الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (30) رسالة علاجية، أم تفريغ طاقة؟ “الاستشارة الأولى”

مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (30) رسالة علاجية، أم تفريغ طاقة؟ “الاستشارة الأولى”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 6-10-2021

السنة الخامسة عشر  

العدد: 5149

الأربعاء الحر:

مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه  (1)

الكتاب الثانى الحالات: من (21) إلى (40)

تذكرة:

ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (30) من الكتاب الثانى من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجة!

جزى الله الجميع عنا خيرا

****

الحالة: (30)

رسالة علاجية، أم تفريغ طاقة؟ (2)

الاستشارة الأولى (3)

د. مختار سلامة: هو شاب عنده 17 سنة فى سنة ثانية ثانوى، الأول من ثلاثة، والده ووالدته بيشتغلوا فى نفس المهنة بتاعتنا، بس تخصص تانى.

د. يحيى: بتشوفه بقالك قد إيه؟

د. مختار سلامة: معايا بقاله شهرين، الأعراض اللى جه بيها أعراض وسواسية، فكرة بتيجى تقول له: حد مسيطر عليك يروح ناطط فى الكرسى، لو قاعد، ولو هو ماشى يقفز. دى الشكوى بتاعته.

الشكوى بتاعت الأهل إن هو عدوانى مع إخواته، هو بيتعالج من 9سنين كان أول مرة بيتعالج على أساس إن هو نوع من أنواع الصرع، وربطوها شوية بقعدته قدام الكمبيوتر كان بياخد تيجريتول من سنة أولى إبتدائى، وكان دايماً بيشكى من صداع واعتبروه برضه جزء من حكاية الصرع، بعد كده حسب كلام والدته ما ثبتشى حكاية الصرع دى، يعنى اتشخص بعد كده على إنه ثنائى القطب، (هوس مع اكتئاب فى نوبات) بس والدته ما وصفتشى طور الهوس على إنه هيصه وفرحة، لأ مجرد فرط نشاط زايد قوى، طاقة زيادة.

د. يحيى: فيه تاريخ عائلى إيجابى لأى مرض نفسى؟

د. مختار سلامة: لأ مافيش.

د. يحيى: جاب قد إيه فى الإعدادية؟

د. مختار سلامة: حاجة وتمانين فى المية.

د. يحيى: ترتيبه فى أخواته؟

د. مختار سلامة: الأول.

د. يحيى: وبعدين؟

د. مختار سلامة: بعد كام مرة كده اقترحت عليهم إنه ييجى يوم معأنا فى النشاط النهارى فى المنوات (4)، مع جلسات العلاج النفسى، أعرفه أكتر، ويطـّلع الطاقة اللى عنده معأنا فى النشاط.

د. يحيى: كويس بس مش بدرى شوية؟

د. مختار سلامة:…. من ثلات أيام والده إتصل بيأجل الجلسة، وقال لى هو مش عاوز يروح المنوات تانى، وإنه بعد مارجع من المنوات المرة اللى فاتت بقى متعفرت والتنطيط بعد ما كان قل بدأ يزيد تانى، وهات يا عدوانية على أخواته.

د. يحيى: مين كان معاه فى المنوات؟

د. مختار سلامة: أنا.

د. يحيى: بتقعدوا قد إيه كل مرة؟

د. مختار سلامة: بنقعد من الساعة 5.30 أو 6 إلى 9 يعنى، حوالى ثلاث ساعات يعنى؟ ثلاثة ساعات وشوية.

د. يحيى: يعنى كنت عامل له تخطيط محدد فى التلات أربع ساعات دول؟

د. مختار سلامة: آه طبعا.

د. يحيى: كنت عايز توصل له من خلالهم “رسالة”، ولاّ مجرد “تطليع طاقه” زى أمه ما بتقول؟!

د. مختار سلامة: لأ أنا كنت فى الأتوبيس قاعد جنبه أغلب الوقت، بس بعض الأوقات باسيبه مع المرضى.

د. يحيى: السؤال؟؟

د. مختار سلامة: اللى عملته صح ولا غلط؟ مش عارف الرسالة وصلت ولا لأ.

د. يحيى: أنهو رسالة؟

د. مختار سلامة: إنه ما يكملش فى سكة المرض، إن السكة دى مش نافعة.

د. يحيى: مش أنا سألتك هو تطليع طاقة ولا تبليغ رسالة؟

د. مختار سلامة: أنا قلت تبليغ رسالة.

د. يحيى: الرسالة اللى هى إيه بقى؟ إلى انت قلتها دلوقتى؟ “إنه مايكملش فى سكه المرض” !!!

د. مختار سلامة: أيوه.

د. يحيى: طب مش دى عايزة تقول لنا، وتقول لنفسك شوية تفاصيل زيادة. الفكرة كده مظبوطه، بس انت حاتستعمل المنوات بدرى قوى كده عشان توصل الرسالة دى إزاى؟ حا تبلغها إزاى فى خلال ثلاث ساعات؟ المسألة مش مباشرة بالشكل ده كده.

د. مختار سلامة: أنا شايف إن العيانين بيخفوا، يبقى فيه رسالة بتوصل، إمال بيخفوا ازاى؟

د. يحيى: أصل المنوات دى بالنسبه لى تمثل عندى تاريخ جامد شويه وطويل، يعنى من سنة 73 وأنا باحاول من خلالها إنى أوصل لنفسى وللعيانين حاجة، يمكن هى دى اللى بتسميها إنت رسالة دلوقتى، بس كانت الحكاية جد أكتر من دلوقتى شوية على حسب ما باسمع، كنت باوطـّى أعزق مع العيانين أنا والدكتور رفيق اللى دلوقتى رئيس عيادة فى فرنسا بقاله خمستاشر سنة (5)، عزقنا لحد ما حفرنا حمام سباحة بنفسنا إحنا والعيانين، وبعدين ردمناه، مانفعشى، “منى” (6)بنتى عزقت معانا وهى فى الإعدادية، ولما عملت المستشفى النهارى بتاعتها اليومين دول، وراحت زيارة إنجلترا عند د.يسرية، ما هى د.يسرية (7) كانت معانا هنا برضه، وهى بتشتغل فى انجلترا بقالها عشر سنين، لما منى راحت انجلترا تتفرج على المستشفيات النهارية هناك عزقت مع العيانين الخواجات، ود. يسريه قالت لى الجمعة اللى فاتت على خبرة “منى” وهى بتعزق بالفاس فى انجلترا، فالمنوات يعنى مش مسألة تطليع طاقة، أو تعليم مهارة، دى تكوين علاقة جديدة بينا وبين العيانين، بين العيانين وبعضهم، وبينا كلنا وبين الأرض والطبيعة والعرق، والعمل اليدوى. المسألة عشان نعرف إيه الرسالة اللى بتوصل محتاجة تفاصيل وتفاصيل التفاصيل، مثلا لما نواصل العزق بالفاس مدة معينة مع الهيصة والغنا، أو وإحنا بنتراهن على البطيخه على إنها حمره ولا “مش حمره”، وهى على وش مين، ولما كنا بنجيب الطعمية من عم سلامه الله يرحمه، ما كانشى ينفع ناخدها سندوتشات معأنا من المستشفى، مين اللى يروح يجيب طعمية، ومين اللى يحضّر الأكل، فالتفاصيل دى هى اللى بتفرق، كنا بنخلط العمل الشاق بالهيصة والفرحة، سميها نكوص زى ما انت عايز، لكن نكوص مسئول، كان فيها سماح والتزام، وكان فيها خلطة أعمار مختلفة، يعنى فريق الكورة يضم واحد عنده خمسة وخمسين سنة مع عيل عنده اتناشر سنة، كان لينا قواعد تحكيم خاصة، يعنى مش من حق أى واحد يحط جونين، جون واحد طول الماتش هوه اللى يتحسب له، عشان يضطر يباصى لزميله، وما تبقاش المسألة تنافس مطلق، كنا نقوّى الروابط فى كرة اليد، ونشترط إن اللى يرمى الكرة لزميله من غير ما يزعق وينطق إسمه بصوت عالى يبقى فاول، يقوم كل واحد ينطق إسم التانى وكده، أنا عارف إنت ما عندكشى فكرة عن التاريخ ده كله، يا ترى حد قال لك عليه، يبقى أنهى رسالة كنت عايز تبلفها للعيان بتاعك، من خلال إيه. عادة الرسالة بتبقى محدده وصغيره جدا، وبعدين توصل رسالة تانية محدده وصغيرة برضه، وبعدين يتربطوا ببعض، من غير ما نعرف قوى إزاى، بس نعرف كل حاجة واحدة واحدة من خلال النتيجة.

د. مختار سلامة: ما هو النتيجة إنه رفض ييجى، وأبوه بلغنى ده.

د. يحيى: أظن كده والله وأعلم معناه إن العيان بتاعك ما اتْحضَّرش كفايه، أنا مصدقك ومحترم فكرتك إنك تستوعب الطاقة، مش مجرد تطلعها، بس الدخلة فى السن دى من الطبقة الاجتماعية دى، عشان أغراض زى كده، لازم لها تحضير جامد، ومين عارف هوا اللى رفض ولا أبوه هو اللى ما اقتنعشى بالهلس ده (من وجهة نظره)، كتير من الأبهات الشيك دول يقول لك: ما هو بيروح النادى، يفتكر إنها رياضة واحد اتنين، واحد اتنين، وبعدين إنت حاتلاقى صعوبة أكتر لما تيجى تربط بين الجلسة الكلامية فى العيادة، والخبرة النشاطية فى المنوات، لو شرحتها له واتكلمتوا فيها وفى فايدتها، يمكن تتحرق، عكس اللى بيقولوه بتوع “العلاج المعرفى” القديم ليل مع نهار، الربط ما بين مفردات العلاج عشان تعمل جملة سليمة إسمها الصحة: فن قائم بذاته، صنعة عايزة ممارسة مش عايزة فهم وشرح زى ما بيزودوها بتوع العلاج المعرفى التقليدى. الفعل هنا عندنا بيسبق الكلام، والكلام إن ما كانشى يصب فى الفعل، يمكن يحرق مفعول الفعل.

د. مختار سلامة: إزاى يعنى؟

د. يحيى: العيان بتاعك ده بالذات، اللى هوه فى الغالب هوسى، أو أقل شوية، يعنى تحت هوسى، الكلام عنده منفصل عن الفعل، والفعل منفصل عن الهدف منه، يقوم يتنطط ويفرقع بالشكل ده، وزى ما باقول لكم دايما، العيان الهوسى الهايص، اللى بينكت عمال على بطال، ويكلم اللى يسوى واللى ما يسواش، اللى يعرفه واللى ما يعرفوش، ده علاقته بالموضوع ضعيفة جدا، جدا، غير ما يتغر فيه الناس لأول وهلة، ده أنا لاحظت ساعات إنه بيلغى الآخر (الموضوع) أكتر من الفصامى، تصور!!! الهوسى بيحتوى الموضوع جواه، وهات يا تنطيط، فما يفضلشى حاجة بره يعمل معاها علاقة.

د. مختار سلامة: يعنى أنا غلطت إنى وديته المنوات؟

د. يحيى: لا طبعاً، بس يمكن استعجلت شوية من حرصك عليه، يعنى ما حضّرتوش لا هوه ولا أهله للخطوة دى، فجه الرفض اللى انت مقدم الحالة عشانه ينبهك لده.

د. مختار سلامة: يعنى أضغط عشان يروح تانى ولا أعمل إيه؟

د. يحيى: ما أظنش.. التراجع هنا حايخلى موقفك مهزوز، إنت تستنى الجلسة اللى بعد كده فى العيادة، ويمكن تطلب تقابل أبوه، لو احتاج الأمر، مش هوه اللى اعتذر نيابة عنه، وتشوف إنت وصلت لحد فين، وحاتكمل ازاى، واللى فيه الخير يقدمه ربنا. وما تنساش الطبقة الاجتماعية دى، ومهنة أبوه وأمه ماعندهمشى فكرة عن الحركة اللى من النوع ده، ولا عن العمل اليدوى، ولا عن الرسالة اللى إنت عايز توصلها، ولا عن العلاج اللى بحق وحقيق، بيبقى كل همهم إن إبنهم يهدى ويجيب نمر زى ما هما جابوا، وخلاص، فلازم تحط ده فى الاعتبار وتستحمله، ثم إنت ما بقالكشى معاه أكتر من شهرين، يعنى بدرى قوى إنك تحكم على اللى انت عملته كده، تظلم نفسك، وتظلمه.

د. مختار سلامة: يعنى أعمل إيه؟

د. يحيى: يعنى تهدى اللعب، وتطول مدة العلاقة شويتين وتحاول تانى إذا شفت إن ده لسه مفيد، هو لما جه فى الجلسة اللى بعد كده فى العيادة إنت فتحت موضوع المنوات تانى؟

د. مختار سلامة: بصراحة أنا ماتكلمتش معاه عن حكاية المنوات، حضرتك شايف أفتحها ولا لأ؟

د. يحيى: فى فرق إنك تفتحها، من إنك تنكشها.

د. مختار سلامة: طيب أنكشها يعنى؟

د. يحيى: زى ما تشوف، خليها بظروفها بعد اللى وصل لك ده إذا كان وصل لك حاجة، إعتبرها يعنى رسالة منى زى الرسالة اللى كنت عايز توصلها له.

د. مختار سلامة: يا رب تكون وصلت.

د. يحيى: حانشوف.

*****

الاستشارة الثانية (نفس المريض) (8)

د. مختار سلامة:… العيان عنده 17 سنة فى ثانية ثانوى الأول من تلاتة، اللى أنا كنت قدمته هنا قبل كده.

د. يحيى: بقاله معاك دلوقتى حوالى خمس شهور، مش كده؟!

د. مختار سلامة: أيوه.

د. يحيى: وبتعرضه مرتين فى خلال خمس شهور؟!

د. مختار سلامة: أيوه.

د. يحيى: ماشى، يا ترى فيه إيه؟

د. مختار سلامة: هوه عادة أمه بتدخل الأول فى الجلسة، بتاخذ تقريباً ربع ساعة من بداية الجلسة، بتقول اللى حصل طول الإسبوع، دايماً هى بتبدأ معايا بالحاجات السلبية، وفى الآخر بتحن عليا وتقول بس هو بيذاكر كويس، وإن كل مشكلته هى الأعراض الوسواسية اللى بتطلع فى صورة التنطيط دى، وساعات فى صورة كلام قبيح مع والدته، ده بيظهر قوى مع والدته، عشان والده بيضربه لو عمل معاه حاجة زى كده.

د. يحيى: كلام قبيح يعنى إيه؟!

د. مختار سلامة: يعنى بيشتم، وكلام عيب، وهى عشان شيك وكده، ما بتقدرشى تقول لى الألفاظ بالنص، بتكتفى إنها تقول إنه كلام وحش وحش قوى خالص.

د. يحيى: يعنى كل الكلام اللى بيقوله، هى ماقالتهوش؟!

د. مختار سلامة: ماقالتهوش.

د. يحيى: ولا هو قاله؟!

د. مختار سلامة: ولا هو قاله.

د. يحيى: أصل فيه يعنى فرق من إنه يقول لها إنت مش كويسة خالص خالص مامى، وإنه يقول كلام وحش يعنى يغوط زى ما إنت عايز، يبقى حا نفهم مدى خروجه عن المألوف فى طبقته إزاى؟

د. مختار سلامة: ماشى، أنا فهمت إنه وحش قوى، ما قدرتش أكتر من كده.

د. يحيى: يعنى وصل لذكر أعضاء وقباحة مثلا؟!

د. مختار سلامة: تقريبا.

د. يحيى: عرفت إزاى؟

د. مختار سلامة: يعنى من طريقة كلامها، بس هى بقى بتركز على الشكوى من التنطيط الزيادة عشان بيبان قدام الناس كلها، الكلام الخارج هى بتكتـّم عليه عشان أبوه ما يعرفشى، عشان ما يضربهوش.

د. يحيى: طب والمدرسة؟

د. مختار سلامة: الواد بيذاكر كويس.

د. يحيى: السؤال بقى؟

د. مختار سلامة: السؤال إنى أنا قلت لها خلاص، نقول له إن إنت تتنطط زى ما إنت عايز، بس ما تأذيش حد، ونديله سماح بالوسواس، يعنى وسماح بالتنطيط، بس فى حدود البيت مش بره، فهىّ بتقولى برضه بيحصل بره وبيحصل فى المدرسة، قلت لها خلاص ما دام مش نافع حكاية السماح دى يبقى خلى أبوه يعامله براحته، ونشوف بقى السلطة والتهديد حا يعملوا إيه.

د. يحيى: هو الولد علاقته بيكْ انت إيه؟

د. مختار سلامة: بيحبنى وعلاقته بيا كويسة.

د. يحيى: هو اللى بيحرص إن هو يجيى؟ ولا أمه هى اللى بتجيبه؟

د. مختار سلامة: هو بيحرص إن هو بيجيى.

د. يحيى: وبيسأل أمه على الميعاد؟ بيفكرها يعنى؟

د. مختار سلامة: آه.

د. يحيى: معلشى سامحنى، السؤال تانى إيه؟

د. مختار سلامة: السؤال إن هو أنا بعد ما أخذت القرار ده وسبت أبوه عليه، فهى بعد الجلسة دى جابت أبوه ودخل معاه، فأنا قلت له خلاص خد راحتك وإنت متحمل المسئولية، أعمل اللى إنت عاوزه ما دام إنتوا شايفين الموضوع ده مش مرض قوى، الراجل زى ما يكون إتخض، لكن أمه أعلنت إنها مش موافقة، وبتقول لى لو أبوه ضربه، أنا حاسيب البيت.

د. يحيى: أنا إيه؟

د. مختار سلامة: حاسيب البيت، لأن أبوه بيضربه ضرب عنيف، ممكن يوصل لأن هو خطر يعنى، وبتقول إنه ممكن يموته فى نوبة ضرب زى دى، والسؤال هو إنى مش عارف أعمل إيه فى الرسائل اللى بتوصـّـلها الأم دى، يعنى فى الأول فى بداية الجلسة بتوصل لى الرسايل إن هى عايزاه يتضرب، فى الآخر بتقول لأ ده إحنا ما اتفقناش على كده، وبعد كده قلت لك لأ ماتقولش لباباه، إنت عاوز باباه يضربه، ما هو كفاية عليا نجاحه لأنه حالياً بدأ يجيب الدرجات النهائية، والواد قال لى أنا لو حاتضرب مش حا ذاكر.

د. يحيى: بس إنت زى ما تكون سمحت بالضرب.

د. مختار سلامة: بصراحة سمحت.

د. يحيى: ورجعت فى كلامك ولا مارجعتش؟

د. مختار سلامة: رجعت.

د. يحيى: يعنى إنت قلت لأبوه يضربه؟!

د. مختار سلامة: قلت له أعمل اللى تشوفه صح.

د. يحيى: ورجعت قولت له مايضربهوش؟!

د. مختار سلامة: آه

د. يحيى: ولا قلت لأمه تقول لأبوه؟

د. مختار سلامة: لأ، لأ، كان الكلام قدام الأب مباشرة .

د. يحيى: طيب وبعدين؟

د. مختار سلامة: وبعدين الرسائل اللى بتوصلها الأم لى طول الوقت مش عارف أعمل فيها إيه، هى فرحانه بنجاحه، وفى نفس الوقت عمالة تشتكى، أنا أعمل إيه معاها؟

د. يحيى: ما هى اللى مماشيـّة المسائل بحساباتها، بتستعملك بالمسطرة، وبتوقف أبوه بالمسطرة، وتذاكر للولد بالمسطرة، كتر خيرها، قايمة بالواجب!! بالنيابة عنك!! عايز إيه أكتر من كده؟!!!!!

د. مختار سلامة: هى فرحانة، وفى نفس الوقت عايزه المزيد عايزه المزيد، عايزه كل حاجة، عايزاه إنه يبقى مؤدب، وشاطر، ومايتنططش، ومايشتمش؟

د. يحيى: مش هوه أول واحد من تلاتة؟!

د. مختار سلامة: آه وبعده ولد وبنت.

د. يحيى: أعمارهم؟

د. مختار سلامة: الواد تقريباً فى تالتة إعدادى والبنت فى رابعة إبتدائى.

د. يحيى: وضعهم إيه فى الحدوته ديه؟!

د. مختار سلامة: وضعهم؟

د. يحيى: بيسمعوا الألفاظ الوحشة قوى قوى دى؟ ولا مابيسمعوهاش؟

د. مختار سلامة: بيسمعوا، وبيغيظوا الواد.

د. يحيى: كلمة بيغيظوه دى غريبة جدا، يعنى بيعملوا إيه بالظبط؟ ً

د. مختار سلامة: بيغيظوه.

د. يحيى: يعنى إيه بيغيظوه؟!

د. مختار سلامة: بيقولوا له إنت مجنون.

د. يحيى: كدهه؟!!!

د. مختار سلامة: أنا أعمل إيه دلوقتى؟! أسمح للأب يأدبه؟! ولا إيه؟! ما أنا برضه عايز أحافظ على النجاح.

د. يحيى: بصراحة كتر خيرك على حرصك على نجاحه فى الدراسة، أصل واحد زى ده لو وقف حا يقف، وسبحان من يتعتعه، أنا شايف إن الولد عامل معاك علاقه، ودى حاجه جيدة، فى الظروف دى هو زى ما يكون بيلجأ لك يستنقذ بيك تحوش عنه أمه وأبوه مع بعض، وبرضه تحوش عنه اختلافهم حوالين معاملته، وده يمكن اللى بيخليه يحرص إنه ييجى، وإنه يفكرهم بالميعاد، وأنا شايف دى نقطة بداية كويسة، إحنا عايزين الواد يبقى حريص انه ييجى، زى ما يكون الواد عايز مصدر مش متحيز لا لده، ولا لده، وإذا خلعوا هما الإتنين هو محتاج سند بدالهم، اللى هوا إنت.

 النقطه التانية: هو مبدأ الضرب، أنا راجل قديم وما عنديش مانع أقر مبدأ العقاب، حتى بالضرب أحيانا، لكن مش سبهلله، يعنى باحط شروط صعبة جدا للى عايز يتفلحس ويضرب، وإذا ما ضمنتش تنفيذ الشروط دى، ماوافقشى لو إيه باللذى، وعادة هى مابتتنفذشى، يبقى فى النهاية ممنوع الضرب لأنهم مش قدّه، ما هو انت برضه عملت كده: بس بعد ما وافقت، رجعت فى كلامك، مش كده؟

د. مختار سلامة: أنا فهمت إنه هو بيضرب بِغِـلّ، ما هو ده اللى خلانى أرجع فى كلامى.

د. يحيى: أهى حكاية الغل دى أبشع حاجة فى الضرب. ماينفعش تضرب عشان إنت زهقان، ما ينفعشى تضرب وانت شخصيا مش متألم أكتر من اللى بينضرب، ثم خد عندك توقيت الضرب، لازم يكون ملازم للغلط مباشرة، مش بعد ما يصلح الغلط أو يعمل حاجة كويسة تقوم إنت تفتكر وخد عندك، وبعدين الضرب لما ييجى من والد مهزوز بيرجع فى كلامه وهو بيضرب حتى، بيهز صورة الوالد أكتر ما بيديه شكل القوة والمسئولية، يعنى باختصار الضرب اللى أنا باسمح بيه، ماباسمحشى بيه، بس سماحى باتصوّر إن بيدى الأب أو الأم موافقتى على ضرورة الحزم، اللى هو مسئولية برضه، الحزم مافيهوش أى شبهة أذى، وده ما عادشى موجود خالص، يبقى المحصلة بعد ده كله إن مافيش ضرب.

ثم خلى بالك إنت لازم تشتغل فى علاقة أبوه وأمه، مش بس فيما يتعلق بالولد، باين فيها حاجات عايزة شغل.

د. مختار سلامة: أنا عارف، أنا طول الوقت جوايا السؤال ده، هوا إيه الحكاية بالضبط، هما الإتنين دول عايشين مع بعض إزاى؟

د. يحيى: لأ ما هو ده برضه من صلب شغلتك مهما كانت ثقافتهم، أو طبقتهم الاجتماعية، إنت طبيب، وكل قنوات التواصل بين الأب والأم بتسمـّـع فى العيال، كل القنوات الفكرية والعاطفية والجسدية والمادية والدينية

د. مختار سلامة: هى الأم ما بتسلمش علىّ، هى مش منقبة، محجبة بس، لكن ما بتسلمش عليا، فأنا خفت اسأل فى الحتة دى .

د. يحيى: من غير ما تعرف كفاية عن كل الحاجات دى مش حا تقدر تفهم أبعاد الاختلاف، ولا قد إيه الولد بيدفع التمن، ولو تلاحظ حركته اللى بيقولوا عليها وسوسة، يمكن تقول لك حاجة، الواد كل ما يستقر يفز، كل ما يهدا يزعق، كل ما يقعد يقوم، إنت لا زم تدخل منطقة الأم والأب واحدة واحدة، يمكن، مين عارف، وأنا شايف ما دام الأمور بالغموض ده فى المنطقة دى، يبقى بديهى نمنع حكاية الضرب دى نهائيا، ليكون الراجل ده بيضرب مراته بِغِلّ، مش بيضرب الولد، هو الغلّ، وده اللفظ اللى إنت استعملته، وإنت استعملته عشان وصل لك، بيكون بين الراجل والست، وبالعكس، أكتر ما بيكون بين الأب وإبنه.

د. مختار سلامة: يعنى أعمل إيه؟

د. يحيى: إنت كتر خيرك، كفاية إنك نجحت فى الظروف دى، إنك تتجاوز ده كله، وإن الولد يحرص بنفسه إنه يجيلك، ويستمر فى دراسته، ويجيب النمر النهائية زى ما بتقول، وأديك ماشى بالمحكات دى واحدة واحدة، وكل ما حا تجيلك معلومات أحسن، حا تتخذوا قرارات أحسن، بس اللى إنت عملته، واللى بتعمله ده جيد جدا، مثلا إنك تقدر تاخد قرار وترجع فيه بالسرعة دى، ده مش عيب، أبدأ، بالعكس هو دا الطب، وهى دى الحياة، وما تخافشى من رأيهم فى ده، إحنا مش فى محكمة، وحتى المحكمة يا أخى فيها استئناف ورجوع، لكن قل لى: مش دلوقتى فهمت إن ما كانشى له فى رحلة المنوات من أصله وبرضه فهمت هوّا ليه ما وصلتشى الرسالة الأولانية زى ما انت متصور، إنت طبعا ما عزمتش عليه يروح المنوات مرة تانية؟!

د. مختار سلامة: طبعا، ما أنا فهمت من المرة اللى فاتت إنه هو ما اتحضرشى كفاية،

د. يحيى: يعنى بتحضّره بقى ولا إيه؟!

د. مختار سلامة: لا، لا، أظن أنا صرفت نظر، اكتشفت إن الرسالة اللى اتكلمنا فيها صعب توصل له فى الظروف دى، إكتفيت بالمذاكرة والعلاقة.

د. يحيى: الله يفتح عليك، ربنا يستر ويسهل.

*****

التعقيب والحوار:

د. محمد الشاذلى:

أظن أن الخطوة الأولى هى محاولة تبصير الأهل بطبيعة المرض، ثم فحص ما يريد المريض قوله بهذه الأعراض: هل هو احتجاج أم احتياج أم رفض أم إثبات وجود، أظن أن من الصعب وسط هذه المتاهه إيصال أية رسائل من خلال نسق واضح ومتماسك مثل رحلة المنوات.

د. يحيى:

عندك حق، لكننى استفدت من عرض هذه الحالة هكذا، فقد أتاح ذلك لى أن أبين كيف أن أى “جزئية” نشاط علاجى، قد لا تفيد وحدها إلا إذا تكاملت مع الخطة العلاجية مجتمعة (ليس بالضرورة فى القسم الداخلى)، وقد سعدت بتأكيدك على غائية المرض (احتجاج واحتياج)، وهو ما عنيتَه بقولك “… ما يريد المريض قوله بهذه الأعراض”.

د. حسن سرى:

حضرتك قلت: الهوسى بيحتوى الموضوع جواه، فما يفضلشى حاجة بره يعمل معاها علاقة، ولكننا نلاحظ أن الهوس أحيانا يقوم بعمل علاقه ممتازه مع زوجتة خاصه (علاقة حب قويه) وكذلك مع بعض الأشخاص الذين يختارهم، فكيف يمكن تفسير ذلك؟

د. يحيى:

هذه الملاحظة – برغم أنها ليست عن الحالة مباشرة-  هى – فى خبرتى– ملاحظة مهمة، ذلك عن الهوسى وخاصة قبل أن تبلغ حدة المرض أقصاها: هو سريع الإقدام، حاضر الرد، كثير الكلام، فيبدو وكأنه بذلك يعمل علاقة، فى حين أنه نشاط بغير عمق، وأغلب الرجال فى طور الهوس، يتحدثون عن رغبتهم الجنسية الزائدة أو يتجاوزون ذلك إلى تحرش فعلىّ، لكن كثيرين منهم يعانون من “العنة” فى نفس الوقت، الأمر الذى قد يكشف عجزهم الأعمق عن عمل علاقة بآخر حقيقى، أما حكاية توثيق العلاقة بالزوجة، فقد صادفت حالات ليست قليلة يحلم فيها الزوج بقتل الزوجة، كإرهاصات لقدوم النوبة، وفى بضع حالات أخرى بدأت النوبة والزوجة تستيقظ ويدى زوجها قبيل الهوس حول عنقها وهو نصف نائم، ثم تأتى النوبة بعد يوم أو أكثر.

 ما رأيك؟

د. حسن سرى:

هل يمكن للهوسى أن يستخدم ميكانزم الوسوسة؟

د. يحيى:

لاحظ أننا مازلنا بعيدين عن الحالة!! فالحالة لم تشخص “هوساً”،

أما عن سؤالك عن هل هو وارد أن يستخدم الهوسى هذا الميكانزم الوسواسى، فالإجابة هى: نعم يمكن، وهو إذا نجح، ولو جزئيا فى ذلك، قد يضبط ولو جزئيا أيضا جرعة هوسه، فالوسوسة سياج يمنع – نسبيا– التفسخ من ناحية، كما قد يقلل من “إنهيار الكف” قليلا أو كثيراً فى حالة الهوس.

أ. رامى عادل:

كيف تتفق الظروف ويتم التحكم فى الألفاظ… وغيره؟ الجسد محور التفكير وأداته، وللآخر وجود حيوى فى الخارج نربطه ببعض التجليات داخل العقل، ونوازن بين المرئى والمسموع والمنطوق أثناء توجهنا للغاية/النهاية، وتتدرج المسألة من الرهبة إلى الطلاقة إلى الإحساس بالمسئولية والتوحد مع الآخر، دون أن نتقيد بمبدأ مشكوك فى صحته، أو ننبش فى الماضى عن مشاعر قد لا تتحقق، وعلينا أن نضع نصب أعيننا فرضا ونختبر قدرتنا على تجاوزه لفرض أوسع.

د. يحيى:

أحيأنا أخاف من خبرتك هذه يا رامى، فأنت تصل بتلقائيتك وطلاقتك إلى نظريات بأكملها فى بضعة أسطر.

وأحيأنا أخاف عليك شخصيا منها، لكنها بينى وبينك – تستأهل كل المخاطرة.

يارب يكون الأصدقاء المتابعين قد تعودوا على تلقى رسائلك يا رامى مثلما أفعل.

شكراً.

 

[1] –  يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net

[2] – نشرة 25-1-2009 www.rakhawy.net

[3] – 4/9/2007 هذه الحالة سوف تعرض على مرحلتين .

[4] – منتجع تابع للمستشفى بالقرب من سقارة، تمارس فيه النشاطات النهارية فى رحلات نهارية أحيانا.

[5] – انتقل إلى الأمجاد السماوية هذا العام (2018)، وحزنت عليه حزنا شديداً.

[6] – أصبحت الآن أستاذ الأمراض النفسية بكلية الطب جامعة القاهرة، وتواصل إنشاء تعد مركز الرخاوى للتدريب والبحوث النفسية 2018

[7] – أ.د. يسرية أمين الآن استشارية بالمملكة المتحدة منذ حاولى عشرين عاماً.

[8] – نشرة الإنسان والتطور: 30/10/2007 www.rakhawy.net

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

2 تعليقان

  1. ديحيي :وزى ما باقول لكم دايما، العيان الهوسى الهايص، اللى بينكت عمال على بطال، ويكلم اللى يسوى واللى ما يسواش، اللى يعرفه واللى ما يعرفوش، ده علاقته بالموضوع ضعيفة جدا، جدا، غير ما يتغر فيه الناس لأول وهلة، ده أنا لاحظت ساعات إنه بيلغى الآخر (الموضوع) أكتر من الفصامى، تصور!!! الهوسى بيحتوى الموضوع جواه، وهات يا تنطيط، فما يفضلشى حاجة بره يعمل معاها علاقة.
    التعليق : دائما يا اساتذي ما كنت اجد الاخر عنده الهوسي كما قلت .. كان يصلني وكأن سباق الفكر والكلام والفرحة البلاستيكية _ ان صح تسميتها كذلك _ هي تشويش علي الاخر حتي يتسني له الغاؤه. .. ثم ان الاخر في الداخل -الذات كموضوع اخر – هي الاخري مشوشه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *