الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / ملف‏ ‏التفكير‏ (3) : 80 % من عملية التفكير “لا شعورية”

ملف‏ ‏التفكير‏ (3) : 80 % من عملية التفكير “لا شعورية”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 9-2- 2014

السنة السابعة

العدد: 2354

 

 الأساس فى الطب النفسى

الافتراضات الأساسية

الفصل الثالث: ملف‏ ‏التفكير‏ (3)

80 % من عملية التفكير “لا شعورية”

(ملحوظة: أجلت الحديث عن الاضطراب الجوهرى للتفكير إلى نشرة الغد)

 مقدمة:

أستعمل كلمة “لاشعورية” استعمالا خاصا، ليس بعيدا جدا عن استعمال التحليل النفسى التقليدى، ولكنه ليس مطابقا له، أنا أعنى به كل عملية نفسية أو فعلية تدور بعيدا – بأية درجة- عن بؤرة مستوى الوعى الظاهر.

إن التفكير – حسب أحدث المعطيات- يتم أكثر من 80% منه “لاشعوريا”، وبالتالى فإن كل هذه التباديل والعلاقات بين أنواع الأفكار التى وردت فى النشرتين السابقتين تجرى دون أن ندرى، هذه الحقيقة الأساسية كانت ينبغى أن تذكر فى نشرتَىْ الأسبوع الماضى، فلما لم أفعل ترتب على ذلك عدد من الأسئلة والاستفسارات والاستنتاجات حول الأسئلة العشر التى انهيت بها نشرة الإثنين الماضى، علما بأنها لم تكن أسئلة تحتاج إلى إجابة  لا من أصدقاء الموقع ولا من طالبى العلم، وإنما كانت مجرد تنشيط إعدادا لتوجهات ما سوف نحاول طرحه من فروض وحقائق فيما يلى من مقاطع ونشرات تخص هذا الموضوع.

نقطة أخرى أثارتها نفس النشرة، وقد جاءت بعض التساؤلات حولها فى بريد الجمعة أيضا، وهى تتعلق بتقسيم الأفكار إلى الأنواع المذكورة آنفا حيث تصور البعض أن الشخص العادى (أو غير العادى مبدعا كان أو مريضا) يمكن أن يصنف أفكاره (أو فكرة معينة) إلى هذه الفئة أو تلك، وهذا يحتاج توضيحا كذلك:

 ابتداءً: فإن كلمة “فكرةلا تعنى نشاطا عقليا مستقلا، أى أنها ليست وحدة عقلية محددة تنتمى إلى ما نعرفه عن عملية التفكير، إنما قد تشير إلى “رأى” أو “عزم” أو “موقف” أو “خاطر” له المواصفات التى ذكرناها والتى سوف نذكرها.

خذ هذا المثال كنموذج:

 أنا أفكر فى (فقررت) “الذهاب إلى السينما حفل 6 – 9” هذا المساء، الفيلم الفلانى:

 يمكن بالتقريب تصور إمكان ترتيب بعض الأفكار القريبة من الوعى الظاهر بناء على تصنيف الأفكار السالف الذكر كالتالى:

(1) فنعتبر قرار “أن أذهب للسينما” “فكرة محورية”.

 (2) وبالتالى يكون ترتيب وقتى، واختيار مُرافقى، ونوع مَلْبسى، وذكريات فيلم سابق، ونقد صديق لهذا الفيلم الحالى، الذى قررت الذهاب لمشاهدته، يكون كل ذلك أفكارا “تابعة” أو “مساعدة“،

(3) فى هذه الحالة قد يكون التفكير فى إنجاز هام علىّ تقديمه لرئيسى فى العمل غدا صباحا هو فكرة كامنة أو منافسة (قد لا أدركها ظاهرا أو قد أدركها وأستبعدها).

(4) كما يمكن أن تكون بداخلى فكرة مضادة تعرض العزوف نهائيا عن الذهاب للسينما بناء عن قرار سابق يقول إن كل أفلام هذه الأيام، وحتى ما أوصى به صديقى، تافهة، ولا تستحق تضييع الوقت.

(5) وأيضا يمكن أن يصاحب هذا وذاك، دون أن أدرى، فكرة عن ما إذا كان هناك فى الجنة تبادل لليل والنهار، ثم نوم وأحلام أم لا”، ويمكن أن تكون هذه فكرة عابرة، أو أن تلح لدرجة الوسواس فتكون فكرة مقتحمة.

(6) كذلك قد يكون على حافة التفكير فكرة تدور حول قيمة رباط العنق الذى ترددت فى شرائه فى اليوم السابق، برغم أنه كان سيليق على الحلة التى اخترتها الآن وهذه قد تقع بين الفكرة الطفيلية، والفكرة التابعة ولو هامشياً.

(7) وأخيراً: يمكن أن أكتشف – أو لا أكتشف- أن الفكرة الأساسية المحورية قد ضَعُفَتْ أو توارت نتيجة لتضخم فكرة كانت “كامنة” عن الوضع الأمنى الحالى حول مسكنى أو فى مصر كلها.

مرة أخرى: كل هذا يجرى عادة دون وعى ظاهر،

 وعادة ما يفقد الفيلم حدة الاهتمام به أو حتى نقده بعد الانتهاء من مشاهدته، دون سبب ظاهر اللهم إلا احتمال شكوى غامضة أو ملاحظة تعلن امتلاء الدماغ بالأفكار دون تحديد حين يقول صاحبنا: “دماغى ملانه بأفكار مش عارف إيه هيّا”.

ومن الطبيعى أن تتناوب الفكرة المركزية مع الفكرة الكامنة أو حتى العكسية إثر انتهاء تحقيق هذه الفكرة المركزية الأولى كما ذكرنا، أو بعد ذلك بقليل، فتقفز فكرة “إكمال الواجب الذى طلبه رئيس العمل فى صباح اليوم التالى، فتزيح بسهولة بقايا الفكرة المحورية السابقة بعد أن بلغت غايتها لتصبح بدورها، “كامنة” أو “متنحية” بما فى ذلك نسيان بعض النقاط التى كانت فى الفيلم، واستدعت موقفا ناقدا محددا بعد انتهائه، لتحل محلها فكرة أداء واجب العمل لتقديمه صباح اليوم التالى: كفكرة محورية، تجذب إليها كل الأفكار التابعة والمساعدة لها.

وهكذا،

وعلى ذلك فإن تصنيف هذه الأفكار ليس مطلوبا ولا هو مطروح إلا إذا استدعى الأمر ذلك لأسباب تعليمية أو ربما علاجية فرضت نفسها.

لمحات حول تطبيقات محتملة.

سوف نعود بالتفصيل غالبا مع شرح معظم الأعراض فى ملف الأفكار إلى استعمال هذه الأبجدية التى قد توضح الإمراضية الوصفية Descriptive Psychopathology بشكل أو بآخر.

أمثلة: (أ) إن شكوى “عدم التركيز” وهى شكوى شديدة الشيوع، يمكن أن ترجع إلى العجز عن شحن الأفكار المحورية المناسبة للموقف بالطاقة اللازمة لجذب وترتيب سائر الأفكار الأخرى بما يسمح بالإنجاز فالتناوب، موقفا بموقف، وهدفا بهدف.

من أبسط وأجمل الأغانى التى كانت مقررة علينا بالانجليزية فى سنة ثانية ابتدائى (مدرسة زفتا الابتدائية سنة 1941!!) (“نظام قديم” حوالى ثالثة ابتدائى حاليا يقول:)

إعمل حين تعمل        والعب حين تلعب

هذه هى الطريقة       لتكون سعيداً ومنتشيا

 Work when you work

Play when you play

That is the way:

To be happy and gay

(ب) الوسواس القهرى الاجترارى Obsessive Ruminative Disorder يعتبر مثالا محددا للأفكار المقتحمة، وهى عادة خارج السياق، بغض النظر عن نوع الفكرة المحورية السائدة (تفكيرا أو عاطفة أو فعلا)، المراد إنجازها أساسا.

(جـ) العجز عن اتخاذ قرار (وقد يدرج تحت اضطرابات الإرادة) قد يكون ناتجا لتساوى شحن فكرتين محوريتين متنافستين (أو أكثر) لدرجة إفشالهما معا.

(د) تذبذب التصرفات (والأفكار) وانتقالها من النقيض إلى النقيض إنما يعلن إجهاض الفكرة المحورة وسرعة انقضاض الفكرة المضادة قبل تفعيل الفكرة الأولى، ثم العكس، وهكذا.

وبعد

أكتفى بهذا القدر من العينات ولنا عودة، وعودة، طبعاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *