(متنوعات)

نشرة “الإنسان والتطور”

الثلاثاء: 8-12-2015

السنة التاسعة

 العدد: 3021

 

اعتذار: وهو تأكيد لاعتذار أمس برجاء العودة إلى تفاصيله إن شئت.

(متنوعات) (1)

 (1)  أعلم أنك تعشق هويتك المصرية وانك ترفض التخلى عن التدريس باللغة العربية، مارأي سيادتكم فى مَنْ يخالف ذلك من بعض اساتذة الجامعات؟

د. يحيى

    لا يوجد شعب يريد أن يساهم فى حضارة العصر إلا وعليه أن يبدأ من ثقافته، والثقافة تكاد تكون مرادفة لكل من اللغة والدين، اللغة تجمع ناسها حول وعى جمعى مشترك، لذلك أنا لا أرى لى، ولا لبلدى، لا للطب عامة ولا لفرعى بالذات مستقبل إيجابى إلا انطلاقا من ثقافتى التى تبدا باحترام لغتى وتطويرها واستخدامها وإثرائها طول الوقت، أما من يخالف فله رايه ويتحمل مسئوليته، ويرضى بتبعيته.(ملحوظة: اسرائيل أحيت العبرية بعد آلاف السنين وتدرس بها فى كليات الطب!!)

(2) رؤية سيادتك فى الفلسفة التعليمية للمجتمعات النامية ومدى اختلافها مع المجتمعات المتقدمة، وهل مازال وضع الطفل المصرى فى مصاف اذكى اطفال العالم بحسب الأختبارات السابقة ؟

د. يحيى

    إشاعة أن الطفل المصرى من أذكى أطفال العالم إشاعة لا ترقى إلى مستوى الأبحاث العلمية الإحصائية المنضبطة، لأنه لا يوجد اختبارات ذكاء تصلح لقياس ذكاء الأطفال عبر العالم مع اختلاف ثقافاتهم، فضيحة سيرل بيرت عالم النفس البريطانى الذى زوّر فى أبحاثه بشهادة علماء بلده ليخرج بنتيجة أن الجنس الأسود أقل ذكاء فضحية ثابتة، والعكس صحيح لكننى أعترف أن خبرتى تقول أن أطفالنا أذكياء فعْلا مع أن “التعليم اللا تعليم” عندنا يقوم بتجريف هذا الذكاء مع سبق الإصرار بالتلقين والتغشيش.

(3) هل تناولت السينما والأعمال الأدبية والمقالات الصحفية شخصية الطبيب النفسى بشكل إيجابى ام سلبى؟

د. يحيى

    غالبا بشكل سلبى، والطبيب النفسى للأسف قد قدم نفسه للمجتمع – دون قصد – بشكل سلبى أيضا، الطبيب هو حكيم فى المقام الأولَ، وهو فيلسوف أيضا، هكذا علمنا أبو قراط أبو الطب، وهو مشارك إيجابى فى تشكيل الوعى العام، والطبيب النفسى له مسئولية أكثر مباشرة فى هذا الصدد، لكن هذا المفهوم  تراجع مؤخرا فى كل العالم بتأثير قشور العلم البراق باهظ التكلفة التى تقدمها شركات الدواء.

(4) هل حقا أن الشعوب العربية أكثر إصابة بالإكتئاب، وهل ترتبط الحالة المادية لدى الفرد بمدى إصابته بمرض نفسى معين ؟

د. يحيى

    لا أعتقد ذلك، فالشعوب العربية تعيش كوارث تبرر هذا الألم الساحق نتيجة ما تواجهه ليل نهار، وما يسميه بعض الأطباء خطأ “الاكتئاب القومى”، علما بأن مبررات الحزن على البلد والخوف من المستقبل واحتمالات الضياع أصبحت أكبر من أى احتمال، خاصة بعد كسرة  ما يسمى  بالربيع العربى، لكننى أثق فى شعبى العنيد ولا أقبل وصفه بالاكتئاب أصلا، مهما بلغ تفاعله أمام ألم الواقع.

أما ارتباط الحالة المادية بالمرض النفسى فهو وارد لكن ليس فقط بربطه بالفقر، وإنما بالحرمان، الفقر الذى نتحمله بصعوبة قد يقوينا نفسيا، لكن إذا وصل أن يضطرنا للتنازل عن الكرامة وقبول الإهانة فهذه هى المصيبة الكبرى.

كما أن الحالة المادية على الناحية الأخرى وأعنى الإفراط فى الثراء، قد تكون سببا آخر لأمراض نفسية أخرى حين تغنينا عن العمل أو تفصلنا عن باقى المجتمع.

(5) البعض يخلط بين المرض العقلى والمرض النفسى هل هناك فوارق ملموسة بين المرضين، وماعلاقة العبقرية بالجنون وهل حقا هناك رابط بينهم ؟

د. يحيى

    طبعا هناك فروق كثيرة: فما يسمى الجنون أو المرض العقلى هو انهيار جسيم فى الشخصية وإعاقة خطيرة على مسيرة العمل والنمو والانتاج، أما المرض النفسى فهو معاناة صعوبات عدم التكيف مع الإفراط فى استعمال حيل (ميكانزمات) هروبية بشكل سلبى.

لكن هذا لا يعنى أن المرض النفسى أحسن من المرض العقلى على طول الخط، ولا العكس، فالمرض العقلى ثورة فاشلة وإبداع مجهض ويمكن للعلاج العميق أن يجعل الثورة ناجحة، وأن يكتمل الحمل بالعلاجات المكثفة العميقة.

أما المرض النفسى فهو معاناة تكيفية لا تحتاج إلا للتخفيف منها لمواصلة الحياة العادية.

أما عن علاقة العبقرية بالجنون فهذا قول شائع، وأفضل أن أتكلم عن علاقة الجنون بالإبداع، فالجنون إبداع مجهض كما ذكرت، والإبداع جنون تكامَلَ حتى نجح أن يحقق تشكيلا جديدا من جنون عابر.

(6) هل يمكن القول بأن هناك سمة مرض نفسى يميز مجتمعات معينة عن غيرها ؟

د. يحيى

    هناك سمات للشخصية أكثر من سمات أعراض مرضية معينة، لكن الاختلاف الأهم هو فى محتوى الأعراض، فالمريض العربى مثلا حين يجن يعتقد أنه ركب البراق أو أنه أصبح المهدى المنتظر، والمريض الغربى حين يجن يعتقد أنه انتقل للقمر بعد أن ساهم فى تصنيع سفينة فضائية أحدث وأسرع.

(7) ملامح شخصيات الشعوب هل تبدو اكثر من خلال ابداعاتهم الفنية والادبية ام من خلال الأداء السياسي لحكومتهم ؟

د. يحيى

    طبعا من خلال إبداعاتهم الفنية والأدبية، لكن هذه الإبداعات النفسية هى صدى للمحيط السياسى بشكل أو بآخر، ليس بمعنى أنها تصوره أو تعبر عنه، ولكن موقفها منه هو الذى يعطيها دورا فى تشكيل الوعى العام الذى يعتبر الوعى السياسى أحد تجلياته، أداء الحكومات السياسى قد يتيح مساحة عريضة للإبداع، وايضا هو قد يخنقه فى بعض الأوقات لمدد تطول أو تقصر.

(8) هل ترى ان الأديب العالم للطب النفسى أكثر قدرة على التشريح الإجتماعى والغوص فى أعماق الشخصيات الأدبية وأحداثها من الأديب العادى ؟

د. يحيى

    لأ طبعا، فالاحتمال الآخر موجود بمعنى أن الأدباء المنبهرين أكثر من اللازم بعطاء التحليل النفسى “أو الطب النفسى” قد يعوقهم ذلك عن انطلاقهم للكشف الأدبى عن النفس أعمق فأعمق، وأنا أرى أن على الطبيب أن يتعلم ماهية النفس من الأدب، وقد أصدرت عدة أصدارات فى النقد بعنوان “التفسير الأدبى للنفس” ردا على الاتجاه الشائع المسمى “التفسير النفسى للأدب”.

(9) من هو أستاذ الدكتور “الرخاوى” ومعلمه والقدوة الحسنة له، الدكتور “الرخاوى” طفلا كيف تراه ؟

د. يحيى

    هو طفل مصرى من عائلة متوسطة  تنقَّل مع أبيه مدرس اللغة العربية حسب موقع وظيفته بين القاهرة وطنطا وزفتا مرورا بقريته فى كل شهور أجازة الصيف الطويلة، أما معلمى فأنا كنت وما زلت فى حاجة دائمة إلى أب قدوة ومرشد طول الوقت، وقد تعلمت فى الأبتدئاية من قدوتى مدرس الانجليزية المرحوم عبد الحميد افندى فهيم، وفى المرحلة الثانوية والجامعة من استاذى وشيخى المحقق الرائع الشاعر الأديب محمود محمد شاكر، وفى شيخوختى من شيخى  وطبيبى نجيب محفوظ، وأنا أؤمن بمثلنا القائل: “اللى مالوش كبير يشترى له كبير” فكنت دائما التمس لى والدا أتعلم منه ولا أنسى أبوة “عم على السباك”، حين كنت أتجاذب معه أطراف الحديث وهو يصلح سباكة بيتى حتى بعد أن صرت مدرسا بالجامعة فتعلمت منه الحكمة والصبر وحب الناس.

(10) سؤال يبدو إستفزازى ولكن فى حقيقته يحمل دلالات خاصة لعبقرية الدكتور “يحيى الرخاوى ” الإنسان بداخلك هل تراه مريضا ام سوى ؟

د. يحيى

    أنا لى موقف من تسمية المريض مريضا، فما بالك بالبحث عن المريض داخل كل سليم منا، طبعا بداخلى طفل لو أرخيت له العنان لفضحنى بعبثه واعتماديته، فهل هناك مرض أخطر من ذاك، ثم بداخلى كل زخم أحلامى التى لا أعرفها وهى كلها مشروع تناثر لا يلمه إلى الإيقاع الحيوى وتوظيف النوم وإيقاعية الحلم للم الشمل بعد التفكيك الإيقاعى المرحلى طول الليل عبر الإيقاع الحيوى لحركية الأحلام غير المحكية عادة، وهذا ما يفسر لى دعوتنا الإسلامية عند اليقظة “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”.

 

[1] – نشر الحديث فى الصفحة إلكترونية بجريدة “طبيِبِىَ الخاص” وأجرى الحوار الأستاذة: أميرة عبد العزيز  بتاريخ 25-11-2015

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *