الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قصة قصيرة: تفاصيل ما حدث (بالحرف الواحد)

قصة قصيرة: تفاصيل ما حدث (بالحرف الواحد)

“نشرة” الإنسان والتطور

السبت 20-3-2021

السنة الرابعة عشر

العدد: 4949

                قصة قصيرة

تفاصيل ما حدث (بالحرف الواحد) (1)

-1-

تقدّم إليه الرجل الذى لا بد أن يكون “ساعيا” أو مثل ذلك، تقدم إليه يعطيه مظروفا مغلقا،  بنّيا، لا هو بالفاتح ولا هو بالقاتم، وليس عليه طابع بريد، لكنّ خاتما غير واضح كان يكفى أن يصل بالرسالة إلى صاحبها ـ  فلا بد وأن تكون من جهة حكومية ـ فهى تحوى، إذن، مطالبة أو إخطارا أو إنذارا.

خفق قلبه بشدة، وصمم ألا يفتح المظروف أصلاً وقال لنفسه ما معناه”

“لست أنا”

-2-

تذكرها وهى تغلق الباب خلفها بحركة لم يعتدها من قبل، كانت تقول له قبل خروجها: إنها أخيرا أفلحت أن تواجهه ببعض ما كان ينبغى أن تقوله له منذ ثلاثين عاما، وكان قد قال فى سره وهو يتأملها دون أن يميّز كلامها (صورة دون صوت): ملعون أبو الحرية والنقود، ثم قال أيضا: ملعون أبو الحرية والنقود والذى منـّه، ثم أضاف بعد فترة ليست قصيرة، فترة لا تصلح للإضافة بل لبداية كلام جديد، لكنه أضاف وهو يبلع ريقه بصعوبة “والذى منّه لابد عنّه”: “..نعم والذى منه أيضا”، ثم جمعها كلها بعد إبدال طفيف هكذا :

“ملعون أبو الحرية والنقود والذى منه، “لابد عنه”.

-3-

ملأ الكوب الفارغ إلى ثلاثة أرباعه بالماء المثلج (نصف نصف). قال وهو يتأمله فى يقين مندهش، إن تداخل الألوان هكذا، حتى يصير الماء شفافا هكذا، هو السر الذى لا يوصف، أما طعمه ورائحته فهما كل شىء حى، وسبحان من جعل من الماء كل شيء حى.

وأخذ يرتشف الماء من الكوب ببطء وبصوت: رشفة .. رشفة: هكذا.

-4-

ردّ ابتسامة الطفل غير الموجود فى ركن الغرفة وقد خيّل إليه أنه يغمز له بإحدى عينيه، لكنّه أحس بالغيظ يملؤه حين لم يستطع التأكد إن كان قد لــعّبَ للطفل حاجبيه وهو يرد ابتسامته أم لا، ثم إن الطفل راح يواصل لعبه غير مبال وقد خبأ نصف رأسه وراء الملاءة المدَلاّة وطرفها الآخر مشبوك في عامود السرير.

راح الطفل يتلفت خشية أن تضبطه “دادته” فى لعبة “المسّاكة”، هو يخفى أنه يحبها فوق الوصف ويريد أن يستمتع بخياله وهو ينتظر اللذة التى يتمتع فيها بدفء بدنها وهى تحمله على ظهرها.

-5-

قال الرجل وكأنه يعلن قرار إنهاء الحرب:

الآن، والآن فقط عرفت تحديداً ما أريد، وهكذا أستطيع أن أرسم كل خطوات المستقبل القريب والبعيد بمنتهى الدقة وكل التفاصيل، صحيح أننى تأخرت كثيرا، لكن ذلك كان لازما لأن  القرار الذى أتانى الآن، فقرّرته، كان يستلزم كل ذلك الوقت، فعليه يتوقف مصير اللحظة، التى علىّ أن ألحق بها قبل أن تسحقنى.

-6-

التفت الرجل نحو الباب فإذا بالشخص الأول الذى كان قد أتى بالخطاب مازال واقفا لم ينصرف، والذى كان عليه خاتم حكومى غير واضح، ولم يكن منتبها إلى أنه ظل كذلك كل هذا الوقت دون أن ينصرف، صاح به وهو يعتذر لطول انتظاره، وسمح له بالانصراف إلا أن الرجل قال: “آسف سيدى… لا أستطيع أن أنصرف إلا ومعى الرد مكتوبا بخط سيادتكم، هكذا التعليمات فأعذرنى يا سيدى.

ردّ الرجل وهو يلقى بالخطاب دون أن يفتحه: أرجعه لصاحبه وسلم لى عليه، وقل له ما حدث بالحرف الواحد،

تناول الرجل الخطاب وانصرف وهو يتمتم: ولكننى لا أعرف ماذا حدث بالحرف الواحد.

[1] – نشرت في نشرة الإنسان والتطور بعنوان: “إنّه الهواء” بتاريخ 5-11-2014، وقد تم تعديل طفيف “رغما عنى” بتاريخ اليوم 19/3/2021

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *