نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 14-1-2015
السنة الثامنة
العدد: 2693
مرة أخرى: حكايات لا تريد أن تنتهى (الجزء الثانى) (1)
8- هل يشعر المشير وكل أعضاء المجلس العسكرى بتناقض بين مبارك كونه صديق وكونه رئيس مخلوع ؟
د. يحيى:
المشير الراحل والمشير التالى والمشير الحالى جنود فى خدمة الوطن لا أكثر، ولا أظن أن تربيتهم العسكرية ووطنيتهم يمكن أن تقلل من موضوعية أية عواطف إنسانية نبيلة وواردة، لكننى استبعدت أن العواطف كان لها تأثير لدرجة تغيير أى مسار فى اتجاه تحيز أو ظلم أو تفويت.
9- كيف حصد الإسلاميون الاغلبية فى مجلسى الشعب والشورى فى الانتخابات البرلمانية؟
د. يحيى:
استغل الإسلاميون روح التدين العميقة الراسخة فى وجدان الشعب المصرى، واستطاعوا أن يرشوه بالدنيا والآخرة بغير وجه حق، فمنحهم الناس ولاءهم أملاً واختبارا، أما الأمل فلم يتحقق وأما الاختبار فقد رسب فيه الراشون بجداره، وهذا بفضل إفاقة الشعب أيضا.
10- هل ترى أن البيئة المصرية أصبحت بيئة مناسبة ومهيأة لنمو التيارات ذات الطابع الاسلامي المتشدد؟
د. يحيى:
أنا أرى أن تدين الشعب المصرى هو أقرب إلى الفطرة وهو يرجع إلى علاقة مباشرة بالله لا تحتاج إلى وساطة أو وكلاء، وبالتالى فهو إن كان قد انساق وراء بعض التشدد الدينى من فرط شعوره بالظلم أو إحاطته بالانحلال من حوله، فهو سرعان ما سوف يرجع إلى فطرته وإلى ربنا الرحمن الرحيم.
11- ماهو مستقبل قبول الاسلاميين فى مصر ؟ والى أى مدى سيتم قبولهم ؟
د. يحيى:
بقدر ما ينجح الأزهر فى تجديد الفكر الدينى، وبفتح الباب أمام الاجتهاد الحقيقى المسئول، ويصبح ممثلا للإيمان الكلى أكثر منه مفسرا لأقوال بشر اجتهدوا فى عصرهم بما استطاعوا، سوف يكون مستقبل الإسلام لا الإسلاميون فى مصر.
12- ماهى المشاعر التى تسيطر على الرئيس محمد مرسى حاليا؟
د. يحيى:
إيش عرفنى؟
كان الله فى عونه وأعانه على محنته وغفر له أخطاءه وأحق الحق للجميع فى البداية والنهاية.
13- مطلوب روشته نفسية للرئيس مرسى للضغوط الواقعة عليه بسبب كثرة الملفات التى يتم عرضها عليه منذ تولى المنصب؟
د. يحيى:
هل تقصدين منذ تولى المنصب أم منذ ترك المنصب، أنا لا أعرف ملفات تعرض عليه بعد ترك المنصب إلا حيثيات الاتهام من أول الخيانة حتى القتل، أما الروشتة المطلوبة منى فليس عندى إلا الدعاء له بالصبر، والدعاء للقضاء بنور البصيرة، كما أوصيه أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، كان الله فى عونه.
14- طبالى الرئيس كيف تُتوقع عودتهم وماهى الحالة النفسية المسيطرة عليهم؟
د. يحيى:
لم أفهم المقصود بطبالّى الرئيس، هل تقصدين الذين يطبلون له وينافقونه، إن كان هذا هو المقصود فهم فى حالة استعداد قصوى لاستلام العمل للقيام بأدوارهم، والنتيجة تتوقف على مدى يقظه المسئولين لألعابهم وخبثهم، وأيضا مدى ترحيبهم بهم، أو حاجتهم إليهم، وغفلتهم عنهم.
15- كيف يستطيع المصرى أن يشعر بالأمان فى ظل كثرة المشاكل التى تنهال عليه ليل نهار؟
د. يحيى:
الأمان يبدأ من الاخلاص من جانب الفرد ابتداء، وأن يعتقد يقينا أن هذه هى البداية وأن الله سوف يجزيه خيرا وأمانا بقدر ما يعمل ويخلص.
ثم يأتى الأمان بعد ذلك من مدى استيعابه جديه وحركية عملية تكوين الدولة واسترجاع هيبتها فى كل موقع بلا استثناء.
والأمان ليس له علاقة مباشرة بالمشاكل، وإن كانت المشاكل تزيد المواطن رعباً من عدم الاستقرار.
16-هل تسبب الاعلام وبالاخص الفضائى فى إحداث حالة التوتر والخوف والاكتئاب للمصريين؟
د. يحيى:
طبعا جدا
لم أشعر أبدا أن الاعلام – الخاص والعام- قد قام بدوره كما كنت أريد له ومنه، فقد غلب على معظم الرسائل الاعلامية كل من التهييج والاثارة، أكثر من الترشيد وتنمية الوعى الجماعى المسئول، كما غلبت الأحاديث والمناقشات على التوصيات والاقتراحات العملية القابلة للتنفيذ لإصلاح الناس والحكومة جميعا، بدون نصائح مباشرة وإرشاد سطحى.
17- ماهى ملامح الشخصية للرئيس كما تعكسها خطاباته؟
د. يحيى:
رفضت أن أجيب على مثل هذه الاسئله عن كل الرؤساء اللهم إلا بالنسبة للمرحوم جمال عبد الناصر بعد رحيله حين خطرلى خاطر يفسر لى علاقته بعبد الحكيم عامر التى ربما كانت مسئولة عن كارثة 1967 وكانت محاولتى مجرد فرض وضعته وليست تحليلا لملامح شخصية، وقد اعتذرت دائما أن أعقب على ملامح شخصية أى رئيس، فضلا عن أننى لا أستعمل تعبير تحليل نفسى أصلا.
18- بماذا يشعر مصابى الثورة وأهالى الشهداء الان بعد حدوث كل هذه الاحداث؟
د. يحيى:
هؤلاء أبطال حقيقيون وشهداء عند ربهم يرزقون، وكثير مما جرى ويجرى بشأنهم وفى ذكراهم هو تجارة بدمائهم أكثر منه حمل الشعلة بعدهم، طبعا لابد أن نتعاطف مع ذويهم ونعطيهم حقوقهم، لكن فى النهاية مكافأة الشهيد هى أن نكمل رسالته التى ضحى بحياته من أجلها، وحين اقول الشهيد أعنى شهداء الثورة وشهداء الدولة على حد سواء.
19- هل ستنتاب مشاعر الغضب والضياع شباب الثورة نتيجة شعورهم بالإهمال بعد الثورة وضياع كل ماكانوا ينادوا به؟
د. يحيى:
لا أعتقد أنه يوجد اهمال بحق للشباب، بل إننى أرى أن النفخ فى دورهم أكثر من اللازم قد أساء إليهم أكثر منه أعطاهم حقهم، ولا أحد يمكن أن يُعطى موقعا سياسيا لمواطن لمجرد أنه صغير السن، الشباب هم الذين سوف يفرضون أنفسهم من خلال الممارسة فى الحياة السياسية وغير السياسية، وعلى من يشعر أن له دور أن يقتحم الساحة ولسوف يأخذ حقه ويثرينا.
20- بماذا تفسر مايفعله المصريون على مر عصور من الابداع والاتقان فى صناعة الديكتاتور ثم ينقلبون عليه ويخلعونه؟
د. يحيى:
المصريون لا يصنعون من رؤسائهم دكتاتوريين، لكنهم يصبرون عليهم ويعطونهم الفرصة تلو الفرصة حتى إذا فاض الكيل استغنوا عن خدماتهم بالطريقة التى تسمح بها الظروف المواتيه المختلفة فى كل زمان ومع كل رئيس.
21- بماذا تفسر تشدد وتعاطف بعض أفراد المجتمع وخاصة النساء إلى الرئيس مرسى قبل أن يثبت للشعب أنه جدير بهذا المنصب؟
د. يحيى:
قلت قبلا إنه الأمل فى العدل الذى تصور أغلب العامة أنه يمكن أن يحققه الدين الصحيح الذى يمكن أن تمثله هذه الجماعة فى الدنيا، وأيضا الأمل فى الآخرة التى يلوح بها الخطاب الدينى، لكن ثبت أن الرئيس مرسى ورجاله لا يمثلون لا هذا ولا ذاك، فهم لم يحققوا العدل إلا لجماعتهم، كما أنهم لا يملكون مفاتيح الجنة.
22- هل القادة العسكريين فى مصر لديهم إحساس بالتعالى على المدنين ولماذا؟
د. يحيى:
لا، أبدا
الجيش ليس إلا شعب لابس “ميرى”، بينى وبينك، وكذلك البوليس وذلك برغم الأخطاء والتجاوزات الفردية التى لا استطيع أن أنكرها.
23- هل نحن نحتاج إلى ثورة على العلاج النفسى فى مصر ؟
د. يحيى:
طبعا نحتاج فى مصر وغير مصر، والعلاج النفسى غير علاج الامراض النفسية، العلاج النفسى جزء من علاج هذه الأمراض وليس كل علاج الأمراض النفسية، وقد أصبح علاج الأمراض النفسية عبر العالم تحت رحمة المال وشركات الدواء للأسف، مما يحتاج إلى ثورة شاملة فعلا.
24- إلى أى مدى لدينا قصور بالطب النفسى والعلاج النفسى ؟
د. يحيى:
هو قصور شديد “سواء بالنسبة لقلة عدد الآسرة أو لعدم توافر العقاقير الضرورية أم لفداحة ثمنها، أم لغياب التدريب المنظم لصغار الأطباء أم لنقض التوعية والوقاية.
25- متى سيتقبل المصريون المرض النفسى والتعامل معه كأى مرض أخر يصيب الإنسان؟
د. يحيى:
لقد تقبلوه فعلا، بل إن هناك من عامة المصريين يستشير الطبيب فى مسائل ليس لها علاقة مباشرة بالطب النفسى مثل إنحرافات الشباب أو الكسل فى الاستذكار أو التجاوز فى معاملة الوالدين، الطب طب يعالج أمراضا، وهو ليس تهذيب واصلاح.
26- متى ستنتهى نظرة المصريين للمريض النفسى على أنه مصاب بالجنون؟
د. يحيى:
الجنون هو مرض نفسى شديد، هذه هى كل الحكاية، ونظرة المصريين للمجنون فى الريف مثلا وفى بعض مستويات الطبقة المتوسطة هى نظرة رحمة لدرجة أنهم يتبركون به، وهذا غير موجود فى مجتمعات أخرى، ونحن نتعلم من الجنون بقدر ما نحول دون تماديه.
27- إلى أى مدى تطور الطب النفسى فى طرق العلاج؟
د. يحيى:
إلى افاق رائعة عظيمة، ليست قاصرة على ظهور عقاقير جديدة باهظة الثمن جدا جدا، ولكن لانتشار العلاج المعرفى والعلاج الجماعى، وعلاج الوسط والتأهيل جنبا إلى جنب مع انجازات التقدم فى كشف عقاقير جديدة ناحجه.
28- وهل العلاج النفسى حاسم بالفعل كباقى الامراض التى يتم الشفاء منها تماما أو العلاج يكون بمثابة مساعدة؟
د. يحيى:
إن الذين يشفون من المرض النفسى أكثر بكثير من الذين يشفون من أمراض قصور الكبد أو قصور الكلى أو أى من الأمراض العضوية المزمنة المعجزه، لكن علينا أن نحدد معنى الشفاء وأنه ليس مجرد اختفاء أعراض المرض وإنما العودة إلى المشاركة فى الحياة الطبيعية بالعمل والتواصل والحب والانتاج بل والإبداع.
[1] – حديث تم نشره بجريدة الوادى.