الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من سلسلة “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (26)

مقتطفات من سلسلة “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (26)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 20-2-2022

السنة الخامسة عشر

العدد:   5286

مقتطفات من: “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” (1)

الكتاب الأول: “النظرية والفروض الأساسية” (26)  

مقدمة:

نواصل اليوم هذا النشر المتقطع من هذا الكتاب، لعله الأهم، أن تُقْرأ نشرة اليوم التى سنقدم فيها ما تيسر من الفصل السابع،

 كما أوصى بالبدء بقراءة نشرة أمس قبل قراءة هذه النشرة.

                      يحيى

الفصل السابع

جدل مستويات الوعى “التناص” في العلاج الجمعى Inter-textuality  (9)

…………

…………

البداية من “تناص” الوعى لدى الأحياء قبل الإنسان

إذا أردنا أن نبدأ من البداية، فلا بد أن نتعرف على ماهية “الوعى” فى حدود المستطاع، هنا، والمستطاع فى موضوع الوعى بالذات قليل تماما إذا قيس بحجم المشكلة وحاجتنا للسير فى ضوء معرفة كافية.

دعونا نبدأ بأن نسترجع محاولات “دانيال دينيت” الدؤوب، وهو يقدم لنا “أنواع العقول” (2) بعنوان فرعى “نحو محاولة فهم الوعى“، وما يهمنى الآن هو التنبيه على تركيزه من البداية : أن لكل نوع من الأحياء – دون استثناء- وعى خاص به  يحافظ من خلال نشاطه على بقائه بشكل أو بآخر، وقد أسمى هذا الوعى “عقلا”، فى معظم تناوله للمسألة، ولا اعتراض عندى طالما أنه لم يختص كلمة العقل بهذا العقل المتحذلق فى أعلى مراحل تطور اللغة الرمزية عند الإنسان، وقد انتهى دينيت إلى أن العقل البشرى هو نتاج:

 (1) الانتقاء الطبيعى

(2) إعادة تصميمه ثقافيا  (3)

وهكذا يمكن الانتباه إلى ضرورة مراجعة غرورنا بعقولنا الظاهرة ونحن نتصورها، ونصوِّرها طول الوقت، أنها الأصل، وأن كل ما عداها هو ناتج عن نشاطها، ولكن يبدوا أن الامر ليس كذلك تماما، فما العقل إلا جانب واحد من نتاج لعملية التطور والانتقاء.

حين نعرف كيف نشأ العقل سواء تجلَّى فى منطومة إبداعية حركية تسمى الوعى، أم تربع على منظومات مفهومية وصية تسمى العقل الحديث، أقول حين نعرف كيف نشأ العقل من كلًّ من الإنتقاء الطبيعى، ثم إعادة تصميمه ثقافيا، (لما يقول دينيت) بكل ما تعنى الثقافة من تلاحم جماعى، وتناغم مع البيئة، وتطور وإبداع، لا بد أن نتوقف أمام المقولات الشائعة، ونعيد النظر فى علاقة كل ذلك بحركية الوعى بين الأحياء من نفس النوع، وأيضا مع الأنواع الأخرى، وأن نتساءل: هل ثمَّ “تناص” جرى ويجرى بين مستويات الوعى المختلفة فى النوع  الواحد، وكذلك بين وعى نوع من الأحياء ونوع آخر استطاع أن يبقى معه أيضا؟

ثم يأتينا المزيد من التأكيد على دور الإبداع فى البقاء باعتباره الحركية الجدلية التشكيلية بين الأحياء، والمحيطين بنفس النوع وغيره تكافلا، ذلك من خلال مقولة “سيلفانو أريتى” فى كتابه “الإبداعية: ذلك الولاف السحرىCreativity: The magic Synthesis (4) فقد جعل أريتى – فى سياق الإبداع –  أن آليات وبرامج التعامل البقائى ليست فقط مع أفراد الأحياء من نفس النوع، ولا مع الأنواع الأخرى، ولكن مع دوره فى إبداع وتشكيل الزمان والمكان، وهذا بالغ الأهمية نتعلم منه أن التكيف وإبداع الحياة –  لتستمر ويبقى النوع – يحتاج من الكائن الحى بما فى ذلك الإنسان أن يتشكل مع الأزمنة والأمكنة أيضا، الأمر الذى يتعلمه أيضا – كما يقول أريتى: من البيئة الخارجية.، ثم يقول بعد ذلك ” ثم ينقلها التطور من جيل إلى جيل”

هكذا تتواصل العملية الإبداعية حين يمثل هذا التشكيل الإبداعى تلاؤما بين البيئة المحيطة وما تحمل من التركيب الوراثى لقوانا وطاقتنا التشكيلية المبدعة خاصة، إذن فهذا إبداع آخر من إبداعات  برامج وآليات التطور، وهو مسئول عن البقاء، ذلك لأنه كما قال أريتى أيضا: “إن أية آلية أو تركيب لم ينجح فى التلاؤم: قد فشل أن ينتقل جينيا“، ومن ثم هو قد فشل فى مواصلة مسيرة التطور، وحين يصل الأمر إلى أن يكون هذا الانتقال الجينى مشروطا بأن ما ينتقل إلى الأجيال الأحدث هو ما ينجح فى عمليات الإبداع والتكيف، يزداد وعينا بأهمية وأولوية حركية التفاعل بين مستويات الوعى وبعضها، بل وبين مستويات الوعى (التى أسماها دينيت: عقولا) وبين الطبيعة من حولنا بما فى ذلك المشاركة فى تشكيل الزمان والمكان كما أشار أريتى فى سياق كلامه عن طبيعة الإبداع.

وبعد

ما علاقة كل هذا بالتناصّ، وبنقد النص البشرى، وبالطبنفسى التطورى؟

* إذا كانت الأحياء حتى قبل الإنسان لم تبقَ، ولا تستمر،  ولا تتطور ولا تبدع إلا من خلال جدلية حركية الوعى معا، فكيف بالله عليكم يواصل الإنسان مسيرته بأقل قدر من الانتباه إلى هذا الدور الخلاق لحركية  الوعى؟ إن التمادى في تهميش هذا التبادل الإبداعى الواجب الانتباه إلى تزكيته على كل المستويات،  ينتهى إلى مضاعفات التدهور والانقراض، ومن بينها تجليات معظم هذه المظاهر والمضاعفات المسماة المرض النفسى.

* إذا كان الكائن البشرى هو” نص حيوى” أبدعه بديع السماوات والأرض، وهو مركب من كل مستويات وعى من سبقه على مسيرة من أكرمهم الله بخلقهم وهديهم إلى طريق الحفاظ على طبيعتهم بتبادل التشكيل وإعادة التخليق عبر كل المسويات، فأين نحن الآن (خصوصا الأطباء والمعالجين) من مسئولية تعهد كل ذلك أو بعضه حتى نقدر على مواصلة المضى فى الطريق الصحيح للحفاظ على ما هو “ربى كما خلقتنى”، بعد كل ما جرى ويجرى؟

* إذا كان رب العالمين قد أكرم هذا النص البشرى أكثر من غيره فجاء على “أحسن تقويم”، ثم سلمه الأمانة ليتعهد بقاءه واستمراره ما أجاد حملها، الأمر الذى يتوقف على مدى نجاحه فى الحفاظ على هذا التقويم الأحسن، وكان لزوم ذلك هو استمراره على طريق التطور وتبادل حركية الإبداع مع كل ما يلوح من مستويات الوعى النابضة بإيقاع حيوى خلاّق، فما الذى جعلنا نصير إلى هذا المنحرف الهامشى، والتجزيئى، والكمّى المغترب؟ (من ذلك: المرض النفسى) ولحساب من؟ وإلى متى؟

* إذا كان المرض النفسى هو بعض أوجه فشل هذه المسيرة، أليس من المنطقى أن يكون علاجه هو محاولة تصحيح المسارلإنجاحها بكل ما أتيح لنا من أدوات وقدرات وحركية وعى؟

* هذا هو ما حاولنا الإشارة إليه مما لاح لى في العلاج الجمعى ثم رصدته وحاولت شرحه في هذا العلاج؟

قيل وكيف كان ذلك؟

دعونا نتأمل ما جرى ويجرى فى العلاج الجمعى من واقع ثقافتنا الخاصة

أقدم لكم الآن أشكالا بلا تعليق ربما تقوم بمثابة دعوة إلى النظر فى ما لم أستطع كتابته بالألفاظ فى المتن، حتى نعود إليها ما أمكن ذلك.

Screenshot (197)  

Screenshot (198)

…………….

…………….

(ونكمل الأسبوع القادم)

 بعرض الفصل الثامن: “هامش: عن الطاقة والوعى والصرْع!!”

 

[1] – انتهيت من مراجعة أصول “الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى” وهو من ثلاث أبواب: وسوف نواصل النشر البطىء آملا في حوار، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2022) (تحت الطبع)

[2]- Daniel C. Denne : (1996)  “Kinds of Minds Towards Understanding of Consciousness” 

  دانيال دينيت: أنواع العقول: نحو محاولة فهم الوعى : الكتاب المترجم صادر عن “المكتبة الأكاديمية” القاهرة  2003

[3] – Denette came to the conclusion that:

Human mind is the outcome of الانتقاء الطبيعى + إعادة تشكيله بالتأثيرات البقائية ! 

(1) natural selection + (2) Restructuring by cultural influences

[4]  – Silvano Arieti: Tertiary processes (1976), Creativity: The Magic Synthesis. Basic Books، New York 

These modes (i.e. the structures of time and space) have to be “learned” by evolution itself from the external environment and then evolution transmits them from generation to generation.  The modes happen to fit the world because the hereditary depositories of our mental functions were selected for their evolutionary fitness.  Whatever mutation or mental structure did not fit was dropped from genetic transmission.

النشرة التالية 1

النشرة السابقة 1

2 تعليقان

  1. صباح الخير يا مولانا:
    المقتطف : ….نتعلم منه أن التكيف وإبداع الحياة – لتستمر ويبقى النوع – يحتاج من الكائن الحى بما فى ذلك الإنسان أن يتشكل مع الأزمنة والأمكنة أيضا.
    التعليق : وصلنى هذه المرة شىء جديد ومختلف ،أريد أن أعلق عليه هنا ،ليس على المحتوى المكتوب ،لكن على الشكل ،وعن طريقة التبادل بين السطور : ما تحته خط ،دون غيره ؟! لماذا ؟ أدركت الآن نبض النص وحركية كلماته ،حين وضعت حضرتك خطأ بدءا من( بما فى ذلك الإنسان ….أيضا)وصلتنى إيماءاتك واشاراتك ومحاولتك أن تنطق النص ،لدرجة أننى رغبت فى مراجعة كل ما كتبته لأقرأه واعيد تشكيله ،لأنبه الناس أن يلتقطوا ،ليس الكلمات المكتوبة فقط ،لكن حركية العلاقات بينها لتتحول إلى لغة تواصل حتى نستطيع الجدل مع النص المكتوب وكأننا نتجادل مع النص الحى …أرجو أن أكون قد استطعت توصيل ما وصلنى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *