نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 28-1-2023
السنة السادسة عشر
العدد: 5628
مقتطفات من: “فقه العلاقات البشرية”(1) [1]
عبر ديوان “أغوار النفس”
العلاج النفسى (مقدمة)
بين الشائع والإعلام والعلم والناس (6)
الفصل الرابع
المريض ورّانى نفسى (2)
………………….
………………….
عن الحلم والجنون
المدخل الأصلح لتأكيد وجه الشبه بين الطبيب والمريض هو ظاهرة الحلم، (وليس فقط محتواه أو تفسيره)، حركية الحلم من واقع نشاطه، ومن دوره فى ترتيب، (و”لاترتيب”: فوضى) المعلومات فيه، الحلم هو الجنون دون هزيمة، بل فى الأحوال العادية، هو الجنون الناجح، فى موقعه المناسب فى دورة الإيقاعحيوى، أو لعله الإبداع الخفى، نحن لا نعرف ما يجرى أثناء الحلم الحقيقى، (على الأقل عشرون دقيقة كل تسعين دقيقة، بمجموع نحو ساعتين كل ليلة)، كل ما كان يهمنا فى مسألة الحلم حتى وقت قريب هو “محتوى الحلم” الذى يُعـْلـَنُ فيما أسميه “الحلم المـَـحـْـكـِـى” والذى افترضت أنه لا يتشكل إلا فى الثوانى (أو أقل) ما بين النوم واليقظة قرب الاستيقاظ، هذا المحتوى هو الذى ظل يشد انتباهنا، وتدور حوله أبحاثنا، وتحاول تفسيره تأويلاتنا، بعيدا عن ظاهرة الحلم ذاتها (انظر: الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع)([2])، لأن تشكيلة وحركية ظاهرة الحلم هى هى تشكيلة وحركية ظاهرة الجنون مع اختلاف حالة الوعى، وطبيعة المآل.
بمجرد أن نستيقظ، يعود كل شىء كما كان إلا قليلا، ونروح نمضى ساعات يقظتنا وسلوكنا العادى ليس عليه شائبة، لأن جنوننا يكون أثناء يقظتنا كامن ساكن، وهو ينتظر أن تأتى ساعات النوم ليتحرك فى نشاط الحلم بحساب وإيقاع راتب، مرة أخرى: لنستيقظ من جديد “كما كنت” إلا قليلا، وهكذا.
فى مواجهة المجنون
حين نلتقى بشخص مجنون فى واقع الحياة، يتحرك جنوننا الكامن داخلنا، فنخاف من هذا التحرك، ويختلف تفاعلنا باختلاف موقفنا وما هو نحن، ومن ذلك:
-
بعضنا يرعب من مجرد احتمال وجود وجه شبه معه، ولو فى المستقبل البعيد.
-
بعضنا يخاف ويسرع بالهرب الفعلى (بتجنب مواصلة رؤيته).
-
بعضنا يزداد عمى وبعدا ويفترض – شعوريا أو لا شعوريا – استحالة إصابته بمثل ذلك.
-
بعضنا يـُمـَنـْظـِر ويفتى ويصنّف وينصح ويشخـِّص (من الأطباء عادة).
-
بعضنا (من الأطباء أيضا) يسارع إلى الالتجاء إلى العلاج السلطوى الذى قد يطفئ حركية جنون المريض، بدلا من أن يستوعب طاقتها، وفى نفس الوقت هو يزيد من إحكام قهر حركية جنونه الكامن شخصيا.
-
بعضنا يمارس الوشم والتشويه، ثم الابتعاد، فالنفور.
-
بعضنا يمصمص شفاهه ويركب هودج الشفقة، وهو ينظر إلى الموقف متعاطفا من أعلى.
-
بعضننا يصفق له ويمدحه وهو فـِرَحَ (ربما لأنه جـُـنَّ بالنيابة عنه).
-
بعضننا ينكر الخبرة برمتها (ولا من شاف ولا من درى).
حقيقة وتدرّج موقف الطبيب بالممارسة:
الطبيب الذى لا يغامر بالتعرف على مريضه من خلال جنونه الكامن شخصيا([3])، يحتاج مزيدا من الدفاعات خشية أن يرى هذا الاحتمال، أن يرى نفسه بروعة أعماقها وإرعاب تعريها، وتساعده فى دعم دفاعاته شركات الدواء، والعلم السطحى المـُسـُخـَّر لمصالح هذه الشركات، والاغتراب المعقلن، كلها جاهزة لتخدم دفاعاته ضد أن يرى وجه الشبه أصلا، وهى مؤسسات تتضخم، لتكدس الأموال، وتهدد تطور الإنسان، فيجد الطبيب نفسه – بدون وعى غالبا – أداة طيّعة للقيام بدور لم يقصده غالبا، وقد يسمى علما فى كثير من الأحيان.
لكن هناك احتمال أن يكون الطبيب قد قطع شوطا على طريق نموه الشخصى، فتنشط هذه الدفاعات بدرجة واعية نسبيا، فلا تعود دفاعات تماما، بل تتراجع ولو جزئيا إلى “بصيرة واعية” تحل محل تلك الدفاعات العامِيَة، هذه البصيرة هى التى تساعد أن تزيح الدفاعات جانبا، لنرى ما يراه المريض، ليس فقط فيه، وإنما أيضا فينا.
هذا ما يصوره المتن حين يصف دفاعات التعمية (عمَى حيسِى) وعموم الدفاعات (الحرَسْ)، حين تتحول الدفاعات اللاشعورية إلى آليات وعى مخترقة مؤلمة، تحتد بصيرة الطبيب، وتتواصل الخطوات نحو الرؤية، بشكل مقتحم من الداخل، وحينئذ لا يملك الطبيب الأمين (أو أى مغامـِرٌ نحو المعرفة) لها صدا.
إذن فإن البصيرة الفاعلة (وهى غير المعرفة المعقلنة، ولعلها عكسها) هى – غالبا – عملية مقصودة هادفة تتقرر من الداخل بوعى آخر، بعد أن تفشل الدفاعات الواعية جزئيا (حين لم تعد دفاعات صرفا)، من أن تحقق الإظلام الانتقائى التلقائى عادة، لحمايتنا من فرط الرؤية، لعل هذا هو المقصود بـ:
“قلت إدّيها عمَى حيسِى، وزوّد فى الحَرَسْ”.
فإذا تواصلت خطوات نمو الطبيب بجدية – من واقع الممارسة عادة، وياحبذا تحت إشراف متعدد المستويات – فسوف تتراجع هذه الميكانزمات، فلا يعود العمى مطلوبا ولا مفيدا، بل هى البصيرة المؤلمة الداعمة فى آن، الأمر الذى يترتب عليه أن نرى أنفسنا مثلنا مثل المريض، مع الاختلاف الجوهرى فى طريقة تعاملنا مع هذا التركيب، ومن ثـَمَّ مآله:
المعالج ينمو من خلال ذلك (المفروض يعنى)، والمريض يشفى، أو يتدهور، بحسب عوامل كثيرة. لكن تظل الرؤية والمشاركة والألم والوعى الأشمل هى بدايات محتملة قائمة عند المريض مثلما عند الطبيب فى المراحل المختلفة، ثم تتفرق الطرق ويختلف المآل، أو تتواكب المسيرة ويعاد التشكيل لكليهما.
كل هذه النقلات ليس لها توقيت معين أثناء رحلات نمو الطبيب، ففى أى لحظة، تغوص بصيرة الطبيب إلى حقيقة الجارى، فإن صدقت الرؤية، فلا رجعة كاملة فيما رأى، تماما مثلما ترى منظرا بعينيك مفتحتين، فإذا لم تتحمله، أو أردت محوه من وعيك الحسى لسبب أو لآخر، بأن تغمض عينيك عنه، فإنك تظل تراه، تعرفه، وتعترف بوجوده، مع أنك مغمض العينين.
مع تواصل أمانة المحاولة، تكفى لحظة تنوير تكاد تشبه لحظات الإلهام فى الإبداع، ويمكن أن تكون هذه اللحظة مشروطة – شعورياً أو لاشعورياً – بالتراجع عنها، لكن هذا الشرط، لو واصل الطبيب أمانته، وجهاده، لا يتحقق كاملا أبدا، فيواصل الطبيب، الكشف والتعرى، فالألم البـَنـَّاء والنمو.
قلت أَخطـَف نظره عالمَاشى واغَمَّضْ مِن جديد،
هيّه نظره – واللىّ خَلَقَكْ – لم تَنِيتْها
الرؤية التى تترتب على هذه المغامرة تشمل أكبر مما قصدتْ إليه من عمق التعرف على المريض وأحواله، وحين تحتد بصيرة الطبيب فإنه لايمكن توظيفها انتقائيا للمريض دونه إذا صدقت الممارسة، ذلك أنها عادة ما تمتد إلى مناطق وآفاق تتجاوزه هو ومريضه على حد سواء: حتى يجد نفسه مضطرا إلى ممارسة كلٍّ من:
-
تعرية الاغتراب،
-
وتحطيم الأصنام،
-
ومغامرة الكشف،
-
وحيرة المعرفة،
-
ومخاطرة إعادة التشكيل (الإبداع)…
(كل هذه مجرد أمثلة)
فماذا يقول المتن؟
بصيت لقيت الزفــَّـة بتلف الضريح لمْ بطّلت،
وتقول مـَدَدْ!!…،
بـَسّ الـَعـِـماَمةْ اتـْغـَيـَّرتْ:
والحاجات، هى الحاجات الـمِشْ حاجَاتْ.
تقديس القديم والتوقف عنده يصبح بشعا من خلال هذه الرؤية الجديدة، سواء كانت رؤية المجنون أم الفنان أم الثائر أم الطبيب الجاد المشارك، و”القديم” هنا لا يقتصر على تجمد السلف بقدر ما يصور الجمود الفكرى بصفة عامة.
كثير من المباديء الحديثة (بما فى ذلك مناهج العلم المؤسسى) قد أصبحت أديانا مغلقة، أو أصناما ثابتة، برغم تغيير الاسم والشكل
بـَسّ الـَعـِـماَمةْ اتـْغـَيـَّرتْ
الأصنام الجديدة، والمناهج المغلقة، لها نفس قدسية القديم المـُـعـَـطــِّـل.
المشكلة هنا ليست مجرد مشكلة السلف والخلف، ولا القديم والجديد، ولكنها مشكلة الجمود ضد الحركة، علما بأننى احترم القديم بجدية كاملة، ولكن دون قبول وصايته، فهو الأب الشرعى للجديد، لكنه ليس بديلا عنه، لا جديد ذا أصالة يولد سفاحا، ولكن الاحترام والاستيعاب والجدل شىء، والتقديس والجمود والتكرار شىء آخر.
وهكذا تتمادى هذه الخبرة المغامرة حتى تصل إلى احتمال إعادة النظر فى كل شىء على أنه “هو هو”، إلا أنه أصبح “ليس هو“.
دعونا نكرر بعض المتن للضرورة:
-9-
الطبيب أصبح مهندسْ للعـُقـَولِ الـَبايْـظَهْ
(يعنِى .. !!)،
واللى برضه اتْصلـَّـحـِتْ.
(الطبيب دا هوّ انا، مش حد غيرى)
اللَّهْ عليهْ، والسِّتْ بـِتـْمسِّى عليهْ!
والشاشةْ، والواقعْ، خـُلاصـْةِ القـَوْلِ، مخْـتَـصَرِ الـَكـَلامْ:
آخـِرْ تمامْ، فـِى حَـلّ مُعـضـِلـَةِ الأنَــــامْ:
”لّما كنا نـَحـْنُ فى عصر الـَقـَلقْ،
”نستعيذُ بربّنا مما خلقْ”،
يبقى لازْمَـنْ كلنا نعمل حسابنا،
وِنـَـدَعِ القلقْ،
يعنى نخمد من سـُكات وانْ كان عاجبنا،
عـَـلـَـشان نعيش
ماهو كله ماشى فى الـْمــَـافـِشْ
ثم إن الحزن برضه ما لوش لزومْ،..طـَـنـــِّـشْ: تعومْ،
ثم إوعـَى انــَّك تنام من غير لحاف
أحسن تخاف
حيث النصيحة “لا تـَخـَــفْ”
فيها السعاده والبلاده، والحياه سكـَّر زياده
ثـُمَّ إنّ اُلأُم لازِمْ إِنـّها تراعى عـِيـَالـْهـَا
بعد ما انــْـفــُـك العقد إللى ف خيالها
يعنى تعمل زى ما بـِـنـْـقـُـولــِّها
مش كما طبيعتها أو من قلبها
فلقد ثبتْ: إن الـعُـَقدْ “وِحـْشـَةْ قوى”!!.
هـَذَا الذى قد أَظـْهـُرُه الـْبـَحـِثِ الـفُلاَنـِى،
”لمّا عدّ التانى ساب الأوَّلانى”.
ثم أوْصَى: “أنْ يكون الكــلْ عالْ.
إذْ لابـُدْ انّ الـُكوَيـِّسْ:
هـُوَّا أحـْسـَنْ مـِالَّذِى مـُا هـُوشْ كُوَيـِّسْ.
إمـَّاِل ايـِهْ؟”
[هذا برنامج “عفاف هانم”،
بـتسأل حضرة الدكتور فلان ]
أرجو اعتبار أن مثل ذلك، وايضا ما سوف يرد فى الفقرات التالية، هو نوع من النقد الذاتى أكثر منه نقدا لأى من الزملاء. هذا تقديم واجب، فكل الأدوار التى انتقدت فيها الطبيب النفسى هى أدوار تصورتُ أننى قمت بها شخصيا فى مرحلة من مراحل ممارستى لمهنتى، مع أننى أحمد الله أن ذلك كان نادرا فى الواقع، لكن منعا للحرج أرجو اعتباره بمثابة نقد ذاتى أساسا، لا أعنى به المهنة ذاتها ولا أى من الزملاء، فالقضية فى تصورى ليست قضية تجريح لبعض الاتجاهات، ولكنها خبرة شخصية أساسا، فإذا استيقظ ما يقابلها فى نفوس بعضهم، فهذه مسئوليتهم، والذى يحكم فى ذلك أولا وأخيرا هو الوعى والمسؤولية، ومادامت مسيرة التطور الفردى ليست قانونا واحدا ملزما لكل الناس، فليتوقف من يشاء حيثما شاء، ويظل الفرد هو المسئول أولا وقبل كل أحد عن اختياره.
ربما الذى شحذ بصيرتى فأفادنى عبر تجربتى الطويلة هو أننى مارست أغلب أنواع الطب النفسى المتاح عبر أربعين عاما (ستين عاما الآن 2018) بحماس وإيمان فى كل مرحلة، فأصابنى من كل ذلك ما أصابنى، ومن ذلك تلك المرحلة القصيرة التى تعاملت فيها مع المخ البشرى كأنه آلة مصقولة متقنة، وهى الصورة التى أتصور أنها الغالبة فى كثير من ممارسات هذه المهنة حين يصفها المتن بفقرة تقول:
الطبيب أصبح مهندسْ للعـُقـَولِ الـَبايْـظَهْ
هذا ما يحدث إذا ما تعامل الطبيب مع العقل البشرى كنموذج هندسى ميـْكنى، لا أكثر، ولقد تراجعت عن نقد أنه نموذج حاسوبى (كما جاء فى هوامش الطبعة الأولى) بعد أن تعرفت على الحاسوب الأحدث أكثر فأكثر، فالتعامل مع الإنسان (والمخ البشرى) كآلة ميكانيكية كمية، غير التعامل معه كحاسوب حديث، ناهيك عن كونه كيانا بشريا أكثر تعقيدا، وأرسخ تاريخا ([4])
أما أن الطبيب بدأ مؤخرا يلعب دورا غير التطبيب، ليصبح مهندسا للعقول السليمة (واللى برضه اتصلحت) فهى إشارة إلى دور الطبيب النفسى فى المجتمع الأوسع مفتيا إعلاميا متداخلا أكثر من اللازم فيما لا يقع تحت مظلة تخصصه.
الفقرة التالية كلها تنتقد الدور الإعلامى للطبيب النفسى، والشائع أننى من أكثر من يمارس هذا الدور، وبرغم تحفظى على هذا الشائع إلا أننى أرى أن ذلك أفضل من أن يظن الناس أننى أهاجم غيرى.
أول ما انتبهت إلى هذا الدور الخاص للطبيب النفسى كان فى الستينات، وكان أحد الزملاء راجعا من الخارج، وله كاريزما خاصة، وذكى، وعالم، وحاضر، وجاهز، وكان هناك برنامج اسمه “نجمك المفضل” على ما أذكر، تقدمه ليلى رستم (أو ربما أمانى ناشد، لست متأكدا)، وكنت أتصور من اسم البرنامج أن النجم لا بد أن يكون نجما سينمائيا على الأقل، وإذا بى أفاجا بهذا الزميل الفاضل، يقول كلاما مهما فى كل شىء، كان حاضرا وطيبا ومفيدا وملما بدوره إلماما كافيا، ولم أجد فى نفسى اعتراضا جاهزا، أو غيرة خفية، فى أن يقوم زميل طبيب نفسى لامع بهذا الدور المفيد، وحين جاءت دعوة لى للإسهام فى مثل هذا الدور الإعلامى، لم أجد فى نفسى مميزات زميلى هذا، فناقشت الإعلامى الطيب الذى عرض علىّ فكرة التوعية الوقائية للمشاهدين، المرحوم فؤاد شاكر (الذى تخصص بعد ذلك فى الإعلام الدينى)، عرضت عليه ألا يقتصر البرنامج على الصحة النفسية، وأن الأفضل أن نقدم معلومات علمية أساسية مفيدة يتعرف الشخص العادى من خلالها على “ما ومن هو الإنسان”، لعلنا نعرّف الناس ماهية التركيب البشرى المجهولة لدى أغلبهم، فاقتنع وجعل اسم البرنامج “الإنسان ذلك المجهول” (نفس الاسم الذى استعمله الفيلسوف الأمريكى ألكسيس كارليل)، وفعلا قدمنا سلسلة من الحلقات، تحت هذا العنوان “الإنسان ذلك المجهول”، تناولنا فيها جوانب ثقافية علمية طبية عامة وخاصة مثل: العلاقة بين الوراثة والتنشئة، و”حكمة الجسد” فى علم الفسيولوجيا (علم وظائف الأعضاء)، إلى أن وصلنا إلى العلاقات البشرية (اختصاص الطب النفسى) بشكل أو بآخر.
منذ هذا التاريخ فى أوائل الستينات، وحتى حين قبلت أن أقدم البرنامج الأحدث “مع الرخاوى”، فى قناة جديدة اسمها “أنا“، (من تاريخ 5-6-2007 إلى 17-11-2007) وهو برنامج يهدف إلى نقد القيم السائدة، وإعادة التعرف عليها، وأنا أحاول ألا أعتذر عن أداء دورى الإعلامى هذا، وفى نفس الوقت ألا أنساق لما أنتقده الآن.
ما بين هذين التاريخين وبعدها لم أرفض أن أشارك فى برنامج إذاعى أو تليفزيونى إلا نادرا، وأحيانا وصل بى رفضى لما أنتقد الآن أن انسحبت من برنامج كان يذاع على الهواء، أذكر أن البرنامج كان اسمه “ماسبيرو”، ولعل اسم المقدمة الفاضلة كان “شافكى”، وكانت الحلقة على الهواء عن “أعداء النجاح” حدث فيها – رغما عن المقدمة ربما بسبب طيبتها – ما لم أتمكن من مواصلة البرنامح للإسهام فى تصحيح ما قاله أحد الضيوف “الناجحين” افتخارا بإنجازات سيئة وصفها بأنها علمية!! ولما افتقدت فرصة التصحيح وهو ما تصورت أنه لا يجوز أن يصل إلى الناس فى وجودى هكذا، حيث إن بقائى كان يعنى أننى مشترك بشكل غير مباشر فيما يقال، ويضر (من وجهة نظرى)، احتججت فى نفسى وقررت الانسحاب، وزعمت أننى قد أصابنى طارئ صحى أثناء التسجيل، وانسحبت فعلا – على الهواء – أمام كل المشاهدين، وانتهت المهمة وأنا فى حيرة: إذن لماذا أقبل الإسهام فى هذه التغطية الإعلامية هكذا “عمال على بطال”؟!!
فيما عدا مثل هذه الحادثة النادرة، لا أذكر أننى اعتذرت بلا عذر حقيقى، كنت أذكر قول أفلاطون فى مقدمة الجمهورية، (من الذاكرة) أن عقاب من يتخلى عن مسؤولية الريادة أو القيادة أو التوجيه العام، هو أن يتولى الأمر من هو أقل فائدة وربما أضر أثراً ليس معنى هذا أن زملائى أقل قدرة على الترشيد والتثقيف والتوعية، لكن هذا كان هو التبرير الذى أقنع به نفسى معظم الوقت.
كل هذه المقدمة وجدتها ضرورية قبل أن أعود إلى المتن والشرح؛ لأن المتن فيه سخرية لاذعة – مرة أخرى – أرجو ألا تصيب إلا شخصي.
………………….
………………….
ونواصل الأسبوع القادم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يحيى الرخاوى: (2018) كتاب “فقه العلاقات البشرية (1) (عبر ديوان: “أغوار النفس”) “العلاج النفسى (مقدمة) بين الشائع والإعلام والعلم والناس”، الناشر: جمعية الطب النفسى التطورى.
[2] – يحيى الرخاوى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” مجلة فصول – المجلد الخامس-العدد الثانى-1985. www.rakhawy.net
[3] – تطور التنظير من واقع الممارسة بعد ذلك فوضعت فروضا من منطلق الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى باسم حالات الوجود المتبادلة (الخمس) وهى الفروض التى تعتبر أن الإنسان فى حركية إيقاعه الحيوى دائم الانتقال انطلاقا من حالة التوليد الأساسية والحالة المفترقية) إلى أى من حالة العادية باحتمال فرط حالة العادية على ناحية، أو إلى حالة الإبداع واحتمال الجنون على الناحية الأخرى وهكذا باستمرار وأن ظهور أو اختفاء أى من هذه الحالات ليس لازما للاعتراف بها، فهى تتوالى طول الوقت ولا يظهر منها على السطح إلا ما يغلب فى وقت بذاته لفترة بذاتها (انظر التفاصيل) إن شئت فى حالات الوجود المتبادلة نشرات الإنسان والتطور مثلا: (نشرة 25-6-2016( و(نشرة 25-6-2016) و(نشرة 25-6-2016) www.rakhawy.net
[4] – وقد أفادنى مؤخرا قياس عمل جلسات تنظيم الإيقاع (المسماة خطأ: الصدمات الكهربية) بفكرة “إعادة تشغيل” الحاسوب الأحدث، فأصبح نموذج الحاسوب أبعد عن الميكنة، وأقرب إلى التركيب التقنى الهادف المنظـِّم تلقائيا وبفعل فاعل غير ما سبق من أجيال الحاسوب المتتالية، فالحاسوب يعيد تنظيم نفسه، فيصبح أقرب إلى المخ الذى يعيد بناء نفسه باستمرار.
اذا لم تستطع ان تخوض غمار الخروج من حدود جسدك فانت حتما لم تعش لحظة واحدة.
الوعي بالحرية يبدأ من حتم الخروج من ابعاد ما يسمي العقل .
اقصي ما يستطيعه ما يعرف بالعقل هو تطويع لغة لا يفهمها الا السجناء.
خلق الله الحرية كاكبر ابتلاء للبشر ليخوضوا اروع اختيار لقداسة لغز الحياة
الحياة/ الحرية اروع من ان تحاط بابعاد حدود مصطنعة حتما.
من ذاق الحرية هو من تمسك بكل اهداب الحياة خارج القوانين التي وضعها سجناء من ظنوا انهم احياء.