الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (29) السماح بالسرحان والصبر عليه وتنظيمه

مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (29) السماح بالسرحان والصبر عليه وتنظيمه

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 29-9-2021

السنة الخامسة عشر  

العدد: 5142

الأربعاء الحر:

مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)

الكتاب الثانى الحالات: من (21) إلى (40)

تذكرة:

ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (29) من الكتاب الثانى من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه”، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجة!

جزى الله الجميع عنا خيرا

****

الحالة: (29)

السماح بالسرحان والصبر عليه وتنظيمه (2)

د. تهانى: هى عيانة حضرتك حولتها لى من سبع شهور، بنت عندها 21 سنة، هى دلوقتى إتخرجت السنة دى من واحدة من الجامعات الخاصة، كلية إعلام، هى شكوتها الأساسية أنها بتسرح كتير جداً ممكن تقعد بالسبع ثمان ساعات فى اليوم سرحانة بتسمع أغانى فى الكمبيوتر أو قاعدة على السرير مش بتعمل حاجة.

د. يحيى: إستنى بس، هى بتبقى سرحانة فى مفيش، أو قاعدة على السرير مش بتعمل حاجة، أو سرحانة فى أغانى الكمبيوتر؟! إنت معتبرة سمعان الأغانى ده سرحان؟!

د. تهانى: آه، وكمان هى بتقول كده

د. يحيى: يعنى بتسرح فى الأغانى؟! ولا فى مفيش.

د. تهانى: لأ، يعنى تشغـّـل الأغانى، وتلاقى نفسها بتسرح برضه.

د. يحيى: مش فيه فرق يعنى بين واحد يقعد من غير أغانى ويسرح، وواحد يشغل أغانى، ويقول إنه بيسرح؟

د. تهانى: آيوه طبعا.

د. يحيى: هى بقى بتعمل إيه؟

د. تهانى: هى بتعمل الإثنين.

د. يحيى: إوعى تكونى إنتِ ولا هى بتستعملوا كلمة سرحان بمعنى تضييع وقتها؟!

د. تهانى: هوّا فيه الإثنين، هى بتشكى من الإثنين فى السرحان: إن هى تبقى سرحانة وقاعدة مابتعملش حاجة ومش مركزة حتى فى الأغنية اللى هى بتسمعها، وبرضه بتشتكى من إنها بتسرح فى الأغنية، بس مش فى معانيها وحاجات كده، لأه مجرد معاها، مع الغنيوة.

د. يحيى: هى مابتشتغلشى، مش كده؟

د. تهانى: هى لسه النتيجة ظاهرة الشهر اللى فات، هى عندها واحد وعشرين سنة يادوب.

د. يحيى: ويا ترى ده كان موجود ولو بسيط من صغرها؟

د. تهانى: هى قالت لى إنها وهى صغيرة هى لما كانت بتزعل أو بتضايق أو كده، كانت بتعمل حركة عصبية كده، كانت بتقعد تلف حوالين نفسها شوية وبعدين توقف.

د. يحيى: شوية قد إيه؟ وكان سنها كام ساعتها؟

د. تهانى: أظن سبع تمان سنين، وكانت تقعد تلف، مش فاكرة، ولا هى حددت قوى، يمكن دقايق.

د. يحيى: طيب واستشارت حد ساعتها، قصدى أهلها لاحظوا أو ودّوها لدكتور؟

د. تهانى: أيوه، هى راحت لدكتور ساعتها وإداها تجريتول فترة، وبطلت...

د. يحيى: بطلت لف ولا بطلت الدوا؟!

د. تهانى: بطلت الإتنين.

د. يحيى: اللففان ده كان له بداية محددة، فجأة، ونهاية فجأة؟

د. تهانى: أنا حسيت إن الدكتور شخصها “صرع”، بس هى لما بتوصفها دلوقتى يعنى حسيت إنها كانت زى هى عادة، طريقة فى التعبير، كانت بتيجى لما تزعل وتتعصب، وكانت دارية يعنى ساعتها.

د. يحيى: عموما ما نقدرشى نجزم قوى دلوقتى، المهم إنها بطلت لما كبرت، أو لما خدت الدوا، وبعدين بطلت الدوا، وسواء كانت صرع أو لأ، فالسرحان اللى هى بتشتكى منه دلوقتى شكله كده ما لوش دعوة، لأنه مش لحظى، ومش ثوانى وكده، يمكن يكون فيه علاقة غير مباشرة، إنما إحنا قدام حاجة تانية.

د. تهانى: أيوه، بالضبط كده، إحنا دلوقتى يعنى هى شكوتها الأساسية دلوقتى هو موضوع السرحان بالساعات وتضييع الوقت، زائد إن هى عندها صعوبة فى إقامة أى علاقات إجتماعية.

د. يحيى: طيب وانت عملتى معاها إيه بقى؟

د. تهانى: أنا حاولت أنظم لها اليوم بتاعها، وطلبت منها الأول إنها تسجل، يعنى تكتب، هى بتعمل إيه طول اليوم، عشان نحدد نفسنا نبدأ ازاى، يعنى نعرف بالضبط، كام ساعة كمبيوتر، وكام ساعة بتقعد لوحدها، وكده،، يعنى تسجل ميعاد صحيانها، وميعاد نومها، وبتعمل إيه بالتحديد من ساعة ما تصحى لحد ما تنام، ومشينا فترة فى فكرة التسجيل ديه، فبدأت شوية شوية تنتبه للزمن، وتعرف الأوقات يعنى اللى بتضيع منها قد إيه، وكده، ومن خلال ده هى عرفت تحسب كمية السرحان اللى بتقول عليه وأوقاته، فبدأت أكلفها بحاجات تانية بسيطة تشغلها، والحكاية تتحسن شوية بالنسبة للوقت اللى هى بتقضية فى البيت، يعنى الأمور اتحددت شوية.

د. يحيى: طب، وبعدين؟!

د. تهانى:... فيه حاجة كمان، أصل والدها ووالدتها منفصلين، مش مطلقين، وطول الوقت علاقتهم ببعض خناقات كتيرة جداً، من وهيا طفلة صغيرة لغاية دلوقتى.

د. يحيى: هى عايشة مع مين فيهم دلوقتى؟

د. تهانى: هى فضّـلت تعيش مع والدها، لغاية ما والدها راح ساب البيت ورجع بيت والدته، فهى فضـّلت إنها تتنقل إلى والدتها، هى ليها اخت واحدة أكبر منها ومتجوزة، وبعدين قالت لى إنها ماطاقتشى جو البيت لأن برضه مامتى وأختى بيتخانقوا على طول، فقالت لى إنى فضلت أرجع مع بابا أحسن.

د. يحيى: تروح معاه فين؟ مع أمه؟!!

د. تهانى: آه، شوية كده، بس جدتها إتوفت من شوية، يعنى حالياً هى قاعده مع والدها، والدها على المعاش، وبيعمل غسيل كلوى، وهى تقريبا اللى بتعملّه كل حاجة.

د. يحيى: عنده كام سنة؟

د. تهانى: 68 تقريباً هى اللى بتدير شئون البيت كلها، ومستريحة جداً لده.

د. يحيى: إنت قلتى بتشوفيها بقالك أد إيه؟؟ فكرينى كده.

د. تهانى: من سبع شهور.

د. يحيى: السؤال بقى؟؟ إحنا طوّلنا شوية لحد ما اتعرفنا عليها أكتر، معلشى.

د. تهانى: السؤال إنى أنا مش عارفه أعمل إيه دلوقتى يعنى بعد مانجحت واتخرجت.

د. يحيى: تشتغل، مش برضه كده، أمال هى كانت بتتعلم ليه؟!!

د. تهانى: أنا بازقها شوية ناحية الشغل لإنى أنا حسيت إنها بتحاول إنها تخش تدرس دراسة تانية، دراسات عليا يعنى، بدل ما تشتغل.

د. يحيى: بصراحة حكاية الدراسات العليا دى للبنات اللى زى العيانة بتاعتك دى، وعموما، أنا ما باعتبرهاش شغل، كتير باشوف إنه هرب إلا لو كانت واخدة مسار أكاديمى يلزمها بالدراسة دى، وساعتها بتبقى بتشتغل برضه غالبا وهى بتدرس. هو فيه احتمالات للشغل واردة كفاية بالنسبة للشهادة بتاعتها دى؟

د.تهانى: المفروض آه فى مجالها، بس هى بتشتكى من صعوبة إقامتها العلاقات عموما، والشغل بيمثل لها تجسيد للصعوبة دى.

د. يحيى: شفتى ازاى؟ وبتقولى لى دراسات عليا؟ طب واحتمالات الارتباط.

د. تهانى: هى قافلة الباب ده طول الوقت، رافضه الكلام فيه من أصله.

د. يحيى: طيب، وانت عايزة منى إيه؟

د. تهانى: أنا مش عارفه أكمل معاها إزاى، هى تقريباً بتيجى الجلسة يعنى ماعندهاش حاجه تقولها، يعنى أنا طول الوقت باحاول فى الجلسة أحركها، أسألها عن الحاجات اللى اتفقنا عليها، زى ما يكون أنا اللى باتكلم أكتر، مش هى.

د. يحيى: يعنى هى بتيجى ليه بقى، عشان تسمعك؟

د. تهانى: طيب وأنا أعمل إيه؟ هى بتييجى ومصرة إنها تيجى، أقول لها ما تجيش؟ ولا نقعد ساكتين؟

د. يحيى: ما هو إصرارها إنها تييجى فى حد ذاته دليل على إنها عايزة حاجة منك، وبتاخدها فعلا، يمكن من وراكى، ما طول ما هىّ بتيجى، ما دام قادرة ماديا، وما فيش ضرر واضح، أدى إحنا منتظرين الفرج.

د. تهانى: يعنى دلوقتى أعمل إيه؟

د. يحيى: مش إحنا إتفقنا إن “العادى هوه العادى” (3)، وإن دى البداية مهما كان دمها تقيل، هو العلاج النفسى إيه غير إن الواحد يرجع يبدأ عادى، وبعدين يتصرف إن كان عايز يخطى العادى وقادر يدفع التمن، واحدة زى دى، إتخرجت وسنها واحد وعشرين سنة، يعنى ما عادتشى ولا سنة، صحيح جامعة خاصة لكن أهو شهادة وفرصة، لو انت أمها أو أبوها أو أختها الكبيرة اللى متجوزة، تبقى عايزه لها إيه؟ مش إنها تشتغل وتتجوز، مش ده هوا العادى؟ لازم يبقى الهدف العادى واضح وبسيط قبل الفذلكة النفسية والنمو والحاجات التانية دى، مش كده برضه؟

د. تهانى: آه.

د. يحيى: نيجى بقى للعيانة بتاعتك، إنت عارفة وسمعتينى ميت مرة باقول إن موقفى من مريضاتى البنات بالذات، هو زى موقفى من بناتى بالضبط، فلاّحْ وعايز يسترهم، وأنا كررت الحكاية دى لحد ما اتكسفت، بس مش لاقى بديل، لكن أنا قلتها وباتحمس لها أكتر لما البنت تجيلى وعندها 26 سنة أو 28 سنة، إحنا هنا لسه 21 سنة، إنما برضه الفلاح فلاح، والعادى عادى، يبقى تحطى فى مخك الهدفين الأساسيين دول، وهما مش بس أهداف، دول هما مقاييس برضه إنها استقلت ودخلت الحياة الواسعة ومالهاش خيار قوى إنها تتراجع، العمل مجتمع بيصهر الناس، والبنات والستات أكثر، وبيديهم فرص أوسع، ده المفروض يعنى، الدراسة مجتمع برضه بس حاجة تانية، مجتمع اختيارى حبيتن، خصوصا فى الجامعات الخاصة، أنا مش حاطوّل فى النقطة دى لأنى إتكلمت فيها كتير قبل كده، يبقى نحط الأهداف البسيطة العادية فى دماغنا، ونكمل من غير ما نزن عليها بشكل مباشر، ما دام قدامنا وقت معقول.

د. تهانى: يعنى دلوقتى أنا أعمل إيه؟

د. يحيى: البنت دى لازم تشتغل بأسرع ما يمكن، فى مصر هنا فى بلدنا أنا ماباقدرشى أعالج أى واحد ما بيشتغلشى إن شالله يكون مليونير، الشغل عندى هو أساس العلاج، أو ساعات شرط العلاج، والباقى تحابيش مساعدة، والشغل عندى بالنسبة للبنات والستات أنا باهتم بيه ساعات أكتر من الشغل بالنسبة للرجالة، وهى إيه موقفها من الشغل.

د. تهانى، أنا قلت لحضرتك إنها ما بتشتغلشى، وحتى بتتهرب من ضغطى عليها إنها تشتغل.

د. يحيى: أنا باحاول أنبهّك إنها بتشتغل ممرضة لأبوها، وبتشتغل أمّه ساعات، وبتشتغل شغالة فى البيت، وبتشتغل مديرة منزل، بس كل ده شغل مابيتسماش شغل من ناحية، فما بتاخدشى عليه مقابل، ثم إنه هرب من ناحية تانية، كله: يا إما روتين، يا إما تضحية مثالية وهى قافلة على نفسها، وخلاص. العمل فى بلدنا بالذات، هو البنية الأساسية بتاع الحياة كلها حتى لو عمل مغترب، حتى لو متنيل بستين نيلة، فهو الفرصة الواقعية الحقيقية للتواجد الإيجابى، سيبك من حكاية البطالة دى، هىّ موجودة صحيح لكن إحنا بنركز على أى شغل منتظم حتى بدون مقابل حتى فى غير التخصص، ودى مجرد مرحلة فى العلاج لحد ما الفرص تتحسن.

د. تهانى: ما هى بتقول لى إنها لما حا تشتغل حا تسيب أبوها لمين؟

 د. يحيى: كلام كريم وطيب، إنما أعتقد إن أبوها فى قرارة نفسه مش موافق عليه، ده إذا كان أب مصرى عادى طيب، إنتى متصورة يعنى إيه أب عنده 68 سنه وبيغسل غسيل كلوى، دى حاجة كده زى ما يكون بيعمل عملية جراحية كبيرة كل كام يوم، إحنا ما يصحش نضحى بحد عشان حد، خصوصا إذا كانت المسألة مالهاش آخر، ثم إن ربنا موجود، حايدبرها، البنت تعيش حياتها، وما تتخلاش عن أبوها، والأمور تتنظم فى حدود الإمكانيات والواقع، بس مش على حسابها.

د. تهانى: طيب ولحد ما تشتغل، أعمل إيه فى شكوتها من السرحان، والفراغ دول؟

د. يحيى: أولا إنت عملت اللازم لما بدأت بتنظيم اليوم للتعرف على التفاصيل، وبعدين نفحص الحاجة اللى بدأنا بيها، لما كنا بنحاول نميز أنواع السرحان، ما هو سرحان عن سرحان يفرق، إنت ما قلتيش مثلا حاجة عن أحلام اليقظة، بس الظاهر إن البنت دى مش سامحة لنفسها حتى بأحلام اليقظة، فإحنا هنا يا ترى نبدأ بالوقت الفاضى، ولا بالسراحان؟

إحنا بعد ما نرسى على كام ساعة سرحان حاف، وكام ساعة أغانى بسرحان وكام ساعة أغانى من غير سرحان، حا نعرف بالضبط هى قصدها إيه بالسرحان.

د. تهانى: مش فاهمة قوى.

د, يحيى: أصل أنا يعنى اليومين دول باعيد النظر فى حكاية السرحان وعدم التركيز اللى العيانين وحتى الناس العاديين عمالين يكرروها ليل مع نهار، أنا اكتشفت إن المخ البشرى ما يعرفشى يبطل تركيز وبرمجة طول الوقت، التركيز مش ضرورى أبدا الواحد يكون واعى بيه، الواحد بيعرف إنه ركز بالنتيجة، ده فيه تجارب فى التعلم إن الواحد ممكن يتعلم حاجات وهو نايم، يعنى بيركز وهو نايم، دا أنا دلوقتى كقاعدة تقريبا باقول للعيال اللى بيذاكروا إنهم يذاكروا من غير تركيز وعلىَ، دا الواحد منهم بيبذل جهد فظيع عشان يخلى مخه يبطل تركيز، تحت عنوان إنه ما بيركزشى وعايز يركز الأول عشان يعرف يذاكر، زى ما يكون التركيز تسخين قبل الماتش، مع إنه هو الماتش نفسه وبيحصل تموتيكى زى لعيبة الكورة أثناء الماتش بيبقى اللعب منطلق حسب التمرين مش حسب الوعى بالتركيز، دا لو لعيب كورة ركز بمخّه وحسبها قبل رجليه، عمره ما حايجيب اجوان، ومع ذلك أنا متأكد إن مخ العيال اللى بيذاكروا دول بيركز من وراهم، والدليل على كده النجاح اللى بيحققوه من غير تركيز حسب اتفاقنا، دا أنا حتى باقول لهم أنا موافق على عدم التركيز حتى لو تنقلوا الكتب نقل مسطرة يعنى تحسين خط، وأطمنهم إن المخ حايسرق المعلومات اللى هوا عايزها من وراهم، دا ساعات الواحد منهم يشتكى من عدم التركيز قبل ما يفتح الكتاب من أصله، يا شيخه إهجمى على البنيه واسمحى لها إنها تسرح فى الأوقات اللى خصصتوها مع بعض للسرحان.

د. تهانى: هوا إحنا خانخصص وقت للسرحان؟ إزاى؟

د, يحيى: هى المسألة بتبان كأنها واخده شكل كاريكاتيرى شوية، خصوصا عند الأهل اللى بيتخضوا ويرفضوا الكلام ده بشدة، وبيفتكروا إنى حا ابوظ العيال، إنتى عارفه إن ده بقى علاج معرفى موضة، حكاية “القبول بما هو الآن،” و”البدء منه”، المسألة دى أنا باعملها دلوقتى فى حاجات كتيرة، واحد ييجى يقول لى أنا بانسى، أقول له ألف مبروك، يعنى حا تفتكر إيه يا خىْ، يضحك، أنا اطمنت لما الخواجات طلعوا علاج موضه وإدوله إسم دمه خفيف إسمه “علاج القبول والالتزام (4)، السرحان هنا فى الحالة دى شكله كده مش عجز عن التنشين على بؤرة الواقع، دا باين زى ما يكون ده ميكانزم ممكن نعتبره ميكانزم جيد أحيانا، طب البنيّة دى لو ما سرحتشى حا تفكر ليه؟ ولا حاتفكر فى إيه؟ حاتفكر فى أبوها اللى بيعمل غسيل كلوى كل كام يوم، ولا فى أمها اللى مش طايقاها، فهى لقت الحل فى السرحان، صحيح حل مش هوه، إنما أهو حل والسلام، ولأنه مش حل سليم جت تشتكى منه، على شرط إنها ما تتنازلش عنه إلا إذا لو لقت حل أحسن، مش هى دى وظيفة العلاج اللى انت بتعملية، ولا إيه؟ العلاج إنك تساعديها وهى معاكى إنها اتلاقى حل أحسن منه، لقدّام، مش هرب وتضحية وهى بتلف حوالين نفسها.

د. تهانى: أيوه، بس مع إنها بتييجى كل أسبوع ومنتظمة بقالها 7 شهور، شايفاها مابتتحركشى، وصعبانة علىّ.

د.يحيى: بصراحة عندك حق، ولو إنى ما باحبشى الصعبانية، بس متشكرين إنك مهتمة وصابرة كده، دا أنا تصورت إنها بتيجى الجلسة تسمعك زى ما بتسمع الأغانى، وهى سرحانة برضه

د. تهانى: (تضحك) باين كده.

د. يحيى: البنت صغيرة، وظروفها صعبة، وما اتعطلتشى فى الدراسة، وانتظامها ده دليل على إنها بتاخد منك حاجة كويسة، وإنها عايزة الحاجة دى، بس والنبى شوية شوية سيبيها تتكلم أحسن أنا خايف تكونى اتعودتى انك انت اللى تتكلمى وخليكى وراها  لحد ما تشتغل، وبعدين تفرج.

د. تهانى: حاضر.

****

التعقيب والحوار:

د. محمود حجازى:

حكاية إن العيان ييجى ومنتظم رغم إنى مش عارف هو بيجى ليه، بقت مزعجة ليّا، أحيأنا بابقى مش عارف أقدم له حاجة ورغم كده بيجى زى الحالة دى. ساعات أنشغل وأسأل نفسى: هو بيستفيد إيه من ده، زى ما حضرتك بتقول.

د. يحيى:

الطب يا محمود هو ممارسة واقعية عمليه، (إمبريقية)، نحن –البشر- نتواصل مع بعضنا البعض (بما فى ذلك الطبيب والمريض) على أكثر من محور، والتفكير المنطقى، بما فى ذلك العثور على إجابة السؤال اللحوح “لماذا؟” هو أحد هذه المحاور؟ سؤال “هوّا بيجى ليه”؟ يشير إلى هذه “اللماذا؟” الغبية أحيانا، ويوجد للإجابة عليه سؤال أذكى ذكرته أنت فى تعقيبك “هو بيستفيد إيه؟” والإجابة أنه بيستفيد ما يجعله يأتى بانتظام سواء عرفناه أم لم نعرفه، الأمل فى الشفاء وحده ليس كافيا، لابد أن تكون هناك فائدة –قد لا نعرفها حالا– هى التى تجعله يأتى بهذا الانتظام.

 طالما أنه لا توجد مضاعفات لمجيئه، طالما أنه لا يوجد من هو أوْلى بوقتك منه، وأنت الطبيب، فهذا حقه أن يأتى، وأنْ يأخذ منا مالا نعلمْ، وسيعلمك الزمن والنتائج الطيبة “هو بيستفيد إيه من دهْ!”.

أ. محمد المهدى:

نبهتنى الحالة إلى أنه فى بعض الحالات أريد لبعض مرضاى أهدافاً علاجية تسير بهم نحو النمو الولافى الخلاق الذى لا يكونون هم مستعدين له، لقد شُدِدْتُ فى اليومية بعبارة أن “العادى هو العادى“، ووجدت أنها تعطينى مساحة أرحب لتكون الأهداف العلاجية محددة فى البدء بما هو معتاد، أما التغير ومسئوليته فإنه اختيار مشترك بين المريض والمعالج.

د. يحيى:

هذا صحيح، وهو بعض ما نسميه “إعادة التعاقد”، بعد تحقيق “العادى الذى هو عادى” كهدف مبدئى، إذا توقفنا عنده فخير وبركة، وإذا تجاوزناه بعقد جديد فالله والعلم والنقد والإبداع معنا، ونحن نتعاقد مع المريض من جديد بعد تجاوز كل مرحلة، نتعاقد حتى وإن لم نعلن ذلك تحت اسم “تعاقد”.

أ. محمد إسماعيل:

متى نعرف أن للمريض الحق فى الحل “بتاعه”؟ ومتى نحكم عليه أنه مُعطل أو معوق؟

د. يحيى:

برجاء قراءة ردى على الابن محمد المهدى حالاً، وتأمل أن “العادى هو العادى”، وتذكر أن “كل مَنْ” يعمل وينام، ويتعامل مع من حوله ويصبر عليهم، ولا يضرّ، ولا يضار، هو فى السليم..  وهو يمضى “إلى ما يمكن أن يكونه”…!!

أ. محمد إسماعيل:

الآن فهمت كيف أن المخ مايعرفش يبطل تركيز… ؟

وأيضاً فكرة السماح بالسرحان فكرة جيدة ومفيدة.

 د. يحيى:

وأنا فهمتها أكثر حين كتبتُها، وحين قرأت تعليقك.

د. نعمات على:

لا أفهم كيف يأتى المريض بهذا الانتظام فى الجلسات دون أن يظهر عليه تغيير أو يحدث اختلاف، فيمكن أنه يأتى ليحصل على موافقة الدكتور على مرضه، وفى نفس الوقت حضرتك قلت إنه أكيد بيستفيد طول ما هو بيجى، كيف أفرق بين هذا، وذاك.

د. يحيى:

لكل حالة مقاييسها للرد على هذا السؤال، وأول مقياس هو المقياس العادى، وأكرر: “العمل والنوم، والحركة (ليست فى المحل) والعلاقات المناسبة مع المحيطين : “هات وخد”، وبعد ذلك تُفْرج، أو كفاية كدا.

أ. رباب حمودة:

أنا مافهمتش السرحان، هو معقولة انه يكون بالسبع تمان ساعات وحتى لو فى الأغانى؟ ده مش معقول تكون بالفترة دى.

أنا وضعت نفسى مكان المريضة مالقيتش ولا حسيت إنى ممكن أسرح كل الوقت ده.

غريبة برضه إنها تروح لدكتور عشان السرحان، وبرضه، عشان اللازمة وهى صغيرة كده، ليه راحت لدكتور عشان ده، أو ده؟

د. يحيى:

ما الغرابة فى أى من ذلك يا رباب؟ من حقك أن تندهشى مما لم يقابلك من قبل، لكن لابد وأن تحترمى الدوافع المختلفة عند من يطلبون العون.

ثم أننى ناقشت المعالِجَة (الدكتورة) موضحا أن للسرحان أشكالا وألوانا؟ المريض يعبر عن حالته أحيأنا بألفاظ عامة لها استعمالات خاصة بالنسبة له. خلِّ بالك.

أ. رامى عادل:

يعنى هى حاتسرح لحد ما تطلع القمر؟! وهل سيبقى السرحان على صوابها، أم سيطيره، ممكن البنية تكون عايشة حالة وجد، أو عايزة تعيشها، وتشوف، والسرحان بيوصل للى ميقدرش المخ يوصله بصحيح، لكن الدماغ بتهنج وتزرجن، وتدمن الحالة دى من التوهان، رغم الوهم اللى البنية معيشه روحها فيه ومش مكفيها، لأنه غير الشرود، ده بارادتها، بتشغل دماغها يعنى، وبنشوف فنانين ماسكين روسهم، قال إيه بيفكروا، يبقوا يقابلونى لو عرفوا يوقفوها، والبنية معذوره، لإن الزهق يخلى البنى آدم يخترع، خلوا بالكوا من دماغاتكم، لإن السكة دى خطرة طالما بقصد، ممكن تطق.. وممكن تبدع تنتج تثمر ترج، المهم ضبط الجرعة.

د. يحيى:

شكراً يا رامى

وياليتك تقرأ نهاية تعقيبك وأنت تقول:

المهم ضبط الجرعة.

أ. أحمد سعيد:

هل من الممكن فعلا أن يكون السرحان من غير أى فكرة، أو حتى من غير أحلام يقظة؟

أنا شايف إن السرحان ده شبه السلوكيات الوسواسية الملحة، وتصورى إنها بتركز على أى حاجة “معنوية أو مادية” ولو حتى كانت من غير معنى وماهياش قادرة تستغنى عن ده، لأنها بتلاقى فيه وسيلة مؤقتة تحميها من التفسخ على أى مستوى لأنها الظاهر بتبعد بيه عن كل الضغوط الداخلية والخارجية.

د. يحيى:

يجوز،

لكن غالبا – فى هذه الحالة – هى ليست واعية تماما بهذه “الحاجة” التى تتكلم أنت عنها وتفترض أنها تسرح فيها، سواء كانت معنوية أو مادية، كل واحد له الحق أن يسرح فى ما يريد، أو بعيدا عن ما يريد، هذا لو اتفقنا على تعريف محدد جامع مانع لما هو “سرحان”؟ وهذا صعب غالبا.

[1] –  يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net

[2] – نشرة الإنسان والتطور: 18-1-2009 www.rakhawy.net

[3] – Normal things are normal نقولها عادة بالإنجليزية للأسف

[4]– (ACT) Acceptance Commitment Therapy . www.rakhawy.net

 admin-ajaxadmin-ajax (1)

6 تعليقات

  1. المقتطف د تهاني :هى قالت لى إنها وهى صغيرة هى لما كانت بتزعل أو بتضايق أو كده، كانت بتعمل حركة عصبية كده، كانت بتقعد تلف حوالين نفسها شوية وبعدين توقف.
    التعليق :. حسيت يا دكتور يحيي زي ما تكون العيانه بدات لف حولين نفسها من بدري سواء بالحركة الجسمية دي مع الحذر من ربط ده بسرحانها ولفها حوالين نفسها او بعيد عن نفسها دلوقتي …

  2. المقتطف يا شيخه إهجمى على البنيه واسمحى لها إنها تسرح فى الأوقات اللى خصصتوها مع بعض للسرحان.
    التعليق: تكنينك وصفة الاعراض دا فعال يا دكتور يحيي وبرا مدرستنا بيتخضوا منه لكنه فعااال في التوقيت المناسب

  3. تعليق عام
    مش عارف قريت سرحانها وكانه تركيز لو نفع استخدام تعبير سرحان مُركّز ..محستهوش الوجه الاخر للتركيز حسبت العيانه مركزه في انها تسرح .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *