الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / مسئولية الفرحة والإعتمادية الرضيعية

مسئولية الفرحة والإعتمادية الرضيعية

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 10-6-2014

السنة السابعة

العدد:  2475

الثلاثاء الحرّ:

مسئولية الفرحة والإعتمادية الرضيعية(1)

س 1: كيف رأيت سيادتك هذه الاحتفالات التي انطلقت بعد لحظات من الاعلان عن فوز الرئيس الجديد لمصر عبدالفتاح السيسي؟!  وهل لذلك مدلول نفسى من الناحية العلمية؟!

    د. يحيى:

وصلتنى هذه الفرحة على أنها استجابة طبيعية ورائعة وعادلة، وقد شاركت فيها وأنا أشعر كأن كابوساً ينزاح من على صدرى، وكنت أفرح بأعلام مصرأكثر ، فقد وصلتنى من البداية أن هذه الانتخابات كانت فرصة لإعادة ولادة هذا البلد العريق القادر على النهوض مهما بلغت آلام ومضاعفات كبوته، لقد بدأت الفرحة بانتخابات المصريين فى الخارج، وصلتنى رسالتهم واضحة جلية أن مصر فى بؤرة قلوبهم، وأنهم بإصرارهم ومبادرتهم واستعمالهم حقهم فى استعادتها فرحون حتى الثمالة ثم بلغتنى المهرجانات النسائية خاصة حتى قبل الدخول إلى لجنة الانتخابات ، الرسالة تقول إن مصر “وطن” و”معنى” و”حاضر” و”مصير”.

إلا أن مخاوفا موضوعية بدأت تتسحب إلىّ رحت أبثها إلى من حولى حيث رحت أخشى من التمادى فى الإفراط فى “الفرحة الزائطة”، بما قد يؤدى إلى “اعتمادية طفلية” تتنظر المكافأة والحلوى!!، هكذا رحت أحذر أبنائى وطلبتى ألا يفرحوا بما أوتوأ وإنما بما هُمْ قادرون عليه وينفذونه الآن، بالعمل على استعادة وطن، واستعادة عقل، واستعادة منطق، واستعادة قـِيـَمْ.

س 2: هل يمكن ان توحي هذه الاحتفالات بإمكانية تفاعل المصريين مع ما طالب به الرئيس الجديد من ضرورة مساهمة كل الناس في البناء والتنمية .. أم ماذا؟!

    د. يحيى:

من حيث المبدأ: توحى ونصف، لكن هذا يحتاج إلى دور أكثر مسئولية من الإعلام، الرسمى والخاص، إعلامنا غير ناضج، بل ويكاد يكون أحيانا غير مسئول، إن اندفاع بعض الإعلامين أو أكثر الإعلاميين أثناء عملية الانتخاب إلى دعوة الناخبيين للمشاركة بهذه الصورة خوفا على فتنة محتملة، أو إحباط وارد، كان خطأ إعلاميا (وأحيانا أخلاقيا) جسيما، أظن أن هذا الاندفاع كان بمثابة إعلان غيظ غير ناضج، من منافس خفى لم ينزل هذه الانتخابات أصلا، حتى أجمع الإعلاميون تقريبا أن يركزوا على أن تتجاوز تلك النسبة مثلها فى الانتخابات السابقة، أنا معهم أن هذا حرص مشروع، وأحيانا مشكور، لكن ليس بهذه الطريقة ولا إلى هذه الدرجة، إن دور الإعلام الآن هو أن يساعد الناس أن يتعلموا كيف أن تكون الفرحة برحمة ربنا بنا أن هدانا إلى تصحيح موفق، ورئيس عاقل طيب قادر فى نفس الوقت، لا أن نفرح بعدد ما جمعنا من أصوات الناخبين، الفرحة بفضل الله وبرحمته هى خير مما يجمعون.

س 3 : ماذا عن تقييمك للانتخابات الرئاسية الاخيرة من ناحيتين الأولى: عدد المشاركين وفرحتهم.. والثانية عن النتائج؟!

    د. يحيى:

فى رأيى أن موعد الانتخابات تأخر أكثر من اللازم، ومع ذلك فالالتزام المنضبط بالجدول الزمنى لخريطة الطريق كان رائعا وعلامة على عدم التردد والثبات والصبر معا، ثم أن هذه الانتخابات  لم تكن أساسا اختيارا بين أشخاص، و أجمل ما تميزت به هو أن غلب عليها نبل التنافس واحترام الآخر، ثم إنها حين جاءت بعد فرحة انتخابات المصريين فى الخارج كانت بمثابة تكملة لعزف لحن الإفاقة، لحن مصر الجديدة.

أما النتائج فبرغم كونها كانت محسومة مسبقا ليس بمعنى ضمان مطلق لمرشح بذاته وإنما بمعنى سماح واع بأننا ذاهبون لاسترجاع بلدنا ، رحنا ننتخب مصر، نختار مصر أكثر من أن نختار هذا المرشح دون ذاك، نختار الأنسب للحظة الراهنة دون تفضيل بشكل مطلق ودائم لأحدهما عن الآخر.

س 4 : هل تري  كأستاذ فى الطب النفسى  أن احوال المصريين النفسية حاليا يمكن ان تؤثر علي خطط الرئيس الجديد لتنفيذ ما يريده من أجل المستقبل؟!

    د. يحيى:

طبعا لابد أن تؤثر، لكن نوع التأثير يتوقف على مدى استيعاب أغلب أفراد الشعب لدوره شخصيا قبل دور الرئيس، أحوال المصريين ليست ثابتة جامدة، وهى عرضة للتأثر بمؤامرات وحقد وثارات فى الداخل والخارج، أنا لا أخاف من كذب وتربص الرافضين والحاقدين، بقدر ما أخاف من سذاجة وطفولة وانفعال الفرحانين والمؤيدين، إذا تكشفت عن اعتمادية رضيعية معطـِّلة، أخشى ما اخشاه هو التمادى فى انتظار المكافأة والاستعجال فى الإصرار على تحقيق المطالب الذاتية والفئوية، وأيضا أخشى استسهال تكرار النص “السكريبت” “هيجة: “انتظار نـَزِق”: “سرعة تغيير للتغيير”: دون الوعى بتغير الظروف”. المزيد من تكرار هذا “النص” المعاوِدْ يمثل خطراً حقيقيا لابد من عمل حسابه لتجنبه.

س 5 :  ما مدي امكانية أن نري دور مؤثر وفعال لعلماء النفس المصريين وكذلك علماء الاجتماع في تسيير حركة المجتمع الي الامام خاصة في الفترة القادمة!

    د. يحيى:

أظن أن هذه الفئات المتخصصة تقوم بدورها بشكل وافر وكاف فى حدود الفرص المتاحة لها، وهى فرص ليست قليلة، لكننى أحذر دائما من الوصاية الأكاديمية، ومن إصدار أحكام فوقية من متخصصين جالسين على المكاتب، فالوعى العام غير الرأى العام، ووعى المصريين خاصة لا يقاس تاريخا بكسب معركة واحدة أو خسارة جولة من الجولات، وإنما يقاس بالنـََفـَس الطويل والقدرة على الوقوف بعد التعثر، ولا أظن أن هذا يرجع إلى دور علماء النفس أو الطب النفسى أو علماء الاجتماع، الذين قد يشيرون بوجهات نظر مفيدة، لكنها لا يمكن أن تحيط تماما بالبعد التاريخى أو الجغرافى لكل الثقافات الفرعية التى يتكون منها الوعى المصرى العام.

س 6 : وماذا عن رؤيتك الخاصة للمسقبل وشكله علي المدي القصير والطويل ونوع التحديات التي يمكن ان نواجهها كمصريين وامكانيات التصدي لهذه التحديات؟!

    د. يحيى:

على المدى القصير وبعد الفرحة التى أرجو أن تنقلب إلى عهد ومشاركة فى المسئولية وليس إلى اعتمادية رضيعية كما أشرت، فأنا متفائل طول الوقت، بل أن تفاؤلى يمتد إلى أملى أن ينتبه الكارهون والحاقدون إلى أن فرص التخريب والتخويف والتخوين والثأر والتكفير قد أصبحت أقل فأقل، وبالتالى تنكسر شوكة الحاقدين منهم وتنار بصيرة الأوّابين منهم، ويعترفون بالأمر الواقع، ثم نمضى سويا لبناء الوطن بإعادة تشكيل الوعى الجديد وبناء الاقتصاد وتفجر الإبداع.

ثم إن علينا الانتباه إلى ضرورة تحديد العدو الحقيقى، وتحديد العدو لا يعنى إعلان الحرب عليه، وإنما يتطلب تنشيط ثقافة الحرب (الاستعداد طول الوقت) بكل سلاح على كل المستويات،

 وعلى المدى البعيد لابد أن نخطط للانضمام إلى أية مجموعة فى العالم تحمل نفس همومنا وتواجه نفس تحدياتنا بدءًا بالعالم العربى ثم العالم الثالث ثم كل الخيّرين فى الدنيا حتى من هم داخل دول عالم الغطرسة والعولمة.

س 7 :  حدثنا عن رؤيتك لكيفية تحفيز المصريين للمشاركة في خطط التنمية وهل ما نشعر به جميعا من سلبيات تبدو لنا بوضوح في كل مكان يمكن ان تكون عائقا للوصول لما نصبوا اليه من آمال ونتائج؟

    د. يحيى:

ترجع مرجوعنا إلى دور الإعلام لو سمحت، المسألة ليست تحفيز وتشجيع، المسألة هى إعادة تشكيل الوعى ببناء إرساء منظومة من قيم جديدة قادرة على استيعاب إيجابيات ما حدث، منظومة تقدس العمل وتتقى الله فيه، وتحاسب نفسها قبل أن تضع اللوم على الآخرين أو الرؤساء، وهذا لا يتأتى بالنصائح الفوقية ولا بالرشاوى التسكينية، ولا بالهتاف العالى، ولا بالشعارات الميدانية، ولا بالإثارة الإعلامية، وإنما يأتى بتوثيق العلاقة بالعمل فالعمل فالعمل، تحت مظلة تقوى الله وحساب النفس “وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى” علينا أن نتوقف عن عقد المحاكم فى الشوارع والميادين، والخلط بين الاحتجاج والتخريب، كما أن على التربية والتعليم والإعلام معا، وبالتناوب، أن يقوموا بتوصيل فكرة أن كل فرد من أفراد الشعب هو رئيس لهذه الجمهورية الجميلة فى موقعه، فيكون مسئولا بعمله الفردى المحدود المتواضع عن الأربع وتسعين مليونا ثم عن العالم أجمع، ” وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً”.

وبالنسبة  لمحاربة السلبيات فلابد من الرجوع إلى سيادة القانون فى كل التفاصيل من أول طوارات الشوارع حتى حوش المدرسة مرورا  بمقلب القمامة حتى مجلس الشعب.

س 8 : وماذا عن الاعلام المصري وأسباب غياب علماء النفس والاجتماع عن الشاشة الصغيرة؟!

    د. يحيى:

إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه فى الرد على السؤال الثانى والسؤال السابع لم يعد تكفى حكاية ميثاق الشرف الإعلامى ومثل هذا الكلام، علينا أن يواصل الإعلام بكل تشكيلاته مهمة أن يزرع فى كل فرد من الشعب فكرة أنه رئيس جمهورية فى موقعه بدءًا ويا حبذا لو بدأ الإعلاميون بأنفسهم فهم أولى بهذه الرئاسة!!

 س 9 : هناك عادات جديدة فرضت نفسها علي كل المصريين خاصة بعد ثورتي يناير ويونيه فما تقييمك لهذه العادات وهل هي سلبية ام ايجابية وكيف التعامل معها علميا!!

    د. يحيى:

لا شك أن هذه السنوات متوَّجَةٌ بهذه الانتخابات أخيرا قد حركت فى الناس قيما إيجابية مثل الاهتمام بالشأن العام، والجرأة على قول الحق، والشجاعة فى مواجهة السلطة، والحفاظ على حركية وحرية التواصل، وطلاقة التعبير.

لكن هناك عادات سلبية انفجرت وترسخت أيضا حتى فاحت رائحتها  مثل التسرع الأعمى، والتمسك بالشعارات أكثر من العمل، كذلك ساعد التواصل الإعلامى غير المركزى (الفيسبوك والمواقع والتغريدات…الخ) على التمادى فى المبالغة فى السخرية لحد الجرح واستعجال الحلول، بما قد يترتب عليه إجهاض أى مشروع طويل الأجل، ومن السلبيات المعطلة كذلك الإلحاح على التركيز على الماضى، وأخيراً عار الاتجار بدماء الشهداء الأبرياء ودموع الأمهات الثكالى.

س 10 : وماذا عن المرأة المصرية الجديدة ومواقفها المشرفة خاصة في الانتخابات الاخيرة وهل ظهورها بهذا المظهر المشرف يوحي بامكانية ان نطور دورها لمزيد من المشاركة في خدمة المجتمع في المستقبل القريب؟!

    د. يحيى:

المرأة المصرية أثبتت أنها قائدة ورائدة بشكل تلقائى، وقد أرسلت رسالتها لكل المصريين رجالا وأطفالاً، رسالة إيجابية رائعة من خلال هذه الاحتفالية الانتخابية فى هذا التوقيت،  لم تكن النتائج قد أعلنت بعد، ولا كان التصويت انتهى، بل فى بعض اللجان لم يكن قد بدأ بعد، إذن هى فرحة مصرية تلقائية حقيقية ، ليست بفوز هذا المرشح أو ذاك المرشح ، لكنها فرحة بعودة الحياة إلى الأحق بالحياة”، وقد كتبت فى التمييز بين الفرحة الزائطة، والفرحة الطفلة ، والفرحة بفضل الله مقالا بأكمله، (وبعض ذلك ظهر فى نشرة أمس)

س 11 :  ولماذا لم نر الي اليوم تنظيمات نسائية شعبية مثلما حدث من قبل عبر تاريخنا الحديث؟! كيف يتم ذلك؟!

د. يحيى:

المرأة المصرية تنظم نفسها بنفسها بقوة وإصرار واستمرار، وهى تعمل فى الحقول، والمصانع، وهى تساهم فى التكافل الاجتماعى “بالجمعيات” و”النقوط”، وليس فقط فى الأنشطة الاجتماعية المكتوبة والمواثيق الشائعة المستوردة.

 س 12 :  شباب مصر وهل شعرت بأنه يمكن لهؤلاء الشباب ان يكون لهم دور كبير في المرحلة القادمة وكيف؟! وماذا عما قيل بشأن الإحجام عن المشاركة في الحياة السياسية وأسباب ذلك؟

   د. يحيى:

دور شباب مصر هو أنهم مستقبل مصر، وإحجامهم عن المشاركة إشاعة لم تثبت صحتها لو سمحت، وعموما فإن الشباب لا يقاس بالسن وإنما بالقدرة على الحفاظ  على الدهشة وبشجاعة المبادأة، وبطول المثابرة، وبالعناد فى التمسك بالحق، ثم دعنى أحذر الشباب عموما من اللعب على وتر “صراع الأجيال” وأيضا من التشبه بقيم مستوردة، أو من الغرور بتصديقهم أنفسهم أنهم أكثر طزاجة لمجرد أنهم أصغر سناً.

[1] – ظهر هذا الحديث فى صحيفة الأخبار بتاريخ 8 يونيو 2014، وقد حذفت من جزء من فقرة عن فرحة المرأة المصرية لأنه سوف يظهر فى نشرة الأربعاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *