الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف الوجدان واضطرابات العواطف (25) محاولات باكرة ومراجعات ضرورية لتعريف “الانفعال”(4)

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (25) محاولات باكرة ومراجعات ضرورية لتعريف “الانفعال”(4)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 28-9-2014

السنة الثامنة

العدد: 2585

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الخامس:    

ملف الوجدان واضطرابات العواطف (25)

محاولات باكرة ومراجعات ضرورية

لتعريف “الانفعال”(4)

تعريف قاصر وفكرة هامة

‏ ‏آن‏ ‏الأوان‏ ‏لأقدم‏ ‏آخر‏ ‏تعريف (1)‏فى ‏هذه‏ ‏المراجعة‏ ‏السريعة‏ ‏وهو‏ ‏التعريف‏ ‏الذى ‏خطر لى شخصيا حينذاك، وسجلتُه‏ ‏فى ‏مسودة‏ ‏هذه‏ ‏الأطروحة سنة 1974، ثم نشرته فى مجلة الإنسان والتطور الفصلية 1984 (2)،  ولم أرجع إليه إلا فى هذه المراجعة، وقد حرصت أن أسجله كما نشر منذ ثلاثين سنة، مهما كان موقفى منه الآن لأنه ‏يعتبر‏ ‏البداية‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أنطلق‏ ‏منها‏، ‏دون‏ ‏التزام‏ ‏بالوقوف‏ ‏عنده، هذه هى طبيعة الاشياء!! (وطبيعتى بشكل خاص).

نص التعريف

‏(.3) “‏الانفعال‏ ‏هو وظيفة‏ ‏دوافعية‏، ‏بدائية‏ ‏نسبيا‏، ‏تثير‏ ‏الكائن‏ ‏تجاه‏، ‏أو‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏، ‏مؤثر‏ ‏بذاته‏، ‏خارجىّ ‏فى ‏العادة‏، ‏ولكنها‏ ‏احيانا‏ ‏ما‏ ‏تبدو‏ ‏كاستجابة‏ ‏لمثير‏ ‏داخلى ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ظاهرا‏ (‏للوعى) ‏أو‏ ‏خفيا‏ (‏فى ‏وعى ” ‏آخر‏” (‏مستوى ‏آخر‏) (3)

وكلما‏ ‏كانت‏ ‏هذه‏ ‏الوظيفة‏ ‏مستقلة‏ ‏عن‏ ‏غيرها‏ ‏كانت‏ ‏أكثر‏ ‏بدائية‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أنها‏ ‏كلما‏ ‏ارتبطت‏ ‏مع‏ ‏الوظائف‏ ‏العقلية‏ ‏الأعلى ‏كانت‏ ‏أكثر‏ ‏رقيا‏ ‏وأكثر‏ ‏تدخلا‏ ‏وإمّحاء‏، ‏حتى ‏تصل‏ ‏بالتصعيد‏ ‏الولافى ‏الى ‏مرحلة‏ ‏تختفى ‏فيها‏ (‏نظريا‏) ‏تماما‏ ‏كنشاط‏ ‏مستقل،‏ ‏فلا‏ ‏تصبح‏ ‏الا‏ ‏شحنة‏ ‏المعنى ‏لمصاحباتها‏، ‏وبخاصة‏ ‏التفكير‏. ‏

ى‏. ‏الرخاوى 1974‏

وقد أوردت بعد نشر نص هذا التعريف هكذا، رأيى فيه، بنفس الطريقة التى أبديت بها رأيى فى التعريفات التسع وعشرين السابقة، وهو ما سوف أثبته هنا  بعد تعديلات يسيرة، كتبت:

نلاحظ‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏أنه:

 (1) ‏جعل‏ ‏الانفعال‏ ‏وظيفة‏ ‏دوافعية‏ ‏وليس‏ ‏مجرد‏ ‏استجابة‏ ‏تكيفية‏، ‏ووصفه بأنها دافعية هو أقرب إلى‏ ‏فكر‏ ‏واضع‏ ‏التعريف‏ ‏آنذاك، من‏ ‏حيث‏ ‏تأكيده‏ ‏على ‏وجود‏ ‏الطاقة‏ ‏أساسا‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏تركيب‏ ‏حيوى ‏ثم‏ ‏نيورونى ‏قابل‏ ‏للإطلاق‏ ‏دوريا‏ ‏وتلقائيا‏، ‏أو‏ ‏بناء‏ ‏عن‏ ‏استثارة‏ ‏موقفية‏، أما أنها بدائية فهو اختزال للظاهرة (عند أولى خطواتها التطورية)

(2) ‏أنه‏ ‏جعل‏ ‏المؤثر‏ ‏المتعلق‏ ‏بالانفعال‏ ‏داخليا‏ ‏أو‏ ‏خارجيا‏، ‏ظاهرا‏ ‏للوعى ‏أو‏ ‏خفيا‏ ‏عنه‏

(3) ‏أنه‏ ‏حدد‏ ‏ارتباطا‏ ‏عكسيا‏ ‏بين‏ ‏مدى ‏تحديد‏ ‏الانفعال‏ ‏كوظيفة‏ ‏مستقلة‏ ‏ومدى ‏ارتباطه‏ ‏بوظائف‏ ‏عقلية‏ ‏عليا‏ ‏أخرى، (‏وليس‏ (‏فقط‏) ‏بانفعالات‏ ‏أخرى)

(4) ‏وأخيرا‏ هو ‏قد‏ ‏أشار‏ ‏الى ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏ثمة‏ ‏انفعال‏ ‏بالمعنى ‏المستقل‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏المراحل‏ ‏الأدنى ‏من‏ ‏التطور‏ ‏مفترضا‏ ‏أنه‏ ‏سيلتحم‏ ‏بالوظائف‏ ‏الأرقى ‏لدرجة‏ ‏الاختفاء‏ (‏نظريا‏) ‏حين‏ ‏يصبح‏ ‏بمثابة‏ ‏المعنى ‏القادر‏ ‏على ‏الحفز‏ ‏والابداع‏، ‏ويظهر‏ ‏هذا‏ ‏أكثر‏ ‏وضوحا‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏الإبداع ‏ ‏خاصة‏.

‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏نأخذ‏ ‏على ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏أنه‏ ‏كاد‏ ‏لايفرق‏ ‏بين‏ ‏الانفعال‏ ‏والدوافع‏، ‏وأنه‏ ‏كاد‏ ‏ينكر‏ ‏الانفعال‏ ‏فى ‏شكله‏ ‏المستقل‏ ‏كوظيفة‏ ‏راقية‏ ‏فى ‏ذاتها‏، ‏اللهم‏ ‏الا‏ ‏اذا‏ ‏اندمجت‏ ‏حتى ‏الامّحاء‏ ‏فى ‏تركيب‏ ‏أعلى، ‏وكأنه‏ ‏يقول‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏ ‏أن‏ ‏الكائن‏ ‏البشرى ‏حين‏ ‏يصل‏ ‏الى ‏ذروة‏ ‏تكامله‏ ‏ونموه‏ “لا‏ ‏ينفعل‏” (مستقلا) ‏بالمعنى ‏الشائع‏. ‏

وقد انتهيت بعد التعقيب إلى خلاصة تقول:

…….

‏”….. ‏ما‏ ‏دام‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏، ‏فقد‏ ‏يفيد‏ ‏فصل‏ ‏الظاهرة‏ ‏الى ‏ظواهر‏ ‏متعددة‏، ‏على ‏مراحل‏ ‏متعددة‏، ‏قد‏ ‏يمكن‏ ‏تحديد‏ ‏كل‏ ‏منها‏ ‏بدرجة‏ ‏آمنة، وبالتالى تكون ‏ ‏المحاولات‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏الظاهرة‏ ‏من‏ ‏منظور‏ ‏تطورى ‏قد‏ ‏تسهم‏ ‏ايجابيا‏ ‏فى ‏حل‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ ‏المشكلة‏.

ثم إنى ألحقت هذا التعقيب بمزيد من التركيز على الجديد فى هذه المحاولة، بدءا من أن هذه الوظيفة تبدأ  كوظيفة  ‏بيولوجية‏ ‏تكيفية‏ ‏ضرورية‏ ‏لحفظ‏ ‏الحياة‏: ‏فردا‏ ‏ونوعا، وأنها تلقائية جاهزة  ‏تنبع‏ ‏من‏ ‏الداخل‏ ‏المرتبط‏ ‏بطبيعة‏ ‏تركيب‏ ‏الكائن‏ ‏الحى ‏مع‏ ‏اعتبار‏ ‏اختلافات‏ ‏النوع‏ ‏وتغيره‏، ‏وتتحدد‏ ‏أشكالها‏ ‏بالمؤثر‏ ‏الخارجى ‏والداخلى ‏ومختلف‏ ‏الترابطات‏، كما أنها ‏تتنوع‏ ‏باستمرار‏ ‏ارتقاء‏ ‏الكائن‏ (‏فردا‏، ‏ونوعا‏)، ففي ‏المراحل‏ ‏الأولى ‏تبدو‏ ‏دفاعية‏، ‏آلية‏، ‏تفاعلية‏ (إنفعالية)، ‏غير‏ ‏مميزة‏، ‏سواء‏ ‏وصلت‏ ‏الى ‏الوعى ‏أم‏ ‏لا‏ (‏لدرجة‏ ‏أنها‏ ‏فى ‏أدنى ‏مراتبها‏ ‏ليست‏ ‏سوى ‏الإثارة‏ ‏البيولوجية‏ ‏لبروتوبلازم‏ ‏الخلية‏ ‏الواحدة‏)، وكلما‏ ‏صعدنا‏ ‏على ‏سلم‏ ‏التطور‏ (‏نمو‏ ‏الفرد‏ ‏أو‏ ‏تطور‏ ‏الحياة‏) ‏أصبحت‏ ‏هذه‏ ‏الطاقة‏: ‏فى ‏متناول‏ ‏الوعى، ‏وجزءا‏ ‏من‏ ‏لغة‏ ‏التواصل‏ ‏بالتعبيرات‏ ‏الحركية‏، ‏ثم‏ ‏اللفظية، و‏بمزيد‏ ‏من‏ ‏التطور‏ ‏والالتحام‏ ‏بالموضوع‏ ‏والفكر‏ ‏تتصنـّف‏ ‏الى ‏نوعيات‏ ‏متميزة‏ ‏مركبة‏، ‏تظهر‏ ‏فى ‏وساد‏ ‏الوعى ‏عادة‏، ‏مع‏ ‏مصاحباتها‏ ‏الأخرى، ‏ويمكن‏ ‏بدءا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ (‏وربما‏ ‏المرحلة‏ ‏السابقة‏ مباشرة ) ‏أن‏ ‏تسمى “عواطفا‏”، وبمزيد‏ ‏من‏ ‏التطور‏ ‏يصعب‏ ‏أن‏ ‏تنفصل‏ ‏العاطفة‏ ‏عن‏ ‏مصاحباتها‏ ‏الفكرية‏ (‏وخاصة‏ ‏صياغتها‏ ‏الرمزية‏) ‏أو‏ ‏حفزها‏ ‏الإرادى ‏نحو‏ ‏الفعل‏ ‏المناسب‏، فيستمر‏ ‏التقارب‏ ‏تكاملا‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏المحاور‏ ‏الثلاثة‏: (‏أ‏) ‏الانفعال‏ / ‏العواطف‏، (‏ب‏) ‏والتفكير‏، (‏ج‏) ‏والفعل‏ ‏الارادى، ‏حتى ‏تتداخل‏ ‏فى ‏ولاف‏ ‏يصعب‏ ‏فصل‏ ‏مكوناته‏، وحين‏ ‏يتم‏ ‏التحام‏ ‏طاقة‏ ‏الانفعال‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏الشحنة‏ ‏الحافزة‏ ‏الكامنة‏ ‏فى ‏مضمون‏ ‏اللفظ‏، ‏والملتزِمة‏ ‏بإثارة‏ ‏الفعل‏ ‏الإرادى ‏فى ‏حدود‏ ‏إبداع‏ ‏الواقع‏ (‏بما‏ ‏فيه‏ ‏اللغة‏)، ‏نكون‏ ‏قد‏ ‏وصلنا‏ ‏الى ‏مرحلة‏ ‏جديدة‏ ‏لا نحتاج‏ ‏فيها‏ ‏الى ‏ظهور‏ ‏الانفعال‏ ‏كنشاط‏ ‏مستقل‏، ‏إذ قد يكفى أن تشحن‏ ‏اللغة‏ (أ‏و الفكر‏)‏ ‏ ‏بالمعنى ‏بدرجة‏ ‏تكاد‏ ‏كل‏ ‏كلمة‏ (‏أو‏ ‏ما‏ ‏يعادلها‏) ‏تتميز‏ ‏بشحنة‏ ‏معناها‏ (‏التى ‏هى ‏أصلا‏ ‏انفعال ‏مستقل‏ – ‏ثم‏ ‏عاطفة‏ ‏مواكبة‏: ‏أو‏ ‏سابقة‏ ‏أو‏ ‏لاحقة‏ اندمجت فى نبض الأداة – مثل اللفظ أو التشكيل- لتفيد المعنى)، ‏وكأننا‏ ‏اذا‏ ‏ما‏ ‏وصلنا‏ ‏الى ‏مرحلة‏ ‏التميـّز‏ ‏الأقصى ‏يصبح‏ ‏معنى ‏الكلمة‏ ‏الشاملة‏ ‏لحفزها‏ ‏الإرادى ‏هو‏ ‏الجماع‏ ‏الولافى ‏لتكامل‏ ‏الوظائف‏ ‏العقلية”‏ (4)

(أنتهى المقتطف – 1984 – بعد تعديل صياغة الجزء الأخير أملا فى توضيح ضرورى)

وبعد

نحن الآن سنة 2014، وقد كتبت هذا الكلام سنة 1974، ثم نشر – تقريبا كما هو- سنة 1984، فماذا جرى بعد ذلك حتى الآن:

  • لم يصدّق أحد تقريبا أن يكون المعنى بوضعه المتكامل غنى عن عاطفة إضافية تصنفه أو تصحبه أو تدعمه، ولم يقبل معظم من عرضت عليهم الفكرة – فى ندوات جمعية الطب النفسى التطورى أساسا، ومؤتمرات محلية جامعية هنا وهناك- أن تكون بداية نشأة عواطفنا الراقية جدا – كما نحب أن نسميها- هى هذه الإثارة البروتوبلازمية الغامضة فى الخلية الواحدة، ولم أحاول أن أدافع عن وجهة نظرى، ولا أنا عندى أدوات إثباتها.
  • انتظمتُ في ممارستى مهنتى وخاصة فى مجال العلاج النفسى الجمعى، وعلاج الوسط بما يشمل الذهانيين ضرورة، فراح يصلنى باضطراد ما يدعم الفكرة الأساسية دون تفصيل، واكتشفت أن ذلك كان يتم  من خلال تنمية معرفتى أكثر فأكثر بما هية الوعى (مع عجزى مثل كل الدارسين عن صياغة ما يصلنى فيما يوضح هذه الماهية)، ولم أكن متبينا بشكل كاف علاقة ما هو وعى (بكل غموضه وأغواره وحضورة وآثاره) بما هو عواطف وبما هو  وجدان  (5)
  • لم تسعفنى المعاجم العربية بما فى ذلك لسان العرب وتاج العروس فى تمييز ما تجلّى أمامى فى الممارسة الإكلينيكة باضطراد متصاعد (دون تسمية أو توصيف)، وكان أضعف ما تضيفه هذه المعاجم هو ما تستشهد به من  المعاجم المتخصصة الأحدث، مثل معاجم “علم النفس”، وأحيانا “معاجم الفلسفة”
  • زادت معرفتى فألفتى بالعلم المعرفى العام، والعلم المعرفى العصبى بشكل شديد الإفادة والإحاطة حتى اطمأننت إلى أن العلماء الملتزمين عبرالعالم سوف يدعمونى إن آجلا أو عاجلا، وتأكد لى ذلك بعد المزيد من اضطلاعاتى على إنجازاتهم فى مجال الوعى البين-شخصى Inter-personal consciousness ، والوعى الجماعى Collective Consciousness، والنيوروبيولجيا البين-شخصية Inter-personal Neurobiology ، وغوصهم فى دراسة المواجدة empathy من خلال فهم أعمق للعصبونات المرآوية mirror neurons ، وقلت : لعله خيرا.
  • انفتحت لى آفاق هائلة وأنا ألملم أبعاد وظيفة شديدة القرب من ظاهرة العواطف وهى”الإدراك” بكل مستوياته المقابلة بشكل ما لمستويات الوعى التى لا زالت تمثل فينا حتى الآن مراحل التطور التى جمعها الإنسان – بفضل الله- فى كيانه المتراكب (إرنست هيكل)
  • رحت أتعرف من جديد على نظريات التطور مركزا على تشارلز داروين شخصا وفكرا، مستعينا بدانيال دينيت (6) وإرنست هيكل (7)وآخرين، واكتشفت ما أثبته مؤخرا فى مغزى علاقة نظرية داروين  فى أصل الأنواع وأصل الإنسان، ثم انجذابه بعد هذا وذاك إلى الكتابة عن تطور التعبير الانفعالى فى الحيوان والإنسان، وقد كتبت فى ذلك مؤخرا (نشرة 3-8-2014 ” تشارلز داروين “جاب الديب: من بؤرة وعى إيمانه المعرفى” (وليس من “ديله”).
  • واصلت استلهام كل من “مواقف النفرى”، و “تدريبات نجيب محفوظ”، وأطلقت تداعياتى منهما، وأنا أربط – رغما عنى – بين مناهج العلم المتواضعة التى نقدسها، ومصادر المعرفة المضيئة التى تنير لنا هذه المناطق البعيدة عن التناول التجزيئى، وبالذات فى مجالات الوعى والعواطف والإدراك، والإبداع، ولم أربط بشكل مباشر بين هذا وذاك خشية أن أقع فى خطإ كم نهيت عنه.
  • التزمت بالكتابة يوميا فى “موقعى الخاص” كثيرا مما يعن لى أثناء الممارسة والقراءة والمراجعة، سواء فى هذا الموضوع أو فى غيره، حتى كان كتابى “فى فقه العلاقات البشرية” والذى نشر مسلسلا فى الموقع (643 صفحة) ليس إلا دراسة عملية للعواطف البشرية من واقع العلاج الجمعى، ثم أيضا ملف “الإدراك” البالغ 586 صفحة) وأيضا بالنسبة للخبرات  التجريبية من واقع “الألعاب النفسية والمينى دراما فى العلاج الجمعى(نشرة 19-7-2008) ومع الأسوياء (نشرة 19-7-2008) مثلا فى الندوات والفضائيات، فتفتحت لى آفاق طيبة مهمة مفيدة، ولها علاقة بما وصلت إليه.

تحديث النقد الذاتى

من خلال كل ذلك أعدت النظر مرة أخرى فى التعريف السالف الذكر وتمسكت بما جاء فيه عن فكرة التدرج النمائى للانفعال انطلاقا مما هو تحرك انعكاسى بدئى إلى ما هو معنى،

لكننى تراجعت عن اعتباره “وظيفة دافعية بدائية نسبياً” وأيضا تراجعت عن اعتبارها “طاقة حيوية” تلقائية وكأنها – برغم أصلها البيولوجى تنبعث من فراغ،  فمع تمسكى بأنها طاقة وجدت أنه لزاما أن يشمل التعريف مفهوما أحدث للطاقة، ولعله هو المفهوم الذي يوصف به عمل المخ البشرى حديثا من أنه “مفعلـِن للطاقة والمعلومات  Processor of Energy & Information – وأخيراً افتقدت فى هذا التعريف القديم وبشدة إغفال دور العواطف  المعرفى سواء فى اعتمال (معالجة) المعلومات (8) أو فى التشكيل الإبداعى.

وحين حاولت أن أحدّث هذا التعريف وجدت صعوبة شديدة لأن الأمور اتضحت لى على الوجه التالى:

أولاً: لا يجوز تعريف ظاهرة لها مستويات متعددة تكاد أدناها (التهيج البروتوبلازمى العام) يناقض أعلاها (المعنى).

ثانياً: لا يجوز تعريف ظاهرة كل جزئية وتشكيل تحتويه ليكوّنها لا يمكن تعريفه منفردا تعريفا جامعا مانعا مريحا، فما بالك بالظاهرة مجتمعة.

ثالثاً: لا فائدة من التعريف فى المرحلة الحالية ودعونا نكتفى بالتعرّف عليها، وشتان بين التعريف والتعرّف.

الخلاصة والتوصية: 

يبدو أنه لا مفر من أن نبحث عن تعريف تقريبى لكل مرحلة من مراحل تطور هذه الظاهرة، ربما على الوجه التالى:

I- الانفعال: هو  تفاعل، ورد فعل، وفعل:  أول مراحل حركية الوجود الأولى إذ  يمثل برنامجا بقائيا تكيفيا تكوّن منذ بداية تاريخ التطور وقام ويقوم بوظيفته بشكل تلقائى مباشر، وهو لا يوصف بالحسن أو بالسوء، ولا ينبغى أن تُقَابَل تشكيلاته بالقبول أو بالرفض إلا بقدر نجاحه فى تحقيق التكيف مع المحيطين، والتلاؤم مع البيئة.

IIالعواطف: هى ما يوصف به الانفعال حين تقترب هذه الحركية البقائية من الوعى الظاهر، 28-9-2014_1تقترب وتظهر أو لا تظهر فى السلوك، لكنها تصل لمن يعيشها من الأحياء الأعلى على سلم التطور، بمعنى أنه مع ظهور الوعى بالوعى تصل هذه الحركية إلى صاحبها بدرجة ما، حتى ولو لم تظهر فى السلوك الظاهر، وهى أحوال  قادرة على التواصل مع وعى آخر مشارِك إذا كان الوعى البينشخصى نشطاً، ويتم ذلك أيضا دون شرط أن تظهر فى السلوك التعبيرى الظاهر.

IIIالمشاعر: (9) أحيانا تسمى العواطف مشاعرا إذا اقتربت أكثر من الوعى الظاهر، وظهرت أكثر فى التعبير السلوكى (الوجه، الجسد، والعيون…الخ) وأمكن تسميتها بأسماء متفق عليها أحيانا، ولو بالتقريب.

IVالوجدان: يشير عادة إلى المرحلة الأكثر عمقا وأكثر تكاملا وأكمل جدلا بين العواطف وبعضها، وبين العواطف وغيرها من الوظائف الأخرى المتكاملة معها، وهى تصل إلى وعى الشخص بقدر ما تشع منه، فى تكاملها  مع الوظائف الأخرى إذ تشارك فى برمجة المعلومات واعتمالها وفى تنشيط الوعى البينشخصى والجمعى.

Vالمعنى: وهو كما جاء فى التعريف القديم ومناقشته، لم يتغير.

 

[1] – تجنبت أن أورد ما ظهر قبل ذلك تحت اسمى من تعاريف أخرى لم تكن سوى ترجمة لما هو سائد فى مراجع أجنبية، وفى أحسن الأحوال كان اقتطافا محورا  بتردد، حيث ظهرت تلك التعريفات فى كتب مدرسية (تدريسية)  أساساً وليست نتاج دراسة خاصة، ونفس هذا السبب هو ما دعانى إلى تجنب اقتطاف تعاريف الانفعال كما وردت فى ما وقع تحت ناظرى فيما نشر حديثا للزملاء بالعربية، حيث رجحت أنها، اجتهادات “ترجمية” أيضا أكثر منها إسهامات مبدعة، وقد لا يصدق ذلك فى كل الحالات، ولكنه صادق على الأقل بالنسبة لأغلب ما كتبت “أنا” اللهم إلا الحوار الوارد فى كتاب “دليل الطالب الذكى: فى علم النفس والطب النفسى – الجزء الأول علم النفس: 168، 169، 172 ، 199 ، 200” .

[2] –  مجلة الإنسان والتطور – عدد أبريل – سنة 1984

[3]- Emotion is a motivating function، relatively primitive، that usually stirs up the organism toward or away from a particular stimulus (usually external). Sometimes it appears to be a response to an internal stimulus whether we are aware of or not (embedded in another level of consciousness).The more it is an independent function the more it is primitive. .. `while  its association with other higher mental activity denotes its higher evolutional quality which renders it less defined.  This could go on in a dialectic crescendo synthetic manner until it (theoretically) disappears altogether as an independent function to be no more than charged meaning of whatever associates، particularly thinking. ‏

‏Y. RAKHAWY. 1974‏

[4] – وهذا ما كنت أعنيه فى عنوان البحث الأول “تطور الانفعال من الإثارة البيولوجيد العامة إلى المعنى الفعل” – كما أن هذه المرحلة القصوى إنما تظهر فى الشعر، لا باعتباره نشاطا رمزيا منفصلا عن الواقع، ولكن باعتباره شحنا حافزا للألفاظ بما يغير (واقع الشاعر وواقع الحياة).

[5] –  بعد أن بدأت أفضل استعمال هذا اللفظ العربى العبقرى

[6] – دانييل دينيت: 1996 “أنواع العقول، نحو محاولة فهم الوعى”

 Daniel C. Dennet 1996 “Kinds of Minds Towards Understanding of Consciousness”

   الكتاب المترجم صادر عن “المكتبة الأكاديمية” القاهرة  2003

  – (نشرة  25-12-2007 ” أنواع العقول وتعدد مستويات الوعى ..  الطريق إلى فهم الوعى)

[7]- إرنست هيكل (أو إرنست هاينرش فيليب أوغوست هيكل)  كان فيلسوفا وعالم أحياء ألماني. قام باكتشاف الآلاف من أنواع الكائنات الحية.ومكتشف علم البيئة· قام بتقديم نظريات تشارلز داروين في ألمانيا و طور نظرية حول أصل الإنسان.، كما أنه صاحب نرية الاستعادة:Recapitulation Theory = Biogenic law   الأنتوجينيا (تاريخ تطور الفرد) تكرر الفيلوجينيا، التى نالت من التقد والرفض ما نالت.

(نشرة 3-8-2014 ” تشارلز داروين “جاب الديب: من بؤرة وعى إيمانه المعرفى” (وليس من “ديله”)

 [8] – Emotionally Processing Mind    (نشرة 8/9/2014 ” من عاطفة “البهر” إلى تخليق الإبداع”)

[9] – تجنبت أن أتطرق إلى كلمة “أحاسيس” برغم تواتر استعمالها من المرضى وعند عامة الناس حتى لا تختلط بالإحساس المغلق فى الحواس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *