الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب: تزييف الوعى البشرى، وإنذارات الانقراض (19) بعض فكر يحيى الرخاوى “قراءة فى الفطرة البشرية (1 من 2) (الأسس البيولوجية للدين والايمان)

من كتاب: تزييف الوعى البشرى، وإنذارات الانقراض (19) بعض فكر يحيى الرخاوى “قراءة فى الفطرة البشرية (1 من 2) (الأسس البيولوجية للدين والايمان)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 10-7-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 5061

من كتاب: تزييف الوعى البشرى، وإنذارات الانقراض (19)

          بعض فكر يحيى الرخاوى (1)

قراءة فى الفطرة البشرية (1 من 2)

(الأسس البيولوجية للدين والايمان) (2)

للأسف: اضطررت أن أقسم المقال على يومين حين شعرت بثقل ما يحمل وآملت أن يأخذ حقه في القراءة ببطء.

شكراً

أنا أسف

الجـزء الأول: ماذا آل إليه حال الدين؟

عن أينشتاين أنه قال:

 * العلم بلا دين أعرج، والدين بلا علم أعمى.

 * الخيال أهم من المعرفة.

من أقوال ابن عربى:

* فانظر ما ترى، واعلم ما تنظر، وكن بحيث تعلم، لا بحيث ترى.

  * لا أعلمُ من العقل، ولا أجهل من العقل.

من مواقف النفرى:

* اطلِّعْ فى العلم: فإن لم تر المعرفة، فاحذرْه، واطلِّع فى المعرفة فإن لم تر العلم فاحذرها. 

 (ومن موقف المطلع)

* من لم يستقر فى الجهل لم يستقر فى العلم

(موقف وراء المواقف)

أسئلة وإجابات ناقصة

نبدأ بمحاولة متواضعة للإجابة على بعض الأسئلة الأساسية منعا لخلطٍ محتمل.

السؤال الأول:

هل هناك فروق جوهرية بين الأديان؟

الإجابة الظاهرة التقليدية أنه لا توجد فروق جوهرية، وهى إجابة ناعمة هروبية كاذبة غالبا، كما أنها إجابة تـُـستـَـعمل حاليا، فى أغلب الأحيان للتأجيل والتسكين والخداع، ذلك لأن الواقع المعلن، والواقع الخفى يؤكدان وجود هذه الفروق بشكل صارخ لا يمكن إنكاره. صحيح أن إعلانات الاجتماعات، وادعاءات الحوارات، تعلن غير ذلك، لكن صحيح أيضا أن فتاوى المفتيين المعلنة والمغلقة تؤكد أن الفروق الحالية فى واقع الممارسة، من خلال وعود وتهديد المستقبل، أكبر من كل حسابات.

لكن ثم قاسم مشترك حقيقى يمكن أن يمتد حتى إلى الأساطير أيضا (3).

السؤال الثانى:

 هل ثم فرق بين الدين والإيمان؟

الفرق موجود، ومعترف به، وهام .

 فمن ناحية هما ليسا مترادفين، “قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ”.

 ومن ناحية أخرى هما ليسا متلازمين: فَثَّم متدين هو ليس فى عمق أعماقه مؤمن (الآية الكريمة السابقة)، وثَمَّ مؤمن لا ينتمى إلى دين بذاته (وهذا ليس مجال تفصيله حالا)، وبرغم هذه التفرقة الواضحة فإن العلاقة وثيقة بينهما، فالأغلب أن الدين أو (التدين) هو المظهر السلوكى والعقائدى لما يسمى الإيمان الذى عادة يترسخ فى صورة خبرة أو معايشة أو موقف وجودِ غائر.

السؤال الثالث:

ما علاقة ما يسمى الروحانية بالدين؟

يعترف الكاتب بأن تناول مسألة الروح (التى هى من أمر ربى) ليست واردة فى هذه المداخلة بالمعنى الشائع عن كلمة “الروحانية”، ومع ذلك يبدو أن المشتغلين بمحاولة التوفيق بين الأديان قد جعلوا ما أسموه الروحانية، نسبة إلى الروح كما صوروها أو تصوروها، هى القاسم المشترك الذى يجمع بين المتدينين.

باختصار: إن الروحانية هى مفهوم كامن فى غور كل من الدين والإيمان، لكنه قد يكون اغترابا عنهما أحيانا، بل وأحيانا أخرى يكون اغترابا عن الواقع المعيش، وعن الجسد، وعن البيولوجيا. من هنا لزم التنويه أن الفرض المقدم فى هذه المداخلة هو من منطلق أبعد ما يكون عما يسمى “الروحانية” كما يتناولها الدعاة المحدثون مؤخرا.

 السؤال الرابع:

ما هى علاقة السلطة الدينية بالدين والإيمان؟

واقع ما آل إليه حال معظم الأديان، حتى تاريخه، هو نتيجة محاولة مقاومة استيلاء ما يسمى السلطة الدينية على حق تفسير الأديان باعتبارها من الملكية الخاصة، لهذه المؤسسة الفوقية، وقد استسلم أغلب المتدينين لهذا الترادف حتى ابتعدوا، بغير قصد غالبا، عن حقيقة وظيفة الدين وحقيقة الإيمان، ثم إن السلطة الدينية من جانبها قد استمرأت هذا الترادف فعينت نفسها وصية ليس فقط على الدين والإيمان، وإنما أيضا على وعى الناس المتدينين (وغير المتدينين).

كثيرا ما يتردد الحديث عن الوصاية على ضمائر البشر، وهذا أمر وارد من جانب السلطة الدينية، لكن ثمَّة وصاية أخطر هى الوصاية الداخلية على حركية الوعى، فهى أكثر قهرا حيث أنه يترتب عليها منع معايشة خبرة الإيمان إلا بالمقاييس التى يضعونها، وليس فقط منع التفكير الحر أو منع إعلان الهرطقة.

السؤال الخامس:

هل ثمة علاقة بين الدين والغرائز؟

الشائع فى ظاهر الأمر، مع التعجل فى الحكم، أن التدين يقف على طرف نقيض من الغرائز، كذلك الإيمان، وذلك باعتبار أن الغرائز بدائية فجة، وأن الدين التزام منضبط، أو أن الغرائز دوافع دونية فى حين أن الإيمان هو روحانية راقية. هذا الشائع يحتاج إلى مراجعة مسئولة، حتى بالنسبة للغريزة الجنسية (بما فى ذلك مقولات فرويد) وكذلك بالنسبة لغريزة العدوان (الذى قد تساهم إيجابياته فى الابداع)، من باب أولى: علينا أن نستوعب ابتداءً كيف أن هذا الاستقطاب غير وارد أصلا فى تناول مسألة الدين والايمان وجذورهما البيولوجية، الغريزية.

الغرائز هى أصل الوجود، والارتقاء بها، وليس على حسابها، هو التكامل الطبيعى على مسار التطور.

وبعـد:

أين يقع ما هو “دين” فى منظومتنا الحياتية الآن؟

 إن إمعان النظر فيما‏ ‏آل‏ ‏إليه‏ ‏حال‏ ‏التدين‏ ‏ ‏فى‏ ‏الممارسة‏ ‏الفعلية‏ ‏فى ‏عالمنا‏ ‏المعاصر ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏مراجعة‏ ‏نوجزها‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

‏1‏) عَجَز‏ ‏التدين‏ ‏التقليدى ‏عن‏ ‏الوفاء‏ ‏باحتياجات‏ ‏الإنسان‏ ‏وسعيه‏ ‏إلى ‏الإبداع‏ ‏والتطور.

‏2‏)‏ ‏لم‏ ‏يستطع‏ ‏العلم‏ (خاصة بمنهجه التقليدى المحكم) ‏أن‏ ‏يحل‏ ‏محل‏ ‏الدين‏ ‏والإيمان، حتى بعد أن أصبح له (للعلم) كهنته وطقوسه ومفتييه الجاهزين للحكم بالهرطقة على كل من خالف العلم (كما يرونه).

‏3)‏ ‏فشلت‏ ‏محاولات‏ ‏اختزال‏ ‏الدين إلى ما أتى به العلم كما فشل حبس العلم فيما يقره الدين.

‏4)‏ ‏فشلت‏ أغلب ‏محاولات‏ ‏التخلص‏ التام ‏من‏ ‏الدين‏، أو تهميشه، ‏لصالح‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏العلمانية، كما فشلت محاولات إنكاره كلية‏ ‏تحت‏ ‏زعم‏ ‏أن‏ ‏الدين‏ ‏مخدر‏ ‏للشعوب. (الشيوعية التقليدية)

‏5)‏ ‏فشلت‏ ‏محاولات‏ ‏تفسير‏ ‏التدين‏ ‏والإيمان‏ ‏باعتبارهما‏ ‏مجرد‏ ‏ميكانزمات‏ ‏لسد‏ ‏حاجة‏ ‏شعور‏ ‏البشر‏ ‏بنقصهم‏ ‏فى ‏مواجهة‏ ‏قوى ‏ساحقة‏ ‏أوغامضة‏.‏ (التحليل النفسى التقليدى)

6) ‏فشل ترويج‏ ‏تفسيرات‏ ‏تعتبر‏ ‏الدين‏ ‏بمثابة‏ ‏موقف‏ ‏أخلاقى ‏لتحسين‏ ‏العلاقات فى المجتمع (أو حتى باعتباره ديكورا أخلاقيا يزين حقوق الانسان)‏

‏7)‏ ‏ثُم إن محاولات تحديث‏ ‏الدين- بإعادة‏ ‏تفسير‏ ‏نصوصه‏ ‏من‏ ‏منطلقات‏ ‏أحدث بدت وكأنها تسويق للدين بلغة معاصرة، وليست استلهاما لدوره المحورى المتكامل.

‏8)‏ أما ما يسمى ‏تثوير‏ ‏الدين، باعتباره ‏دافعا‏ ‏مناسبا‏ ‏لاستعادة‏ ‏كرامة‏ ‏وإنسانية‏ ‏الإنسان‏ (مثلا: ‏الكنيسة‏ ‏اليسارية‏، ‏واليسار‏ ‏المسلم‏، ‏وبعض‏ ‏الأفكار‏ ‏الشيعية‏ الثورية) ‏فإنه انتهى إلى اختزال الدين إلى ‏أداة‏ ‏سياسية‏ ‏لجمع‏ ‏الناس‏ ‏لرفع‏ ‏الظلم‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏لاستلام‏ ‏الحكم أملا فى دفع الظلم‏ أو تسلحا بما يدفع الظلم. ‏ ‏

9) ظهرت محاولات‏ ‏انقلابية‏ ‏وطرْفيه (شاذة)‏ ‏تعلن ما يشبه الثورة، على الدين التقليدى بإحلال أديان حديثه لكنها – لظروف معاصرة – بدت بدعاً انقلابية أكثر منها أديان بديلة، ومن ذلك:

‏(أ) ‏إحياء‏ ‏ديانات‏ ‏قديمة‏ ‏شاذة

 (ب) ‏ابتداع‏ ‏ديانات‏ ‏خصوصيه‏ (من الكنائس الجديدة جداً حتى عبادة الشيطان)

(جـ) ‏نشاطات‏ ‏فيها سرِّية ما،‏ ‏تتهم‏ ‏بأنها‏ ‏ديانات‏ (كما اتهمت ‏الماسونيه‏ – ‏والروتارى‏)‏

(د) ‏طرق‏ ‏صوفية‏ ‏خاصة‏ ‏جدا‏ : ‏قديمة‏ ‏أو‏ ‏جديدة‏ ‏

(هـ) تدين كيميائى (تجلى فى “ثقافة الإدمان”) (4) بحركيتها فى الوعى، وطقوسها رغم سلبية نتائجها.

(و) ظهرت ‏أيديولوجيات‏ ‏بديلة، لها نفس مواصفات ما هو دين، برغم أنها قد تكون مبنية على إنكاره، وقد حسب أصحابها أنها يمكن أن ‏تقوم‏ ‏مقام‏ ‏الدين‏ ‏وتؤدى‏ ‏وظيفته،‏ ‏ومن ذلك‏ المناهج‏ ‏العلمية‏ المغلقة‏ اليقينية (دين العلم)‏ وكذا المناهج ‏ ‏التنويرية‏ ‏المتعصبة (دين التنوير) أو المناهج ‏ السياسية‏ ‏العقائدية (الماركسية التقليدية)‏، كل ذلك دار فى فلك العقل الممنطق، لكنه اتصف بكل المواصفات التى يمكن أن يدرج بها تحت ما هو “دين”.

رأىٌ، ورؤية؟

(1) إن‏ ‏كل‏ (‏أو‏ ‏أغلب‏) ‏محاولات‏ ‏الاستغناء‏ ‏عن الدين نهائياً‏ أو استبداله، ‏قد‏ ‏فشلت‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر.

(2) إن‏ ‏الأديان‏ ‏جميعا‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تشوه‏ ‏تكاد‏ ‏تتفق‏ ‏فى ‏بداياتها، ‏وإن‏ ‏اختلف‏ ‏المحتوى، ‏لكنها‏ ‏تعود‏ ‏تتفق‏ – ‏إلى ‏درجة‏ ‏ما‏ وغالبا – ‏فى ‏غايتها. ‏

(3) إن‏ ‏الإيمان‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الدين، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏قبله، ‏وبعده، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏مع‏ ‏التدين، (وقد لا يكون).

(4) إن العلم ليس له علاقة – مباشرة – بالدين.

(5) إن الدين ليس نشاطا ترفيهيا اختياريا.

………..

ونكمل غدًا

برجاء من سيقرأ نشرة باكر أن يبدأ بإعادة قراءة هذه النشرة

شكرا

 

[1] – المقتطف من كتاب “تزييف الوعى البشرى، وإنذارات الانقراض” بعض فكر يحيى الرخاوى (الطبعة الأولى 2019)  ‏‏‏وصورته الأولى كانت  مقالات فى (مجلة سطور) (من يوليو  1997 إلى يوليو  2006 + 1) والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى: 24 شارع 18 مدينة المقطم، و يوجد بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط

[2] –  مجلة سطور: (عدد يوليو 2004)

أصل هذه الورقة هو (من ثلاثة أجزاء)، قدمّت بشكل مبدئى فى مؤتمر عالمى فى سانت كاترين (اكتوبر 2003)، ثم قدمت فى مركز ابن خلدون (فبراير 2004) ثم موجزة فى اجتماع خاص للجنة الثقافة العلمية المجلس الأعلى للثقافة، ثم فى منتدى ابو شادى الروبى الذى تنظمه نفس اللجنة فى (18 مايو 2004) مقتصرة على الجزء الثانى منها،  أما هذا الجزء الأول فهو مقدمة لما آل إليه حال الدين حتى وقتنا هذا.

 [3] – إن ما جاء فى هذه الفقرة يسرى على الأديان السماوية والأديان غير السماوية معا، مع زعم أو حقيقة  أن الأديان غير السماوية أقل تعصبا، وإن لم تكن –غالبا – أقل استعلاء من الأديان السماوية.

 [4] – يحيى الرخاوى (بعض ما يجرى داخل المدمن: ولمحات من ثقافتنا الشعبية) منشورات جمعية الطبنفسى التطورى 2017

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *