الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الثلاثاء الحرّ: مرة أخرى: حكايات لا تريد أن تنتهى (الجزء الأول)

الثلاثاء الحرّ: مرة أخرى: حكايات لا تريد أن تنتهى (الجزء الأول)

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 13-1-2015    

السنة الثامنة

العدد: 2692

 الثلاثاء الحرّ:

مرة أخرى: حكايات لا تريد أن تنتهى (الجزء الأول) (1)

1- كيف قام المصريون بالثورة على الرغم أنه فى السنوات الاخيرة أعتقد الكثير أن المصريين أصبحوا سلبين ولن يثوروا مطلقا ؟

د. يحيى:

أعتقد أن علاقة المصريين بالزمن هى علاقة تحتاج إلى نظر أعمق. من قال أن ثلاثين سنة أو ستين أو قرنين يمكن أن يخلقوا من هذا الشعب العريق كيانا سلبيا لا يثور مطلقا؟ إن عراقة حضارة المصريين حتى لو لم يتذكرها أحد، أو لم يتعهدها أحد، من الذين حّركوا الناس – ولا أقول قامو بالثورة – هى أعمق وأقدر على الصبر وعلى الفعل مما هو الحال عند أمم بلا جذور، مهما بلغ شأنها فى الانجاز المادى، والتفوق الحربى، ثم إن الثورة هى مجرد أحد أطوار دورة من دورات الشعوب، تتبادل مع دورات بناء الدولة وصنع الحضارة، ومن غير المطروح أن يقوم شعب بثورة ممتدة لمدة عشرات السنين باستمرار، وإلا فمعنى ذلك أنه توقف عند  طور واحد غير صالح للاستمرار والبناء.

2- ماهى التغيرات التى حدثت للشخصية المصرية فى عصر مبارك؟

د. يحيى:

هناك تغييرات سلبية بلا أدنى شك لكنها لم تبدأ فى عصر مبارك، وإنما قبله بثلاثين سنة على الأقل، وأهمها الاعتمادية – خاصة على الدولة – وخصام العمل وتقديس الكسل وهما واحد، ثم استباحة الغش والشطارة من أول المرحلة الابتدائية حتى الاستيلاء على المال العام، أما التغييرات الايجابية فظهرت متفرقة فى بعض إنجازات الإبداع وبعض نشاط المال الوطنى الذى افتقر جامعو عائده أن يتذكروا أن العدل هو الذى يبقى عليه.

3- ما هى التغيرات التى تحدث الآن للمصريين ؟

د. يحيى:

لم أفهم جيدا ماذا تقصدين بكلمة “الآن”، هل تقصدين بعد البدء بموضوعية مناسبة لبناء دولة متحضرة والتركيز على الانتاج، أم تقصدين خلال هذه الأعوام الأربعة المنصرمة، إن كنت تقصدين “الآن” “الآن”، فملامح الفجر بادية ويبدو أن الشمس سوف تشرق من جديد، وإن كنت تقصدين الأربع سنوات كلها، فقد حدثت تغيرات سلبية أكثر منها إيجابية فى كل الاتجاهات، ومع ذلك: فقد تعرى الزيف عن كثير ممن خدعونا وظلمونا، وفى نفس الوقت ظهر زيف جديد عن طريق من باعونا أو باعوا مشروع الثورة بثمن شخصى زهيد لقوى خارجية معروفة ومجهولة، وأيضا لقوى داخلية مشبوهة وأفّاقة، وعلينا أن نلملم كل ذلك دون أن نبالغ فى أحد الاتجاهين دون الآخر، فالثورة إبداع جماعى والإبداع يبدأ بالتفكيك والتعرية، ويكتمل بإعادة التشكيل وهى المرحلة التى نأمل أن تكون قد بدأت منذ زمن قريب جدا.

4- هل المصريون يميلون  بطبيعتهم إلى الحكم العسكرى وإذا كان هذا صحيح فهل هذا سيتغير؟

د. يحيى:

الحكم العسكرى عبر التاريخ له وعليه، وفى مراحل الانتقال النوعى ومع غياب سلطة الدولة لظروف هذا الانتقال من نظام إلى نظام، نحن – مثل غيرنا – نحتاج لجرعة زائدة من الضبط والربط، والحكم العسكرى يتيح لنا ذلك، ولابد أن نتعامل معه باحترام، ولكن بحذر شديد حتى لا يتمادى، وينسى القانون ويستحلى السلطة، ويتجاوز حدود الحريات فى مسألة الضبط والربط هذه، ولابد أن نضع فى الاعتبار أنها مرحلة مؤقته، هذا علما بأن كون رأس الدولة عسكرى أو كان عسكريا هذا لا يعنى أن الحكم عسكرى، طالما أن القوانين المدنية هى المنظمة.

5- هل طبيعة المصريين هى التى جعلت  الثورة مصرية حتى النخاع ومختلفة عن باقى  الثورات العربية التى قامت فى نفس الفترة ؟

د. يحيى:

لست واثقا تماما من صحة تعبير “مصرية حتى النخاع”، صحيح أنها بدأت مصرية وشبابية تمام التمام، لكن لا يمكن استبعاد أياد غير مصرية كانت تلعب تحت السطح أو حتى فوق المائدة، ظهر ذلك بعد تمادى مشروع الثورة أو حتى كما رجح البعض من بدايتها، وربما حتى الآن، لا يوجد مبرر للتمادى فى تفسير “تأمرى” مع أنه لازم فى العلاقات الإقليمية والدولية حاليا أكثر من أى وقت مضى.

6- وهل  انعكست سلمية وطيبة المصريين على سلمية الثورة أم ترجع سلمية الثورة الى وقوف الجيش بجانب الثورة ؟

د. يحيى:

لم يتم إحصاء زجاجات أو براميل دماء الضحايا بدقة حتى الآن، ولا عدد النعوش والمقابر التى أحتوت شهداءنا الأبرياء على الجانبيين، صحيح أن ثورتنا إذا قورنت بثورات أخرى مثل الثورة الفرنسية أو البلشقية يمكن أن توصف بأنها سلمية، لكن ليس الأمر بهذه البساطة ولا بهذا الحسم، فالأبرياء مازالوا يتساقطون كل يوم.

أما وقوف الجيش بجانب الشباب فلا شك أنه قـَلـَّلَ من عدد الضحايا التى كان يمكن أن تتضاعف، كما منع أنهار من الدم كان من الممكن أن تسيل.

7- كيف أثر وضع مبارك وهو داخل قفص الاتهام وهونائم على السرير على نفسية المصريين؟ وبماذا شعر كل من مبارك وجمال وعلاء ومن معهم فى هذا الوقت؟

د. يحيى:

إيش عرفنى؟ أنا لم أقم ببحث أستطيع أن أرد من خلاله على هذا السؤال، ولا أنا قابلت السيدين جمال وعلاء حتى أعرف بماذا شعروا، وعموما فأنا أرفض تحليل نفسية أى منهم أثناء محاكمة أو حتى بعيدا عن المحاكمة، فلا هو شأن علمى، ولا هو موقف أخلاقى،

 لكن لى تعليق هامشى على حكاية السرير والنظارة السوداء المرآوية التى كان يلبسها الرئيس السابق مبارك معظم الوقت، وقد بلغنى من ذلك عدم الاحترام لهيئة القضاء بشكل أو بآخر فلا يوجد مرض يفسرهما، ومادام سيادته كان يجلس فى حجرته فى المستشفى على كرسى فهل كان عاجزا عن نفس نوع الجلوس فى المحكمة، أما إخفاء عينيه فمن حق القاضى أن يراهما كما يرى هو عيون القضاة.

ولا أظن أن السرير والاستلقاء قد شاركا فى زيادة التعاطف مع الرئيس الأسبق.

(بقية الحديث غدًا).

[1] – حديث تم نشره بجريدة الوادى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *