الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” (التفكيك إلى الإبداع) العدوان وحركية الإبداع (3)

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” الباب الثانى: “غريزة العدوان” (التفكيك إلى الإبداع) العدوان وحركية الإبداع (3)

 نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 1-10-2022

السنة السادسة عشر

العدد:  5509

مقتطفات من كتاب: “الطب النفسى والغرائز (1)” [1] 

الباب الثانى: “غريزة العدوان”(من‏ ‏التفكيك إلى الإبداع)‏ [2] 

 

 العدوان وحركية الإبداع (3)

……………..

……………..

نتائج‏ ‏كبت‏ ‏العدوان:‏ ‏

يمكن‏ ‏استقصاء‏ ‏بعض‏ ‏جوانب‏ ‏النتيجة‏ ‏الطبيعية‏ ‏لكبت‏ ‏العدوان‏ ‏كما‏ ‏يلى‏:‏

أولا‏: ‏تراكمت‏ ‏هذه‏ ‏الغريزة‏ ‏كطاقة‏ ‏مقهورة في الإنسان المعاصر، فراحت‏ ‏تستنزف‏ ‏الطاقة‏ ‏البشرية‏ ‏فى ‏محاولة‏ ‏إبقائها‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏كامنة‏ ‏خفية‏. ‏

ثانيا‏: ‏استعار‏ ‏العدوان‏ ‏مظاهر‏ ‏غرائز‏ ‏أخرى ‏للتعبير‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏كالتالى (‏كأمثلة‏):‏

‏(‏أ‏) ‏غريزة‏ ‏الجنس‏: ‏فى ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ ‏يختلط‏ ‏الجنس‏ ‏بالعدوان‏، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏بمعنى ‏السادية‏، ‏وإنما‏ ‏أصبح‏ ‏السلوك‏ ‏الجنسى ‏فى ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ ‏تعبيرا‏ ‏عن‏ ‏العدوان‏، ‏رغم‏ ‏مظهره‏ ‏الجنسى (‏حالات‏ ‏الاغتصاب‏ ‏المتزايدة‏، ‏وحالات أخرى من الشذوذ مثل السادية).

(‏ب‏) ‏غريزة‏ ‏الجوع‏: ‏أحيانا‏ ‏لا‏ ‏يتوقف‏ ‏الالتهام‏ ‏عند‏ ‏الشبع‏ (‏إرواء‏ ‏حاجة‏ ‏الجوع‏) ‏بل‏ ‏يتمادى ‏حتى ‏ليعبر‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ ‏على ‏نوع‏ ‏من‏ ‏العدوان‏ ‏على ‏الذات‏ ‏والآخرين‏ ‏معا‏، ‏مما‏ ‏يذكرنا‏ ‏ببعض‏ ‏أنواع‏‏‏ ‏الزواحف‏ ‏والعناكب‏، (وهو ما صوّرته فى إحدى قصائدى:)

أخاف: ألتهمْ

حسبتُ‏ ‏أن‏ ‏الثــقبَ‏ ‏سوف‏ ‏يلتــــئــــــمْ‏.‏

          أزاحــــم‏ ‏الرموز‏ ‏أنتقمْ‏.‏

تعلو‏ ‏جبالُ‏ ‏موج‏ ‏الرعـــــبِ‏ ‏والنَّــــهمْ‏.‏

فى ‏بؤرةِ‏ ‏الظَـــــلاِم‏ ‏والعــــدمْ.‏

أدوس‏ ‏أشــــلاء‏ ‏الأجــــــنّةِ،‏  أرتــــــطمْ‏.‏

تخَــثَّرَ‏ ‏الوعىُ  ‏المغـــلف‏ ‏بالغــــباء‏ ‏والنـــــدمْ‏،

                                       تمزّقَ‏ ‏النغمْ‏.‏([3])

                                                                       23/7/1982

‏(‏جـ‏) ‏غريزة‏ ‏التملك‏: ‏ثمّ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏التملك‏ ‏يتزايد‏ ‏حتى ‏يصبح‏ ‏عدوانا‏، ‏مثل‏ ‏سلوك‏ ‏التخزين‏ Hoarding (‏مع التذكرة بأن‏ ‏التخزين‏ ‏دافع‏ ‏أولى‏)، ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ما فيه ‏من‏ ‏العدوان‏ ‏على ‏الذات‏ (‏تكاثرا مغتربا‏) ‏وعلى ‏الآخرين‏ (‏حرمانا‏).‏

ثالثا‏: ‏أُسقطت‏ ‏ظاهرة‏ ‏العدوان‏ ‏فى ‏أشكال‏ ‏فنية‏ ‏أو‏ ‏شبه‏ ‏فنية‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏أفلام‏ ‏العنف‏ ‏والإجرام‏ ‏والكاراتيه‏، ‏وقد‏ ‏تقوم‏ ‏هذه‏ ‏الأشكال‏ ‏بالسماح‏ ‏بالتقمص‏ ‏الذى قد ‏يمتص‏ ‏طاقة‏ ‏العدوان‏ ‏عند‏ ‏المشاهد‏، ‏أو‏ ‏هو‏ ‏يفجرها‏ ‏فى ‏الخفاء‏ ‏عادة‏.‏

رابعاً: تزايدت وتنوعت الألعاب الإلكترونية الأحدث التى تبدو أنها تُستعمل كبديل لتفريغ طاقة العدوان بشكل أو بآخر.

مظاهر‏ ‏العدوان‏ (‏الضار‏) ‏الصريح

حين‏ ‏يفشل‏ ‏كبت‏ ‏العدوان أو استبداله أو إزاحته:‏ ‏يظهر‏ ‏صريحا‏ ‏فى ‏صور‏ ‏متعددة‏، ‏وقد‏ ‏يتخذ‏ ‏ذرائع‏ ‏تبريرية‏، ‏كما‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏مباشرا‏ ‏تسلطيا‏ ‏ظالما‏، ‏ومن‏ ‏أمثلة‏ ‏ذلك‏:‏

أولا‏: ‏تتفجر‏ ‏العدوانية‏ ‏بين‏ ‏الحين‏ ‏والحين‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏حروب‏ ‏محلية‏ ‏أو‏ ‏عالمية‏، ‏عادة‏ ‏غير‏ ‏مشروعة‏ ‏ولا‏ ‏مُبررة‏.‏

ثانيا‏: ‏تتفجر‏ ‏الصراعات‏ ‏الطبقية‏، ‏والعنصرية‏، ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏تحمل‏ ‏من‏ ‏حقد‏ ‏وانتقام‏ ‏واستغلال‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏جانب‏ ‏للآخر‏: ‏الأعلى ‏للأدنى ‏والأدنى ‏للأعلى (‏باعتبار‏ ‏هذا‏ ‏الأخير‏ ‏هو‏ ‏الوجه‏ ‏السلبى ‏لـعدوان‏ “‏العبد‏ ‏على ‏السيد‏” بالإذعان ‏فى ‏ديالكتيك‏ ‏هيجل‏).‏

ثالثا‏: ‏قد‏ ‏يأخذ‏ ‏العدوان‏ ‏شكلا‏ ‏لفظيا‏ ‏مباشرا‏ ‏مثل‏ ‏الهجاء‏، ‏والسخرية‏، والتنمر ‏والأحكام‏ ‏الفوقية‏.‏

رابعا‏: ‏تتعدد‏ ‏صور‏ ‏العدوان‏ ‏السلبى ‏مثل‏ ‏العدوان‏ ‏بالإهمال‏ ‏أو‏ ‏بالتخلى (‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏التخلى ‏تحت‏ ‏الشعار‏ ‏الأحدث‏: “‏أنت‏ ‏حر‏” ‏مثلا‏) ‏أو فى ‏شكل‏ “‏الرقة‏ ‏المتفرّجة‏”  ‏مما‏ ‏لا‏ ‏مجال‏ ‏لتفصيله‏ ‏هنا‏.

خامسا‏: ‏هذا‏ ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏العدوان‏ ‏المباشر‏ ‏والمـُجـَرَّم‏ ‏فى ‏صور‏ ‏جرائم‏ ‏العنف‏ ‏خاصة‏.‏

الأهمية‏ ‏البقائية‏ ‏للعدوان‏:‏

إذا‏ ‏كان‏ ‏العدوان‏ ‏بهذه‏ ‏القوة‏ ‏وهذا‏ ‏الإلحاح‏، ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏ليس‏ ‏له‏ ‏إلا‏ ‏أقل‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏فرص‏ ‏التعبير‏ ‏الإيجابى ‏والمسار‏ ‏البنـّاء‏، ‏ثم‏ ‏كانت‏ ‏صوره‏ ‏المـُحـَوَّرة‏ ‏والخفية‏، ‏وأيضا‏ ‏الصريحة‏ ‏العارية‏، ‏هى ‏من‏ ‏أخطر‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏تصوره‏ ‏على ‏مسيرة‏ ‏الإنسان‏ ‏عامة‏، ‏فما‏ ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏المسئول‏ ‏تجاه‏ ‏كل هذا؟‏ ‏

تجليات‏ ‏العدوان‏ ‏ومحاولات احتوائه:

‏(1) ‏توجه ‏المهتمون‏ ‏بالأمر‏ (‏من‏ ‏الإثولوجيين‏ ‏خاصة‏) ‏إلى العودة إلى استلهام‏ ‏الحيوانات‏، ‏نسألهم‏ ‏ماذا‏ ‏فعلوا‏ ‏هم‏ ‏وعجزنا‏ ‏عنه‏ ‏نحن‏ ‏بورطتنا‏ ‏المرعبة‏، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏العدوان‏ ‏بين‏ ‏نفس‏ ‏النوع‏  Intraspecies‏ هو‏ ‏أمر‏ ‏شديد‏ ‏الخطر‏ ‏على ‏نوع‏ ‏بذاته‏، ‏بحيث‏ ‏حاولت‏ ‏أغلب‏ ‏الحيوانات‏ ‏تحقيق‏ ‏غايتها‏ ‏دون‏ ‏ممارسته‏ ‏الى ‏نهايته‏، ‏أى دون ‏القتل‏، ‏وقد‏ ‏أثار‏ ‏إريك‏ ‏فروم‏  ‏تساؤلا‏ ‏مزعجا‏ ‏يقول‏: ‏هل‏ ‏الإنسان‏ ‏نوع‏ ‏واحد؟‏ ‏حيث‏ ‏عرض‏ ‏احتمال‏ ‏أنه‏ ‏نظرا‏ ‏لاختلاف‏ ‏اللغات‏ ‏والألوان‏ ‏والأوطان‏، ‏فإنه‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏استقبالنا‏ ‏لبعضنا‏ ‏البعض‏ ‏قد‏ ‏وصل‏ ‏إلى ‏اعتبارنا‏ ‏أجناسا‏ ‏متعددة‏،  ‏لا‏ ‏جنسا‏ ‏واحدا‏ ‏كما‏ ‏أن‏ ‏تينبرجن‏ ‏شرح‏ ‏ذلك‏ ‏نصا‏ ‏فى ‏قوله‏:

 “..‏إن‏ ‏القاعدة‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏الأنواع‏ ‏قد‏ ‏نجحت‏ ‏فى  ‏تحقيق‏ ‏النصر‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يقتل‏ ‏أفرادها‏ ‏بعضهم بعضا‏، ‏وفى ‏الحقيقة‏ ‏أنه‏ ‏حتى ‏مجرد‏ ‏إسالة‏ ‏الدماء‏ ‏يعتبر‏ ‏حدثا‏ ‏نادرا‏ ‏فيما‏ ‏بينها‏، ‏والإنسان‏ ‏هو‏ ‏النوع‏ ‏الوحيد‏ ‏الذى ‏يمارس‏ ‏القتل‏ ‏الجماعي‏، ‏الوحيد‏ ‏ذو‏ ‏الوضع‏ ‏الناشز‏ ‏فى ‏مجتمعه‏”.

إن‏ ‏الحيوانات‏ ‏قد‏ ‏حذقت‏ ‏فيما‏ ‏بين‏ ‏أفراد‏ ‏نوعها‏ ‏لعبة‏ ‏الإنذارات‏ ‏والتهديد‏ (‏فيما‏ ‏يشبه‏ ‏الحرب‏ ‏الباردة‏) ‏بدرجة‏ ‏أعفتها‏ ‏من‏ ‏القتال‏ ‏الفعلى ‏أساسا‏، ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏قتل‏ ‏أفرادها‏ ‏من‏ ‏نفس‏ ‏الجنس‏…، ‏وقد‏ ‏درس‏ ‏علماء‏ ‏الحيوان‏ ‏وعلماء‏ ‏الإثولوجى ‏هذه‏ ‏الإنذارات‏ ‏وتمنى ‏بعضهم‏ ‏أن‏ ‏يحذق‏ ‏الإنسان‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الإنذارات‏ وما يقابلها من علامات “الإذعان”، ‏وأن‏  ‏يتعلم‏ ‏ترويض‏ ‏العدوان‏ ‏لإحلال‏ ‏التهديد‏ ‏محل‏ ‏القتل‏، ‏حتى ‏ضربوا‏ ‏مثلا‏ ‏سطحيا‏ ‏لذلك‏، ‏وهو‏ ‏الضرب‏ ‏بقبضة‏ ‏اليد‏ ‏على ‏المائدة‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏ضرب‏ ‏الخصم‏، ‏وشبه‏ ‏بعضهم‏ ‏توجيه‏ ‏المسار‏ ‏هذا‏ ‏بعملية‏ ‏التسامى (‏أو‏ ‏الإعلاء‏) ‏التى ‏قال‏ ‏بها‏ ‏فرويد‏ ‏بالنسبة‏ ‏للجنس‏. ‏

لكن‏ ‏الإعلاء‏ ‏والتسامى – ‏أمل‏ ‏هؤلاء‏ ‏الباحثين‏- ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يـُـقبل‏ ‏إلا‏ ‏كمرحلة‏ ‏من‏ ‏مراحل‏ ‏النمو‏، ‏وحتى ‏فرويد‏، ‏الذى ‏أعلى ‏من‏ ‏شأن‏ “‏التسامى‏” ‏خصوصا‏ ‏بالنسبة‏ ‏لغريزة الجنس‏، ‏قد‏ ‏هوجم‏ ‏بشدة‏ ‏لحماسه لتأييد هذا التوجه‏‏.‏

‏(2) ‏بالغ‏ ‏البعض‏ ‏فى ‏قيمة‏ “‏إعادة‏ ‏التعليم”‏ ‏كحل‏ ‏ترويضى (‏حضارى‏) ‏يستنكر‏ ‏العدوان‏ ‏ويـُـحل‏ ‏محله‏ ‏أساليب‏ ‏أخرى تبدو ‏أكثر‏ ‏إنسانية‏ ‏ورقيا‏ ‏مما‏ ‏يليق‏ ‏بالإنسان‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الحل‏ ‏يـَـعـِـدُ‏ ‏بترويض‏ ‏العدوان‏ ‏وإبداله‏، ‏فإنه‏ ‏يتجاهل‏ ‏قيمته‏ ‏البقائية‏ ‏الأساسية‏، ‏إن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الحل‏ ‏الذى ‏يقلبها‏ ‏حربا‏ ‏داخلية‏ ‏قد ينقلب إلى مظهر مرضى لبعض ‏من‏ ‏الاضطرابات‏ ‏النفسية.

ومع‏ ‏التسامح‏ ‏تجاه‏ ‏هذه‏ ‏التمنيات‏ ‏الطيبة‏ !!!، ‏والحذر‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏الإنسان‏ ‏على ‏نفسه‏ ‏لمجرد‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الاعتراف‏ ‏بالحقيقة‏، ‏علينا أن نبحث فى كيفية احتواء الغرائز عامة ومسارها وأولها غريزة العدوان‏.

احتواء‏ ‏الغرائر‏ ‏ومسارها‏:‏

علينا‏ ‏ألا‏ ‏نمل‏ ‏من‏ ‏مواجهة‏ ‏هذين‏ ‏السؤالين‏:‏

أولا‏: ‏ما‏ ‏هو‏ ‏الموقف‏ ‏الحالى ‏تجاه‏ ‏غرائزنا‏ ‏البدائية‏ ‏التى ‏كانت‏ ‏فى ‏صورتها‏ ‏الفجة‏ ‏لازمة‏ ‏لحفظ‏ ‏البقاء‏ ‏الفردى ‏والنوعى ‏معا؟

ثانيا‏: ‏كيف‏ ‏يتم‏ ‏احتواء‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الغرائز‏ ‏واستيعابها‏ ‏وتحويرها‏ ‏مع‏ ‏تطور‏ ‏الحياة‏ ‏والأحياء‏، ‏وكيف‏ ‏يسهم‏ ‏الوعى ‏بذلك‏ ‏كله‏ ‏فى ‏توجيه‏ ‏المسيرة؟

أبدأ‏ ‏بوضع‏ ‏تصورى ‏للإجابة‏ ‏على ‏هذين‏ ‏السؤالين‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏الافتراضات‏ ‏الأساسية‏ ‏للمداخلة‏ ‏الحالية‏، ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

‏1- ‏إن‏ ‏الغريزة‏، ‏باعتبارها‏ ‏سلوكا‏ ‏أوليا‏ ‏مطبوعا‏، ‏ومن‏ ‏ثم‏ ‏موروثا‏ ‏للنوع‏ ‏كافة‏، ‏وموروثا‏ ‏للفرد‏، ‏مع‏ ‏بعض‏ ‏التفاصيل‏ ‏المختلفة‏ ‏بين‏ ‏الأفراد‏، ‏هى ‏تنظيم‏ “‏خلوى ‏نيورونى‏” ‏قائم‏ ‏بذاته‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏تنظيم‏ ‏قائم‏ ‏ضمن‏ ‏ارتباطات‏ ‏وتنظيمات‏ ‏أكبر‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏وهو‏ ‏قابل‏ ‏للبسط‏ unfolding  ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏قابل‏ ‏للتكامل‏  integration ‏فى ‏الكل‏ ‏الأكبر‏.‏

‏2- ‏إن‏ ‏لكل‏ ‏غريزة‏ ‏تعبير‏ ‏بدائى ‏مباشر‏، ‏كما‏ ‏أن‏ ‏لها‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ارتباطات‏ ‏تنظيمها‏ الحيوى ‏النيورونى ‏والخلوي‏، ‏تعبيرات‏ ‏محورة‏ ‏تخدم‏ ‏أيضا‏ ‏المستويات‏ ‏الأعلى ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏الحيوى ‏للنوع‏ ‏أو‏ ‏الفرد‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏.‏

‏ 3- ‏إن‏ ‏الغريزة‏ ‏لا‏ ‏تظهر‏ ‏فى ‏صورتها‏ ‏البدائية‏ ‏الأولية‏ ‏الفجة‏ ‏تماما‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏انفصلت‏ ‏عن‏ ‏سائرالغرائز‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏وكذلك‏ ‏إذا‏ ‏انفصلت‏ ‏عن‏ ‏سائر‏ ‏الوظائف الحيوية النفسية‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى‏.‏

‏4- ‏يمر‏ ‏نمو‏ ‏الغريزة‏ ‏على ‏مستوى ‏تطور‏ ‏النوع‏ ‏والفرد‏ ‏معا‏ ‏فى ‏خطوات‏ ‏متتالية‏ ‏تصاحب‏ ‏اتساع‏ ‏دائرتها‏ ‏وشمول‏ ‏ارتباطاتها‏، ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏الوعى ‏بها‏ ‏حتى ‏فى ‏صورتها‏ ‏البدائية‏، ‏و‏‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏تأجيلها‏ ‏وتنظيمها‏.‏

‏5- ‏تتعرض‏ ‏هذه‏ ‏الارتباطات‏ ‏الأشمل‏ ‏للتفكيك‏ ‏المرحلى ‏فى ‏الحلم‏، ‏أو‏ ‏أزمات‏ ‏النمو‏، ‏تمهيدا‏ ‏لولاف‏ ‏أعلى ‏وأشمل‏، ‏فهى ‏لا‏ ‏تُمْحى ‏أبدا‏ ‏بصورتها‏ ‏البدائية‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏مرحلة‏ “‏التكامل‏ ‏القصوى‏” ‏التى ‏تعتبر‏ ‏هدفا‏ ‏مستمراً متجدداً‏ ‏فى ‏تطور‏ ‏الإنسان‏ ‏الحالي لا أكثر.

‏6- ‏يستمر‏ ‏نمو‏ ‏الغريزة‏ ‏وتتسع‏ ‏ترابطاتها‏ ‏حتى ‏تصبح‏ ‏قادرة‏ ‏على ‏الالتحام‏ ‏الولافى ‏فى ‏حركية‏ ‏التكامل‏ ‏الجدلى‏، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ذلك‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏يبدو‏ ‏نقيضها‏، ‏أو‏ ‏مع‏ ‏صور‏ ‏تجاوزاتها‏، ‏أو‏ ‏مع‏ ‏الواقع‏ ‏المكتسب‏ ‏من‏ ‏تحويرها‏.‏

……………..

……………..

(ونواصل غدًا)

(تابع) ‏غريزة‏ ‏العدوان‏ ‏وتنويعات مسارها‏‏  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] – يحيى الرخاوى،  كتاب “الطب النفسى والغرائز (1) “غريزة الجنس” (من التكاثر إلى التواصل) و”غريزة العدوان” (من التفكيك إلى الإبداع) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022)

[2] – تحديث محدود لمحاضرة “الغريزة الجنسية”‏ ‏ألقيتها‏ ‏فى ‏منتدى ‏أبو‏ ‏شادى ‏الروبى (15/12/1998) ضمن نشاط محاضرات لجنة‏ ‏الثقافة‏ ‏العلمية: المجلس الأعلى للثقافة.

[3] –  يحيى الرخاوى: ثلاثة دواوين (1981 – 2008)، الديوان الثانى: “شظايا المرايا” قصيدة: “التهام” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، الطبعة الأولى 2018

 

تعليق واحد

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف:‏تتعرض‏ ‏هذه‏ ‏الارتباطات‏ ‏الأشمل‏ ‏للتفكيك‏ ‏المرحلى ‏فى ‏الحلم‏، ‏أو‏ ‏أزمات‏ ‏النمو‏، ‏تمهيدا‏ ‏لولاف‏ ‏أعلى ‏وأشمل‏، ‏فهى ‏لا‏ ‏تُمْحى ‏أبدا‏ ‏بصورتها‏ ‏البدائية‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏مرحلة‏ “‏التكامل‏ ‏القصوى‏” ‏التى ‏تعتبر‏ ‏هدفا‏ ‏مستمراً متجدداً‏ ‏فى ‏تطور‏ ‏الإنسان‏ ‏الحالي لا أكثر.
    التعليق : سبحان من لا تأخذه سنة ولا نوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *