، لكن تنقصنا الثقة بالنفس، والمنهج الخاص.

قال‏ ‏محمد‏ – ‏وربما‏ ‏صدّق‏ ‏عليه‏ ‏الأستاذ‏ (‏لا‏ ‏أذكر‏)- ‏”إنه‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏عندنا‏ ‏ما‏ ‏نضيفه‏ ‏من‏ ‏الآن‏ ‏فلنضفه‏، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏معنى ‏ولا‏ ‏فائدة‏ ‏من‏ ‏التلويح بالاختلاف، والكلام الآمل، دون حركة‏ مواكبة، قلت أنى  أعتقد أنهم يعرفون كنوزنا وما نتميز به أكثر مما نعرفها نحن، وفى الأغلب هم يحتاجوننا من منطلق آخر غير ما نلوح به، سألنى الأستاذ: مثل ماذا؟، شعرت أننى تورطت، وحاولت أن أتراجع، لكن ليس من حيث المبدأ، ‏قلت لهم ‏:”هم قد‏ ‏لا‏ ‏يحتاجوننا‏ ‏بالقدر‏ ‏الذى ‏نصوره‏ ‏لأنفسنا‏، ‏ونحن حين‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نعطيهم‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏عندنا‏ نكسر ما عندنا ونعطى ما نحتاجه نحن فى تردد خائف، حتى قد يصدق علينا المثل‏ ‏القائل‏: ‏”طلب‏ ‏الغنى ‏شقفة‏ ‏كسر‏ ‏الفقير‏ ‏زيره‏، ‏كات‏ ‏الفقير‏ ‏وكسه‏ ‏يا‏ ‏سوّ‏ ‏تدبيره”‏، أضفت: إننا قد نقدم كل ما عندنا بشكل عشوائى ونحن أحوج ما نكون إلى أن نستوعبه ونصقله أولا، ونحن نقدره أكثر حين نشعر أنهم يطلبونه دعما لمنظومتهم، لا تعلما من منظومة مختلفة، وهذا هو نص المثل، وأعدت ألفاظ المثل. ليسندوا هم به منظومتهم التى لا نعرف نحن عنها ما يكفى مثلما قال المثل، ‏هز ‏الاستاذ‏ ‏رأسه‏، وطلب منى إعادة المثل، ففعلت، ‏فصمت متأملا، ثم قهقه مستحسنا، ربما، وقد‏ ‏لاحظت‏ ‏أنه‏ ‏على ‏قدر‏ ‏استشهاده‏ ‏بأغان‏ ‏قديمة‏ ‏معروفة‏ ‏وغير‏ ‏معروفه‏، ‏لايكاد‏ ‏يذكر‏ ‏أو‏ ‏يؤمّن‏ ‏على ‏حديث أو رأى باستعمال مثل شعبى‏ ‏فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏المناسبات‏، ربما لعدم اختلاطه بجذور الفلاحين مثلما أتيحت لى فرصة ذلك.

نظر‏ ‏توفيق‏ ‏إلى ‏حمام‏ ‏السباحة‏ فى الفندق، ‏ومازح‏ ‏الأستاذ‏ ‏قائلا‏ ‏إنه‏ ‏بعد‏ ‏قدوم‏ ‏الصيف‏ ‏وإكمال‏ ‏الشفاء‏ ‏سوف‏ ‏ينزل‏ ‏إلى ‏حمام‏ ‏السباحة‏، ‏فضحك‏ ‏الأستاذ‏ ‏، ‏فسألته‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏يعرف‏ ‏العوم‏، ‏فقال‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الثلاثينات‏ ‏قبل‏ ‏حساسية‏ ‏الجلد‏، ‏وكان‏ ‏عوم‏ ‏شواطيء‏ ‏بتحريك‏ ‏القدمين‏ ‏والساقين‏ ‏والذراعين‏  ‏كيفما‏ ‏اتفق،‏ ‏فأكملت‏ ‏ ‏مازحا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏ما‏ ‏نسميه فى بلدنا عوم كلابى، فحكى‏  ‏توفيق‏ ‏عن‏ ‏لقطة‏ ‏فى ‏فيلم‏ ‏كان‏ ‏يمثل‏ ‏فيه‏ ‏شفيق‏ ‏نور‏ ‏الدين‏ وكيف كان عومه عوم كلابيا مضحكا فى موقف غير هزلى. ‏

كلما‏ ‏ابتعدنا‏ ‏عن الحديث عن‏ ‏الاسلام‏ ‏وحكم‏ ‏الاسلاميين‏ ‏رجعنا‏ ‏إليه‏ ‏لنعيد ونزيد، ما الحكاية؟ لست أدرى من الذى فتح الموضوع من جديد، فنبهتهم على احتمال التكرار، وحاولت أن أوجز الموقف بأننا ‏ ‏اتفقنا‏ على ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏سبيل‏ ‏إلى ‏الحل‏ ‏إلا‏ ‏بموقف‏ ‏جموعى، ‏ولا‏ ‏سبيل‏ ‏لموقف‏ ‏جموعى ‏إلا‏ ‏بالسياسة‏، ‏ولا‏ ‏سبيل‏ ‏للسياسة‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏ومن‏ ‏الشارع‏ ‏إلا‏ ‏بتغير‏ ‏شامل‏ ‏لنظام‏ ‏العمل‏ ‏الحزبى ‏والتكوين‏ ‏الحزبى ‏والحضور‏ ‏الجماهيرى ‏الحريص‏ ‏على ‏الحفاظ‏ ‏على ‏مصالح‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏الواقع‏ ‏اليومي‏، ولم يعقب أحد، يبدو أننى لم أقل جديدا، أو أننى أجهضت بغير ذوق حق مبادأة جديدة قد تضيف، فحاولت أن أدارى خجلى بحكى‏ ‏نكتة قرأتها‏ ‏فى ‏مجلة‏ ‏كاريكاتير‏ ‏أمس، قلت:

‏ ‏إنهم‏ ‏فى ‏الآخرة‏ ‏فرضوا‏ ‏على ‏أنور‏ ‏السادات‏ ‏أن‏ ‏يعاشر‏ ‏جولدا‏ ‏مائير‏ ‏كنوع‏ ‏من‏ ‏العقاب‏ ‏تكفيرا‏ ‏عن‏ ‏سيئاته‏، ‏فنظر‏ ‏حوله‏ ‏فوجد‏ ‏جمال‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏ ‏وهو‏ ‏مع‏ ‏مارلين‏ ‏مونرو‏، ‏فاحتج‏ ‏على ‏هذه‏ ‏التفرقة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏يجد‏ ‏لها‏ ‏ما‏ ‏يبررها‏ ‏فى الآخرة، فقالوا‏ ‏له‏، ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏يرى ‏هو‏ ‏تعذيب‏ ‏وعقاب‏ ‏مارلين‏ ‏مونروا‏ ‏وليس مكافأة لجمال‏‏ ‏عبد‏ ‏الناصر‏.‏

وضحك‏ ‏الأستاذ مقهقها، ثم ضحك باسما وهو يطأطئ رأسه

‏أثناء‏ ‏عودتى ‏أنا‏ ‏وإبني‏، ‏دعوته‏ ‏ ‏إلى ‏الغداء‏ ‏فى ‏فندق‏ ‏ماريوت‏، ‏وهو‏  ‏فندق‏ – ‏رغم‏ ‏فخامته‏ ‏وارتفاع‏ ‏أسعاره‏ – ‏يقدم‏ ‏وجبة‏ ‏واحدة‏ ‏عامة‏ ‏يوم‏ ‏الجمعة‏ ‏، فى ساعات محددة،  أشبه بما يسمى الساعات السعيدة، بخمسة‏ ‏جنيهات‏ ‏فقط‏ ‏لاغير‏، ‏لاحظت‏ ‏ونحن‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏قصر‏ ‏الخديوى ‏اسماعيل‏ ‏أن‏ ‏عددا‏ ‏من‏ ‏المصريين‏ ‏وآخر‏ ‏من‏ ‏الأجانب‏، ‏يجلسون‏ ‏إلى ‏الموائد‏ ‏فى ‏دعة‏ ‏ورضا‏ ‏واكتفاء‏ ‏ذاتى آمن حار،  ‏قلت‏ ‏لمحمد‏: إن ما يصلنى من هذا المجتمع أنه حتى المصريين الجالسين هنا هم سائحون مصريون قادمون من مصر أخرى، فأين يا ترى سوف ترحـِّلونهم حين يركب الحكام الدينيون فوق رؤوسنا بالسلامة؟ قال محمد: أنت تكلمنى وكأنك ما زلت تكلم الأستاذ، أنا مالى أنا، هو الذى يقبل هذا الحكم ويدافع عن حقه فى التواجد  بكل المخاطر فداء للديمقراطية ودفاعا عنها، قلت له: ألست أنت أيضا منبهر بهذه الديمقراطية التى ستأتى بهم، قال أنا لست منبهرا بالديمقراطية بوجه خاص، أنا مع التقدم ومستعد أن أدفع ضريبته مثل الأستاذ ما دام هو مستعد أن يتحمل أن يحكمه بعض من له علاقة بمن حاول قتله، هذا هو كل ما فى الأمر.

 ثم ذكرنى محمد ‏بإشارة‏ قالها ‏الأستاذ‏ ‏ويبدو أننى لم ألتفت لها بالقدر الكافى، حين قال إنه يبدو ‏ ‏أن‏ ‏الإتجاه‏ ‏إلى ‏الإقتصاد‏ ‏العالمى ‏من‏ ‏خلال‏ ‏اتفاقية‏ ‏الجات‏ ‏والشركات‏ ‏العابرة والأفكار الغامرة قد تتمخض عن ولادة ‏ما‏ ‏يسمى ‏المواطن‏ ‏العالمى، ‏فقلت له إننى أتعجب من قدرة الأستاذ على استيعاب التوجهات الجارية عبر العالم  وملاحظتها ولو من خلال الأصدقاء هكذا، وهو بهذه الحال فى هذه السن،

ودعونا له – محمد وأنا – بطول العمر، وقرأنا قل أعوذ برب الفلق، ودفعنا الحساب ونحن لا نصدق رقم الفاتورة،

فاتورة الوجبة الموحدة فى الساعات السعيدة يوم الجمعة فى فندق ماريوت عشرة جينهات لشخصين سنة 1995!!

هل هذا معقول؟

هل هى بركة الأستاذ؟

*****

 الجزء الثانى

من كراسات التدريب (1)

ص 19

11-3-2010

بسم الله الرحمن الرحيم

……..

نجيب محفوظ، أم كلثوم، فاطمة، يحيى الرخاوى،

محمد سلماوى، توفيق صالح، أحمد مظهر،

 أحمد الزيات، عصام ….، سيد عبد العال،

سيد القناوى، أحمد خميس، فتحى فاضل،

فتحى هاشم، أنيس منصور، مصطفى أمين،

جمال الغيطانى، يوسف القعيد، أدهم رجب، نعيم تكلا،

 نجيب محفوظ

15 فبراير 1995

القراءة

بدأت قراءة اليوم فإذا بها تؤدى إلى هذه الدعوة:

 أتقدم بدعوة أصدقاء الأستاذ ومحبيه أن يدلى كل منهم  بما يعرفه عن علاقة الأستاذ بهذه الأسماء حيث أننى لا أعرف عن علاقته بهم ما يكفى للتعقيب مثل”عصام ……، سيد عبد العال، فتحى فاضل”.

 أما الأسماء الأخرى فأنا أعرف عنها ما يكفى للحكى المحدود، وما قد يثير ما يناسب من تداعيات.

لجأت إلى ذلك بعد أن كدت أخطئ فى التعقيب حين قرأت اسم نعيم تكلا، فحسبت أن الأستاذ كان يقصد نعيم صبرى، وحين كلفت الابن الكريم حافظ عزيز بالاتصال بالصديق نعيم صبرى للتأكد أخبره أن المرحوم نعيم تكلا هو صديق حقيقى للأستاذ من الأسكندرية، وأنه كان من المقربين منه وله معه قصص وحكايات، فدخلت استشير سيدنا جوجل فإذا بى اكتشف جهلى الذى أثار خجلى حتى أجلت القراءة وتقدمت بهذه الدعوة.

وإليكم مثلا بعض ما وجدته عن المرحوم نعيم تكلا

… خرج  الأديب السكندري الصعيدى نعيم تكلا رحمه  الله  من قرية بهجورة بتعطيش الجيم. في صعيد مصر، ورغم مكانته الأدبية كانت مواقفه السياسية وتأييده للسلام مع اسرائيل وتكرار زيارته لها مع الأديب علي سالم، إلى جانب ترجمة بعض أعماله إلي العبرية وكان الأديب السكندري  الراحل نعيم تكلا الذي ترجمت العديد من قصصه القصيرة الي العبرية بل وقامت اسرائيل باصدار مجموعة قصصية  كاملة له باللغةالعربية، وهي المجموعة التي تحمل عنوان ‘قفزات الطائر الأسمر النحيل’ وصدرت هذه المجموعة القصصية عن احدي دور النشر في عكا في عام 1983 مما أدى أن دور النشر في مصر تقاطعه وترفض نشرأعماله بسبب تأييده للسلام مع اسرائيل وزياراته لها.

تعقيب محدود:

يا ترى أى جزء من هذه السيرة الموجزة هو الذى أحضر اسم”نعيم تكلا”وعى الأستاذ أثناء التدريب، فتسرب إلى قلمه؟

ألست محقا فى طلب العون وتأجيل القراءة؟

أحمد خميس

ثم دخلت إلى أحمد خميس فوجدت أنه بدأ حياته بكتابة الشعر و الأدب؛ بدايته عام 1950 فى إذاعة القاهرة ثم فى اذاعة ال B.B.C ثم الى إذاعة ألمانيا وتركها وعاد إلى القاهرة عام 1973، فى عام 1959 بدأ مشواره السينمائى في فيلم”رسالة إلى الله”كان أحمد خميس عضو اتحاد الكتاب المصريين، صدرت له عدة دواوين ، ألف عدة أغنيات منها”الروابي الخضراء”،”عاشق السهر”،”موكب الخالدين”ومن دواوينه”رباعيات أحمد خميس”وشارك فى أفلام على سبيل المثال فيلم الشك يا حبيبى و الأيدى الناعمة وفجر الإسلام.

تعقيب محدود:

يا ترى هل هو هو من كان يعنى الأستاذ

ملاحظة أخيرة:

طبعا فرحت لأول وهلة حين جاء اسمى فى أول هذه القائمة، ثم تراجعت فورا حين افتقدت اسم زكى سالم، وتبينت لتوى أنه لا الترتيب له أهمية ولا حتى مجرد ذكر اسماء وإغفال أخرى له دلالة حتى أنى  فسرت غياب اسم د. زكى سالم بأنه على أنه أمر طبيعى أكثر مما لو كان ذكره، فحضور زكى كان شديد الإحاطة شديد القرب، دائم الوصل أكثر من أن يحتاج أن يكتب اسمه أصلاً.

حين كتبت له أول روشته وهو ما زال فى مستشفى الشرطة، تعجب الزميل الطبيب المسئول حين قلت أن ما يلزمه هو”روشتة الناس”والتى عليه أن يتعاطاها بدقة بعد أن كانوا قد منعوا عنه الزيارة فأخبرتهم أن تشخيص حالته وهى”نقص الناس”وضحكنا حينذاك (نشرة 4-10-2007 يوميات: فى ‏شرف‏ ‏صحبة نجيب‏ ‏محفوظ  “الحلقة الثانية“).

سألت الأستاذ حينذاك عن الأسماء التى يحب أن تزوره بانتظام أثناء وجوده بالمستشفى ليتعاطاها كدواء كذا مرة فى اليوم أو الأسبوع فكان أول اسم هو زكى سالم.

من هنا وجب الحذر فى تفسير ورود الأسماء أو ترتيبها

ومن هنا أيضا بدت لى الدعوة التى أدت إلى تأجيل القراءة مشروعه ضرورية.

وهكذا توقفت أملا فى أن يكون فى جعبة الأصدقاء الذين حظوا بصحبته أكثر ما يعيننى على قراءة هذه الصفحة ومثلها فى أعداد قادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *