الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1) الباب الأول: “غريزة‏ ‏الجنس” (من‏ ‏التكاثر‏ ‏إلى ‏التواصل)‏ الفصل الخامس “الانحراف الجنسى” (3)

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1) الباب الأول: “غريزة‏ ‏الجنس” (من‏ ‏التكاثر‏ ‏إلى ‏التواصل)‏ الفصل الخامس “الانحراف الجنسى” (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 3-9-2022

السنة السادسة عشر

العدد:  5481

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)”[1]

الباب الأول: “غريزة‏ ‏الجنس”(من‏ ‏التكاثر‏ ‏إلى ‏التواصل)‏ [2]

 الفصل الخامس

‏ ‏الانحراف‏ ‏الجنسى[3] ‏(3)

………………..

إعادة‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏تطور‏ ‏محاولة‏ ‏تبرير‏ ‏وتشريع‏ ‏الجنسية‏ ‏المثلية‏: ‏

‏دعونا‏ نبدأ بأن ‏ننظر‏ ‏بهدوء‏ ‏فى ‏الجارى ‏عند‏ ‏من‏ ‏تقدموا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الطريق‏ ‏مراحل‏ ‏صريحة‏:‏

فقد‏ ‏وصل‏ ‏الأمر‏ ‏فى بعض ‏الدول‏ ‏الغربية المتقدمة!!‏ ‏ألا‏ ‏تعتبر‏ ‏هذه‏ ‏الممارسات‏ ‏الجنسية‏ ‏المثلية‏ ‏انحرافا‏ ‏أصلا‏، ‏تحت‏ ‏زعم‏ قد ‏يتفق‏ ‏ظاهريا‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏ذهبنا‏ ‏إليه‏، ‏زعم ‏ ‏يقول‏ (‏مع‏ ‏شئ‏ ‏من‏ ‏التكرار‏): ‏إنه‏ ‏مادام‏ ‏الجنس‏ ‏عند‏ ‏الإنسان‏ ‏هو‏ “‏لغة‏”، ‏و‏”‏دافع‏”، ‏و‏”‏تواصل‏” ‏أساسا‏ (‏وتناسل‏ ‏أحيانا‏) ‏فلماذا‏ ‏يعترض المعترض ‏على ‏أن‏ ‏يحقق‏ ‏الجنس‏ ‏أغلب‏ ‏وظائفه‏ (‏فيما‏ ‏عدا‏ ‏التناسل والتكاثر‏ ‏الذى يبدو أنه ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏الجنس‏ ‏البشرى ‏فى ‏حاجة‏ ‏إلى ‏الحرص‏ ‏عليه‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏لحفظ‏ ‏النوع‏)، ‏وكأن‏ ‏هذه‏ ‏الممارسة‏ ‏المثلية‏ ‏تؤكد‏ -‏ بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏- ‏الوظيفة‏ ‏التواصلية‏ ‏للجنس‏ ‏دون‏ ‏اشتراط‏ ‏الحفاظ على النوع (الذى يقوم به بقية البشر وهم الأغلبية!!!)‏.

البداية تقول إن‏ ‏التواصل‏ ‏وظيفة‏ ‏بشرية‏ ‏بين‏ ‏إنسان‏ ‏وإنسان‏ ‏أيا‏ ‏كانا‏ (“رجل‏ <=‏>‏رجل”‏ ‏أو رجل‏ <=>‏امرأة”‏ أو‏ ‏”امرأة‏<‏=‏>‏امرأة‏” ‏ ‏دون‏ ‏تمييز‏)، ‏وهى ‏وظيفة‏ ‏صعبة‏ ‏كما‏ ‏أشرنا‏، ‏لذلك‏ ‏فهى ‏قد‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏تلك‏ ‏الدافعية‏ ‏البيولوجية‏ ‏والرشوة‏ ‏اللذية‏، ‏فإذا‏ ‏أضيف‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏مدى ‏الحرية‏ ‏التى ‏يتمتع‏ ‏بها‏ ‏الفرد‏ ‏فى ‏تلك‏ ‏المجتمعات التى أقرّت بذلك وشجعته‏، ‏فإننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نفهم‏ ‏مدى ‏السماح‏ ‏الذى ‏وصلوا‏ ‏إليه‏، ‏وبرروا‏ ‏به‏ ‏هذا‏ ‏السلوك‏ (‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏تبريرهم‏).‏

ولكن‏ ‏هل‏ ‏يمكن أن يكون‏ ‏هذا‏ ‏التبرير‏ قابلا للتعميم فى كل الثقافات الحالية والمستقبلية، ‏هكذا‏ ‏على ‏إطلاقه‏، ‏أو‏ ‏على ‏علاته‏‏؟ وهل يمكن أن يكون هذا فى اتجاه التطور الطبيعى لهذه الوظيفة؟!

لا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏يختلف‏، ‏ليس‏ ‏نتيجة‏ ‏لغلبة‏ ‏الموقف‏ ‏الدينى ‏والأخلاقى ‏والثقافى‏، ‏فهذه‏ ‏أبعاد تحتاج إلى ‏نقاش‏، ويمكن أن تهتز، ‏وإنما‏ ‏أساسا‏ ‏احتراما‏ ‏للطبيعة‏ ‏البشرية‏، ‏بدءا‏ ‏بالنظر‏ ‏فى ‏التركيب‏ ‏البيولوجى (‏والتشريحى ‏ضمنا‏). ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تصور‏ ‏إقرار‏ ‏ممارسة‏ ‏ما‏، ‏جنسية‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏جنسية‏، ‏لا‏ ‏تتفق‏ ‏مع‏ ‏طبيعتنا‏ ‏الجسدية‏، ‏ذكورا‏ ‏وإناثا‏، ‏فكل‏ ‏من‏ ‏الرجل‏ ‏والمرأة‏ ‏له‏ ‏تركيب‏ ‏تشريحى ‏نفهم‏ ‏من‏ ‏خلاله‏، ‏بطبيعته‏، ‏أنه‏ ‏مهيأ‏ ‏للاقتراب‏ ‏التكاملى ‏مع‏ ‏شريكه‏ ‏من‏ ‏الجنس‏ ‏الآخر‏، ‏أما‏ ‏الممارسة‏ ‏الجنسية‏ ‏المثلية‏، ‏فهى ‏تتم‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏مواضع‏ ‏تشريحية‏ ‏غير‏ ‏مهيأة‏ ‏لذلك‏، ‏أو‏ ‏هى ‏تستعمل‏ ‏وسائل‏ ‏صناعية‏ ‏تعويضية‏ ‏أو‏ ‏مساعـدة‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏إقرارها‏ ‏على ‏أنها‏ “‏جزء‏ ‏من‏ ‏تقدم‏ ‏التكنولوجيا‏”، ‏لأنها‏ ‏تحل‏ ‏محل‏ ‏الفطرة‏ ‏السليمة‏، ‏وتشوه‏ ‏الطبيعة‏ ‏السوية‏.‏

ولو تمادينا‏ ‏فى ‏فهم‏ “‏معنى” ‏الغاية‏ ‏الأولى (‏ولو تاريخا‏) ‏من‏ ‏الجنس‏، ‏وهى ‏التناسل‏ ‏فالتكاثر‏، ‏إذن‏ ‏لأدركنا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الممارسات‏، ‏إذا‏ ‏عممت‏ ‏وشرعت‏، ‏هى ‏فى ‏النهاية‏ ‏ضد‏ ‏الحياة‏ ‏لأنها‏ ‏ضد‏”‏حفظ‏ ‏النوع‏”، ‏ولا‏ ‏توجد‏ ‏ممارسة‏ ‏طبيعية‏ مسموح بها ‏ ‏لدرجة‏ ‏أن‏ ‏يتصدى فريق متزايد من ‏الناس‏ ‏للدفاع‏ ‏عنها‏ ‏وتبريرها‏ ‏على ‏الرغم‏ ‏من‏ ‏أنها‏ – ‏بطبيعتها‏- ‏ضد‏ ‏الحياة‏ ‏وضد‏ ‏استمرار‏ ‏حفظ‏ ‏النوع‏.‏

لذلك‏ ‏لا‏بد‏ ‏من‏ ‏الاجتهاد‏ ‏الأعمق‏ ‏لقراءة‏ ‏معنى ‏ظهور‏ ‏هذه‏ ‏الممارسات‏ -‏على ‏شذوذها‏- ‏فى ‏تلك‏ ‏المجتمعات‏ – ‏على ‏تقدمها‏، ‏ونعرض‏ ‏اجتهادنا‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏الآتى:‏

يبدو‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏بدل‏ ‏أن‏ ‏يرتقى ‏بالوظيفة‏ ‏الجنسية‏ ‏من‏ ‏التكاثر‏ ‏إلى ‏التواصل‏، ‏فى ‏مسارها‏ ‏الطبيعى، ‏بدءا‏ ‏بالتدريب‏ ‏مع‏ ‏فرد‏ ‏من‏ ‏الجنس‏ ‏الآخر‏، ‏يبدو‏ ‏أنه‏ ‏انحرف‏ ‏بها‏ (‏بالوظيفة‏ ‏الجنسية‏) ‏إذْ‏ ‏راح‏ ‏يستعملها‏ ‏استعمالات‏ ‏أدنى ‏من‏ ‏توظيفها‏ ‏للتناسل‏، ‏مع تصور قدرته على تركيزها‏ ‏للتواصل فحسب‏. ‏ودعونا‏ ‏نورد‏ ‏هنا‏ ‏بعض‏ ‏الاجتهادات‏ ‏لما‏ ‏آل‏ ‏إليه‏ ‏حال‏ ‏الجنس‏ ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يبرر‏ ‏هذا‏ ‏الانحراف‏ ‏المتزايد‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يسمى “‏الجنسية‏ ‏المثلية‏”‏

بعض الصور السلبية:

فيما‏ ‏يلى ‏بعض‏ ‏الصور‏ ‏السلبية‏ ‏التى ‏آل‏ ‏إليها‏ ‏تشويه‏ ‏واختزال‏ ‏الوظيفة‏ ‏الجنسية‏ ‏فى ‏حياتنا‏ ‏المعاصرة

‏1- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏باعتباره‏ ‏نشاطا‏ ‏يباع‏ ‏ويشترى، ‏بمقابل‏ ‏مادى ‏تحكمه‏ ‏آليات‏ ‏السوق‏، ‏وبذلك‏ ‏انضم‏ ‏إلى ‏النكسة‏ ‏الكمية‏ ‏الاستهلاكية‏ ‏التى “‏تعلن احتمال‏ ‏نهاية‏ ‏التاريخ‏”، (‏بالمعنى ‏السلبى ‏بعد‏ ‏إذنكم‏) ‏ذلك‏ ‏النظام‏ ‏الذى ‏طغى ‏واكتسب‏ ‏شرعية‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏حجم‏ ‏نفعيته‏ ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏الفشل‏ ‏المرحلى ‏لسوء‏ ‏تطبيق العدل‏ عامة.

‏2- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏باعتباره‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏صفقة‏ ‏اجتماعية‏ ‏دينية‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ “‏بالذات‏ ‏لإنشاء‏ ‏والحفاظ‏ ‏على ‏استمرار‏ ‏المؤسسة‏ ‏الزواجية‏ فالمجتمع” ‏صفقة – ربما ناجحة -‏ ‏حلت‏ ‏محل‏ ‏الصفقة‏ ‏التناسلية‏ ‏البيولوجية‏ ‏من‏ ‏جهة‏ إلا جزئيا، ‏ومحل‏ ‏صفقة‏ ‏التواصل‏ ‏البشرى ‏الأرقى ‏المختار‏ ‏المتجدد‏ -‏بين‏ ‏الجنسين‏- ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى.

‏3- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏للتناسل‏ ‏دون‏ ‏توظيفه‏ ‏للتواصل‏ (‏بعض‏ ‏ما‏ ‏أشرت‏ ‏إليه‏ ‏مما‏ ‏بلغنى ‏عن‏ ‏بعض‏ ‏غلاة‏ ‏الكاثوليكيين‏).‏

‏4- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏لـ “‏خفض‏ ‏التوتر‏” ‏ليس‏ ‏إلا‏ (‏يقاس‏ ‏ذلك‏ -‏ضمنا‏- ‏بالمسافة‏ ‏بين‏ ‏الشريكين‏ ‏بعد‏ ‏الانتهاء‏ ‏منه‏، ‏هل‏ ‏هما‏ ‏أقرب‏ ‏أم‏ ‏أبعد‏؟ ‏ففى ‏حالة‏ ‏اقتصار‏ ‏وظيفته‏ ‏على ‏خفض‏ ‏التوتر‏: الأرجح أن ‏تكون‏ ‏المسافة‏ ‏أبعد‏‏)‏.

‏5- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏ليؤدى ‏بعض‏ ‏وظائفه‏ ‏النفسية‏ ‏المنفصلة‏ ‏كلية‏ ‏عن‏ ‏التواجد‏ ‏البشرى ‏التواصلى، ‏كأن‏ ‏يستعمل‏ ‏لتأكيد‏ ‏الذات‏، ‏أو‏ ‏استعادة‏ ‏الثقة‏، ‏أو‏ ‏الشعور‏ ‏بالتفوق‏، ‏أو‏ ‏ممارسة‏ ‏الخضوع‏ ‏الاعتمادى، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏ينتقل‏ ‏أى ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏إلى ‏لغة‏ إنسانية ‏حوارية‏ ‏ممتدة‏ ‏مع‏ ‏الآخر.

‏6– ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏كنوع‏ ‏من‏ ‏الطقس‏ ‏الوسواسى ‏القهرى‏.‏

‏7- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏ثمنا‏ ‏للحفاظ‏ ‏على ‏فرص‏ ‏تربية‏ ‏الأولاد‏ ‏معا‏، ‏باعتبار‏ ‏أن‏ ‏الأسرة‏ ‏مازالت‏ ‏هى ‏الوحدة‏ ‏الاجتماعية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏إنتاج‏ ‏جيل‏ ‏صحيح‏ (‏يجرى ‏هذا‏ ‏شعوريا‏ ‏أو‏ ‏لا‏‏شعوريا‏)‏.

‏8- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏لأغراض‏ ‏جانبية‏ (‏ثانوية‏) ‏مثل‏ ‏تزجية‏ ‏الوقت‏ (‏بعد‏ ‏انقطاع‏ ‏النور‏ ‏أثناء‏ ‏مسلسل‏ ‏تليفزيونى)، ‏أو‏ ‏بالمصادفة‏ (‏مثل‏ ‏الأرق‏ ‏الطارئ‏ ‏فى ‏ليلة‏ ‏باردة‏) ‏أو‏ ‏تحت‏ ‏الوعى (‏مثل‏ ‏الممارسة‏ ‏قبيل‏ ‏اليقظة‏ ‏استجابة‏ ‏لانتعاظ‏ ‏صباحى ‏فسيولوجى) ‏

‏9- ‏ممارسة‏ ‏الجنس‏ ‏بالصدفة‏ ‏العابرة‏، ‏مثل‏ ‏لقاء‏ ‏رجل‏ ‏وامرأة‏ ‏فى ‏صحراء‏ ‏البادية‏: ‏الأمر‏ ‏الذى ‏ما‏‏زال‏ ‏يمارس‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏صحارى ‏الخليج‏، ‏حيث قد‏ ‏يتم‏ ‏اللقاء‏ ‏الجنسى ‏إذا التقى ‏رجل‏ ‏وامرأة‏ ‏فى ‏البادية‏ ‏دون‏ ‏تعارف‏ ‏ودون‏ ‏كلام‏، ‏والنسخة‏ ‏المتحضرة‏ ‏لهذا‏ ‏الطقس‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏فى ‏إيطاليا‏ ‏وفرنسا‏ ‏مثلا‏، ‏إذ‏ ‏قد‏ ‏تتم‏ ‏الدعوة‏ ‏فالاستجابة‏ ‏فى ‏مطعم‏، ‏أو‏ ‏على ‏رصيف‏ ‏شارع‏ ‏حين‏ ‏يحدث‏ ‏ما‏ ‏يسمى “‏التماس‏” ‏بالنظرات‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏لغة‏ ‏عيون‏ ‏سريعة‏ ‏ومختصرة‏ ‏وحاسمة‏، ‏فيقوم‏ ‏الرجل‏ ‏أو‏ ‏المرأة‏ ‏وينتقل‏ ‏إلى ‏جوار‏ ‏من‏ ‏تبادل‏ ‏معه‏ ‏النظرات‏، ‏أو‏ ‏يغير‏ ‏السائر‏ ‏على ‏الرصيف‏ ‏اتجاهه‏، ‏ويعود‏ ‏مع‏ ‏شريكه‏ ‏أو‏ ‏شريكته‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الاتجاه‏، ‏ثم‏ ‏يعودا‏ ‏معا‏ (‏أو‏ ‏ينطلقا‏ ‏معا‏ ‏من‏ ‏المطعم‏) ‏وقد‏ ‏تخاصرا‏ ‏ليتم‏ ‏اللقاء‏ ‏الجنسى ‏فى ‏الموقع المتاح‏، ‏وقد‏ ‏يفترقان‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يعرف‏ ‏أيهما‏ ‏إسم‏ ‏الآخر‏، ‏ودون‏ ‏مقابل‏ ‏عادة‏ ‏غير‏ ‏اللقاء [4]‏. 

كل‏ ‏هذه‏ ‏الممارسات‏ ‏وغيرها‏ ‏إنما‏ ‏تعلن‏ ‏بشكل‏ ‏مباشر‏ ‏وغير‏ ‏مباشر‏ ‏أن‏ ‏الوظيفة‏ ‏الجنسية‏ ‏تشوهت‏ ‏وخرجت‏ ‏عن‏ ‏مسارها

وأكاد‏ ‏أتصور‏ ‏أن‏ ‏الجنسيين‏ ‏المثليين‏ ‏قد‏ ‏أدركوا‏ – بدرجات مختلفة من الوعى- ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏التشوهات‏ ‏التى ‏لحقت‏ ‏بالوظيفة‏ ‏الجنسية‏، ‏وبالتالى ‏عمدوا‏ – ‏بوعى ‏أو‏ ‏بدون‏ ‏وعى ‏أيضا‏- ‏إلى ‏تأصيل‏ ‏وظيفة‏ ‏الجنس‏ ‏التواصلية‏ ‏بغض‏ ‏النظر‏ ‏عن‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏يتواصل‏ ‏معه‏، ‏ذكرا‏ ‏كان‏ ‏أم‏ ‏أنثى‏.‏

فإذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الحل‏ (‏الجنسية‏ ‏المثلية‏ ‏هى ‏الحل‏!!) – ‏كما‏ ‏يزعم ‏قطاع‏ ‏متزايد‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏المجتمعات‏ ‏الغربية‏ – ‏أى ‏إذا‏ ‏رجحت‏ ‏كفة‏ ‏التفاهم‏ ‏والتواصل‏ ‏مع‏ ‏نفس‏ ‏الجنس‏ ‏دون‏ ‏الجنس‏ ‏الآخر،‏ ‏فنحن‏ ‏أمام‏ ‏الاحتمالات‏ ‏التالية‏: ‏

‏* ‏إما‏ ‏أن‏ ‏تضمـر‏ ‏الوظيفة‏ ‏الجنسية‏ ‏نتيجة‏ ‏لإساءة‏ ‏استعمالها‏ ‏واختزالها‏، ‏وتشويهها‏، ‏وتصادُم‏ ‏أدائها‏ ‏مع‏ ‏التركيب‏ ‏التشريحى والنفسى الأرقى إبداعا.

‏* ‏وإما‏ ‏أن‏ ‏يتغير‏ ‏الجنس‏ ‏البشرى ‏إلى ‏نوع‏ ‏لا‏ ‏نعرفه‏، ‏نوع‏ ‏قد‏ ‏يستغنى ‏تماما‏ (‏بالتناسخ‏ ‏والهندسة‏ ‏الوراثية‏ ‏مثلا‏) ‏عن‏ ‏توظيف‏ ‏الغريزة‏ ‏الجنسية‏ ‏فى ‏التناسل‏، ‏ويُصَرِّف أموره وحفظ نوعه بأدوات حديثة لم نعرفها بعد.

‏* ‏وإما‏ ‏أن‏ ‏ينقرض‏ ‏الإنسان‏ ‏كلية‏ ‏إذ‏ ‏يثبت‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏اختلت‏ ‏حساباته‏ -‏ تطوريا‏-  ‏فيتمادى ‏فى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الانحرافات‏ ‏السلوكية‏ ‏المتعارضة‏ ‏مع‏ ‏الطبيعة‏، ‏والمتناقضة‏ ‏مع‏ ‏مسيرة‏ ‏ ‏وقوانين‏ ‏التطور‏ ‏غير‏ ‏المعروفة‏ ‏لنا‏ ‏جملة وتفصيلاً!

وأعتقد أن كل هذه الاحتمالات هى ضد الحفاظ على ما حققه هذا النوع من الأحياء حتى ارتقى بكل غرائزه إلى ما يمكن أن يجمع بين اللذة والتواصل واحتمال التكاثر والإبداع إلى ما يرتقى بإنسانيته “إليه” (إجتمعا عليه وافترقا عليه).

………………..

 ………………..

 (ونواصل غدًا)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى،  كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و“غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022)

[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية”‏ ‏ألقيتها‏ ‏فى ‏منتدى ‏أبو‏ ‏شادى ‏الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة‏ ‏الثقافة‏ ‏العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.

[3] – يحيى الرخاوى: “إعادة قراءة فى مصطلحات شائعة، قراءة مصطلح الانحراف الجنسى” مجلة الإنسان والتطور الفصلية – عدد أكتوبر – ديسمبر 1998.

[4] – أذكر‏ ‏كيف‏ ‏انتهى ‏فيلم‏ ‏آخر‏ ‏”تانجو‏ ‏فى ‏باريس” إنتاج عام 1972 وإخراج برناردو بيرتولوتشى بطولة مارلون براندو وماريا شنايدر وجان بيير لاود. انتهى بعد كل‏ ‏ما‏ ‏كان:‏ ‏والبطلة‏ ‏تجرى ‏وراء‏ ‏مارلون‏ ‏براندو‏ ‏صائحة‏: ‏”ما‏ ‏اسمك”‏‏؟‏.‏

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *