الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من سلسلة “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (21)

مقتطفات من سلسلة “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (21)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 5-2-2022

السنة الخامسة عشر

العدد:  5271

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (21)  

مقدمة:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، أن تُقْرأ نشرة اليوم التى سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع، كما أوصى بالبدء بقراءة نشرة الأسبوع الماضى.

                      يحيى

الفصل السابع

جدل مستويات الوعى “التناص” Inter-textuality  (4)

…………….

وبعد

الله سبحانه هو بديع كل النصوص وعلى رأسها النصوص البشرية، ونحن لا نفعل إلا أن:

نتناصّ حيا لحى” حتى نسمح لأمخاخنا (ثم كلنا) أن تعيد بناء نفسها كما خلقها خالقها لننجح فى الامتحان (حمل الأمانة).

من هنا خطر لى أن أغامر وأبدأ بمقارنة أبعاد ومواصفات التناص الأدبى في النقد بالتناص البشرى فى العلاج انطلاقا من النقد الأدبى معترفا بصعوبة تقبل زملائى النفسيين  أطباء ومعالجين هذه اللغة غير المألوفة (غالبا: أكثر من صعوبة النقاد أن تصلهم بعض أوجه الشبه).

حركية “التناصّ”: آليات الإبداع النقدى فى العلاج 

استهلال:

النص بالإنجليزية يعنى Text  والتَّناصّ يعنى Inter-textuality ، أرجو أن يتعود الزملاء النفسيون على هذه الكلمة “التناص” لأنها شديدة الدقة بالغة الدلالة، وكما ذكرت فإنه لم يسبق لى استعمالها  فى مجال الطب النفسى إلا فى نشرات متأخرة في موقعى، فحمدت الله أننى ظللت أكتب يوميا منذ حوالى عشر سنوات فى “نشرات الإنسان والتطور” عن هذا الموضوع كما ظللت أمارس طول الوقت هذه الظاهرة منذ ستة عقود بنفس التوجُّه دون تسميتها تحديدا، حتى عثرت على أبجدية أستطيع أن اصف بها ما أفعله طول الوقت حتى حالا “هنا والآن”.

سوف أحاول قدر الإمكان ألا أغوص فى استعمال المصطلح من النقد الأدبى إلا بقدر ما يفيدنا فى القياس عليه فى الممارسة الطبنفسية العلاجية خاصة.

مقدمة عن الوعى، والتعدد، والجدل، والإبداع والتطور

أستطيع القول الآن أن مفاتيح ما كتبته وأكتبه وما أمارسه طوال هذا العمر هى هذه الكلمات الخمس: “الوعى” و”التعدد” و”الجدل” و”الإبداع” و”التطور“، وكل كلمة من هذه الكلمات برغم فرط ترددها بكل لغة ومنهج، وبأبلغ درجة من السعى والجهد والإجتهاد، فإن أعظم ما ينتهى إليه كل عالم جاد هو أنه برغم أنها مصطلحات محورية جوهرية لازمة التوضيح للإحاطة بماهية هذا الكائن الرائع المسمى “الإنسان” إلا أنها ما زالت غامضة ملتبسة، تحتاج إلى مزيد من البحث والتقصى، وحين أقرأ فى غير تخصصى أجد أنهم يعرفون هذه المفاتيح ويستعملونها كلٌّ بأبجدية تخصصه ومنهج بحثه، ويظل الأمل فى نقاط الالتقاء قائما رائعا يؤكد وحدة المعرفة وضرورة دوام السعى حتى نلتقى، أو حتى لا نلتقى إلا عنده.

وبعد

التناص فى النقد الأدبى (2) يتحدث عن النص بوصفه “جيولوجيا” كتابات، منطلقا من المفهوم الأساسى للتناص فهو يعتبر أن أى نص هو  مبنى على طبقات، وتتكون طبيعته التركيبية من النصوص المتزامنة والسابقة عليه”.

تعقيب:

فنحن حين نقول إن الكائن البشرى “نص” يحتاج إلى قراءةٍ فنقدٍ، فنحن لا نخرج عن ما يقابل “تركيب النص الأدبى” من منطلق التناصّ  “المتزامن”

 الإنسان نص تكوّنت طبيعته التركيبية من النصوص السابقة عليه (بالوراثة والتطور)!! والمتزامنة معه: بالطبع Imprinting، والجدل الخلاّق أثناء العلاج (وقبله/وبعده): يتواصل ذلك تلقائيا في الحياة السليمة المتطورة. أما فى مجال المهنة: فهو يتواصل أساسا بمشاركة الوعى البينشخصى للمعالج فالوعى الجمعى للمجموعة، فالمجتمع العلاجى (أو لا يتواصل!!).

وبرغم أن مصطلح التناصّ حديث الاستعمال، بل نادر نسبيا في الطب النفسى إلا أن هذا التعريف السابق وما جرى مجراه، وهو كثير: رفع من قيمته  ودلالته حتى صار مفهوم التناصّ هو أصل أغلب الإبداع تقريبا وراح النقاد يتكلمون عن حتمية التناصّ إزاء كل نص، لدرجة القول الجامع الراسخ الذى نعيده فنقول: “إن كل نص هو تناصّ”!!

 ومن بين القواعد التى وضعها النقاد لقراءة النص الأدبى من منطلق مفهوم التناصّ هو هذا القياس الذى أتحفظ عليه!!، قالوا:

“.. إن الشعراء يعيشون تحت هاجس القلق المستمر إزاء شاعر قديم سبقهم سجل قصائده حضورا أثيرا لديهم، وبالتالى فإن القصائد التى يكتبونها ليست سوى محاولة الخلاص من هذا التأثير وإزاحة ظل الشاعر العظيم الكبير الأقدم والتنافس أو التماهى معه”.

تعقيب:

نلاحظ فى هذه الفقرة طبيعة التفاعل بين النص الجديد والنص القديم، وأنها ليست التنافس فقط بل التماهى أيضا، لكن مع المبالغة  فى التعميم يمكن  رفضها واعتبارها تجاوزا غير مقبول إذا وصل الأمر بهؤلاء النقاد إلى القول:

 “ومن هذا المنطلق يمكن قراءة القصائد كلها باعتبارها إعادة كتابة لقصائد أخرى سابقة عليها أو متزامنة معها!!

تعقيب:

هذا قول قد يشرح لنا بدرجة ما: آليات نظرية الاستعادة Recapitulation Theory ، فى التطور والنمو ذلك أن اعتبار أن الإنسان هو نص بشرى يتضمن فكرة: إعادة  إنتاج/ كتابة/إبداع/تاريخ الحياة، ثم إعادة كتابة قصيدة حياته الذاتية بما يشمل التفاعل الجدلى مع قصائد الحياة السابقة له، والمتزامنة معه ليواصل مسيرة تطوره ونموه: وهو قول يساير القياس  الذى جعلنى أواصل تطبيق برنامج الاستعادة إلى كيف أن كل أزمة نمو (بما في ذلك أزمنه إريك إريكسون الثمانى)، هى استعادة إبداع للنص السابق عليها (القصيدة الأقدم= مرحلة النمو القَبْلية) متضمنا التفاعل معه لتجديده أو تطويره وإعادة إبداعه (3)

دعونا نتوقف أكثر قليلا أمام المصطلح وما يقوله نقاد الأدب عنه (من نفس المصدر):

“….مصطلح “التناصّ” ظهر فى تاريخ النقد الأدبى فى منتصف الستينات فى أبحاث متفرقة ثم تطور استعماله حتى طرحت من خلاله صيغة النص المتعدد الذى “يتولد فى الآن عينه من نصوص عديدة سابقة عليه”.

 تعقيب:

وهل نحن في الطب النفسى نقدم الإنسان كنص قابل للنقد إلا باعتباره كيانا متعددا يتولد فى “هنا” و”الآن” من نصوص عديدة  ليست فقط سابقة عليه، بل إننا نتقدم خطوة بالجملة الأخيرة فنضيف: سابقة عليه أو مواكبة له “هنا والآن”.

هذه الإضافة تجعل حركية التناص العلاجية آنيـّة إبداعية مسئولة أكثر منها استعاديـّة منافسة أو متماهية مع نص أو نصوص سابقة، ذلك أننا فى النقد الأدبى لا نعرف النصوص السابقة المشاركة تحديدا، لكن لدينا فى واقع العلاج ما يتحرك “فينا معا”، وذلك من واقع نصوصنا الخاصة المتداخلة المتجادلة المتآلفة حالا: “هنا والآن”، ويشمل ذلك كل المشاركين من مرضى ومعالجين خاصة فى العلاج الجمعى أو علاج الوسط ، إن الإضافة التى يمكن أن يضيفها مفهوم العلاج كنقد للنص البشرى إلى مصطلح التناص هى التركيز على استيعاب النصوص البشرية المجتمعة  حول “هنا والآن” فى حركية إبداعية آنية متصلة ممتدة، أما فى النقد الأدبى فإن التناص يركز بشكل ما على العلاقة بالنصوص السابقة أساسا، و إن لم يستبعد النصوص المعاصرة.

…………….

…………….

(ونكمل غدًا)

 

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2021) (تحت الطبع)

[2] – أغلب المقتطفات النقد أدبية هى من دراسة لـ: عبد الستار جبر الأسدى، عن “ماهية التناص” مجلة فكر ونقد، السنة (3) العدد 28 (أبريل 2000).

[3] – “الماكروجينيا تعيد الأنتوجينيا”، و”الميكروجينيا تعيد الماكروجينيا” أنظر نشرة الإنسان والتطور (9-2-2016)  بموقع الكاتب   www.rakhawy.net

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

4 تعليقات

  1. لو يعلم الجمع
    حتم الملاحة في بحر المحن
    لم يطلبوا رسو السفن
    فالسفينة لا ترسو الا بقدر
    لكي تبحر الي مستقر لها.
    يسأله من في السموات والارض
    كل يوم هو في شأن
    فبأي آلاء ربكما تكذبان.
    لم نخلق الا لنبحر
    نكدح نكدح نكدح
    الي ان نلاقيه.
    نبدأ لكي لا ننتهي
    نحن وجود يتحرك
    لا يسكن الا من يركن الي العدم

  2. يا عمنا الفاضل الكريم
    الا يمكن ان نضع شرط ان يكون هذا التناص هو ما بين كائن حي ينبض بصدق او علي الاقل يحاول — حتي وهو في ازمة مرض — ) مع كائن آخر . ويمكن ان يكون لهذا السبب انه بدأ يعي او ينبض او يتفتح ليتكامل ) فبدأ يمرض بمعني انه بدأ يدخل في ازمة وجودية حقيقية انطلاقا الي رحلة حتمية لا بد ان تبدأ الي تكامل مفتوح النهاية

    او علي الوجه الآخر مخاض ابداع تفرد ليكشف فيحاول ان يعمق وعيه بحدة شديدة ليكشف حتي دون ان يقصد في البداية . فيبدأ في رحلة ابدية في محاولة تكامل لا يكتمل ابدا .

    اخيرا كيف يمكن ان نتصور هذا التناص الحتمي في حركية الحياة الي التكامل الحتمي الابدي المنقوص اذا جاز التعبير في الحياة العادية بين الناس العاديين . الا يجب ان يكون هناك مجال ( Milieu) صحي كحد ادني . ام ان التناص له اشكال او تنوعات كثيرة . الاجابة عندي هي نعم .
    ويظل التحدي الاكبر هو الاغارات العدمية الوهمية التي يفرضها الtrend المادي الاكبر الذي بدأ يغزو ويسيطر علي نوعية وجود البشر في كل مكان .
    ربنا يستر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *