الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) (18 من ؟) الفصل السادس “الحزن الحيوى على مسار التعافى” (يحول دون التفسخ)

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (مرورا بالعلاج الجمعى) (18 من ؟) الفصل السادس “الحزن الحيوى على مسار التعافى” (يحول دون التفسخ)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 7-11-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5181

من كتاب “من حركية الجنون إلى رحاب الناس” (1)

(مرورا بالعلاج الجمعى) (18 من ؟)

الفصل السادس

“الحزن الحيوى على مسار التعافى”

(يحول دون التفسخ)

باقى المقابلة الأخيرة: بتاريخ 16/10/2008

أنهينا نشرة أمس من المقابلة الأخيرة كالتالى:

…………..

………….

د.يحيى: آه، هيا دى اللى مشيت وراها هى واختها اللى كانت مخطوبة، افتكرت

“محمد”: كتير كنت بافكر فيها وكده، برضه قبل ما أجى هنا كنت بحلم بيها وكده

د.يحيى: قبل ما تيجى هنا خالص؟

“محمد”: أيوه، قبل ما أجى هنا خالص

د.يحيى: يعنى قبل ما تتعالج خالص، وإمتى بطـَّلت تحلم بيها؟

“محمد”: لأ هو الحلم كان مره واحده قبل ما أجى هنا خالص لما الموقف ده حصل معايا وأنا تعبت وقعدت فى البيت لوحدى وكده

(ونواصل اليوم)

د.يحيى: هى الست دى جارتكم ولا قريبتك، ولاّ لا ده ولا ده؟

“محمد”: ما انا قلت لك هى قريبتى: أمها تبقى بنت عمتى

د.يحيى: أمها تبقى بنت إيه ؟

“محمد”: أمها تبقى بنت عمتى

د. يحيى: يعنى انت ابن خال أمها

“محمد”: آه

د.يحيى: وهى دلوقتى اتجوزت ولا لأه

“محمد”: ما أعرفش

د.يحيى: طيب، أمها بنت عمتك وماتعرفش خلال 3 سنين إذا كانت أتجوزت ولا لأه

“محمد”: ماعرفش، إحنا مقاطعينهم من زمان

د.يحيى: هوّه مش من عادات الأسر عموما انهم بيعزموا القرايب والصلح خير، يعنى ماحدش عزمك على فرحها أو سمعت إنها اتخطبت أو إنها أتجوزت

“محمد”: أنا سمعت من أبويا

د.يحيى: سمعت من أبوها

“محمد”: لأ من أبويا

د.يحيى: قالـّك إيه

“محمد”: قالى دى إتجوزت وكده

د.يحيى: طيب دلوقتى باسألك بتقول معرفش ليه

“محمد”: معرفش؟ يمكن كنت مش فاهم،….. (صمت ثم) عاوز أقعد هنا أرتاح شوية

د.يحيى: نعم؟ نعم؟ تدخل القسم يعنى؟

“محمد”: آه

د. يحيى: ليه

“محمد”: عاوز أرتاح شوية

د.يحيى: يا محمد يابنى هيا دى طريقة راحة إنك تهرب، ولاَّ أنت عايز تتخيلها هنا براحتك؟ ولا إيه؟

“محمد”: انت مش عاوز ترَيَّحنى ليه؟

د.يحيى:  هيا دى راحة؟ الهرب راحة؟ احنا لما فتحنا السيرة دى واتربطت بحلم الموت والكفن والغُسل، رحت ناطط وقايل الحقنى: عايز ارتاح شوية، أدخل القسم، هو القسم ده القبر اللى انت كنت بتتغسل عشان تدخله؟

“محمد”: مش قوى كده

د.يحيى: أنا سألتك إتجوزتْ ولا لأه قولت ماعرفش، بعد كده قلت إن أبويا قالى إن هى إتجوزتْ، مش كده؟ رجعت تانى تقول ماعرفش، بعدها مافيش دقيقة رجعت قلت إن أبويا قالى إن هى إتجوزت، ماترْسَى لك على بـَرّ يا ابنى

“محمد”: بس أنا مش مصدقه

د.يحيى: ليه مش مصدقـُهْ؟ حايكذب عليك ابوك ليه؟ دى أخبار عاديه خالص، مش أبوك يبقى خال أمها

“محمد”: أيوه

 *   نلاحظ هنا:

إنكار محمد زواج فتاة أحلامه يبدو منطقيا أكثر من اعترافه بما أخبره به والده، وهو إنكار يدل على استمرار غلبة منظومة خيالية على مستوى آخر هو مستوى تحقيق الرغبة، وكأن محبوبته حين تكون لم تتزوج بعد، تصبح احتمالا قائما لعلاقة لم تبدأ أصلا، فلعلنا نتذكر أنها كانت طول الوقت علاقة من جانب واحد، وأن شعوره بالترك وعدم الرؤية احتدَّ قرب بداية الذهان من حادثة زيارته لتلك الأسرة، وفكرة تصوّر توصيله للمحبوبة وأختها (المخطوبة)…الخ

د. يحيى: طيب روّق روّق، واضح إنك إنت النهاردة حزين جداً، تعبير الحزن النهارده باين عليك حتى قبل ما تدخل وانت قاعد لوحدك بره كان واضح واضح، يعنى مش محتاج تقول أنا حزين

“محمد”: أنا حزين على طول (اغرورقت عيناه)

د.يحيى: إنت عارف أنا مابكرهش الحزن أوى ثم ده ألم أكتر منه حزن، أنا ماباحبش العياط، إنما عنيك لمّا ترغرغ كده حاجة تانية، بس لما الألم بيزيد وبيبقى ثقيل أوى، باخاف منه

“محمد”: بيأثر على جسمى أصلاً، بيخلينى مش قادر أمشى زى دلوقتى، أهو أنا دلوقتى برضه مش قادر أمشى

د.يحيى: بس هو أحسن من الجنون والفركشه، هوّه مؤلم مؤلم وإبن كلب بس أحسن

“محمد”: ما هو أنا حاسس إنى أنا قربت أتفركش تانى أصلاً

د.يحيى: لأه بقى، لأه، بعيد عن شنبك، ما عادشى ينفع، يعنى عارف إمتى تتفركش؟ إمتى تقدر تتفركش

“محمد”: إمتى؟

د.يحيى: لما تلغينا كلنا، تروح شاطب علينا كده تقوم تتفركش، وممكن تبوظ منك، ثم انك حتى ماعدتش تقدر تلغينا من أصله، أطْلَعْ لَكْ زى العفريت كده وأقول لك عيب.

“محمد”: إن شاء الله

  *   نلاحظ هنا:

أن ظهور الحزن الحقيقى مع استمرار تطور العلاقة يعتبر فى كثير من الأحيان إعلان لحركية تطوير علاقة حقيقية موضوعية مع موضوع إنسانى آخر ذلك أنه يحمل خبرة ثنائية الوجدان ليس بمعنى التناقض وإنما بالمعنى النمائى: أى أن مصدر الحب هو هو مصدر التهديد بالترك، لذلك فأنا أعتبر هذا الحزن الألم فى هذه المرحلة إعلان آخر عن مزيد من التواصل، ولا أرجح أنه بسبب ذكرى فقدان حبيبته التى لم يكن بينه وبينها أية علاقة أصلا من البداية، إلا فكرة احتمال التقدم لها.

ولعلنا مازلنا نذكر تعبير محمد عن آلامه وهو يحكى عن بداية المرض فى الجيش وما قبلها، وخاصة فيما يتعلق بهذه الفتاة وأسرتها.

ثم إن هذا الألم (الحزن) الجديد الذى حضر به اليوم هو أقرب ما يكون إلى الوجدان المؤلم الذى عبر عنه أنه أكثر من كل تصور وهو يقول: “مريار مريار”  (2)

ونؤكد هنا من جديد كيف أن معايشة هذا الحزن يشير – بالإضافة إلى حركية نشوء علاقة- أنه ظهر كدفاع ضد التفسخ، كما جاء فى قول الطبيب “هو أحسن من الجنون والفركشة، مؤلم مؤلم بس أحسن”

أن وجود الآخر والآخرين فى الوعى يمنع أيضا من التفسخ والتمزق حيث أن ذلك إنما يعنى حضور الوعى الجمعى الضام مشاركا وعى محمد طول الوقت حتى وهو يتخيل، وهذه وقاية أخرى تحول دون اختياره التفسخ (فركشنى) كما قال له الطبيب “بعيد عن شنبك” “ماعادشى ينفع”، اللهم إلا إذا استطاع أن ينفى هذا الوعى الجمعى من داخله “حاتلغينا كلنا وتروح شاطب علينا كده تتفركش” (لاحظ كلنا هنا)، وهكذا يبدو أن الطبيب يمارس المشاركة فى الوعى البينشخصى، وأيضا لعله يمثله بالأصالة عن نفسه والنياية عن الوعى الجمعى الذى بدأ يتكوّن فى “الجروب”، وهو أيضا إشارة فى نفس الوقت إلى دعم فروض دور  المريض فى قرار الجنون، وأن الوقاية الممكنة هى إعادة تشكيل مستويات الوعى (والمخ يعيد بناء نفسه طول الوقت) ليتخلق وعى وقائى جديد لا يستطيع أن يقدم على قرار الجنون بنفس الطريقة، ولا فى نفس الظلام الذى كان حين اختار الجنون سابقا.

 د.يحيى: لما تحاول تتفركش مرة تانية مش حاتقدر، أدى العيب، الحزن ده بالذات بيقول أدينا أهه سوا سوا ومش قادرين نخفف منه قوى، وعلى فكرة مفيش دوا يخفف الحزن ده بالذات، وبينى وبينك أنا مش مستعجل رغم إنى معاك زى ما انت شايف، وإنت فى منتهى الصدق، ومش مزودها ولا حاجة، يعنى حزين حزين بصراحه “مريار مريار” زى ما بتقول، وبعدين زى مايكون لو ماكنتش أحزن معاك، ولو قريب من ده شوية، وأشيله معاك يبقى زى ما يكون باتفرج عليك، تصور؟

“محمد”: إنت بتعمل اللى عليك

د.يحيى: والله مش أوى يا محمد يابنى، أنا بعمل اللى اقدر عليه، بس مش أوى برضه، ساعات من كتر الزحمه باخاف أكون باتفرج فعلا، والله باكلمك بجد، وخصوصاً لما يكون واحد عايش حزن زى حزنك ده، وأنا أشوفه كده،

 أنا آسف يابنى معلشى أشوفك الجمعه الجاية، فى نفس الميعاد وتكون اشتغلت، …. على فكرة الشغل بيطلع الطاقة اللى لو كتمناها الحزن يزيد وبما إنك مش قادر تتفركش حايزيد حايزيد، يا للا مع السلامه ميعادنا الساعة سابعة مش سابعة وربع هه

“محمد”: ماشى

د.يحيى: كتر ألف خيرك، مش عاوز تسلم عليا ياله ياندل، مع السلامه، أقولك بقى مثل من بلدنا؟: “عيش ندل تموت مستور”، ده علاج برضه خصوصا لما تستعمله مع الأندال بس

“محمد”: ياريت أبقى ندل

د.يحيى: هؤا انت تقدر، لو كنت تقدر ما كنتش عييت.

 وبعد:

حين وصلت إلى هذا المقطع ووصلتنى روح المقابلة وخصوصية استعمال لغة الثقافة الشعبية التى ينتمى إليها محمد وأمارس من خلالها هنا ما يسمى العلاج (ليس بالضرورة تسميته العلاج النفسى)، قررت:

أن أتوقف دون تعليق على هذا الجزء الأخير.

****

 خاتمة: توقفت متابعة الحالة تسجيلا بعد ذلك ولكن ظلت العلاقة ممتدة وإيجابية لسنوات حتى استغنى عن العقاقير، مع استمراره فى الكفاح والسواء، وبقيت مقابلات متابعة على فترات طويلة حسب احتياجه هو وطلبه.

  

[1] – يحيى الرخاوى “من كتاب: من حركية الجنون إلى رحاب الناس .. (مرورا بالعلاج الجمعى)” منشورات جمعية الطبنفسى التطورى (2019)

[2] – هذا هو التعبير الذى استعمله محمد ليصف مدى آلامه وأحزانه (ص 54)، ويقصد به “مليار مليار”.

 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

تعليق واحد

  1. المقتطف :“محمد”: إنت بتعمل اللى عليك
    د.يحيى: والله مش أوى يا محمد يابنى، أنا بعمل اللى اقدر عليه، بس مش أوى برضه، ساعات من كتر الزحمه باخاف أكون باتفرج فعلا، والله باكلمك بجد، وخصوصاً لما يكون واحد عايش حزن زى حزنك ده، وأنا أشوفه كده،
    التعليق:
    صاحبت محمد طوال عرض الحالة..صاحبت المه الذي لا يحمتل وحاولت ان احمل معه بعض منه فألمني . اظن ان العبور بالم مثل هذا من بين فتات كسرة الذهان الي بر الناس هنا والان ليبقي خالصا دون شوائب ذهانية كان مؤلما لكنه كان اعظم ما قدمته يد الحكيم في دفء وضم وحضور المجموعه..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *