الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل الثانى عشر: “علاقة هذا العلاج الجمعى بالفلسفة، و(الديالكتيك)” (3)

كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى “من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق” الفصل الثانى عشر: “علاقة هذا العلاج الجمعى بالفلسفة، و(الديالكتيك)” (3)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 21-3-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 4950

   كتاب: مقدمة فى العلاج الجمعى  

 “من ذكاء الجماد إلى  رحاب المطلق” (1)

الفصل الثانى عشر:

“علاقة هذا العلاج الجمعى بالفلسفة، و(الديالكتيك)” (3)

هذه النشرة هي تكملة لنشرة الأسبوع الماضى ويستحسن قراءتهما معاً، شكرا

 ………………

الديالكتيك وحركية تشكيل نمو النفس إبداعها

ماهية النفس:

ألفنا أن نتحدث عن النفس: بمعنى نشاط المخ،  أو بمعنى رمزى تجريدى فتنفصل عن المخ والجسد بلا تحديد، أو بمعنى دينامى على أساس أنها محصلة قوى متصارعة مع بعضها، ولكننا لم نتعود أن نتحدث عنها بمعنى الناتج النامى المتجدد النابض الممتد لحركية النمو الديالكتيكى للجهاز العصبى كله فى احتكاكه المستمر بالبيئة (وخاصة بالآخر الإنسانى).

“إن الديالكتيك هو حركة المواجهة المتلاحمة الحية الصادقة بين الأضداد.. التى إذا استمرت فى حيوية لوقت كاف .. دون أن تقضى على الكائن الحى (أو على الشعب أو على الفكرة) فإنها قادرة على تفعيل هذه الأضداد فى كلٍّ جديد مختلف نوعيا، وأقدر كميا من مجموع أجزائه، وبالتالى فهذا الكل الجديد هو ذو نوعية جديدة وله قوانين جديدة ….”

فالديالكتيك الحى ليس فيه غالب ومغلوب، بل ولا سلب وإيجاب، بل ولا حسن وسئ، وإنما أدنيان إلى أرقى، ولا شك أن هذه الفكرة قد خطرت كأمل عند المفكرين الإنسانيين فى علم النفس بل وكمرحلة طبيعية فى نمو الشخصية، ويظهر هذا واضحاً فى تفكير ماسلو، وحديثة عن مرحلة اختفاء الاستقطاب بين المنطق والنزوة، بين الوسيلة والغاية، بين الأنانية والأثرة.. الخ وهو فى حديثه عن حل هذا الاستقطاب Resolution  يتحدث عن الولاف Synthesis ويتكلم عن الاتحاد التعاونى Synergic Union ولكن الذى أعنيه هنا ليس تكرار ألفاظ هذا الأمل ولكن محاولة تفسير حقيقة طبيعة خوض التفاعل الديالكتيكى (لا مجرد الاتحاد أو التعاون)، ثم الإشارة إلى أن الطريقة محددة المعالم والبيئة (المحيط) واضحة القوانين هى المناخ الذى تتيح لهذا الديالكتيك الحيوى أن يستمر تصاعداً وتصعيدا.

ماهية الأعراض:

من هذا المنطلق تصبح الأعراض هى مضاعفات الحركة التطورية الديالكتيكية إذا ما فرضت على الكيان البشرى قبل أن يستوعب المرحلة السابقة وقد استكملت مقومات نمائها واستعدادها، لتخليق الولاف التالى:

ماهية العلاج النفسى:

وبالتالى: يكون العلاج النفسى من هذا المنطلق هو مساعدة هذه الحركة التطورية على مواصلة هذه المرحلة إلى الولاف الأعلى …..، أو على التراجع عن هذه المحاولة حتى تستعد وتستكمل مقومات الحركة الناجحة فى  المحاولة (النبضة) القادمة.

العلاج خطوات ومثابرة:

إن العلاج النمائى عموما وخاصة العلاج الجمعى – يخطط لما أسميناه تنشيط حركية الحياة بإحياء ديالكتيك النمو ويشمل ذلك خطوات متكاملة متعاقبة متداخلة معا، تتم ممارستها من خلال فنية تحريك الوعى، أفرادا وجماعة، وجماعات، وقياس كل ذلك بالنتائج الظاهرة ما أمكن ذلك، وأيضا بالمتابعة لرصد نتائج الفروض المشيرة إلى حتمية التغيرات المتناهية الصغر القابلة للتكثيف وإعادة التشكيل، ومن ذلك:

(1) تعتعة الجمود الساكن لتخثرات متفرقة، أو لكتلة الشخصية المتوقفة أو المتكلسة أو الدائرة فى المحل، وذلك من خلال التحريك الفنى العلاجى  بكل آليات هذا العلاج بدءًا بالتركيز فى “هنا والآن” وبالسيكودراما، وأداء العكس، والألعاب النفسية بأنواعها وبكل ما ذكرنا وهو معروف من تقنيات.

(2) إعادة مواجهة هذه القوى مع بعضها البعض لا لإحياء الصراع فى ذاته، وإنما لإعادة تقييم التناقض، والاعتراف بوجود أطرافه، ومن ثم التنشيط فالتحريك، فالديالكتيك، فالنمو.

(3) الحفاظ على استمرار هذه المواجهة وتصعيدها بالدرجة التى تسمح بها دعامة المجموعة والمعالج.

(4) تجنب القصد فى ترجيح أى منظومة (بيولوجية كيانية) بذاتها، مهما شاع أنها الأقدر تكيفا والأكفأ قيادة (اللهم إلا مرحليا: انظر بعد) بمعنى أن المطلوب ليس هو – مثلا- مجرد ترجيح الأنا Ego الفرويدى، أو “الفتى” ADULT التفاعلاتى، أو التلقائية الجشتالتية، وإنما المطلوب هو إتاحة الفرصة لدوام حركية إبداعية الذات المحورية فى البتكون in the making بلا نهاية.

(5) مواكبة مراحل النمو المتصاعدة، حيث كل وحدة أكبر من سابقتها – ولكنها وسط على الطريق – والوحدة تتم: بنجاح التوليف لتشكيل وحدات أكبر، وأيضا: باحتواء مؤقت للجزء المتبقى من الضد الذى لم يتم تمثّله لحين تحريك جديد فى نبضة نمو جديدة طبيعية، ومن خلال التنشيط العلاجى.

(6) مع استقرار الوحدة الأكبر التى تسمى الولاف الأعلى Higher Synthesis لفترة تؤكد فيها نوعيتها فإنه يتم السماح بتحريك جديد يسمح بظهور الجزء المحتوى داخلها ليلتحم بالتناقض خارجها وتبدأ مواجهة جديدة … وهكذا ..

(7) باستمرار هذه العملية وتكرارها يقل هذا الجزء المُحتوى بعد كل نجاح أعلى: حتى يبدو وكأنه يمكن أن يتلاشى (ولو نظرياُ) وهنا يكاد يصبح الوجود مطلقاً والتكامل خالداً وهذا غير وارد عمليا طالما يظل الانسان كائنا بشريا، ولكنه قد يتجلى للحظات مؤقتة فى الإبداع والتصوف ومثل ذلك من خبرات …

(8) بما أن هذا الهدف الأبعد هو هدف نظرى بالضرورة فالحركة تظل مستمرة (إيقاعيا) نحو التكامل إلى أبعد مما نستطيع أن ندركه فى حياة الإنسان الفرد المحدودة حتى الآن.

وبعد

هكذا نستطيع أن نراجع طبيعة هذا العلاج قيد البحث من خلال هذا المنظور بأن نعيد تأكيدنا أنه ليس كبتاً، ولا قمعاً وتحكما ولا تصالحاً وتبادلا بين أجزاء أو كيانات النفس، وإنما هو: تنشيط حركية تهدف إلى تهيئة الظروف المساعدة لإنجاح هذه الخطوات التطورية بعد أن هددها الفشل فى صورة المرض وأعراضه .. وذلك للوصول إلى الولاف التالى وهكذا.

………….

ونعرض الأسبوع القادم: الفصل الثالث عشر: “علاقة العلاج الجمعى بالدين والإيمان (كثقافة) “

 [1] – يحيى الرخاوى (مقدمة فى العلاج الجمعى (1) من ذكاء الجماد إلى رحاب المطلق) (الطبعة الأولى 1978)، (والطبعة الثانية 2019) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب متاح فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط.

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *