الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (6)

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” الملحق (2) “ليالى ألف ليلة” لـ نجيب محفوظ: القتل بين مقامَىْ العبادة والدم (6)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 30-10-2022

السنة السادسة عشر

العدد:  5538

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)”[1]

الباب الثانى: “غريزة العدوان”(من‏ ‏التفكيك إلى الإبداع)[2]

الملحق (2) .. (عبر النقد الأدبى):

“ليالى ألف ليلة” لــ “نجيب محفوظ”[3]

القتل بين مقامـَـىْ العبادة والدم (6)[4]

…………

…………

‏5- ‏مغامرات‏ ‏عجر‏ ‏الحلاق‏ ‏

‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏القتل‏

ثم‏ ‏تأتى ‏مغامرات‏ ‏عجر‏ ‏الحلاق‏ ‏لتعلن‏ ‏جانبا‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏الوجود‏ ‏البشري‏، ‏حين‏ ‏يعجز‏ ‏الانسان‏ ‏عن‏ ‏القتل‏ ‏ابتداء‏، ‏بكل‏ ‏صوره‏: ‏القتل‏ ‏فى ‏الحلم‏، ‏القتل‏ ‏للخير‏، ‏القتل‏ ‏للشر‏…،‏هو‏ ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏العدوان‏ ‏إذن‏، ‏بل‏ ‏هو‏ ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏الإقدام‏ ‏أصلا‏، ‏فهل‏ ‏يعنى ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏نجح‏ ‏إنسان‏ ‏أن‏ ‏ينفذ‏ ‏بجلده‏ ‏من‏ ‏حفز‏ ‏داخله‏ ‏الى ‏هذا‏ ‏الاتجاه‏ ‏القاتل‏، ‏أنه‏ ‏نجا‏ ‏بنفسه؟‏ ‏أبدا‏: ‏بل‏ ‏لعل‏ ‏بدائل‏ ‏القتل‏ ‏أبشع‏ ‏منه‏، ‏ربما‏ ‏لأن‏ ‏أغلبها‏ ‏أدنى ‏وأخفى‏. ‏

عجر‏ ‏الحلاق‏ ‏طفولىّ ‏عريق‏ (‏ص‏125)، ‏يحب‏ ‏النساء‏، ‏فتأتيه‏ ‏الفرصة‏ ‏حتى ‏قدميه‏ ‏من‏ ‏دعوة‏ ‏غامضة‏، ‏فيمضى ‏إليها‏ ‏غير‏ ‏عابئ‏ ‏بتحذير‏ ‏المجنون‏ ‏”عقلك‏ ‏فاسد‏ ‏فلا‏ ‏تطاوعه‏” (‏ص‏126)، ‏ويعيش‏ ‏حلمه‏ ‏الفاجر‏ ‏فى ‏حضن‏ ‏جلنار‏ ‏ليلة‏ ‏كل‏ ‏أسبوع‏، ‏وتتفتح‏ ‏شهيته‏ ‏للجنس‏ ‏والأكل‏ (دون‏ ‏القتل‏) ‏ولا‏ ‏يكتفى ‏-‏طبعا‏- ‏بجلنار‏، ‏بل‏ ‏يزوغ‏ ‏بصره‏ ‏الى ‏أختها‏ ‏زهريار‏([5])، ‏وسرعان‏ ‏ما‏ ‏يتورط‏-‏بعد‏ ‏خيانة‏ ‏جلنار‏ ‏مع‏ ‏شقيقتها‏.. ‏بتدبير‏ ‏منها‏ ‏كما‏ ‏سيتضح‏- ‏بأنها‏ ‏مقتوله‏ ‏بجانبه‏، ‏فيدفنها‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏دار‏ ‏اللهو‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏يسرق‏ ‏عقدا‏ ‏ثمينا‏ ‏كانت‏ ‏تتحلى ‏به‏، ‏وهنا‏ ‏يحدث‏ ‏تقاتل‏ ‏بين‏ ‏المجنون‏ ‏وبينه‏، ‏وهو‏ ‏يتهم‏ ‏المجنون‏ (‏محدثا‏ ‏الطبيب‏ ‏المهينى) ‏بأنه‏ “‏قلبى ‏يحدثنى ‏الآن‏ ‏بأن‏ ‏هذا‏ ‏المجنون‏ ‏قاتل‏ ‏خطير‏” (‏ص‏130)،‏إن‏ ‏ظهور‏ ‏المجنون‏، ‏ورفض‏ ‏عُجَر‏ ‏له‏، ‏لا‏ ‏يعنى ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يحرك‏ ‏ما‏ ‏يقابله‏ ‏فيه‏، ‏يقول‏ ‏المجنون‏ ‏لعجر‏ ‏”لا‏ ‏يدعونى ‏الا‏ ‏أمثالك‏ ‏يا‏ ‏جاهل‏..” (‏ص‏130)، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يؤكده‏ ‏الطبيب‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏ظهور‏ ‏الجنون‏ ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏لعجز‏ ‏العلم‏ ‏المتاح‏ ‏عن‏ ‏الإلمام‏ ‏بأبعاد‏ ‏الجاري‏، ‏فهذه‏ ‏إضافه‏ ‏لدور‏ ‏الجنون‏ ‏المعرفي‏، ‏يقول‏ ‏الطبيب‏ ‏أنه‏ (‏الجـُـنـُون‏) ‏يدعى ‏عادة‏ ‏إذا‏ ‏عجز‏ ‏علمنا‏ ‏عن‏ ‏الخدمة‏ (‏ص‏130)، ‏فليس‏ ‏المجنون‏ ‏هو‏ ‏القاتل‏ ‏لأنه‏ ‏مجنون‏، ‏ولكن‏ ‏القتل‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏طبيعتنا‏ ‏مع‏ ‏اختلاف‏ ‏صور‏ ‏التعبير‏، فما‏ ‏أكثر‏ ‏القتلة‏ ‏يا‏ ‏عجر‏ ‏المهينى (‏ص‏131). ‏

إذن‏، ‏فقد‏ ‏تحرك‏ ‏فى ‏عـُـجـَـر‏ ‏شىءٌ‏ ‏ما‏ ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏لم‏ ‏يقتل‏، ‏ولا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقتل‏.. ‏ولن‏ ‏يألوا‏ ‏أن‏ ‏يذكّر‏ ‏نفسه‏ ‏بأنه‏ ‏لم‏ ‏يرتكب‏ ‏طيلة‏ ‏حياته‏ ‏جريمة‏ ‏قتل‏، ‏هيهات‏، ‏ولا‏ ‏قتل‏ ‏دجاجة‏ ‏مما‏ ‏يستطيعه‏ (‏ص‏133)، ‏ومع‏ ‏إعلان‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏القتل‏، ‏يعجز‏ ‏عن‏ ‏الجنس‏ ‏والطعام‏ ‏والشراب،‏ ‏أطبقت‏ ‏الكآبة‏ ‏متجسدة‏ ‏وران‏ ‏الاحباط‏ ‏على ‏الطعام‏ ‏والشراب‏ ‏وجفت‏ ‏ينابيع‏ ‏الرغبة‏ (‏ص‏132)، ‏لكن‏ ‏ما‏ ‏تحرك‏ ‏تحرك‏، ‏ومضى ‏يتلصص‏ ‏ويتجرأ‏ ‏حتى ‏خطب‏ ‏حسنية‏ ‏صنعان‏، ‏يعتذر‏ ‏فاضل‏ ‏شقيقها‏، ‏فيواصل‏ ‏هياجه‏ ‏الجنسى: ‏خاض‏ ‏فى ‏أجساد‏ ‏العذارى ‏كالمراهقين‏ (‏ص‏134)، ‏ويقع‏ ‏فى ‏حب‏ ‏قمر‏ ‏أخت‏ ‏حسن‏ ‏العطار‏، ‏بلا‏ ‏طائل‏، ‏وفى ‏ضربة‏ ‏مصادفة‏ ‏يجد‏ ‏ما‏ ‏تحرك‏ ‏فيه‏ ‏سبيلا‏ ‏للتفريغ‏ ‏والظهور‏، ‏وبعد‏ ‏أن‏ ‏شارك‏ ‏مقتحما‏ ‏فى ‏سهرة‏ ‏جمعت‏ ‏زبائنه‏ ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏مهرج‏ ‏السلطان‏ ‏شملول‏ ‏الأحدب‏ ‏تقع‏ ‏جريمة‏ ‏القتل‏ (‏مع‏ ‏وقف‏ ‏إزهاق‏ ‏الروح‏) ‏فى ‏صورة‏ ‏شرب‏ ‏وضرب‏، ‏ويتبرع‏ ‏عُجَر‏ ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏عنهم‏ ‏بالدفن‏ ‏والإخفاء‏، ‏ثم‏ ‏يكتشف‏-‏بمساعدة‏ ‏المجنون‏-‏أن‏ ‏الجثة‏ ‏حية‏، ‏فيخبئها‏ ‏فى ‏بيته‏، ‏ويمضى ‏فى ‏ابتزاز‏ ‏زبائنه‏، ‏ويتصاعد‏ ‏الطمع‏ ‏بلاحدود‏، ‏وبظهور‏ ‏شملول‏ ‏الأحدب‏، ‏بمكيدة‏ ‏من‏ ‏زوجة‏ ‏عجر‏ ‏التى ‏غارت‏ ‏من‏ ‏زواج‏ ‏عجر‏ ‏الإرغامى ‏بقمر‏ ‏العطار‏- ‏يقع‏ ‏عجر‏ ‏فى ‏مأزق‏ ‏عجز‏ ‏جبان‏ ‏جديد‏، ‏لكن‏ ‏طمعه‏ ‏لا‏ ‏ينتهى ‏فيسوقه‏ ‏حلم‏ ‏السلطة‏ ‏إلى ‏مشاركة‏ ‏جماعة‏ ‏يلتقى ‏بهم‏ ‏عشوائيا‏ ‏وهم‏ ‏يسيرون‏ ‏مقبوضا‏ ‏عليهم‏ ‏من‏ ‏الثوار‏، ‏يفعل‏ ‏ذلك‏ ‏بإيحاء‏ ‏من‏ ‏سخربوط‏ (‏طمع‏ ‏جديد‏) ‏وبأنهم‏ ‏سيتولون‏ ‏القيادة‏ !! ‏إذ‏ ‏تنكشف‏ ‏الخدعة‏ ‏ويضبط‏ ‏عـقد‏ ‏القتيلة‏-‏مصادفة‏-‏حول‏ ‏وسطه‏، ‏ويكاد‏ ‏يـعدم‏ ‏لولا‏ ‏تدخل‏ ‏المجنون‏ ‏لدى ‏شهريار‏ ‏ليعلن‏ ‏الحقيقة‏، ‏وتنتهى ‏الحكاية‏ ‏هذه‏ ‏النهاية‏ ‏السطحية‏([6]) ‏التى ‏يقوم‏ ‏فيها‏ ‏المجنون‏ ‏بدور‏ ‏الضمير‏ ‏المنقذ‏.‏

ومع‏ ‏ذلك‏، ‏فما‏ ‏هو‏ ‏مناسب‏ ‏لمحور‏ ‏قضيتنا‏ ‏هنا‏ ‏كما‏ ‏قرأتـُـها‏ ‏يقول‏: ‏إن‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏القتل‏ ‏ليس‏ ‏فخرا‏ ‏وليس‏ ‏فضلا‏، ‏وبالتالى ‏فشتان‏ ‏بين‏ ‏العجز‏ ‏عن‏ ‏القتل‏ ‏وبين‏ ‏الامتناع‏ ‏عنه‏، ‏وبين‏ ‏توجيهه‏ ‏وبين‏ ‏إطلاق‏ ‏طاقته‏ ‏فيما‏ ‏هو‏ ‏أبقى‏، ‏كما‏ ‏يعلن‏ ‏أن‏ ‏تحريك‏ ‏القتل‏ ‏فى ‏الداخل‏-‏دون‏ ‏قتل‏ ‏فِعْلى ‏إذا‏ ‏اتخذ‏ ‏مساره‏ ‏السلبى ‏ظهر‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏جشع‏ ‏مكافئ‏ ‏له‏، ‏يستغرق‏ ‏صاحبه‏ ‏فى ‏لذائذ‏ ‏حسية‏ ‏وسلطوية‏، ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تقضى ‏عليه‏ ‏مع‏ ‏تصاعد‏ ‏أطماعه‏ ‏بلا‏ ‏حدود‏.‏

‏ ‏ولا‏ ‏يستطيع‏ ‏أحدنا‏ ‏أن‏ ‏يتعاطف‏ ‏مع‏ ‏عجر‏ ‏الحلاق‏ ‏الذى ‏لم‏ ‏يقتل‏ ‏ولا‏ ‏دجاجة‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أننا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نتعاطف‏ ‏مع‏ ‏صنعان‏ ‏الجمالى ‏نفسه‏ ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏هو‏ ‏قاتل‏ ‏الطفلة‏ ‏البريئة‏ ‏بكل‏ ‏بشاعة‏. هذا ‏هو‏ ‏الإبداع‏ !!!!‏

…………

…………

(ونواصل الأسبوع القادم)

________________

[1] – يحيى الرخاوى،  كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و”غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022)

[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية”‏ ‏ألقيتها‏ ‏فى ‏منتدى ‏أبو‏ ‏شادى ‏الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة‏ ‏الثقافة‏ ‏العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.

[3] – صدر هذا النقد فى عمل لى فى “قراءات فى نجيب محفوظ” الطبعة الأولى (1990) الهيئة العامة للكتاب، والطبعة الثانية (2005) والطبعة الثالثة (2017) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى. 

[4] – بدءًا من هذه الحلقة سوف أنشر الحلم مكتملا أولا، وذلك بعد ما وصلتنى رسائل متعددة، واحتجاجات منطقية، نأسف أنها لا تستطيع أن تتابع النقد دون الرجوع إلى “المتن الأصلى” فقررت أن أجرب اليوم أن أنشر المتن مكتملا قبل النقد.

[5] – ‏وهما‏ ‏شقيقتا‏ ‏الحاكم‏ ‏يوسف‏ ‏الطاهر‏، ‏والحاكم‏ ‏يعلم‏ ‏بسلوكهما‏، ‏وقد‏ ‏أعانتاه‏ ‏ماديا‏ ‏قبل‏ ‏ولايته‏، ‏فتستر‏ ‏عليهما‏ ‏بعدها‏.‏

[6] – ‏كذلك‏ ‏لم‏ ‏أفهم‏ ‏الدافع‏ ‏الخاص‏ ‏الذى ‏دفع‏ ‏جلنار‏ ‏أصلا‏ ‏لاختيار‏ ‏عجر‏ ‏رفيقا‏ ‏جنسيا‏، ‏وهو‏ ‏الثقيل‏ ‏العديم‏ ‏الميزات‏، ‏ولا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏أنها‏ -‏ بذلك‏-‏ كانت‏ ‏تدبر‏ ‏لجريمة‏ ‏القتل‏، ‏وكذلك‏ ‏لم‏ ‏يبد‏ ‏أنها‏ ‏هى ‏التى ‏لفظته‏ ‏بعد‏ ‏الجريمة‏، ‏لكنه‏ ‏عجزه‏ ‏الذى ‏أبعده‏، ‏وأخيرا‏ ‏فهى ‏الوحيدة‏ ‏التى ‏نسى ‏الكاتب‏ ‏أن‏ ‏يـعدمها‏ ‏قصاصا‏، ‏وكأن‏ ‏الافتعال‏ ‏الذى ‏أحس‏ ‏به‏-‏مثلنا‏ -‏قد‏ ‏أضجره‏، ‏فأنساه‏ ‏القاعدة‏ ‏التى ‏اتبعها‏ ‏طول‏ ‏الحكايات‏… ‏من‏ ‏يدرى؟ ‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *