الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / حوار مع مولانا النفّرى (66) من موقف “الوقفة”: وعىٌ شاملٌ مشتملٌ عاملٌ لحظىٌّ محورى ضام ممتد بلا نهاية….

حوار مع مولانا النفّرى (66) من موقف “الوقفة”: وعىٌ شاملٌ مشتملٌ عاملٌ لحظىٌّ محورى ضام ممتد بلا نهاية….

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 8-2-2014

السنة السابعة

العدد: 2353

 

 حوار مع مولانا النفّرى (66)

من موقف “الوقفة”

وعىٌ شاملٌ مشتملٌ عاملٌ

 لحظىٌّ محورى ضام ممتد بلا نهاية….

وقال لمولانا النفرى فى موقف “الوقفة”

وقال لى:

               (1) الوقفة عمود المعرفة والمعرفة عمود العلم.

……….

……….

                (2) ما بلغتْ المعرفة من لا يقف، ولا نفع علم من لم يعرف.

 فقلت لمولانا:

بلغت حيرتى اليوم يا مولانا مبلغا أعجزنى، رحت أتصفح المواقف لأختار، وكلما توقفت عند سطر من بعض ما قاله لك وجدته أصعب من أن أقترب منه، فأقرأ بعده، فأتوقف، ثم أجدنى أعجز، فاكاد أستسلم لنهر إبنى لى أن أدع هذه المحاولة برمتها لمن هو أقدر منى على إضاءة بعض جوانبها، وهو يقصد أن يدعها الجميع كما هى بما هى، فهذا – فى رأيه غالبا – أكثر احتراما وفائدة.

أصعب الصعب اليوم كان مرورى فى “موقف الوقفة”، فقد كان مرورا بطيئا طويلا جديدا حتى خيل إلىّ أنه أطول المواقف عددا، اخترت ثلاث عبارات، ثم عدلت، ثم خمسة ثم عدلت، ثم واحدة ثم خفت، وانتهيت إلى اثنتين، لأتأكد أننى إنما أترك ما أستصعب، برغم ما يصلنى منه، أليس فى هذا ما يضعنى فى حرج أكبر؟!!

الغريب يا مولانا أنه يأتينى فى تعقيبات بريد الجمعة الكثير مما يدور حول هذا الحوار معك، أغلب ما تأيتنى هى تساؤلات ليست عندى لها إجابة، لكنها تساؤلات جادة طيبة، وبعضها فرحة بوصول رسالة ما ولو جزئية، وفى استجابتى لكثير من هذه التعليقات حاولت تحديد أية معالم أرد بها ولو من بعيد على من سأل ويسأل عن الفروق بين “الوقفة” و”المعرفة” و”العلم”، لكننى أعجز طبعا، وأعتقد أننى كثيرا ما أخطأت أو تجاوزت.

خطر لى اليوم يا مولانا فى موقف الوقفة أنك تهدينى إلى بعض معالم الطريق حين تضع ترتيبا يبدو هيراركيا لكل من العلم والمعرفة والوقفة، وكنت قد حاولت أن أقـّرب العلم إلى ما يعرّف بأنه “علم” مؤخرا، شاملا أبجدياته المتعددة ومناهجه المؤسسية مهما تنوعت، والتى كلما كثرت ولمعت وتحددت أصبحت أقرب إلى “الحرف” الذى نبهَتنا يا مولانا إلى تواضع دوره، وخبث أقنعته،

 أما المعرفة فقد كنت – ومازلت – أتعرف عليها من اجتهاداتى التى عرضت كثيرا منها هنا فيما أسميته “ملف الإدراك” الذى اتسع منى بوجه حق حتى وصلت إلى أهم فرض فيه، وهو أنه سبحانه “يُدرك ولا يُفهم” أى لا يجوز ولا يمكن إثباته بالتفكير أصلا، لا العلمى ولا غير العلمى، وتصورت فى مراحل كثيرة أننى بهذا وجدت مفتاح الشفرة، لكن بمواصلتى رحلتى معك يا مولانا اكتشفت باضطراد أنه حتى محيط الإدراك كله محدود بما يقابل ما تشير إليه أنت على أنه مجرد “معرفة”، صحيح أنه أوسع من العلم ومن التفكير، وأقدر وأعمق من الحرف والتأويل، لكن يبدو أنه ليس نهاية المطاف ولا هو المفتاح الأقدر لرحلة “الكشف إليه”،

 هناك مرحلة بعد الإدراك، وما بعد المعرفة هذا ما تؤكده مواقفك يا مولانا بإلحاح رائع.

ماذا يمكن أن يكون بعد المعرفة والإدراك؟

لعلها الوقفة

فماذا هى؟

ولماذا هى؟

الأرجح عندى بعد ما أثارتنى صعوبة اليوم، أنك تنتقل بنا “فيها” إلى مستوى الوعى الممتد الأشمل بلا محتوى معين وبكل محتوى غير معين، الوعى يا مولانا مازال مجهولا عند العلماء جمعيا من كل المدارس، وعلى كل المستويات برغم اجتراء الكثيرين منهم على تحديد بعض معالمه وأحيانا على مغامرة تعريف مضمونه، لكنه يظل أبعد عن محاولاتهم، ما وصلنى اليوم، ومنذ بدأت رحلتى معك، أن الإدراك مهما اتسع محيطه فهو محاط بالوعى منغرس فيه، ثم إن هذا الوعى تمتد أقطاره وهو متعدد بالطول والعرض دون انفصال عن بعضها البعض، ومن هنا افترضت – قابلا الخطأ المحتمل – أن الوقفة هى جُمّاع حضور مستويات الوعى طولا وعرضا وفى كل اتجاه، نحو ضم الاتجاهات إلى الاتجاه الأوحد، فى حركية آنية متجددة،

 قرأت اليوم فى موقف الوقفة كيف أن:

                                   الوقفة عمود المعرفة والمعرفة عمود العلم

أنا أكتب يا مولانا هذه الأيام عن التفكير، وعن “الفكرة المحورية” التى “تجذب إليها الأفكار حتى تقوم بدورها باعتبارها فكرة غائية على سلم  متصاعد“، فهل تأذن لى يا مولاى أن أقرأ كلمة “عمود” هنا باعتباره محورا أقرب (وليس مثل) ما قصدتُ بالفكرة المحورية، علما بأنها ليست فكرة أصلا، فيصبح العلم سهما إلى عمود المعرفة التى تصبح بدورها سهما إلى عمود الوقفة التى تصبح وعيا ضامّا فى ذاتها، ليست فى حاجة إلى عامود آخر، لأنها جماع محورى ضام متوجّهٌ بذاته، دعنى أطلق عليه اسم “الوعى المشتمل” ثم أضيف: “الحركى الممتد أبدا”، يا رب سترك.

عذرا يا مولانا

لولا أننى لا أعرف ما هو الوعى فما بالك بالوعى المشتمل، فما بالك بالوعى الحركى المشتمل الممتد أبدا، لولا جهلى هذا لما تجرأت على الاقتراب من تصوير الوقفة هكذا وهى تشمل المعرفة التى تشمل العلم الذى يستعمل الحرف وهكذا.

هذا صعب يا مولانا، لكنه محتمل

فلماذا صعّبتها علينا أكثر يا مولانا وأنت تبلغنا فى نفس الوقت أنه:

                                    ما بلغتْ المعرفة من لا يقف، ولا نَفَع علم من لم يعرف

قد يصلنى بصعوبة كيف أنه “لا نَفَع علم من لم يعرف” وأنا أتذكر قول الإمام الشافعى أنه “ليس العلم ما حفظ العلم ما نفع”، وعلم بلا معرفة هو مجرد مشروع، ينتظر امتحان أن ينفع الناس أو لا ينفعهم، المعرفة هنا تشمل ما يمكث فى الأرض ويُحق الحق،

هذا وغيره جائز.

أما أنه ما بلغت المعرفة من لا يقف فهذا أمر يصلنى وهو شديد الصعوبة أكثر حيث الوقفة عصية على العامة، غامضة على الكافة، ربما لارتباطها بما هو “وعى بالغموض” “بالغيب” الذى أشرنا إليه كثيرا. فكيف ذلك؟ إن تسليمى بهذا النفى الذى جاء فيما قاله لك فى هذه الجملة قد يعنى إخراج الأغلبية من فرصة الوقفة وفضلها،

 لكن لا، فى خبرتى الحياتية وخاصة فى العلاج الجمعى هناك من “يقف” ولو بضع ثانية، وهو لا يعرف أى من هذه الكلمات الثلاث لا “الوقفة” ولا “المعرفة” ولا “العلم”، لكنه يعيش الوقفة.

شكرا يا مولانا

والحمد لله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *