الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقتطفات من حوار: “الصحة النفسية للمجتمع المصرى .. والعلاج النفسى الجمعى”

مقتطفات من حوار: “الصحة النفسية للمجتمع المصرى .. والعلاج النفسى الجمعى”

نشرة الإنسان والتطور

السبت: 13-2-2021

 السنة الرابعة عشر                 

العدد: 4914

مقتطفات من حوار:

الصحة النفسية للمجتمع المصرى .. والعلاج النفسى الجمعى (1)

أجرى الحوار الأستاذ: أحمد محمود   

 (1)  كيف يحافظ الإنسان على حالة الإتزان النفسى؟

د. يحيى:

الاتزان النفسى ليس هو غاية المراد طول الوقت طول العمر، والصحة النفسية ليست مرادفة للاتزان النفسى، السواء النفسى  هو أن يحافظ الإنسان على طبيعته البشرية، وهى طبيعة كما نظمها خالقنا إيقاعية هارمونية نابضة، وليست ساكنة متوازنة، وتتحقق هذه الصحة بأن يأخذ كل طور فى نبض الحياة البشرية حقه ثم يسلم للطور التالى، ثم يواصل الحفاظ على هذا التناوب المكمل بعضه بعضا مثلما يكمل النوم اليقظة، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً)، ومثلما يكمل الليل النهار، وحين يختل هذا النظام وينقلب نشازا يظهر المرض ويصبح استعادة النبضات الطبيعية هى الصحة التى تعيد للفطرة طبيعتها السليمة كما بدعها خالقها.

 (2)  العلاج النفسى الجمعى .. سيادتكم رائد هذا العلاج فى مصر والشرق الأوسط.؟

د. يحيى:

يكاد يكون العلاج النفسى الجمعى هو أصل ما يسمى العلاج النفسى، وهو من حيث المبدأ يبدأ من أن “الناس لبعضها”، وأيضا أن “الجنة من غير ناس ما تنداس”، لكنه تطور مؤخرا حتى صار فنا علاجيا قائما بذاته يكاد ينفصل عن العلاج النفسى الفردى، التقليدى، علما بأنه توجد أنواع كثيرة عبر العالم، وفى مصر أيضا، والعلاج الجمعى الذى أمارسه شخصيا فى “قصر العينى” بالذات منذ حوالى نصف قرن هو أقرب إلى ما يسمى علاج الجشتالت، وهو يركز على التفاعل مع المريض فى المجموعة تركيزا فى اللحظة الراهنة بعيدا عن الحكى وتفريغ الذكريات، عكس الأمر الذى يغلب على ما يسمى التحليل النفسى، وهو يخلق بين المرضى والمعالجين (قائد ومساعد أو أكثر)، وعياً مشتركا يسمى “وعى الجماعة”، وهذا الوعى بعد حين يصبح هو “العامل العلاجى” الذى يجمع الأفراد حتى يكوّنوا ما يشبه الأسرة الجديدة التى تتشارك فى الرؤية والكشف والتعرية والدفء والاعتماد المتبادل المعلن المحدود، وغير ذلك من آليات هذا العلاج، وبالنسبة لثقافتنا الخاصة (المصرية العربية الشرقية) لاحظنا امتداد وعى المجموعة إلى ما بعدها، وهو ما يسمى الوعى الجماعى، بل كثيرا ما يصل الأمر إلى الشعور بالوعى المطلق يحيط بنا كعامل أساسى فى العلاج تحت مظلة رحمة ربنا “اجتمعوا عليه وافترقوا عليه”، دون استعمال أى لغة دينية مباشرة أو ترغيب أو ترهيب.

(3)  ما هى أصول العلاج الجمعى وجذوره فى المجتمع المصرى.. وهل نتائجه مبشرة .. وكيفية تواجده على مستوى مصر؟

د. يحيى:

نتائج هذا العلاج فى حدود ما أمارسه مبشرة فعلا، وإن كان العدد قليلا والتعميم مرفوض خاصة مع التذكرة باختلاف أنواع هذا العلاج والمتعالجين.

أما عن تواجده فى مصر فقد انتشر بسرعة لم أكن أتصورها حتى نشأت فى مصر “الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية”، التى ترأسها ابنتى الأستاذ الدكتور/ منى الرخاوى، والتى فى نفس الوقت عضو مجلس إدارة فى الجمعية العالمية للعلاجات الجماعية، وقد عقدت ثلاث مؤتمرات سابقا:

* المؤتمر الدولى الأول من ٢٥ إلى 27 سبتمبر ٢٠١٣ “العمليات الجماعية كحافظة لبرنامج الارتقاء: الاعتبارات الثقافية”

* المؤتمر الدولى الثانى من 14 إلى 16 يناير 2016 من الأمل إلى العمل العمليات الإبداعية الموازية: فى التطور، والثورة ، والعلاج الجمعى النمائى (دور الوعى الجماعى فى إبداع إعادة الولادة)

* المؤتمر الدولى الثالث من 11 إلى 13 يناير 2018 بعنوان “الأمل والعمل والتواصل”

* وسوف يعقد المؤتمر الدولى الرابع  للجمعية المصرية للعلاجات والعمليات الجماعية من 18 إلى 20 يناير 2020  بعنوان: “الصحة النفسية عبر مراحل العمر”

 (4)  بعض الفنانين والمبدعين يعانون بعض الشىء من الألم النفسى.. كيف تفسر هذه الحالات؟

د. يحيى:

هذا صحيح، ولكن علينا ابتداء أن نفرق بين “الفنان” والمبدع، فالفنان شخص موهوب يقوم بدور معين فى فن بذاته بما عليه من مشقة وصعوبة وضرورة تكيف ومطالب متنوعة، وهو يعانى من الحالة النفسة، ربما نتيجة لعجزة عن الوفاء بكل أو أغلب ذلك، فيشكو ويمكن أن يسأل نصح طبيب نفسى.

أما المبدع فهو الشخص الذى يأتى بالجديد، ويغامر بتفكيك الواقع لإعادة تشكيله، وهذه عملية رائعة وخطيرة لأنه قد يفكك الواقع أحيانا، لكنه يعجز عن إعادة تشكيله، فهو المرض، وعلينا ألا نختزل هذه الأطوار وألا نسارع بالحيلولة دون تواصل كل خطوات عملية الإبداع خوفا من هذه النهاية، بل أن نقوم بدعمه وهو يفكك الواقع، ثم نلحق به ونساعده وهو يعيد التشكيل فيكون الناتج إبداعا وليس مرضا.

 (5)  عام 2020 ماذا يراه عالمنا الجليل ويتمناه للمصريين؟

د. يحيى:

  هو سوف يكون عاما زاخرا بكل ما يلخص العقدين السابقيين: فهو له سلبيتاته وإيجابياته، وبالنسبة لى شخصيا، أنا أعتبر نفسى مريضا بما اسميه “التفاؤل المزمن” فأنا أحمل نفسى مسئولية المشاركة فى تحقيق ما يلوح لى من خلال هذا التفاؤل، وأرجو من كل مواطن أن يشاركنى ما اسميه ألم التفاؤل، الذى هو فرحة التفاؤل ومسئوليته معا، وذلك بأن يملأ الوقت بما هو أحق بالوقت، وهذا قول أحد الصوفية الذين أحبهم.

 (6)  ما هى نسبة الاكتئاب بين المصريين؟ ونسبة الشفاء منها؟

د. يحيى:

  الاكتئاب هو من أكثر الأمراض شيوعا بين الناس، هذا هو الشائع، وأنا لا أوافق عليه، وخاصة إذا وصف به المصريون حتى قبل أن المصريين مصابون بما يسمى “الاكتئاب القومى” وهذا تعبير خاطئ وجارح، والأطباء النفسيون والاعلام عموما من أهم المسئوليين عن هذا الذى يتردد بين الناس.

الحزن، هو الأسم الأولى بهذه المعاناة التى تسمى اكتئابا، شعور طبيعى يمر به كل خلق الله، وأحوالنا جمعيا فيها ما يُحزن إن لم يكن لما يصيبنا فلما يصيب الأقرب فالأقرب، فكل الناس، ولا يصح أن تسمى هذا التفاعل مرضا أصلا.

وحين يأتينى مريض وأسأله عن ما يشكو منه فيقول “عندى اكتئاب” أقول له “لو سمحت لا تردد كلام ما قاله لك الأطباء ولكن أوصف لى معاناتك وأحوالك ونومك وعلاقاتك أولا” ودعنا نرى حالتك شخصيا بدلا من الإسراع يلصق لافتة سهلة هكذا، ومثل هذا الاستسهال فى وصف هذه المشاعر الضرورية هو شئ مزعج ومسطح وهذا ما علمنا إياه صلاح جاهين وهو يقول:

يا حزين يا قمقم تحت بحر الضياع

حزين أنا زيك و إيه مستطاع

الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع

الحزن زي البرد … زي الصداع

(7)  القرارات الاقتصادية والسياسية تدخل فى تكوين المزاج العام والاستعداد النفسى فى المجتمع؟

د. يحيى:

  طبعا، إن هذه القرارات تمس كل نواحى الحياة من أول ثمن رغيف العيش حتى مصاريف الدروس الخصوصية للأولاد فكيف لا تدخل فى تكوين المزاج العام.

 (8)  أسباب تفكك الأسرة المصرية واختفاء القيم الحميدة (الشهامة والنخوة واختفاء لفظ “دا عيب”؟

د. يحيى:

أما عن تفكك الأسرة فدعنى أقول لك أننى أرُجع كثيرا مما ذكرت إلى انتشار تلك البدعة التكنولوجية الأحدث (الموبايل) خصوصا فى أيدى الأطفال وقد حالت بين الأطفال وبين ذويهم بل بين الأطفال وبين بعضهم البعض، وأختفى دور الوالد الضرورى، أضف إلى ذلك اختفاء دور المدرس القدوة، بعد أن حلت المراكز الخاصة والدروس الخصوصية محل المدارس المجتمع.

 (9)  ثقافة الاستجمام .. كيف تعتبرها (السفر، البعد عن الجدول اليومى) لتعيد الطاقة الإيجابية للشخصية؟

د. يحيى:

استجمام ماذا يا عمى، دعنى أذكرك بمثل عامي لدينا يقول: “إحنا فى زفت ولا فى شم ورد؟” الدنيا أصبحت مزدحمة، وساكنة فى المحل للكبار والصغار على حد سواء، ثم تقول الاستجمام؟!

نحن فى حاجة إلى ثورة تربوية أخلاقية إيمانية تواصلية إبداعية فى كل موقع من مواقع وجودنا مع كل نفس نتنفسه حتى ينصلح الحال.

****

[1] – نشر الحوار  فى عدد يناير 2020 من مجلة  “طبيبك الخاص” دار الهلال

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *