الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (37) الاضطرابات الوجدانية: كمِّـيا (2) ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (37) الاضطرابات الوجدانية: كمِّـيا (2) ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد : 2-11-2014    

السنة الثامنة

العدد: 2620

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسيةالفصل الخامس:    

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (37)

 اضطرابات الوجدان (العواطف) (3)

الاضطرابات الوجدانية: كمِّـيا (2)

ثانيا‏: ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏:‏

استهلال:

بعد أن اكتفينا بما قدمنا بالنسبة لفرط الانفعالات السارة، كان المتوقع أن ننتقل إلى عكسها فنتكلم  عن فرط الانفعالات الحزينة، لكننا نبهنا مرارا إلى أن المسألة ليست بهذا الاستقطاب، فليس كل ما هو عكس السر ورد، محزن، فثم انفعالات شديدة الإيذاء بالغة الإعاقة، وهى ليست بالضرورة تمثل الحزن، وفيما يلى بعض ذلك:

بدأ‏ ‏استعمال‏ ‏‏ ‏تعبير “عسر‏ ‏الانفعال‏” ‏مؤخرا، وهو تعبير لم أرتح له من البداية، وهو ترجمة 2-11-2014_1شبه حرفية لكلمة Dysthymia  حيث‏ ‏يقصد‏ ‏بها‏ ‏الإشارة‏ ‏إلى ‏الانفعالات‏ ‏غير‏ ‏السارة‏ (أو‏ ‏ضد‏ ‏السارة)، ‏وهذا‏ ‏التعبير‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏الشعور‏ ‏الذاتى ‏بالألم‏ ‏النفسى ‏الداخلى، ‏وعدم‏ ‏الرضا‏، ‏كما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏عدد‏ ‏من‏ ‏الانفعالات‏ ‏الدالة‏ ‏على ‏ذلك‏. ‏ومعظم‏ ‏هذه‏ ‏الانفعالات‏ ‏توصف‏ ‏عادة‏ ‏بالانفعالات‏ ‏المؤلمة‏ ‏أو‏ ‏المؤسفة‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏السليمة ‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏السارة‏. ‏

يبدو أن التعبير بالإنجليزية مشتق قياسا من تعبيرات أخرى فى الجهاز الهضمى مثل Dyspepsia أو الجهاز التنفسى Dyspnia  ، وهو ما لا نجد فيه صعوبة فى الترجمة إلى  عسر هضم، أو عسر تنفس، وإن كانت الأخيرة أقل استمالا، هنا تقفز إلينا مشكلة الترجمة من جديد، دعونا نتصور مريضا يأتى لطبيب، ويسأله الطبيب: مم تشكو؟ فيجيب “عندى عسر انفعال، او تعسر فى العواطف” ، أظن أن من يعرف كيف يشكو مرضانا سوف يضحك من هذا التعبير، لكننى اخشى مع كثرة تداوله أن يتعلمه المرضى كما تعلموا تعبير “عندى اكتئاب”، بدلا من “أنا حزين، أو مهموم، أو عندى غم أزلي، أو متنيل بستين نيلة”، والألعن: مثلما تعلموا “عندى باى بولار، أو ثنائى القطب”، ولكى يتقبل القارئ اعتراضى، تصور حبيبا يجلس مع حبيبته، ويريد أن يعبر لها عن ضيقه، أو ألمه ، أو غمه، فيقول لها “أنا النهاردة عندى عسر انفعال”، أظن انها لو كانت خفيفة الظل سوف تأتى له بـ “فوّار” عواطف، مثلما تأتى له بـ فوار هضم إن كان يشكو من “عسر الهضم”.

إذن ما العمل؟

والله لا أعرف، أظن أن الأفضل ألا نجمع كل هذه العواطف الشائكة أو المزعجة تحت عنوان واحد مهما كنا مضطرين للسير قدما فى التقييم الكمى، ومع ذلك فدعونى أكتب عددا مما أتصوره كذلك بالعامية المصرية، استلهاما مما يصلنى من مرضاى مما تصورت أنه يصف ما يقصدون، وإليكم هذه المحاولة:

حاسس إنى مش تمام، مزاجى مش مضبوط،، طهقان، قرفان، متضايق،  من كله ، متوتر ، متوتر جامد، قلقان، قلقان على طول، مش على بعضى…إلخ

يكفى هذا

لابد من التذكرة بأن  كل هذه التعبيرات، إذا تحركت فى حدود ما ذكرنا أنه السواء، فلا ينبغى اعتبارها أعراضا مرضية أصلا، وبرغم أننا أكدنا على تلك الحدود عليها الأسبوع الماضى فإنى أفضل تكرارها – مختصرة – كما يلى:

 تكون أية عاطفة سليمة حسب:

1) تناسبها مع المثير لها،

2) تأثيرها الفاعل الذى تقوم به

3) مدى تحقيقه لهدف ما ينتظر منها إيجابيا

4) تناسب توقيت ظهورها واختفائها مع واقع مثيراته، وزواله أو تغييره

فإذا ما تجاوزت أى من العواطف التى سوف نذكرها لاحقا فرادى أو فى مجموعات أى من هذه المعايير اعتُبِرت عرضا، ( قد نفكر معا فى إعادة تقسيم محتملة بعد الانتهاء من العرض بهدوء وصبر لمن يصبر معنا).

(1) ‏الانفعالات‏ ‏العسرة‏ ‏بشكل كلّى‏:‏

‏(1) ‏مزاج‏ ‏عسر‏: برغم اعتراضى الذى قدمته حالا، إلا أنى مضطر أن أقبل السائد طالما ليس ع2-11-2014_2ندى بديل، صحيح أننا قد لا نستعمل هذا التعبير الغريب على ثقافتنا (عندى عسر انفعال ولا مؤاخذة)، إلا أننى سأستعمله احتراما لوجوده فعلا، إلى أن نجد أو ننحت لفظا أكثر تناسبا مع ثقافتنا.

‏هذا المصطلح باستعماله الأحدث، إنما يثير‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الشعور‏ ‏العام‏ ‏بعدم‏ ‏الارتياح أو‏ ‏بعدم‏ ‏الرضا‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏نوع‏ ‏محدد‏ ‏من‏ ‏الانفعالات‏ ‏المتميزة‏ ‏مثل‏ ‏الاكتئاب‏ ‏أو‏ ‏النزق‏ ‏أو‏ ‏القلق‏ ‏ويصف‏ ‏المريض‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏بأقوال‏ ‏مثل‏: ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏مبسوط‏، ‏مش‏ ‏تمام‏، ‏الموود (ولامؤاخذة) بتاعى ‏ ‏مش‏ ‏ولا بد‏، (ولك عزيزى القارئ أن تختار مما ذكرنا حالا ما تشاء، وتضيف إليها ما تشاء بشرطين: الأول:  ألا يتفق مع ما سيرد عن أى واحد من الانفعالات العسرة غير السارة الأخرى (مثل القلق الاكتئاب النزق ..إلخ) الثانى: أن يتجاوز حدود السواء التى ذكرناها حالا، وفى نفس الوقت فالدعوة عامة لاقتراح أى اسم ترونه مناسبا من واقع الخبرة والثقافة).

(2) ‏المزاج‏ ‏النزق Irritable mood‏:

‏يصف‏ ‏النزق:  (1) 2-11-2014_3حالة‏ ‏من‏ ‏عدم‏ ‏الاستقرار‏ ‏الحركى ‏عادة‏، ‏ولذلك‏ ‏استعملنا‏  كلمة ‏نزق‏ ‏من‏ ‏الخفّة‏ ‏والطيش‏، ‏وقد‏ ‏يسمّى ‏هذا‏ ‏أحيانا‏ ‏زعزعة‏، ‏وحين‏ ‏يصف‏ ‏النزق‏ ‏المزاج‏ ‏أساسا‏ ‏فإنه‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏سرعة‏ ‏الاستثارة‏ ‏وسهولة‏ ‏الغضب‏. ‏ويرتبط‏ ‏هذا‏ ‏المزاج‏ ‏بعتبة‏ ‏أدنى ‏من‏ ‏التحمل‏.

(3) ‏التوتر:

‏ وهو‏ ‏شعور‏ ‏عميق‏ ‏بدرجة‏ ‏من‏ ‏الشد‏ ‏الداخلى ‏مع‏ ‏عسر‏ ‏انفعالى ‏عام‏ ‏واستعداد‏ ‏متحفظ‏ ‏لفعلنة‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏النزق‏ ‏أوالغضب‏ ‏أوالقلق، على أن الكثير من مرضانا بصفة خاصة يتكلمون عن التوتر دون ذكر القلق، وأيضا دون تفعيله فى نزق، والأرجح عندى أنهم يقصدون هذه الحالة من الشدّ الداخلى، أكثر من إشارتهم إلى مخاوف محددة، أو شكوا2-11-2014_4هم، أو شكوى من إليهم من تصرفات خارجة أو فجائية، وهو‏ ‏شعور‏ ‏عميق‏ ‏بدرجة‏ ‏من‏ ‏الشد‏ ‏الداخلى ‏مع‏ ‏عسر‏ ‏انفعالى ‏عام‏ ‏واستعداد‏ ‏متحفظ‏ ‏لفعلنة‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏النزق‏ ‏أوالغضب‏ ‏أو القلق على أن الكثير من مرضانا بصفة خاصة يتكلمون عن التوتر دون ذكر القلق وأيضا دون تفعيله فى نزق، والأرجح عندى أنهم يقصدون هذه الحالة من الشدّ الداخلى، أكثر من إشارتهم إلى مخاوف محددة، أو شكواهم، أو شكوى من إليهم من تصرفات خارجة أو فجائية، ويكاد يكون هناك إجماع على أن التوتر هو عكس الطمأنينة كما يشاع عنها فى التسكين الطبى والدينى أحيانا، وأعتقد أن مبالغتنا فى رفع قيمة الطمأنينة بالمعنى الساكن  وكأنها غاية المراد، وهدف التداوى النفسى، والتحليل النفسى، وتمام التدين، هذه المبالغة هى فى الأغلب التى جعلت عكسها التوتر بأى درجة (حتى لو لم يتجاوز المواصفات السابق تحديدها) عرضا متواترا فى مجتمعاتنا طول الوقت،

ملحوظة:  ‏إن استعمالنا‏ ‏كلمة‏ “‏مزاج”‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏النزق‏ ‏والعسر‏ ‏ ‏ ‏إنما ‏ ‏يعنى ‏ضمنا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الانفعالات‏ ‏هى ‏ممتدة‏ ‏عادة‏، إلى ما يبدو سِمَة للشخصية، وإن ظهرت فى صورة عرض عند الاستشارة عادة.

‏(4) ‏الغضب‏:

عادة ما تستعمل ‏ ‏كلمة‏ ‏الغضب‏ ‏أكثر ‏ ‏فى ‏الأحوال‏ ‏العادية، ‏ ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏زاد‏ ‏الغضب‏ ‏عن‏ ‏ما‏ ‏يتطلبه‏ ‏المثير‏ ‏بدرجة‏ ‏واضحة‏، ‏وإذا‏ ‏توجه‏ ‏إلى ‏غير‏ ‏مصدر‏ ‏الإثارة‏، ‏واستمر‏ ‏بشكل‏ ‏واضح‏، ‏فإنه‏ ‏يصبح‏ ‏عرضا‏ ‏مرضيا‏. ‏وقد‏ ‏يحدث‏ ‏الغضب‏ ‏بشكل‏ ‏شديد‏ ‏العنف‏ ‏وبلا‏ ‏سابق‏ ‏إنذار‏ ‏أو‏ ‏أدنى ‏مسبب‏ ‏و‏ ‏نطلق‏ ‏على ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏سورة‏ ‏الحنق‏ ‏أو‏ ‏الاحتدام‏ (‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏سنرجع‏ ‏إليه‏ ‏حين‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏تعرية‏ ‏الانفعالات‏ ‏البدائية‏).‏

ولا أجد أكثر تحديدا لعاطفة الغضب بين السواء والمرض، بل والثورة (الإبداع الجماعى) مما جاء فى أرجوزة الغضب التى كتبتها للأطفال، ولا أملك إلا أن اعيدها هنا برغم أننى نشرتها منفضلة فى إحدى النشرات، وها هى ذى، لعلكم تعذرونى:

1-

الغضب من حقَّى برضُهْ،2-11-2014_5

الغضبْ مِشْ كلُّه يعنى زى بعضُهْ.

ما هو لازم إنى أغضبْ،

لما يحصل إِللىِ يِـِغـْضِبْ.

 

-2-

 الغضبْ للحق واجبْ2-11-2014_6

الغضب مع بعض ضدّ المفترى،

 يبقى ثورة ضد ظالمْ،  ضد غاصبْ.

-3-

بس يعنى،

لو غَضَبْ كده والسلامْ

زى كورهْ فرقعتْ، لما شاطها الجون قوامْ

بعد ما دخلت شبكـْتُـهْ

راح عاملها يدارى خيبتـُهْ

يبقى مش هوّا اللَّـانا قصدى عليه،

نعمل ايه؟!!!!

-4-

لمَّا نغضب ننتبه: إمتى، وإيه،

ضد مين؟ ولْحدّ فينْ؟ وبكامْ،  وليهْ؟

لما تغضبْ وانتَ مش قادر تحس،

 باللى جنبك.

يعنى تتفجر وبسْ،

باللى عندك،

تبقى باظت حسبتكْ، مهما حاولت

يبقى طاش سهمك ياريتك ما غضبت

-5-

لمّا ازعّق وي خلاص دا مش غضبْ

دا ساعات يمكن يكون قلّـة أدبْ

لما باغضب وانفجرْ، مش  باجمّع يا خسارة،

يفلت المعيار كإنى وحش كاسر لسه طالع من مغارة2-11-2014_7

بانسَى نفسى، …. بالـْغِـى حِسّى

يجروا منّى،……….ألقى إنّى:

مرمى منبوذ غَصْب عنى

 

-6-

إنما غضبى اللى هوَا، .. لسّه جوّهْ،

ده يا خويا حاجه تانيه، بس “هوّه”.

آه دا  لو وجّهنا طاقته ناحية اللى يستاهلها

راح تكون ثورة بصحيح، …بس يورثها الْعـــامِلْها

مش تروح ثمرتها للى كان  بيتفرّج علينا

واحنا نتسوح ونرضى مرة تانية باللى فينا

 –   النَّزَقُ : الخِفَّةُ والطيش في كلِّ أَمر ،  نَزِقَ الفَرَسُ : وَثَبَ ، تَقَدَّمَ بِخِفَّةٍ ،  نَزِقَ الوَلَدُ : طَاشَ ، خَفَّ سُلُوكُهُ ، نَزَقُ الشَّبَابِ : العَجَلَةُ فِي جَهْلٍ وَحُمْقٍ وَطَيْشٍ، النَّزَقُ العجلَةُ في جَهْل وحُمْق  ،نَزَّقَهُ النَّعِيمُ : أَيْ عَلَى الخِفَّةِ وَالطَّيْشِ ، والنزق: حادّ الطبع ، سريع الغضب ، أحمقُ، ونزق الطالب أو الشابّ: خَفّ وطاش :- في سلوكه

لكن هناك معنى آخر شدنى وأكمل الصورة وهو معنى الامتلاء:  نَزَقَ الإِناءُ والغدير : امتلأَ .

و نَزَقَ الإِناءَ ونحوَه نَزْقًا : ملأَه إِلى رأْسه ، ذلك لأن كثيرين ممن نصفهم بالنزق يعبرون عن موقفهم، و يبررونه بأنهم امتلأوا حتى فاض الكيل.

وقد فضلت كلمة نزق عن كلمة زعزع، لأننى وجدت أن زعزع هى بفعل فاعل:

يقال: زَعْزَعَهُ فَتَزَعْزَعَ وزَعازِعُ الدَّهْرِ : شَدائِدُهُ وَمَصائِبُهُ، وكل هذا أقل وصفا لما نريد هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *