نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 13-10-2018
السنة الثانية عشرة
العدد: 4060
مقدمة:
امتدادا لما أشرنا إليه سابقا، وبإصرار العناد والأمل: تم تخصيص اليوم “السبت” لمقتطفات من كتاباتى السابقة التى لها علاقة دالة بالفروض التى تعتبر إرهاصات أو أساس هذا الفكر الدائم النمو والتطوير،
وبالنسبة لمقتطف اليوم عن النوم والأحلام، فقد وجدت موجزا محيطا لما كتبته فى السنوات الأخيرة عن هذه الظاهرة، وقلت لعله فى تقديم هذا المقتطف ما يبين طريقة أخرى لتقديم المعلومات الأبسط للدارس الأصغر والقارئ الطيب.
*****
مقتطف من كتاب:
دليل الطالب الذكى فى: علم النفس (1)
انطلاقا من “قصر العينى”
1- إن أهمية الأحلام ليس فى محتواها بقدر ما هى فى نشاط الظاهرة ذاتها.
2- إن الترابط الذى يحدث فى الحلم هو اجترار للمادة الموجودة ومحاولة فسيولوجية نفسية لإعادة تنظيمها.
3- إنه من خلال نشاط الأحلام تنتظم المادة الموجودة والمـُـدْخـَـلة أثناء اليقظة إذْ يجرى ترتيبها بحيث تصبح أقرب إلى التناول والفاعلية عند اللزوم، فنشاط الحلم جزء مكمل لعملية التعلم إذا كنت تذكـُر ما شرحنا عن الصور المنطبعة، فإن هذه الصور هى التى تتتعتع أى تلخلخ أثناء هذا النشاط ثم ترتب مع هذه الحركة، فليتقلط بعضها أثناء وقبيل اليقظة فى جزء من الثانية أو بضع ثوان، ثم يعيد تشكيلها بخيال سريع أسطح باعتبارها الحلم المحكى، فى حين أن نشاط الحلم الحقيقى يكون أبعد عن تناوله وأقرب إلى الإبداع الأعمق والتشكيل الأصل،، وبالتالى غير قابل للحكى.
4- وعلى ذلك: فإن الأحلام تعتبر صمام أمن ضد الجنون حتى ولو لم تتآلف مع مادة اليقظة، دون تفسير.
5- إن التناوب بين “اليقظة” و”النوم” و”الحلم” هو جوهر طبيعة الحياة العقلية النابضة السليمة حتى أنى قابلته بنبضات القلب (2)اندفاعاً وتراخيا (ثم تأكد هذا، ولكنها أعمق وأخطر وأبلغ إبداعا، وذلك حسب تطور فروض ومفاهيم الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى) (3)
الطالب: عندك، عندك لقد قلبتها محاضرة، لقد كدت أظن من فرط حماسك لوظيفة الأحلام هكذا أننا لا ننام لنرتاح ولكنا ننام لنحلم.
المعلم: عليك نور، ولكن يبدو أننا ننام لنرتاح ونحلم معا،
نحن نحلم لتنتظم حياتنا العقلية ويتثبت محتواها أثناء الصحو،
ونحن فى الحلم نطلق مالا نستطيع أن نطلقه فى اليقظة،
ونحن ننام لنتمكن من إعادة التنظيم بعد التشكيل واستعادة الهارمونى وهكذا باستمرار.
الطالب: ولكن قل لى ألم يكن “فرويد” على حق إذن حين أعطى الأحلام كل هذه الأهمية.
المعلم: اشهدك على نفسك أنك أنت الذى تعود لفتح الموضوع.
الطالب: اشرح لى هذه المعلومة وكفى.
المعلم: من يدرينى متى تتوقف، أنا ما أصدق أن تنفتح شهيتك حتى أغرقك بما أتمنى أن يسمعه أحد، إسمع يا إبنى: إن لى رأيا فى هذا الموضوع قد تجده غريبا، أوجزه فيما يلى حتى لا أطيل:
الطالب: ولا يهمك، أطِلْ أطِلَ حتى “تكمل”، هذه فرصتك!!، بل وربما فرصتى حتى لو ابتعدنا أكثر عن المقرر.
المعلم: أنت حر، خذ عندك، وتحمّل:
1- قلت لك إن فرويد عبقرى فريد، اعْتَبَرَ اكتشافه عن الأحلام أهم ما اكتشف، وأنه “حدس لا يأتى المرء مرتين فى عمره” وفى نفس الوقت اعتبر أنه اكتشف بذلك “أكثر الأمور بداهة”، ليكن، هذا رأيه.
2- ومع ذلك فإنى أعترف أن ما حدث بعد هذا الحدس هو سوء تأويل له، فقد اكتشف فرويد بحدس العباقرة وعمق الرؤية (داخل ذاته فى الأغلب) أن الأحلام هى من أكثر الأمور أهمية لاستمرار حياة الإنسان وتوازنه وحين ذهب لتفصيل ذلك حتى يصبح حدسه علما قابلا للانتقال والنفع: بَالَغَ فى أهمية محتوى الحلم دون ظاهرته فى ذاتها.
3- هكذا فتح فرويد العظيم باب القصر العظيم، ولكنه لم يدخله حيث شغلته قراءة النقوش على جدران السور عن معرفة الوظيفة الفعلية والحركة التنظيمية الهائلة التشكيلية داخل هذا القصر الرائع.
الطالب: فرويد بجلالة قدره يكتفى بالفرجة على النقوش على حوائط السور دون فحص ما يجرى داخل القصر
المعلم: بصراحة هو معذور فى ذلك.
الطالب: لماذا معذور؟
المعلم: لم يكن عنده الوسيلة للتعرف على العمليات الجارية، فلم يكن عندهم حينذاك رسام للمخ الكهربائى، ولا كانت الفروض جاهزة لوضع خطة متكاملة، ولا كانت لديهم دراسات تفصيلية عن تأثير العقاقير المختلفة المعالجة للمرض النفسى على كمية هذا النوم أو أنواعه، ولم تكن قد بدأت فكرة ولا إمكانيات تجارب الحرمان من النوم، ناهيك عن الحرمان من الحلم، وأثرهما على توازن النفس.
الطالب: ما أحلى العلم اذ يقبل جوهر الأشياء ويتغاضى عن انحرافات التفاصيل فيكمل بعضه بعضا.
المعلم: بهذا التعليق منك أرتاح أنا بدورى وأطمئن إلى مقدار حبك للمعرفة، لأن عندى الكثير أريد أن أبلغك إياه
الطالب: اعمل معروفا، أنت ما صدقت!!، ومع ذلك فقد شوّقتنى
المعلم: هل تصدقنى إذا قلت لك إننى انتهيت إلى أن الحلم، حتى لو لَمْ نحـْـكـِـه، هوإبداع الشخص العادى
الطالب: لا..لا..لا.، أرجوك أنا صدقت بالكاد ما تيسر من فروضك حتى هذه المرحلة، إيش أدخل الإبداع فى الحلم
المعلم: اصبر وسوف ترى
الطالب: أرى ماذا؟ أرى أن الشخص العادى مبدع وهو نائم بالصلاة على النبى!!؟ يا سيدى: المبدع على حد علمى هو الشخص الموهوب المتميز تماما عن الشخص العادى فكيف تقول إن الشخص العادى مبدع بالضرورة
المعلم: عندك حق، لكن تذكر باستمرار، وأنت طالب معرفة قبل أن تكون طالب طب أن المعارف تتجدد باستمرار، وأن المسلمات تـُراجع حين يكون النقد جاهزا وقادرا.
الطالب: إعمل معروف خلنا فى الحلم حتى فى المرض والجنون، لا تصعبها علىّ الله يخليك.
المعلم: الإبداع أعلى مراتب هذه العمليات كلها بقدرته على إعادة التشكيل، الإبداع ناتج ولافىّ أعلى، وبالتالى هو درجة أرقى وأعمق من مجرد تشكيلات الخيال.
الطالب: اعمل معروفا “ولاف” يعنى ماذا، لا تكركبها علىّ.
المعلم: الولاف هو التشكيل الجديد الذى يحتوى المفردات ، بما فى ذلك الوحدات المتناقضة فيما بينها ليجعل منها كيانا جديدا، فيخلق منها تركيبا أحدث مبتكرا غير مسبوق
الطالب: لست فاهما
المعلم: يعنى تركيبية جديدة من تفكيكة قديمة
الطالب: الله الله! سمكرة فى خردة
المعلم: أقول لك ماذا؟ لملم نفسك احسن لك
الطالب: أنا آسف فهو ترابط أيضا
المعلم: الإبداع ليس ترقيعا هو عملية أكبر من ذلك بكثير، هو قانون الحياة والتطور والنمو على كل المستويات عبر التاريخ، وهو الترابط الأعلى، والمهم أنه ترابط لتأليف كيانات وتوافقات جديدة، أكثر منها استعادة لترابطات وتسلسلات مكررة.
[1] – المقتطف: من كتاب (دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من “قصر العينى”) ( الطبعة الأولى 1980)، (الطبعة الثانية تحت الطبع 2018) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب سوف يوجد فى الطبعة الورقية فى مكتبة الأنجلو المصرية خلال أسابيع وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط www.rakhawy.net
[2] – يمكن الرجوع إلى تفاصيل هذه الفكرة فى كتابى دراسة فى علم السيكوباثولوجى وخاصة صفحات 135، 136، 156، 200، 215، 246، 639، 641، 702.
[3] – نشرة الإنسان والتطور، الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (147)مبادىء ومنطلقات وخطوات التطبيق