الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (42) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (42) الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

نشرة الإنسان والتطور

الخميس: 7-10-2021                                  

السنة الخامسة عشر               

العدد: 5150

تقاسيم على أصداء السيرة الذاتية (نجيب محفوظ) (1)

وهكذا نواصل نشر “الأصداء” مع “أصداء الأصداء”

 بقلم: “يحيى الرخاوى” واحدة واحدة (42)

الفصل الأول: الطفل يرحب بالشيخوخة ويغازل الموت

الأصداء

‏42- ‏رجل‏ ‏الساعة‏:‏

دائما‏ ‏هو‏ ‏قريب‏ ‏منى، ‏لا‏ ‏يبرح‏ ‏بصرى ‏أو‏ ‏خيالى، ‏بريق‏ ‏على ‏نظراته‏ ‏الهادئة‏ ‏القوية‏، ‏من‏ ‏وجه‏ ‏محايد‏ ‏فلا‏ ‏يشاركنى ‏حزنا‏ ‏أو‏ ‏فرحا‏، ‏ومن‏ ‏حين‏ ‏لآخر‏ ‏ينظر‏ ‏فى ‏ساعته‏ ‏موحيا‏ ‏إلى ‏بأن‏ ‏أفعل‏ ‏مثله‏، ‏أضيق‏ ‏به‏ ‏أحيانا‏،‏ ولكن‏ ‏إن‏ ‏غاب‏ ‏ساعة‏ ‏ابتلانى ‏الضياع‏، ‏جميع‏ ‏مالاقيت‏ ‏فى ‏حياتى ‏من‏ ‏تعب‏ ‏أو‏ ‏راحة‏ ‏من‏ ‏صنعه‏، ‏وهو‏ ‏الذى ‏جعلنى ‏أتوق‏ ‏إلى ‏حياة‏ ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏بها‏ ‏ساعة‏ ‏تدق‏.‏

أصداء الأصداء

كما‏ ‏تجسد‏ ‏الموت‏ ‏إنسانا‏ ‏يتحرك‏ (‏فقرة‏ 2)، ‏وكما‏ ‏يحضر‏ ‏بئر‏ ‏السلم‏ ‏كائنا‏ ‏حيا‏ ‏يبارك‏ ‏اللقاء‏ (‏فقرة‏ 41)، ‏يتجسد‏ ‏الزمن‏ ‏هنا‏ (‏وكثيرا‏) ‏مواكبا‏ ‏أمينا‏ ‏محايدا‏ ‏لا‏ ‏يتحيز‏ ‏لحدث‏ ‏بذاته‏ ‏أو‏ ‏إنفعال‏ ‏دون‏ ‏آخر‏. ‏ونجيب‏ ‏محفوظ‏ ‏فى ‏ترتيب‏ ‏حياته‏ ‏يكاد‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏الزمن‏، ‏ومازال‏ ‏حتى ‏هذه‏ ‏اللحظة‏، ‏يعرف‏ ‏متى ‏ننصرف‏ (‏الحرافيش‏، ‏وغير‏ ‏الحرافيش‏) ‏دون‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏الساعة‏ ‏أو‏ ‏السؤال‏ ‏عنها‏. ‏أنظر‏ ‏وهو‏ ‏يقول‏ ‏هنا‏ ‏عن‏ ‏دقة‏ ‏الزمن‏ ‏وحياده‏: “‏موحيا‏ ‏لى ‏أن‏ ‏أفعل‏ ‏مثله‏”، ‏وقد‏ ‏فعل‏ ‏محفوظ‏ ‏مثله‏ ‏حتى ‏صار‏ “‏زمنا‏” ‏فى ‏ذاته‏. ‏أما‏ ‏كيف‏ ‏يضيع‏ ‏المرء‏ ‏إذا‏ ‏غاب‏ ‏الزمن‏ ‏عنه‏ ‏ساعة‏، ‏وما‏ ‏معنى ‏غياب‏ ‏الزمن‏ ‏هنا‏، ‏وصلنى ‏معنيان‏: ‏الأول‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏الزمن‏ ‏المبدع‏ ‏المفتوح‏ ‏إلى ‏زمن‏ ‏دائرى ‏مغلق‏، ‏زمنا‏ ‏دوارا‏ ‏يتحرك‏ – ‏أو‏ ‏يدور‏ ‏حول‏ ‏نفسه‏ – ‏فى ‏المحل‏ ‏فيعيد‏ ‏ولا‏ ‏يضيف‏، ‏والثانى ‏أن‏ ‏يمتلئ‏ ‏بنوع‏ ‏من‏ ‏الفراغ‏ ‏العدمى ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يمتلئ‏ ‏بهذا‏ ‏الحضور‏ ‏المحدد‏ ‏المعالم‏ ‏فتلوح‏ ‏النهاية‏.‏

‏ ‏ثم‏ ‏انظر‏ ‏إليه‏ ‏وهو‏ ‏يعزو‏ ‏إلى ‏الزمن‏ ‏كل‏ ‏مالاقى ‏من‏ “‏تعب‏” ‏و‏ “‏راحة‏” ‏فيصلنى ‏معنيان‏ ‏أيضا‏: ‏الأول‏: ‏أنه‏ ‏يرى ‏أن‏ ‏مجرد‏ ‏مرور‏ ‏الزمن‏ ‏هو‏ ‏الحياة‏ ‏ذاتها‏، ‏وما‏ ‏الحياة‏ ‏إلا‏ ‏زمن‏ ‏محدد‏ ‏البداية‏، ‏والنهاية‏، ‏والثانى: ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الزمن‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ “‏القدر‏” ‏صاحب‏ ‏الأمر‏ ‏والنهى، ‏واهب‏ ‏الراحة‏ ‏والتعب‏.‏

فكيف‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏التشكيلات‏ ‏السلبية‏ ‏والإيجابية‏ ‏يخطر‏ ‏ببالنا‏ ‏أن‏ ‏نهفو‏ ‏إلى ‏حياة‏ ‏خالية‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الإيقاع‏ ‏المطمئن‏، ‏والفعل‏ ‏المتواصل‏، ‏حياة‏ ‏تخلصت‏ ‏من‏ ‏الزمن‏ ‏فلم‏ ‏يعد‏ ‏بها‏ ‏ساعة‏ ‏تدق؟ ‏إنها‏ ‏أمانة‏ ‏الاعتراف‏ ‏بالرغبة‏ ‏فى ‏الحرية‏ ‏المجهولة‏ ‏المعالم‏، ‏المتحررة‏ ‏حتى ‏من‏ ‏الزمن‏، ‏يعيش‏ ‏محفوظ‏ ‏ذلك‏ ‏ويتردد‏ ‏فيه‏ ‏صداه‏ ‏بالرغم‏ ‏مما‏ ‏ألزم‏ ‏محفوظ‏ ‏نفسه‏ ‏به‏ ‏فصار‏ ‏هو‏ ‏شخصيا‏ ‏زمنا‏ ‏بجوار‏ ‏الزمن‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا‏.‏

ثم‏ ‏عندك‏ ‏التلويح‏ ‏بوهم‏ ‏الخلود‏ ‏حيث‏ “‏لا‏‏زمن”‏ (‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏تحذيره‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏ ‏وفى ‏الحرافيش‏ ‏بالذات‏ ‏من‏ ‏وهم‏ ‏الخلود‏: ‏جلال‏ ‏صاحب‏ ‏الجلالة‏)، ‏ثم‏ ‏إنه‏ ‏لم‏ ‏يعترف‏ ‏أنه‏ ‏يرضى ‏باللازمن‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏الزمن‏، ‏فقط‏ ‏هو‏ “‏يتوق‏” ‏إلى ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏ملاحقته‏، ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أفضاله‏، ‏وما‏ ‏منح‏ ‏ويمنح‏ ‏من‏ ‏طمأنينة‏ ‏نتيجة‏ ‏انتظام‏ ‏إيقاعه‏ ‏المثابر‏، ‏لكنها‏ ‏طمأنينة‏ ‏كالتى ‏يشعر‏ ‏بها‏ ‏السجين‏ ‏وهو‏ ‏ينظر‏ ‏إلى ‏قضبان‏ ‏سجنه‏، ‏فيتوق‏ – ‏رغم‏ ‏طمأنينته‏ ‏داخلها‏- ‏أن‏ ‏يحطمها‏ ‏ليهرب‏ ‏بعيدا‏ ‏عنها.

admin-ajax (1)

admin-ajax

 

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف : …أما‏ ‏كيف‏ ‏يضيع‏ ‏المرء‏ ‏إذا‏ ‏غاب‏ ‏الزمن‏ ‏عنه‏ ‏ساعة‏، ‏وما‏ ‏معنى ‏غياب‏ ‏الزمن‏ ‏هنا‏، ‏وصلنى ‏معنيان‏: ‏الأول‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏الزمن‏ ‏المبدع‏ ‏المفتوح‏ ‏إلى ‏زمن‏ ‏دائرى ‏مغلق‏، ‏زمنا‏ ‏دوارا‏ ‏يتحرك‏ – ‏أو‏ ‏يدور‏ ‏حول‏ ‏نفسه‏ – ‏فى ‏المحل‏ ‏فيعيد‏ ‏ولا‏ ‏يضيف‏، ‏والثانى ‏أن‏ ‏يمتلئ‏ ‏بنوع‏ ‏من‏ ‏الفراغ‏ ‏العدمى ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏يمتلئ‏ ‏بهذا‏ ‏الحضور‏ ‏المحدد‏ ‏المعالم‏ ‏فتلوح‏ ‏النهاية‏.‏
    التعليق : هذه الجدلية ،بالنسبة لى من أصعب الجدليات ” الرخاوية المحفوظية ” شديدة الكثافة والعمق ،لاتصل إلى الفهم إلا بالمعايشة ،وبعد معايشتها استدعت لدى معها ما قدمته حضرتك عن دور الزمن فى صياغة النص البشرى ونقده ،وبدا لى المرض وكأنه نوع من غياب الزمن بالمعنيين الذين ذكرتهما هنا ،ثم استدعيت نصا شعريا للراحل سيد حجاب ،أحمله فى وعيى منذ سمعته من سنوات كثيرة يلقى فيه التساؤل التالى : يا ترى اللى بيعيش الزمن إحنا ،واللا الزمن هو اللى بيعيشنا ؟! ،لا أعرف الإجابة ،ولا أريدها ،أريد أن أعيش الزمن ،أو بالأحرى : أن ” أحيا “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *