الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (17) “الأولاد ليسوا مشروعاً استثمارياً”

مقتطف من كتاب: “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه” الحالة: (17) “الأولاد ليسوا مشروعاً استثمارياً”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 23-6-2021

السنة الرابعة عشر  

العدد: 5044

الأربعاء الحر:

مقتطف من كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه (1)

الكتاب الأول الحالات: من (1) إلى (20)

تذكرة:

ننشر اليوم، وكل أربعاء، – كما ذكرنا – عملاً أقل تنظيرا وأكثر ارتباطا بالممارسة الكلينيكية العملية وخاصة فيما هو “العلاج النفسى”، فنواصل نشر الحالة (15) من الكتاب الأول من سلسلة الكتب الخمس التي صدرت بعنوان “بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ولا يحتاج الأمر إلى التنويه إلى أن أسماء المتعالجين ليست هي الأسماء الحقيقية، وأننا حورنا أى معالم قد تدل على صاحبها احتراما لحقوقه وشكرا لكرمه بهذا السماح بما يفيد من قد يمر في مثل محنته، أو خبرته أو علاجة!

جزى الله الجميع عنا خيرا

****

الحالة: (17)

الأولاد ليسوا مشروعاً استثمارياً  (2)

د. عبده أحمد: هو حاله حضرتك محولهالى بقالها دلوقتى معايا سنتين تقريبا، شاب عمره دلوقتى 20 سنه ماشى فى الـ 21 فى سنة تانية كلية قمة جامعة إقليمية.

د.يحيى: آه آه…، أخباره إيه؟

د. عبده أحمد: أخباره مش تمام، يادوب نجح فى مادتين سهلين.

د.يحيى: طب وبعدين؟!

د. عبده أحمد: يعنى هو زى مايكون كل ما نيجى نواجهه بالموقف بتاعه يقول أنا عاوز أتقدم، أنا عندى أمل، مش عارف إيه، نفس الكلام، هوه هوه

د.يحيى: وبعدين؟

د. عبده أحمد: وبعدين الأهل موقفهم مايع، أنا مش مصدقهم، عمالين يقولوا موافقين موافقين، يعنى بيقولوا اعملوا كل اللى انتوا شايفينه مناسب إنشا الله حتى لو يسيب الكلية خالص، أو يسيب الدراسة خالص، شكلهم كده يعنى إن هما عايزين يفهمونا إنهم حاطين ثقتهم فينا.

د.يحيى: بيقولوا كده بأمارة إيه!!؟

د. عبده أحمد: ما أنا مش مصدقهم طبعا.

د.يحيى: أنا فاكر أخوه كان معاه لما جه الكشف أول مرة، حاجة زى كده.

د. عبده أحمد: أخوه سبقه فى نفس الكلية برضه.

د.يحيى: سبقه؟!! وهوّا أصغر منه!

د. عبده أحمد: بقى فى سنة تالتة .

د.يحيى: طيب وأخته؟ أظن هى كانت فى نفس السكة برضه.

د. عبده أحمد: أخته حصّلتُه بقت معاه.

د.يحيى: كده!! كده!؟

د. عبده أحمد: أيوه.

د.يحيى: اسم الله، اسم الله! وبعدين؟

د. عبده أحمد: وبعدين أنا مش عارف أعمل إيه فى الحقيقة، يعنى فكرت يدخل المستشفى للتأهيل ويذاكر، حصل ييجى أسبوعين ما نفعشى، خرجته، قلت ييجى المستشفى النهارى، النتيجة هى هى.

د.يحيى: وبعدين؟ هو ما عندوش أى أعراض تانية غير الوقفة دى؟

د. عبده أحمد: هو سلبى على طول الخط، حسب كلامهم يعنى هو ما عندوش أى أعراض تانية غير شوية شكوك على أخته وحاجات زى كده، وحتى دى اختفت كلها مافيش دلوقتى غير أعراض سلبية اللى هى الإقامة المتصلة فوق السرير.

د.يحيى: سرير انفرادى يعنى؟

د. عبده أحمد: تقريبا.

د.يحيى: والسؤال بقى؟

د. عبده أحمد: ما أنا سألت، هو بياخذ دلوقتى أدوية بجرعات محترمة عشان الأعراض السلبية دى.

د.يحيى: عايز الحق ولاّ ابن عمه؟!

د. عبده أحمد: ابن عمه.

(ضحك).

د.يحيى: أنا من يوم ما شفتة من قبل ما أحوله لك بأسبوع أو أسبوعين وأنا حاسس بالشعور ده اللى انت حاسس بيه دلوقتى، كنت حاسس برضه إنى مش عارف أعمل له حاجة، بس كان أياميها بقى كنت حاطط اللوم على أهله، كنت حاسس إن المصنع اللى أقاموه فى الخليج له وظيفتين، إنه يجيب فلوس ويدخّل العيال الكلية دى، واهو كله استثمار، ما دام أبوهم بيكسب فلوس ومضحى ومتغرب، يبقى لازم يحقق أحسن حاجة فى كل حاجة، أحسن عيال، وأحسن نمر، وأحسن كلية، وأحسن مفرش سفرة، وأحسن طقم صالون، وكلام من ده، إحنا قلنا الحكاية دى كذا مرة، كأنها بقت قاعدة، تلاته فى نفس كلية القمة، باسم الله ما شاء الله، إتنين سلكوا، يبدوا إنهم بقوا شركا فى المشروع، وواحد رقد فى الخط راح واقف وقال مش لاعب، مش عايز، مش أنا، بس ما اعـْرِفـْشـِى يحط بديل، قال لأ، وانسحب لزنزانة العيا الانفرادى على المرتبة فوق السرير فى أودته، يعنى يا عم الدكتور عبده عايزنى بعد كده أثق فى وعود الأهل الغلابة دول لمّا يقولوا لك إعملوا اللى انتو عايزينه، احنا واثقين فيكم! أهو كلام!!!

أنا باخد عليك وعلىّ إن المدة طالت زيادة عن اللزوم، لو كنا وضعنا الحكاية أبيض واسود من الأول يمكن كانوا فاقوا، بس الصعوبة إنهم مسافرين، ما فيش هنا معاه غير أخوه وأخته اللى ماشيين زى القطر، أنا عادة لما باعرض العرض البديل ده، بيبقى زى الصدمة، باقولهم يا إما يشتغل بكره بكره، سبع ساعات يوميا، أو حتى بالتدريح نبتدى ساعتين عمل يدوى تزاد ساعة كل أسبوع، وعمل بحق وحقيق، يا إما يذاكر فورا ويروح الكلية يوميا ونتابعه كأنه فى سنة أولى روضة واللى يحصل يحصل، وهو اللى يختار، الولد عادة ساعتها يبتسم ويبص لأهله عشان عارف إنه ضامنهم إنهم بعد كل الغربة والشقا ده مش حا يقدروا يشوفوا إبنهم بيشتغل عمل يدوى، أنا ليه باقول لك الكلام ده، عشان حكاية إن إحنا اتأخرنا فعلا، أنا بافكرك بحكاية “يشتغل بكره دى”، مش بعد سنة ونص يا عم عبده، هم بيقولوا يسيب الدراسة، أو يسيب الكلية بس إيه اللى جوا جواهم، هما مش مستعدين إنهم يعلنوا إن تلت المصنع اتقفل (ما هم تلاتة)، مع إن المسألة خسارة ألعن بمرور الوقت، خلى بالك إن الزمن مش فى صالحنا، المخ بيكسل يجمّع ويربّط لحد ما يقف، والإرادة بتتشل، والعواطف بتتبلد، بمرور الوقت، ونتيجة للحبس الانفرادى فوق مرتبة السرير، تلاقى التشخيص اتحول من صعوبة تكيف وموقف احتجاجى إلى شلل عام بقى زى ما انت شايف، وهات يا شيزوفرينيا سلبية وكلام من ده، والحكاية بدأت بقلة المذاكرة لواحد متفوق زيه زى أخواته، والإحراج لما تحاول تفهمهم أصل وفصل الحكاية، يقولوا لك إشمعنى اخواته، ماهم فى نفس الظروف، عندهم حق، بس الاختلافات الفردية بتسمح بكل التباديل السلبية والإيجابية.

د. عبده أحمد: يعنى نعمل إيه دلوقتى؟

د. يحيى: إذا كان الاهل جادين فى قبول النصيحة، وأنا مازلت بعد سنتين باشك فى جديتهم، مش باتهمهم يعنى، لأ دى مسألة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذا كانوا جادين فعلا نبتدى مغامرة الرجوع إلى أرض الواقع، نوقف قيده رسمى، ويشتغل بكره، واللى يحصل يحصل. خلى بالك وقف القيد غير سحب الأوراق، أنا ساعات باغامر بسحب الأوراق لما ألاقى اللاشعور بتاعهم أو بتاعه بيلاعبنى، إنما بشرط واضح إنه يشتغل 8 ساعات مع واحد معلم حلو وجدع، أظن لو الحكاية جد جد، شهر اتنين خمسة حايقول “حقى برقبتى”، ويرجع يتفوق تانى وبعدين تفرج بعد ما يتخرج، الاحتمال التانى اللى هو ألعن، وما باحبـُّوش برضه هو إنه يحول من كليته الهايلة دى إلى كلية مالهاش أى لازمة، عنده أو عندهم، أهى شهادة والسلام، وأنا ما اضمنشى ساعتها حايكمل بجدية ولا لأ، حتى فى الكلية الخايبة الجديدة دى.

د. عبده أحمد: يعنى أبدأ معاه ومعاهم تانى بهذا الشكل؟

د.يحيى: طبعا ربنا يقدرك.

د. عبده أحمد: بهذا الوضوح؟

د.يحيى: أيوه، بس أنا رأيى تضمن الأهل الأول، إوعى تفتكر إننا اتأخرنا يعنى نبطل محاولة، اتأخرنا، ماشى، لكن ملحوقة، ويمكن قبل كده الأهل كانت حا تبقى مقاومتهم أكبر.

د. عبده أحمد: إزاى؟!

د.يحيى: خلى بالك، الأهل حا يقولو لك إعملوا اللى انتو عايزينه، إوعى يسرقوك يوم بعد يوم تانى، بكره يعنى بكره، نبقى يوم التلات تقولهم يروح لورشة الميكانيكى اللى جنبكوا يوم الأربع، وتدوا للمعلم الميكانيكى فلوس عشان يشغله بلية عنده، 8 ساعات يوميا، الخواجات يقولوا لك حرية ومش حرية، لكن عادة مافيش أب بيصرف على ابنه وهو عنده 21 سنة ويسيبه يِدْفى فى السرير كده، احنا بلد غلابة مش حِمْل الكلام اللى ببلاش ده، الحرية هى إنه يخف الأول ويستقل، ويكسب عشان يعرف يبقى حر، مش يقعد على المرتبة عالة على أهله بقية عمره، لما تبقى الحكومة تعمل تأمينات، وتستغنى عن اللى زيه طول العمر يبقوا يقولوا حرية، إنما طول ما احنا هنا غلابة، والناس بتثق فينا، نعمل كل الصالح لحد ما العيان يرجع كائن حى نافع، واللى يحصل يحصل، مش كده ولا إيه؟

د. عبده أحمد: كده،….. ربنا يسهل

د.يحيى: حايسهل، ما دام نعمل اللى علينا، حايسهل.

****

التعقيب والحوار:

د. على الشمرى:

فكرة العلاج بالعمل فكرة ممتازة ربما تعيد توسيع مساحة الوعى لدى هذا الطالب والمريض فى نفس الوقت، ولكن فى بعض الأحيان يكون التخصص يمثل مشكلة بالنسبة للطالب وقد تتحول إلى مشكلة مرضية خاصة إذا لم يتوافق التخصص مع القدرات والاستعدادات والميول والسمات الشخصية وهى شروط أساسية للنجاح عادة نهتم بها كثيرا فى عالمنا العربى.

د. يحيى:

أعتقد أنه ينبغى علىّ أن أوضح أكثر ما ذكرته فى حالة الإشراف هذه، وهو ما لا ينطبق عليه الشائع التقليدى المسمى العلاج بالعمل (3)، إن ما أعنيه هو أن مجتمعاتنا وثقافتنا التى تفتقر إلى مظلة التأمين الشامل، والتى تمارس علاقة واهية بكل ما هو عمل أو إنجاز أو إنتاج، وأيضا العلاقات مخلخلة بقيمة الوقت وإيقاع الزمن، كل هذا يحتاج منا أن نضع العمل العادى فى الحياة (وليس عنوان العلاج بالعمل) فى موضع متقدم ومحورى، كوسيلة علاجية عملية طول الوقت، وأيضا باعتباره محكّا لمسيرة العلاج، هذا ما كنت أعنيه تقريباً، ودائماً.

ومن فرط اهتمامى بأن يتضح هذا المفهوم، الذى يتكرر ذكره كثيرا هنا فى باب “الإشراف عن بعد”، وأنا أميزه عن غيره، حاولت أن أنحت له اسما خاصا هو “العمل العلاجى” (4) لأميزه عن “العلاج بالعمل”، وأعنى به أن العمل، “حالة كونى أعمل”: هو نفسه المحك الأساسى للصحة وهو شرط أن أكون سليما، وفى نفس الوقت هو الطريق إلى السلامة.

ولا ننسى حكمة فرويد قبيل رحيله حين أوجز تعريف الصحة النفسية فى: “أن نعمل” و”أن نحب”.

 هذا أقرب إلى ما أعنيه.

د. على الشمرى:

هناك طريقة تستخدم فى بعض المجتمعات الغربية ولا أعرف هل يمكن تطبيقها لدينا أم لا؟ سواء من حيث الإمكانيات، وتتلخص هذه الطريقة “أن يأتى الشخص وبمحض إرادته ويدخل فى تجربة تتميز بنمط حياة صارم ويواجه ضغوط نفسية حقيقية (لمعرفة واختبار القدرة على التحمل) ويعيش بظروف فيها شى من القسوة والعزلة والمفاجآت غير السارة لمدة أسابيع أو أشهـُر حسب الإتفاق. والذين خرجوا من التجربة أشاروا أن فى حياتهم جوانب جميلة جدا لم يدركوها إلا بعد التجربة وأنه حدثت تغيرات مهمة فى حياتهم، ربما تصلح هذه الطريقة لمثل هذه الحالة لإحداث تغيير جوهرى فى حياة الإنسان.

د. يحيى:

أعتقد أن هذه التجربة هى قريبة نوعا ما مما نمارسه فى المجتمع العلاجى الذى أنتمى له فى المقطم، قد يكون الفرق فى درجة الاختيار، لأننا نمارسه مع أغلب المرضى باعتبار أنهم اختاروا “المجتمع العلاجى” بكل تفاصيله ومن بينها هذه الظروف القاسية، أو قل الخشنة، نسبيا. ربما.

د. نعمات على:

لا أعرف لماذا هذا الولد توقف ولم يتوقف أخوه وأخته؟؟

د. يحيى:

هذا سؤال مهم، خاصة حين تكون الفروق شديدة جداً، أخ مهذب ورائع ومتفوق، وأخت نموذجية (بالمقاييس التقليدية). وأخوهما متوقف أو منسحب أو على وشك التفسخ هكذا.

المنطلق الأساسى هو أنه لايجوز الربط المختزل بين السبب والنتيجة، فلا نحن متأكدون من طبيعة وحدود السبب مثل فساد الجو الأسرى، ولا نحن واثقون أن ما حدث هو نتيجة له، كما أنه علينا أن ندرس جيدا كل حالة سوية أو مرضية، على حدة، باعتبارها حالة فريدة حتى لو وجدت فى نفس الظروف حيث أن أية كلمة هنا أو موقف هناك قد يحـّول مسيرة النمو كلها إلى هذه الوجهة أو تلك.

أ. منى أحمد:

أنا رأيى إننا نوقف قيده زى ما قال د. يحيى ونخليه يشتغل عند شخص موثوق فيه حتى لو حاتعطى للشخص ده مرتب المريض عشان يحس المريض بأنه اشتغل وجنى ثمار ذلك، ربما يغير مما هو فيه.

د. يحيى:

برجاء أن تنتبهى أن الأرجح أن الأهل عادة لا يوافقون، وإن وافقوا فإنهم سرعان ما يتراجعون، بعد بضعة أيام لا أكثر حسب تجربتى للأسف.

أ. منى أحمد:

ويمكن أن يكون الشغل له نتاج جانبى.

الأول: أن يعود المريض لتفوقه ويبتعد عن الشغل.

الثانى: أن يعجب بالعمل ويكمل فيه ويترك التعليم نهائى وفى كلا الحالتين سوف يحصل على فائدة لا شك فيها.

د. يحيى:

هذا صحيح، من حيث المبدأ، لكن الخوف – وهو ما يحدث عادة- هو أن يلتقط المريض أن حكاية العمل هذه ليست بهذه الجدية التى قد تنتهى إلى أن يكون هذا هو غاية مصيره، وحين يلتقط عدم الجدية هكذا – خصوصا من الأهل– عادة ما تفشل المحاولات قبل أن تبدأ، وحتى لو التقط المريض الفكرة ووصلته إيجابية توظيفها، فإن الأهل يرفضون فورا أو بعد زمن قصير جدا، وتصبح المسألة أصعب فأصعب، لكن لا مفر من المحاولة بعد الوثوق من جدّية تعاون الأهل وإلتزامهم، ثم نرى.

 

[1] –  يحيى الرخاوى: “كتاب: بعض معالم العلاج النفسى من خلال الإشراف عليه، ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2018)، والكتاب موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – نشرة الإنسان والتطور: 21-9-2008 www.rakhawy.net

[3] – Occupational Therapy

[4] – Work Treatment

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *