الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مقالات قديمة!! (1 من 7) العولمة ونوعية الحياة

مقالات قديمة!! (1 من 7) العولمة ونوعية الحياة

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 15-4-2015   

السنة الثامنة

العدد: 2784

مقدمة:

بعد أن قرأ بعض الأصدقاء أول أمس (الاثنين) المقتطفات والإشارة إلى مقالاتى فى الأهرام سنة 1999، والوطن السعودى سنة 2000 طلبوا منى إعادة نشرها برغم مرور عقد ونصف، فعدت إليها، ووجدتها صالحة لإعادة النشر الآن ولكن ليس فى ملف الإرادة حتى لا يطول الاستطراد،

وعلى ذلك قررت أن أنشر هذه المقالات تباعاً كل أربعاء أملاً فى مناقشة جديدة أو مشاركة مفيدة.

 مقالات قديمة!! (1 من 7)

    الأهرام: 14 – 5- 1999

العولمة ونوعية الحياة ((1))

كثر الحديث عن العولمة، وعن العالم الذى أصبح قرية صغيرة، وعن ثورة الإتصالات التى سمحت للإنسان المعاصر بأكبر قدر من الحرية‏ (حرية ماذا؟‏)‏ عبر التاريخ، وعن الشفافية التى زعمت أن كل شئ أصبح متاحاً لكل أحد، وعن النظام العالمى الجديد الذى به حلت نهاية التاريخ‏!!!‏ وعن صراع الحضارات الذى لابد بالتالى أن ينتهى لصالح الحضاره المنتصرة،[‏على فرض ان الحضارة الامريكية قد انتصرت جدً، إذا كانت قد وُجِدَتْ اصلا‏!!].‏

ويبدو أن كل ذلك قد شغلنا عن الأهم والأولى بالنظر، وهو محاولة التساؤل بعد كل هذا، ومع كل هذا عن‏:‏ إلى أين‏..‏؟ ‏(و‏)‏ إذن ماذا؟‏.‏

ونحن إذ نتساءل عن ذلك لا نعترض ولا نتحفظ ولا نضع شروطا لاستفادتنا من انجازات هذه العولمة، لكننا نحاول أن نرتقى بوعينا وفعلنا إلى مسئوليتنا عن وجودنا، وعن نوعيته، هذا إذا كان لنا ان نختار ما أكرمنا به الله، وهو الوعى بما نحن، ومن ثم الإسهام فى اختيار ما يمكن ان نكونه‏.‏

لقد أنهى بيل جيتس كتابه الطريق يمتد قدما‏1995(المترجم باسم المعلوماتيه بعد الانترنت‏)((2))،‏ بأمل واعد يقول‏: “ويمكننا بالتأكيد أن نواصل توفير برمجيات أفضل وأفضل من أجل جعل الكمبيوتر الشخصى اداة تمكين معممه فى كل مكان”‏…‏ ولم يقل، أو أنه شغله ما يهمه، فحال دون أن يقول لنا: أداة تمكين من ماذا؟ ولا أداة تمكين للوصول إلى أين‏..‏؟ اللهم الا إشارة عابره لإنشاء شركات جديدة،‏ وعلوم جديدة تحقق ما يتصوره عن تحسين “نوعية الحياة‏”.‏

فهل يوجد تعريف إجرائى لنوعية الحياة التى نريد ان نحسنها؟ أهى إطاله العمر، أم مجتمع الرفاهية، أم أوهام الحرية، أم تعميق الوعى والامتداد الإيمانى، أم مزيد من تأنيس الإنسان؟‏.‏

كذلك انهى الكاتبان هانز بيترمان، وهارالد شومان كتابهما فخ العولمة((3)) برص عشرة أفكار رائعة لإنقاذ اوروبا من غباء العولمة ‏(الأمريكية‏)، وليس لإنقاذ الجنس البشرى من الإنقراض المحتمل، وقد بدت لى هذه الافكار الأوروبية التى لوح بها المؤلفان بدت لى أفكاراً مثالية خاصة بأوروبا جداً، آملة، وقصيرة الأجل‏.‏

كذلك تتبعت مقدِّراً إجتهادات أ‏.‏ د‏.‏ زقزوق((4))، وأيضا د‏.‏ محمد رءوف حامد((5)) ‏(أهرام الجمعة ‏7‏ مايو‏1999)، فى محاولة التوفيق بين الإسلام والعولمة من جهة، وبين الوطنية والعولمة من جهة أخرى، إلا اننى شعرت بعد الإمتنان لهما أن الأمر قد يحتاج الى خطوة أبعد مما ذهبا إليه مشكورين‏.‏

وسوف اتجنب أن أركز على فتح ملف الفروق بين ثقافة الشرق ‏(المتخلف!! أو الوجدانى!! أو الشرقى‏)‏ وثقافة الغرب والشمال ‏(المتقدم، البالغ الوفرة، المحِّققْ للرفاهية‏)‏ فهو ملف مفتوح دائما، والنقاش فيه مغلوط عادة،(مثلاً بالمعايرة أو التشفى بذكر مذبحة كولورادو الأخيرة((6)) على أنها نذير تدهور الغرب كله‏..‏ إلخ‏).‏

كذلك لن أحاول أن أعدد فضائل الأخلاق التى كنا نتمتع بها، أو التى يمكن أن نفخر بها، أو التى ينبغى أن نتصف بها‏، فمثل هذه الدعوات لا جدال حول وجاهتها، من حيث أنه على الإنسان أن يكون على خلق عظيم، سواء بإحياء تعاليم دينه أو باتباع مواثيق حقوق الإنسان، إلا أن المطلوب ليس مباريات الفخر والهجاء، ولا حتى محاولات التوفيق والتزام قدر من الموضوعية، وإنما المطلوب هو محاولة التساؤل المبدئي‏:‏

هل توجد فروق جوهرية فيما يتعلق “بنوعية الحياة” التى يلوحون لنا بها، وبين نوعية الحياة التى تصلح لنا من وحى اختلافنا التاريخى والآنى، والتى قد يكونون هم أحوج ما يكونون إليها‏(إلينا‏)‏ إذا نجحنا فى إثبات جودة وصلاحية ما ندعو اليه واتجاه تحقيقه فى السير فى طريقه ليس لصالحنا فقط وإنما لصالح الانسان عامة؟ أم أن العولمة التى يروجون لها قد أزالت هذه الفروق بالمرة؟

يقول بطرس غالى فى شأن العولمة حالة كونه سكرتيراً للأمم المتحدة‏((7)):‏ ليست هناك عولمة واحدة، بل ثمة عولمات عديدة، فعلى سبيل المثال، هناك عولمة فى مجال المعلومات، والمخدرات، والاوبئة والبيئة، وطبعاً، وقبل هذا وذاك، فى مجال المال أيضا ثم يتكلم غالى عن الجرائم العابرة للحدود كما يتكلم عن الأموال العابرة للحدود، لكنه ربما من باب الحذر لا من قبيل الغفلة لم يشر إلى عولمة التدين، وعولمة التوحيد، والأخلاق الحميدة العابرة للحدود، والوجود الإيمانى العابر للحدود‏.‏

وقد تناول ديستويفسكى حضور الله سبحانه فى وعى الإخوه كارامازوف واحداً واحداً ليعلن بطريق مباشر أو غير مباشر أن هذا المتغير “حضور الله فى الوعى بكل مستوياته”، هو أساسى فى بناء الشخصية، ومن ثم فى تحديد نوعية الحياة، بحضورها الآنى فى الفعل اليومى، يستوى فى ذلك تسليم إيفان كارامازوف الملحد بأنه‏..‏ “إذا فقدت الإنسانية هذا الإعتقاد بالخلود فسرعان ما ستغيض جميع ينابيع الحب”‏..(و‏)‏ أكثر من ذلك “أنه لن يبقى شئ، يعد منافياً للأخلاق”، وسيكون كل شئ مباحاً، أو رأى ديمترى كارامازوف أنه‏:‏ “أنك إذا أنكرت الله تنتهى إلى زياده سعر اللحم”‏..‏ الخ‏.‏

كذلك ظل نجيب محفوظ يلح حول هذه القضية بكل إصرار ومثابرة من أول “زعبلاوى” حتى “الحرافيش” إلى “أصداء السيرة”، مارين “بالطريق” دون إستبعاد “أولاد حارتنا”، ومن أنصت إلى عمر الحمزاوى فى “الشحاذ” وهو يستمع لذلك الصوت يعاتبه فى نهاية الرواية “إن كنتَ تريدُنى، فلم هجرتَنِى”، لابد أن يدرك أين وضع محفوظ هذه القضيه مِحوَراً فى تحديد نوعية الوجود البشرى، وكل ذلك وغيره خليق بأن يلح علينا بضرورة اكتشاف وتأكيد حقيقة جوهرية فى الوجود البشرى تقول‏:‏

إن وجود الله هو ضرورة حيويه ليكون البشر بشراً، وأن هذه القضيه يستحيل أن تكون مجرد مسألة منطقية شبه عقلية، أو أن تُخْتَزل إلى إستسلام دينى غيبى.‏

ولن استطرد بعد ذلك فى شرح هذه المسالة حتى لا أخرج عن هدف المقال الاصلى الذى يقول‏:‏

إننا ونحن نتناول هذا التمادى المطرد فيما هو “أدوات التمكين” التى تتيحها وسائل الحياة المعولمة، لابد أن نضع هذا المتغير الأساسى فى حسباننا، وإلا فسوف نستدرج إلى التسليم ضمنا بموقع العقيدة والإيمان كإضافات اختياريه ‏Options(مثل كماليات السيارات‏)‏ يمكن أن يتحلى بها من يشاء بعض الوقت تحت زعم أن الدين لله والوطن للجميع، أو أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله وكلام من هذا، مما يخدعنا تحت وهم تسامح كاذب لا يصل إلى عمق حقيقة التواصل البشرى تحت مظلة الله‏..‏ سبحانه وتعالى طوال الوقت‏.‏

إننى أزعم أن هذه المسألة (وجود الله سبحانه كمتغير فاعل طول الوقت) هى الجوهر الذى ينبغى أن نعتنى باستعمال كل أدوات وقنوات الخبرات والمعارف والعلوم الأحدث لبرمجته بطريقه تميزنا نحن البشر، وفى نفس الوقت قد تضيف إلى إحتياجاتهم ما يمكن أن ينقذهم من أوهامهم حول الإكتفاء بالحرص على الرفاهية والتنافس الكمى المتنامى، والإستغناء عن الله بالاشارة إلى احتمال وجوده فى إبداعاتهم الفنية التى لا أنكر امتيازها،

إن الحياة البشرية تختلف نوعياً إذا كان الله حاضرا بها طول الوقت عنها إذا ما أنكرناه أو أبعدناه أو حددنا أوقات لقائه أثناء العبادات أو أيام الأحاد أو الجمع‏!‏ ولعل هذا، فى رأيى، هو الفرق بين الإسلام الموقف الوجودى، وبين الإسلام المغترب، او المختزل، او الإسلام المستعمَل من الظاهر لتولى سلطة، أو إعلان وصاية، أو قمع فكر، وكذلك بين الإسلام الفطرة وبين التشويهات التى لحقت بممارسات الإسلام المؤسسة، والأديان الأخرى التى تُمَاَرسُ بإعتبارها إضافه طيبه للحياة لا مانع منها بعض الوقت‏ لمن شاء!!!‏

إن التاريخ الحيوى للتطور يعلمنا أن أى نوع من الأحياء ينقرض إذا تمادى عدم التناسب بين مجالات وجوده، ونوعيات قدراته، وطبيعه فطرته، وأيضا ينقرض نتيجه عدم التناسب بين إحتياجاته ومعطيات الوسط المحيط، هكذا تُعلمنا دروس انقراض الديناصور مثلا حين تمادى عدم التناسب بين ضخامة جسده وصغر حجم مخه وسرعة حركته((8)) إلخ، بين ذلك وبين ما تعرضه علينا الآن أدوات العولمة وهو ما يكاد يضعنا فى موقف مشابه اذ نتهدد بدرجة من عدم التناسب بين سرعة الحصول على المعلومات وبين إمكانية استيعابها لصالح تطور البشر إليه، وهذا ما يوازى اضطراد غلبة الحسابات الظاهرة على الحس الإيمانى التواصلى الأعمق‏.‏

فهل عندنا نحن اى موقف او تاريخ او اختلاف يمكن ان يسهم فى تحقيق إعادة التوازن المطلوب هذا؟

الإجابة عندى بكل عناد‏(أو غفلة!‏)‏ هى نعم‏ عندنا

إن الحياة تختلف كل الإختلاف إذا كان الله حاضرا طول الوقت عنها إن لم يكن كذلك‏.

إننى  أتصور أن المسألة كالآتى‏:‏

هناك نوعان أساسيان من الوجود البشرى يمكن أن نتحقق منهما عند المتدين‏(أو من يدعى ذلك‏),‏ وأيضا عند غير المتدين‏(أو الذى يتصور ذلك‏):‏

النوع الأول هو النوع الذى يقف شامخاً فخوراً أو مغرورا لينتهى عند أعلى نقطة فوق هامة الإنسان وقد زانه عقله ولمعته أدواته‏(وهو ما يمثله اغلب ما يسمى الحضارة الغربية الشمالية التكنولوجية، الخ‏).‏

والنوع الثانى هو الذى تمثله الحضارات الايمانية التوحيدية التواصلية النابضة الممتدة إلى ما لا يَحُدُّ من وجودها عقل ظاهر، او وصاية آلة محدودة‏ الإمكانيات حتما.

ثم ان هذين النوعين من الوجود يختلفان اختلافاً جوهرياً، بحيث تصطبغ الحياه بطعم مغاير عند من يعيش هذا النوع أو ذاك، على الرغم من تشابه الأدوات والإمكانات المتاحة‏.‏

وأتصور أن وجودنا نحن المصريين مثلاً الممتد من ألاف السنين، مشدوداً بالخلود، دائراً حول التوحيد، مازال يمثل أو يمكن أن يمثل النوع الأول، كذلك أتصور أن كل المؤمنين من كل الأديان، ذلك الإيمان الفطرى الأولى الذى يتجلى فى ممارسات دينية مختلفة، متضفرة، وضامة فى أن، ينتمون أيضاً إلى هذا النوع الأول من الوجود، أما النوع الثاني‏:‏ فهو ذلك النوع الذى تمثله الحضارة الشمالية الغربية برغم بعض علامات إفاقتها مؤخراً، وهو نوع جميل البريق، وافر الرفاهية، كثير المواثيق المكتوبة، رائع الإنجاز، رضى بواقعية آنية أعفته من الإفراج عن وعيه الأعمق الممتد عبر البشر وعبر الأكوان‏.‏

إن حقيقة الحضور الدائم لله فى كل مكان وزمان هى حقيقة لا تتجلى فعلاً يومياً إلا إذا ملأت الوعى البشرى كله طول الوقت، وهى حقيقة قد اثبتتها – رغم أنها لا تحتاج إلى إثبات- اختبارات التاريخ، لا حجج العقل‏ الظاهر((9)).

فهل يمكن أن يظل الإنسان إنسانا إذا هو تمادى فى صياغة حياته المعاصرة بمزيد من التقنيات والإمكانات الجديدة، وفى نفس الوقت راح يهمش هذه الحقيقه – عن حضور الله الدائم- تهميشاً يهدد بفقد التوازن فالإنقراض، أم أنه قد آن الأوان لإفاقة شاملة فى الوقت المناسب لكى نعد برمجياتنا ونحن نضع هذا المتغير الرائع ‏(أن الله “هنا دائما أبدا إلى ما لا نعرف”‏)‏ فى الحساب؟

إننى أتصور أن التمادى فى تقديس الحضارة الكتابية أدى إلى إهمال الحضارة الشفاهية حتى أصبح احترام ميثاق حقوق الإنسان مثلاً أهم من إحترام الإنسان نفسه، وأيضاً أصبح الإلتزام بمواد القوانين المكتوبة ‏(بما فى ذلك حذق التحايل عليها‏)‏ أهم من الإلتزام بما كتبت هذه القوانين من أجله، ووجود الله سبحانه وتعالى كحقيقة يومية آنية((10)) طول الوقت هو الذى يمكن ان يقرب بين ما هو مكتوب وما هو معيش “بَلْ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره‏”.‏

والتحدى الجديد لا يكمن فقط فى إحلال حضارة الاتصالات والتواصل والشفاهية محل الحضارة الكتابية، وإنما هو يهدد بعدم تناسب جديد بين كم المعلومات المتاحة وإمكانات البيولوجيا البشرية لاستيعابها لما يفيدها، وهنا نتهدد – نحن البشر- بتضخم الوسيلة حتى تختفى الغايات الأساسية من الوجود البشرى بين ثنياتها العملاقة‏.‏

ليست عندى اقتراحات محددة، ولا أشعر بأى إعتراض على أدوات نحن كبشر ينبغى أن نفخر باختراعها وتملك ناصيتها، فقط أنبه إلى أن علينا أن نتحمل مسئولية الحصول عليها، أولاً على مستوانا المحدود، ثم على مستوى العالم‏.‏

صحيح أن مثل هذه الآراء، والمقالات، والإجتهادات لن تقدم ولن تؤخر مهما صدق محتواها، فأصحابها لا يملكون تسخير أدوات تمكين كافيه لنشرها وتسويقها‏(!!)،‏ إذن فنحن أحوج ما نكون إلى برامج، ومبرمجين يضعون ماهية الإنسان الممتد فى الاعتبار، فيصيغون لنا أدوات اختبار تصنف إنجازاتنا الفردية والجماعية لنعرف أولا بأول إن كانت تسير فى الاتجاه الصحيح الذى يعمق إنسانية الإنسان: إليه؟ أم أنها تتعملق فى ذاتها لذاتها كوسيلة بلا هدف واضح او لهدف هدام خفىّ أو مجهول؟

إننى أتصور أن هذه البرامج ربما توازى برامج كشف فيروسات الكمبيوتر على مستوى الوعى الإيمانى، وهى البرامج التى تختبر أية تداخلات غريبة يمكن أن تضرب المحتوى، أو العتاد أو البرامج الصالحة، والشاطر هو الذى يختبر كل ما يعمل وما يخزن وما يبرمج أولاً بأول بهذا البرنامج الكاشف للفيروس ثم يبطل مفعوله ببرنامج مضاد، وعلى هذا القياس دعونى آمل أن نصنع برمجيات تربوية إيمانية، أو كموية((11)) حديثة تقيس إنجازنا اليومى فردا فردا، فتجيب لكل واحد منا عن أسئلة بسيطة يُعتبر نسيانها هو سر اغترابه وربما هلاكه، أسئلة تحدد له إن كان انجازه هذا اليوم‏ (سواء اشترى فيه عربة جديدة، أم أصدر قراراً برفع ثمن دواء مهم فى شركة أدوية لتكسب شركته اكثر على حساب المرضى الأفقر، أم شاهد غروب الشمس، أم ساهم فى إطعام جائع لا يعرف جنسيته او دينه‏)، يجيبه هذا البرنامج قبل أن ينام كل ليلة، إن كان هذا الذى أنجزه طول يومه أولاً بأول قد زاده إمتداداً فى الكون‏(إيماناً‏)‏ أو قرباً من آخر‏(حباً‏)‏ أو عمقاً فى الوعي ‏(ابداعاً‏)،‏ أم أن العكس هو الذى حدث‏.؟؟

صحيح أنه لم يعد هناك مجال لهبوط الوحى على نبى جديد على الرغم من ظهور ديانات شاذه ومريبة كل يوم فى كل مكان يسمح بذلك، لكن الأصح أن ما صارت إليه الوصاية على الإيمان لتنقلب ايديولوجيا دينية، قد أصبح عائقا يعوق حركية الوعى البشرى نحو خالقه دون ادعاء النبوة، ومع الالتزام بما يسهّل ذلك من عبادات رائعة.

إن إستبعاد حضور الله سبحانه فى وعى البشر طول الوقت ليس فقط خطيئة وخسارة من انكروه تعالى، أو من همّشوه، بل أن هذا الإستبعاد ساهمت فيه بعض الممارسات الدينية السطحية، حتى لو كانت حسنة النية، فحتى الدعاء، الذى نبهنا رب العالمين أنه من حقنا عليه طول الوقت فى كل مكان، كدنا نقصره على أماكن مقدسة بذاتها‏(أنا ذاهب للعمرة وسوف أدعو لك هناك!!!‏),‏ وكأننا نشير بذلك ضمناً إلى اغترابنا عن حقيقة دوام حضور الله سبحانه هنا والآن وفى كل مكان إلى كل زمان، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) وكأننا نسينا كيف يكون العبد أقرب إلى ربه وهو ساجد “هنا” و”الآن”، وكأننا نسينا أين يقع حبل الوريد‏.‏

ولحين عودة تفصيلية نذكر مرة أخرى أن المسألة ليست دعوة مثالية أخلاقية، ولا هى محاولة عولمة شرقية، ولكنها تنبيه ضرورى عملى إلى إحتمال يقول‏:‏

أننا فى حديثنا عن العولمة المعروضة أو المفروضة حاليا نركز على الوسائل دون الغايات منها، ونهتم بسرعة وكم الإنجاز على حساب نوع وإمتداد الوجود‏.

[1] – مع أقل قدر من التصويب والاضافات الشكلية الموضِّحة.

[2] – فى سلسلة عالم المعرفة ترجمة عبد السلام رضوان مارس ‏1998

[3] – المترجم أيضا فى نفس السلسلة أكتوبر ‏1998‏ ترجمة د‏.‏ عدنان عباس على

[4] – وزير الأوقاف آنذاك

[5]-  د. محمد رؤوف حامد أستاذ علم الأدوية بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة.

[6]- مذبحة ثانوية كولومباين وقعت يوم الثلاثاء 20 أبريل 1999 في مقاطعة كولورادو مما أسفر عن مقتل 12 طالبا ومدرس واحد. كما جرحوا 21 طالبا.

[7] –  سكرتير عام للامم المتحده فى 1 يناير 1992 حتى 1996

[8] –  بالإضافة إلى احتمال إرجاع انقراض الدينصور لكوارث طبيعية لم يحسم أمرها بعد

[9] – راجع مغزى العوده الدينيه التلقائية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتى.‏

[10] – تثبت فى كل جزء من الثانية الآن.

[11] – نسبة إلى الرياضة الكموية Quantum Mathematics والطبيعة الكموية Quantum Physics والوعى الكموى… الخ وهذا بعض ما تعرفت عليه بعد كتابة هذا المقال بعشر سنوات بعد أن ظهر ما يسمىQuantum Consciousness  مما لا مجال لتفصيله هنا الآن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *