الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (99) “موقف بيته المعمور” (2) دروس فى نفى الشرك “الأخفى من دبيب النملة”

حوار مع مولانا النفّرى (99) “موقف بيته المعمور” (2) دروس فى نفى الشرك “الأخفى من دبيب النملة”

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 27-9-2014

السنة الثامنة

العدد: 2584

حوار مع مولانا النفّرى (99)

“موقف بيته المعمور” (2)

دروس فى نفى الشرك “الأخفى من دبيب النملة”

  من “موقف بيته المعمور”:

وقال مولانا النفرى

وقال لى:

          اخل بيتك من السّوَى، واذكرنى بما أيسّر لك،

          ترنى في كل جزئية منه

 فقلت لمولانا:

حسبتُ يا مولانا أن الخطاب سوف يكون عن “بيته” “المعمور”  لا بيتك، ولا بيتى، فإذا بى أفاجأ أن معظم ما جاء فى هذا الموقف هو بصيغة المخَاطَب، بصيغة “بيتك” لا “بيته”، لكن يكون ذلك كذلك قبل وبعد أن يكون بيته المعمور، خطر لى أنه: هل يا ترى هما واحدا؟

 فزعتُ يا مولانا من فكرة الحلول ووحدة الوجود، فلا أنا قابل لها، ولا أنا مطمئن إلى أن من قال بها أو حتى عاشها قد وصلته بأية صورة توحيدية لا ئقة، طرحت كل ذلك جانبا مكتفيا بتلقى ما قاله بنفس ضمائره، ضمائر المخاطبْ!، وأنا مطمئن إلى أنه مهما تعددت البيوت فهى لا تكون بيوتا إلا إذا توحدت فى اتجاه بيته المعمور.

لكن كيف يخلوا بيت أى منا من الشرك، وكثير مما يصله هو من السّوَى، ذلك المتسحـِّب الخبيث الذى دبيبه أخفى من دبيب النملة

هالنى ابتداء ما قاله لك أن: “أخل بيتك من السّوَى؟” هذا تحدّ يفوق قدرة البشر يا مولانا، حتى إذا اجتهدوا بكل ما لديهم وما ليس لديهم كدحا إليه، ولكننى حين قرأت الجملة التالية، اطمأننت قليلا إلى أن الأمر قد يَسْهُلُ ولو نسبيا بذكره، لكن يا مولانا كم نبّهك لتنبهنا أن مجرد الذكر باللسان، بـ”الحرف” قد يكون بعدا لا قربا، فإذا به يلحقك لتنبهنا أنه سوف يعيننا على نوع الذكر الأعمق والأنقى الذى لا يخفيه الحرف، وذلك  بما ييسره لنا مما لا نعرف مسبقا غالبا،

المكافأة تستأهل، فلو أننا نجحنا بفضله فذكره أن نخلى البيت من السّوَى، فسوف يمتلئ بكل جزئية منه.

يلحقنا مولانا بخطوات أكثر تفصيلا ربما تساعد فى عملية الإخلاء من السّوَى، حين يخطرنا فى نفس الموقف أنه:

وقال لى:

             إذا رأيتنى فى بيتك وحدى، فلا تخرج منه،

            وإذا رأيتنى والسّوَى فغط وجهك وقلبك حتى يخرج السّوَى،

            فإنك إن لم تغطهما خرجتُ وبقى السّوَى،

           وإذا بقى السّوَى أخرجك من بيتك إليه،

           فلا أنا ولا بيت

 فقلت لمولانا:

انفتح باب الأمل برغم دوام الصعوبة:

أنْ أراه فى بيتى، فقد رأيته فى بيته دون حلول أو وحدة وجود، فالوعى يا مولانا يمتد هذه الأيام ليتخطى حدود ما كان مخنوقا به فيما يسمى الشعور، والدراية، وأيضا يتجاوز ما يسمى العقل وصحة التفكير، الوعى يا مولانا حضورٌ حىْ ممتد، بل عقول متصاعدة، فى دوائر متمركزة متداخلة حول بعضها ببعضها، إلى المتسع الأوسع بحيث يكاد يصعب الفصل بينها إلا تعسفا، وفى أحسن الأحوال تبادلا نابضا دوريا، ولكن فى اللحظات الأقل من الثانية قد يمكن لمن أخلص وجاهد، أن يراه فى كل جزئية من حلقات الوعى الممتدة، لكن أن تمتد هذه الهنيهة أكثر من ذلك فهى الاستحالة الأكيدة إذا ما قيست بالوحدة الزمنية التى نعرفها، هذه الهنيهة ليست هنيهة، بل هى قد تمثل الدهر كله.

كيف يمكن أن أبقى فى مثل هذا البيت إذا ما احتله السوى بعلمى أو بدون علمى؟؟ كيف والسّوَى يتقافز حولى بكل صورة وبلا صورة، كيف وهو يدب إلىّ أخفى من دبيب النملة؟

 لا أستطيع أن أخرج من البيت، فليس لى أين آخر، ولا أنا قادر أن أمنع السِّوى  ابتداء، كل ما أملكه هو أن أرصده أولا بأول، وأن أنكره حتى أهمله وأشلُّه، بأن أقفل عنه مسام إدراكى كلها من النظر حتى القلب، لعلى انجح،

الفشل وارد إلا أن يكون هذا النوع الإرادى من إنكار الإدراك هو إعدام  وجود ما حًلْتُ دون إدراكه، أما لو حدث الفشل وبقى السوى بعلمى أو بدونه، فيا لهول العقوبة، لأنه إما أن يمتلئ البيت بكل جزئياته بأصل الوجود الحى المطلق، وإما سكنه السوى يرتع فيه درينا أم لم ندرِ!

ينبهك يا مولانا لتنبهنا أننا إذا فشلنا أن نغلق عيوننا وقلوبنا عن السّوَى فسوف يزاحم وجوده فى بيوتنا، ولاستحالة وجوده مع الشرك، فهو ينبهنا من خلالك أنه سوف يتركنا لينفرد بنا السّوَى ونحن لا ندرى غالبا

هكذا يخرَب البيت المعمور، فهو ليس معمورا إلا به،  يخرب البيت المعمور حتى لو امتلأ بملايين من السّوَى من كل شكل ولون، فأظل موهوما بأنه معمور بشىء أو أشياء، وهو ليس إلا مليئ بالعدم والاغتراب والخواء، فالسوى مهما بلغ عددا وعدة ليس إلا تنويعات من الأوهام  والخبث والفتن لا تملأ إلا الفراغ بالفراغ، والنتيجة أنه:

لا هو بيت، ولا هو معمور، بعد أن غادره خالقه عقابا لى على غفلتى وعجزى أن أرصد السّوَى فأنكره وأطرده أولا بأول، حتى أعود لرؤيته فى البيت وحده، لا أخرج منه، ولا أملأه بغيره، ألم ينبهنى من البداية لذلك؟

لكن يا مولانا هل يا تـُرى قد شطحتُ من فرط الرعب وغموض الموقف؟

 هل هذا البيت هو  الوعى بكل طبقاته ودوائره؟

ولكن دعنا نستمع إلى ما لاح لى وكأنه ترشيد نحو معنى البيت المقصود، ألم يقل لك فى نفس الموقف:

                بيتك هو طريقك، بيتك هو قبرك، بيتك هو حشرك،

                أنظر كيف تراه، كذا ترى ما سواه

 فقلت لمولانا:

هكذا أوضح، ولعله  أصعب!!!

يكفينى أن بيتى ليس هو أنا، ليس هو جسدى، ليس هو وعييى ، ليس هو عقلى وما حوى

يكفينى أنه طريق وليس نهاية

أنه قبرى وليس مخدعى الوثير

أنه حشْرى بما يطمئننى لبعثى الآن وأبدا

إن نجحتُ أن أرى أنه كذلك، فقد انكشف الغطاء، وحدّ البصر، فهو حديد.

و”هو” فى كل جزئية منه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *