الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / من كتاب الفصام (3) “فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم “فصامى” (3 من ؟)

من كتاب الفصام (3) “فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم “فصامى” (3 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 20-11-2021

السنة الخامسة عشر

العدد: 5194

 من كتاب الفصام (3)

“فصامى يعلمنا الفصام، (1)

دون أن ينفصم “فصامى”  (3 من ؟)

مقدمة:

قدمنا فى نشرتى الأسبوع الماضى (السبت والأحد) (1) استهلال، (2) كلمة أساسية عن “الإدراك” لفهم الحالة، (3) وملاحظات مبدئية  (4) ملخص الحالة.

 (ونواصل اليوم)

(5)

مزيد عن الفروض ومقتطفات من مناقشة أوراقه:

إن ثمة عين داخلية (عضو حسٍّ له علاقة بالحواس وما حولها)، هى نوع متطور من الإدراك القديم جنبا إلى جنب مع الحديث، وهو نتاج مما جرى عبر التطور، وهذه العين تستطيع أن ترصد الداخل بما هو، وهى تنشط فى النوم أثناء النشاط الحالم أساسا (نوم حركة العين السريعة  REM“ريم”)، كما تنشط بإفراط فى بداية الذهان خاصة، وهى تستطيع أن ترصد الداخل “بما هو كما هو” فى البداية، كما قد تتعامل معه بآليات الذهن الأحدث من خيال، ولغة، وتفكير، وذاكرة، ولكن هذا ليس ضرورة للاعتراف بها، وإن كان هو من أهم السبل إلى توضيح آثار فاعليتها ونشاطها.

 الفروض الفرعية من واقع الحالة المقدمة:

(أ) إن ما بداخل البشر هو حقيقة موضوعية (واقع موضوعى) وليس مجرد ذكريات أو “نفى” ما هو ظاهر: (“لاشعور!!”).

(ب)إن رصد التفكك بواسطة رشاد لا يترتب عليه تلقائيا حدوث التفكيك سلوكيا وأعراضاً.

(جـ) إن تصديق رشاد فى مثل هذه الحالات حتى قبل ترجمة خبرته إلى أعراض تسمى باسم مرض بذاته هو مفيد علميا وعلاجيا.

(د) إن هذا المنهج قد يحل محل التفسيرات العشوائية للممارسات التى تمارسها العلاجات الشعبية، وأيضا قد يساعد فى الإستفادة من الفهم “الإمراضى” (2) لصالح إعادة التشكيل الصحى للمريض(التعافى فإطلاق النمو).

(هـ) إنه يمكن التحاور مع رشاد الذهانى (الذى أطلقنا عليه: الفصامى) على مستوى عال من التماسك والتفاهم.

وصل ما انقطع:

فى هذه الحالة، تَمَّ رصد عملية الانشقاق (الفصم)، وأيضا عملية الخلل الذى لحق آلية “فعلنة المعلومات” حتى أصبحت وكأن ما جرى ويجرى من اضطراب، كأنه يُرى ويُرْصَدُ بالعرض البطىء

تكملة مقتطفات من المناقشة مع الطبيبة مقدمة الحالة (د.م.)

د.يحيى: أعيد الفكرة اللى انا قلتها فى الأول، إن العيان بتاعك بيرصد العمليات العقلية، والمعرفية بالذات، خصوصا بعد ما عيِى، وكأنها بتجرى قدام عينيه بالسرعة البطيئة، ولما حانقابله، يمكن تبقى فيه فرصة نتناقش معاه جملة جملة فى كل اللى قاله ونعرف أكتر، العيان ده شايف مخه، شايفه بيشتغل إزاى، بعد ما عيى، يعنى هو شايف الباثولوجى اللى جارى، وببيشرحه زى ما  بيحصل بالضبط تقريبا.

(د.مريم): ده شَرَح لى كمان حاجات بس ماعرفتش أقولها إزاى

د.يحيى: طبعاً، دا عايز مترجم فورى ناصح، ما كتبتيش اللى قاله كله ليه؟

(د.مريم): أصله قال لى كلام يعنى ما كنتش حاسة بأهميته،  بس دلوقتى شايفه إنه يمكن كان مهم، يعنى مثلاً  قال لى: “إن مخه ده أكن كوافير بيعمل لواحده شعرها ، فبيشد،  فلما بيشد الشعر هى بتتوجع”،يعنى بيقولى كلام أنا مش عارفه حتى أعيده

د.يحيى: الله يسامحك يا شيخه، طب ليه ما كتبتيهوش، مش ده أهم من  الهبل اللى عمالين يدوشونا بيه عن فتافيت الكيميا عشان يكسبوا فلوس والسلام ، ويقولوا علم، والله العظيم ربنا حايحاسبنا إذا احنا استسملنا للى بيعملوه فينا وهما بيمنعوا الدكاترة الصغيّرين بالذات من أنهم يشوفوا العيانين ويسمعوهم بحق وحقيق، أنا شايف إن شوية شوية حاتلاقى الدكاترة اتقلبوا أدوات تسويق عاجزة عن التفكير من أصله، كل ما يبصوا لعيان يقلبوه شوية كيميا زيادة، وكيميا ناقصة، يا شيخة!!! الدكتور منا حايبقى بعد كده “مندوب مبيعات” هما بيبرمجونا بالبوفيه المفتوح واللوكاندات والسفريات عشان ما نسمعشى العيانين بيقولوا إيه، ولاّ بيعيشوا خبراتهم ازاى، أول ما  العيان ينطق نروح مترجمينه للى إحنا عارفينه، أو حافظينه،  ونروح مدَيينه اللى هوّا مكتوب وجاهز، ده مش علم،  العيان بتاع النهارده مثلا بيقول لك اللى حصل له، يبقى هوا اللى حصل له، لا أكثر ولا أقل، والعيان بتاعنا ده نفسه بيعترف بإنه مش قادر يوصف اللى جارى، نروح احنا ناطين ومادين إيدنا على أقرب كلمة على الرف، ونلزقها على قفاه، اللغة يا بنتى أعجز من إنها تستوعب الخبرة اللى زى دى، فما بالك إنها توصَّلْها،

ولازم كل عيان ناخده بشكل يختلف عن التانى، أنا بقالى 38 سنة ما بين ما شفت العيان بتاع صف الرصاص اللينوتيب اللى حكيت لكم عنه، وهو بيحزق عشان يزق سطر الرصاص عشان يمتزج بمخه،  وما بين عيانك ده، أديكى شايفه، يا دوب بعد 38 سنة باحاول أربّط، ده بدَه لأنى الظاهر اتعلمت أحط المعلومة الغريبة بين قوسين واستنى عليها لحد ما تلاقيلها حتة أحطها فيها، وأعتقد إن اللى  خلاكى تنبهرى بالعيان ده هو الجهل المندهش بتاع الصغيرين، يعنى الجهل ده ميزة جميلة جداً، بسبب جهلك الحلو ده روحتى منبهرة ومصدقه وسامعه وكاتبه، ولو انك ماكتبتيش كل حاجة، عموما، اللى كتبتيه كفاية، بس احنا نشتغل فيه، ثم انتِ ما لاحظتيش إنك لما قلبتى الكلام انجليزى فى المشاهده (الشيت) باظ ، اتبهدل، بقى قبيح جداً ، وحتى لو قلبناه لغة عربية فصحى مش حايأدى نفس الوظيفة.

أنا شايف إن اللى انا سمعته من العيان ده، قصدى اللى انت كتبتيه يعنى، كل كلمة حايثبت إن لها دلالاتها غالبا، أنا مش عايز أبالغ، إنما أنا حاسس إن كل جملة قولتيها فى الصفحتين الأولانيين من كلام العيان لها دلالتها، دا بيوصف الشق اللى حصل فى مخّه من تلاتاشر سنة كإنه بيوصف عملية قطع الجسم المندمل Corpus Callosotomy ، إنتو عارفين إن فيه نظرية لتفسير الفصام إنها نوع من الفصل الوظيفى بين النصفين الكرويين، زى  اللى قاله العيان ده بالظبط بس من غير عملية، إنتو خدتوا بالكم من الخواجة كرو Crow اللى جابه الأستاذ الدكتور عماد فى مؤتمرنا الأخير هنا، الراجل ده راجل عظيم، ولو انه مخنوق يا عينى بالمنهج الخوجاتى، إنما قال كلام مهم جدا، مش عارف إنتو فهمتوه ولا لأه، وفهمتوا تعليقى على اللى قاله ولا لأه، المهم الراجل ده ربط الفصام بتطور المخ البشرى، وخصوصا تمييز عمل النصفين الكرويين عن بعضهم، وقال إن النقلة دى، لما المخ الشمال (أو الطاغى والسلام) ابتدأ يختص باللغة  والرموز، واليمين يختص بالأشكال والخبرات الكلية والكلام ده، حصل تباين وتباعد، لأن اللغة فى شكلها الرمزى السائد أعجز من إنها تستوعب الخبرة الكلية، فأصبح البنى آدم العاقل Homo-sapiens معرض للانشقاق ما بين اللغة، وما بين الخبرة، فلو زاد الانشقاق حبتين، تبقى المسألة بتقرب من الفصام، ده اللى انا فهمته على قد ما قدرت، وأنا رأيى إن الأحلام بتعوض الحكاية دى شوية، زى ما يكون النصف المتنحى بتاع الصور والألحان والكلام ده بياخد حقه شوية أثناء نشاط الحلم اللى هو أغلبه “تصويرى”، يقوم يحصل تقارب ولو بالتناوب، يعنى كل نصف كروى ياخد فرصته، عشان يبقى فيه إمكانية للتكامل بأى درجة، أو على الأقل السكة تمشى فى اتجاه القرب مش الفصم.

أنا متأسف الحالة بتاعتك دى كويسة جداً فاعشان كده المقدمة اللى انا بامهد بيها لمقابلته كانت طويلة شوية، يمكن من خلالها نقدر نفهمه أكتر حبتين.

(د.ملك): هو فعلاً يادكتور هوا كان بيحاول يشرح لى، وأنا اللى ماكنتش فاهمه وماكنتش عارفه أكتب اللى بيقوله  حتى …

د.يحيى:  إنتى عندك حق، بس برضه عملتى شغل كويس أوى أوى، أنتى عندك حق.

****

 والآن ننتقل إلى المقابلة مع رشاد

أول مقابلة، فى نفس اليوم بعد تقديم المشاهدة مباشرة:

يدخل رشاد مترددا ، يلتفت إليه د. يحيى منتبها:

د.يحيى: رشاد؟ لا مؤاخذه يابنى، صباح الخير يا رشاد

رشاد: صباح الخير يادكتور

د.يحيى: صباح النور، إنت عارفنى؟

رشاد: دكتور يحيى

د.يحيى: عارف إسمى يعنى؟

رشاد: عارف إسمك، آه

د.يحيى: إسمى يحيى إيه؟

رشاد: لأه، انا ماعرفشى، انا عارف أسمك الدكتور يحيى وبس

د.يحيى: أحسن، عموما: أنا باشتغل هنا، ودكتور كبير شوية، وزملائى وبناتى هنا بنتقابل كل يوم خميس علشان نناقش الحالات المهمة مع بعض، حالات زى حالتك كده، أنا اسمى يحيى الرخاوى إذا حبيت تعرف أسمى التانى ولا كفاية يحيى

رشاد: كفاية يحيى

د.يحيى: إنت جدع، كده المِعْرفة على مَيّة بيضا، وأنا برضه كفاية رشاد، هما بيندهو عليك بإيه، بيقولولك: فى البيت ولا فى الشغل إيه، يا بو الرشد، ولا يابو فلان، ولا يا رشدى.

رشاد: هو إسم رشاد أفضل يعنى

د.يحيى: انت كل جملة قلتها أو حانقولها حانحاول أنا وانت نعيشها، بما إن أنا كبير شوية، إنت بتقول “أنا شايف الحقيقة بس لما آجى أطلبها بلاقيها مش حقيقة”، مش كده؟

رشاد: لأ يعنى، أنا باقول أنا شايف اللى أنا فيه ده حقيقة

د.يحيى: الحقيقة يعنى اللى أنت فيه دلوقتى، أيوه كده، ما توسعهاش قوى.

(*) (3)….. استيضاحه هكذا يبين أنه إنما كان يعنى بالحقيقة “ما هو فيه” وليس الحقيقة التى خطرت لى لأول وهلة، أعنى الحقيقة المطلقة، وأيضا تعبير “أطلبها” كان يعنى “أطلبها” من الطبيب، أى يسأل الطبيب عما إذا كانت خبرته التى يعايشها واقعية (حقيقية = هى الحقيقة) أم لا.

رشاد: ولما باجى أطلبها من أى دكتور يقول لى إنت حاسس كده، ولكن هى مش حقيقة

د.يحيى: الدكتور اللى بيقول لك هى مش حقيقة، ولا أنت اللى بتكتشف إنها مش حقيقة

رشاد: لأ، قعدتى مع الدكتور هى اللى بتبلغنى إنها مش حقيقة

د.يحيى: وهوّا الدكتور إيش عرفه ؟ حاجة غريبة!!

رشاد: مش دكتور بقى !؟

د.يحيى: إيش عرفه الحقيقة من اللى مش حقيقة، هوّا ولى أمر الحقيقة؟ إنت شايف الحقيقة زى ما أنا شايف الكوباية دى، مش كده ؟

رشاد: آه

د.يحيى: بأمارة إيه بقى الدكتور يقول لك إنها مش حقيقة؟ هو ربنا سلم الحقيقة لشوية ناس وأخذها من ناس تانيين

رشاد: بس معروف إنه دكتور متخصص فى حاجة زى كده

د.يحيى: يعنى هوّا متخصص فى الحقيقة؟ هوه متخصص فى أكل عيشه، وتصليح المايل، والترييح، والدوا والحاجات دى

 رشاد: يعنى هى حقيقة؟

د.يحيى: ليه لأه؟

رشاد: يعنى هى حقيقة

د.يحيى: مش إنت شايفها؟

رشاد: آه

د.يحيى: تبقى حقيقتك 100%، ما دام ما تفرضها ش على حد، مين يعرف؟ سواء اللى قلته للدكتورة (د.مريم)، سواء اللى انت حاتقوله دلوقتى، سواء اللى أنت مش حاتقوله، تبقى حقيقة 100%، فـَتْح كلام على الأقل  بالذات بالنسبة لك، مش لكل العيانين ولا لكل الناس، ده على حد ما وصلنى من كلامك مع الدكتورة (د.مريم)، وحتى لو ما وصلنيش أنا باعتبر إن الحقيقة  بتاعتك هى اللى انت شايفها، نعمل إيه بقى فى البداية بتاعتى الغريبة دى؟ قصدى بداية مش معتاد عليها العيانين مع الدكاترة، مش كده؟

 رشاد: تمام.

د.يحيى: نعمل إيه فى الدكاترة بقى ؟

رشاد: لأ الدكاترة بصراحه ممتازين، حرام

 (*) هذا الأسلوب الذى ظهر فى هذا الحوار هكذا مع رشاد، لا يجوز تعميمه، وهو يصلح أكثر لحالة الذهان النشطة، وفى البداية عادة، عبر عشرات السنين أصبحتُ لا أعتبر حقيقة رشاد مثل التى يتكلم عنها رشاد أنها مجرد “حقيقته” الخاصة جدا، بل رحت أتبنى أنها “الحقيقة الأخرى”، من حيث أنه يدركها بأدوات حسه الداخلية، فى حين أننى – الطبيب – لا أملك نفس هذه الأدوات نشطة هكذا من ناحية، وحتى إن ملكتها فلا أملك إلا أن أرى داخلى أنا وليس داخله هو، طبعا هذه ليست قاعدة ولا تنطبق إلا على الهلوسات والضلالات النشطة الحقيقية التى ترصد، أى تُدْرك، بالعين الداخلية، وأقول تدرك من “الإدراك” من Perception، ولا تنسج فكرا أو خيالا نسبة إلى التفكير أو التخيل Thinking أو Imagination

د.يحيى: ماشى، بس الظاهر هما مضطرين إنهم ينكروا عليك الحقيقة لمصلحتك؟ همّا ممتازين، صحيح كتر خيرهم، ثم همَّ بيعملوا اللى هما عارفينه وخلاص، هوه حد يقدر يعمل أكتر من اللى هوه عارفه!!

(*) طبعا لا أنصح بأن يمارس هذا الأسلوب إلا من يدرك يقينا احتمال صحته جدا، وإلا أصبح تطبيقا لأخطر وأغلط مبدأ يقول “ناخد المجنون على قد عقله” هذا المثل هو عكس ما يجرى فى مثل هذا الحوار المنطلق من الاحترام المطلق لاحتمال أن خبرة رشاد هى “حقيقة” وأحيانا هى “الحقيقة”، ليس معنى ذلك أننا نقر الجنون أو ندافع عنه، وإنما هو ينبهنا أن علينا أن نبدا من احترام الخبرة. مع اختلاف أدوات الإدراك بيننا وبين رشاد، وأيضا بين إدراك الواقع الخارجى وإدراك الواقع الداخلى.

رشاد: تمام

د.يحيى: عارف الدكتورة (د.مريم) قاعدة عاملة كده ليه؟ (تبدو عليها الدهشة)، عشان مش شايفة الحقيقة

رشاد: ليه ؟

د.يحيى: أصل الجماعة بتوع الدوا والفلوس يا رشاد حاطين حاجز بين الدكاترة والحقيقة، ييجى عيان غلبان زيك يقول لهم الحقيقة يقولوا له لأه، إنت مش شايف، بس عشان الدكتورة (د.مريم)  يمكن صغنتوطة قامت صدقتك شوية، وراحت مخضوضة، وقالت مش فاهمة ، مش فاهمة، وعرضت علينا حالتك يمكن نفهم سوا.

رشاد: وبعدين؟

د.يحيى: بداية صعبة، معلش

رشاد: لأ لأ، مافيش حاجة، بس نخليها واحدة واحدة؟ يعنى نتكلم على إنها الحقيقة؟

د.يحيى: أنا رأيى اللى ربنا حايحاسبنى عليه إن: “أيوه” ولو كبداية.

رشاد: هى دى الحقيقة ؟

د.يحيى: ليه لأه؟ تعرف يا رشاد: أنا كل أمنيتى قبل ما أموت، أنا كبير فى السن شوية كتار، إنى يعنى أوصَّل للناس (وبالذات لزملائى الصغيرين) اللى انت قلته ده، الناس يعنى اللى لسه ماتشوهوش، لسّـه ما تْلاعَبشى فى مخهم.

رشاد: تمام

د.يحيى: إحنا نبدأ نشوف اللى احنا شايفينه حقيقة، إحنا والناس اللى زينا كده، وبعدين نشوف إيه الحكاية، يعنى بقى يمكن تُفرج، تطلع إنها حقيقة لوحدها وخلاص، أو تطلع إنها جزء من الحقيقة، أو يطلع إن فيه كذا حقيقة، المهم تكون البداية كده.

 (*) برغم ما يبدو فى هذا المنطق من صعوبة، وكأنه درس فى الفلسفة، إلا أنى لاحظت أن المرضى يلتقطونه أسهل بكثير من الأسوياء العاديين. (ومن أغلب الزملاء الأكبر).

رشاد: ياه !!

د.يحيى: لما ساعات عيانين يجولى من كتر الدكاترة ما قالوا لهم زى ما قالولك كده، إنهم غلطانين وكلام من ده، يصدقوا الدكاترة ويكدبوا نفسهم، يقول لك أصل الدكتور قال إن اللى أنا شايفه غلط، قال إنه غلط يبقى غلط، من غير ما يفسروا يعنى إيه غلط ويعنى إيه صح     

رشاد: ما هو ده عشان دكتور متخصص

د.يحيى: متخصص فى إيه؟ هوا متخصص فى التخصص بتاعه، مش متخصص فى الحقيقة، مش احنا قلنا إن مفيش دكتور إسمه أخصائى الحقيقة ؟

رشاد: لأ لأ ، لأ طبعا

د.يحيى: طيب يا أخى كفاية كده النهاردة ؟ أنا لخبطتك

رشاد: لأ لأ إزاى إتفضل

د.يحيى: نعم ؟

رشاد: اتفضل إتكلم

د.يحيى: لأ بقى ده إنت تقعد تهضم فى اللى احنا قلناه دلوقتى وقت طويل على ما نبتدى نتكلم تانى، لو انت مصدقنى، عشان يبقى تصديق بحق وحقيق، مش دهشة وتفويت، أصل صعب يا ابنى إنك تصدقنى، أنا ساعات ما باصدقشى نفسى.

(*) هذا التوقف، وعرض إنهاء المقابلة له أهمية خاصة، لاختبار استقبال رشاد جرعة القبول، مع اختلاف نوع الحوار، ومن ثمَّ  اختبار رغبته فى مواصلة الحوار، فى مقابل الخوف من التمادى، ثم إن إعلان الطبيب لحيرته هكذا مبكرا، قد يشجع رشاد أن يأخذ دورا إيجابيا غير دور انتظار التفسير الجاهز الدامغ من سلطة علوية.

رشاد: لأ، لأ، مصدق مصدق إنشاء الله

د.يحيى: نعم؟

رشاد: مصدقك بس كل اللى أنا عايز أعرفه يادكتور يعنى أنا اتحطيت ليه فى المكان ده

د.يحيى: هه؟؟ أنهو مكان؟

رشاد: يعنى الحقيقة دى جاية منين؟ حد قاصدها ولا هى جاية لوحديها؟

د.يحيى: طبعا حد قاصدها، بس الحد ده جواك

 (*) ابتداء من هنا يبدأ تفسير مباشر لما اعتبره الطبيب حقيقة “داخلية” وليس حقيقة “خاصة”، وهذا ما أسميه “الواقع الداخلى” باعتباره واقعا فعلا يمكن أن يُرى (بالعين الداخلية) أو يسمع (بالأذن الداخلية) …. إلخ.

رشاد: يعنى حد قاصدها.

د.يحيى: بس من جواك، من كتر ما أنت مش عارف إنه جواك، والدكاترة برضه مش مصدقين الاحتمال ده، بتروح الحاجات طالعه بره، وترجع لك كإنها جاية من بره، مع إنها مقصودة من جواك

رشاد: مين يعنى

د. يحيى: أظن اسمه رشاد برضه، فى الغالب يعنى.

رشاد:  طب إزاى يادكتور ؟

……….

……….

 (ثم نكمل غدا)    (6) نقلة إلى الواقع الداخلى

[1] – يحيى الرخاوى ” الفصام (3) “فصامى يعلمنا الفصام، دون أن ينفصم”منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2020)

[2] – Psychopathological

[3] – ملحوظة: تعقيب د. يحيى الحالى على المقابلة هو تعقيب للنشرة ولم يطرح أصلا فى الدرس.

وهو ببنط أسود أصغر وهامش كبير دون ذكر اسم الأستاذ، ويبدأ بعلامة النجمة (*).

admin-ajaxadmin-ajax (1)

2 تعليقان

  1. كثير كنت بسأل نفسي ليه لأ ؟ و ليه يرى الناس إن صحة الإنسان العقلية مرهونة برؤيته و تفكيره على غرار الأخرين و من يرى الأمر بصورة مختلفة يبقى اما مجنون أو يبقى مبدع عبقري و حتى لو رأوه مبدع عبقري لا يفوتهم أن ينسبوه إلى الجنون أيضا !!!!؟؟ و هذا ما يحجب عنا أجزاء من المشهد الكلي الذي تتجلى به الحقيقة
    أرى أنه حين يحترم العاقل خبرة المجنون و يحترم المجنون خبرة العاقل ندرك جميعنا أننا عقلاء جواهم مجانين و مجانين جواهم عقلاء …….

    كلما استقبلت منك يا مولانا أدركت أنك موهوب من الله أسرار الحكمة التى نرى أثر خيرها الكثير من خلال دورك الكبير فى هذه الحياة

    الحمدلله عليك مولانا حمدا كثيرا يزيدنا به من خير و دوام حضورك
    أ

    • يا سحر يا ابنتى، لقد وصل بى الأمر إلى وضع فرض فى أطروحة بعنوان: “حالات الوجود المتبادلة”، وهو موجود فى الموقع بالتفصيل وفى أكثر من عمل منشور لى (نشرة 14-3-2016) و(نشرة 15-3-2016)، و(نشرة 26-6-2016) و(نشرة 27-6-2016)
      وخلاصته هى أن فى كل منا هذه الحالات الخمس

      وأن ما يرجح منها ظاهرا هو ما ميزنا فى وقت بذاته أكثر من غيره من الأحوال، لكن المبالغة فى احترام الجنون دون شروط، ودون حسابات ودون مسئولية: أدت بعد الحرب العالمية الثانية بالذات إلى ظهور موجة ما يسمى ضد الطب النفسى Anti-Psychical بقيادة لانج فى إنجلترا وزاس فى أمريكا، لكنها حركة ماتت وانتهتا نهاية سلبية تماما.
      وقد نبهت فى هذه الأطروحة أن من نعم الله علينا أن حالة الجنون فى الشخص العادى لا تنشط غالبة إلا فى بعض أجزاء الحلم (الفسيولوجى وليس المحكى بالضرورة) وهناك تفاصيل كثيرة سوف تجدينها ربما تقلل من أندفاعك فى فكرة احترام الجنون دون تحفظ ومسئولية.
      برجاء الإطلاع على بعض الروابط إن كان لديك الوقت والاهتمام:
      (نشرة 2/10/2007) ، (نشرة 10-2-2008)، (نشرة 13-7-2008)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *