نشرة “الإنسان والتطور”
الاحد: 28-7-2013
السنة السادسة
العدد: 2158
كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (49)
مؤتمر: العلاج الجمعى والعمليات الجماعية: الأمل فى أوقات عصيبة
(القاهرة 25 – 27 سبتمبر 2013)
العمل بالأحلام فى العلاج الجمعى (1)
هذا هو أحد موضوعات المؤتمر عاليه، وكنت أنوى تأجيل الكتابة فيه بعض الوقت، ولست أدرى كيف سيتناوله المؤتمر، ففضلت أن أبادر بأن أقدم بعض خبرتنا فى ثقافتنا الخاصة، وأعتقد أن المسألة تجاوزت الاختلاف الثقافى إلى فرصة اختبار نظريتى الخاصة فى الأحلام، والتى يمكن الرجوع إليها بالتفصيل فى أطروحة “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” أو فى الفصل الأول من كتابى عن “أحلام فترة النقاهة لنجيب محفوظ”، وهذه الفكرة ليست معارضة لما سبق أن أشرت إليه من أن التطبيق عادة يسبق النظرية، لكن الذى حدث هنا هى أن النظرية التى نبعت من التطبيق، أصبحت قابلة للإسهام فى التطبيق، وبالتالى للتعديل والتطوير، وهكذا.
ابتداءً أريد توضيح بعض الملاحظات الأساسية فى مسألة ذكر الأحلام أثناء العلاج الجمعى كما يلى:
- نحن لا نشجع الحكى عن الأحلام بوجه خاص.
- لكن أيضا: نحن لا نرفض ذكر الأحلام دون تفصيل أو استطراد.
- لا نتوقف طويلا عند تفاصيل الحلم ، وإنما نأخذ ما يمكن أن يسمى لقطات أوعينات مما يمكن حكيه، ثم تفعيله دراميا “هنا والآن”.
- لا نستطيع ، ولا نحتاج عادة، الجزم على أن ما يُحكى كان حلما خالصا أو أن ثمة إضافات تمت أثناء الحكى أو بفعل قصور الذاكرة.
- نحن نتجنب بشكل حاسم أية محاولة لتفسير الحلم، لا بالطريقة الشعبية، ولا بالطريقة التحليلية الفرويدية، أو التحليلية عموما.
- قد نأخذ من مادة الحلم ما يمكن أن يساعد فى تخطيط سيناريو موجز لبعض لقطات، تسمح أحيانا بالتقدم خطوة نحو بعض معالم السيكودراما.
- نادرا ما أواجه الحاكى (الحالم) بملمح من نظريتى عن الحلم وهو احتمال أنه هوالذى ألف الحلم قبيل اليقظة (إبداعا)، بعيدا عن وعى اليقظة، مع التأكيد أن ذلك لا يعنى تزييفه، وقد لا يحتاج الأمر لمزيد من الشرح، أو قد يحتاج إلى مجرد إشارة إلى أن للحلم وعيه الخاص به.
- أحيانا أطلب منه تحوير الحلم بما كان يتمناه أن يكون.
- يبدو أن كل هذه التحفظات، والاشتراطات، قد وصلت إلى معظم المجموعات حتى أننى لاحظت أنه بصفة عامة أصبح الحكى عن الأحلام نادرا بشكل أو بآخر وذلك فى كل المجموعات تقريبا على مدى أربعين سنة، وقد يكون موقفى من موضوعية الحلم المحكى مقارنة بالحلم الأصل أو الحلم بالقوة (نشرة 3-2-2013 “الإدراك والحلم والشعر والجنون) هو السبب.
- لست متأكدا إلى أى مدى ذكرت ملامح فروضى أو نظريتى عن كيف أن الحلم هو إبداع الشخص العادى قبيل اليقظة وبعد النوم، أعنى أثناء الاستيقاظ تحديدا، إلا أننى لا أستبعد أن أكون قد ألمحت إلى مثل ذلك بين الحين والحين.
- ذات جلسة، تقدمت فى عرض هذا الفرض حتى تشجعت لعرض تطبيقه، وهو ما سبق نشره فى نشرة سابقة بتاريخ 22-9-2010
وقد رأيت الآن أن أعيد نشر هذه النشرة لأهميتها الخاصة فى شرح هذه النظرية (أو الفرض) شرحا عمليا تطبيقيا، وذلك مع تعقيب موجز على محاولة كل المشاركين إبداع حلم إراديا، لا هو “حلم اليقظة” المعروف، ولا هو حلم أثناء النوم، وإنما باستحضار وعى أسمح لنفسى أن “أسميه” وعى الحلم إبداعاً.
وقد وصلنى بشكل غير مباشر من هذه التجربة كيف أن هذا المستوى من الوعى هو الأجهز للإسهام فى تخليق الوعى الجمعى كما سنرى.
بالرجوع إلى المؤتمر وما ورد فى موضوعاته عن ” العمل بالأحلام فى المجموعات“، لم أطمئن تماما إلى أنهم – ربما لاختلاف الثقافة والخلفية النظرية – يمكن أن يقصدوا ما سيرد ذكره فى هذه التجربة مع أننا استعلمنا تعبير “نِعمْل حِلم”.
فرض: “نحن نؤلف أحلامنا”: تجربة من العلاج الجمعى
“نعمل حلما”: “هنا والآن”
سجلت هذا الفرض فى أطروحتى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع” التى نشرت أولا فى فصول سنة 1985 ثم أعيد نشرها فى تحديث فى كتابى “حركية الوجود وتجليات الإبداع” (1) وايضا مع بعض التطبيقات المناسبة فى كتابى النقدىعن “طبيعة الحلم والإبداع أحلام فترة النقاهة: نجيب محفوظ” دار الشروق، 2011، وفيما يلى نص ما نشر فى النشرة السابقة (نشرة 22-9- 2010″فرض: “نحن نؤلف أحلامنا”) مع التحديث والتعقيب.
موجز الفرض كان – ومازال – كالتالى:
نحن لا نحلم بالمعنى الذى شاع من حكْى الحلم أو من تفسيره، نحن نؤلف أحلامنا التى نتذكرها تأليفا فى الثوانى (أو البضع ثانية) التى تسبق اليقظة مباشرة، نؤلفها ونحن فى حالة من يقظة غير كاملة قبيل اليقظة، أما ما يحدث قبل ذلك فهو ما أسميته “الحلم بالقوة” وهو النشاط التحريكى التنظيمى الذى يسجَّل برسام المخ الكهربائى أثناء ما يسمى النوم النقيضى أو النوم الحالم والذى يعرف أيضا باسم نوم “حركية العين السريعة” REM أو نوم الريم (2) وهو إيقاع نوبى منتظم 20 دقيقة كل 90 دقيقة طوال ساعات النوم
أما الذى نتصور أنه الحلم، كل الحلم، (الحلم الذى نحكيه) فما هو إلا نتاج ما التقطنا من مفردات ما تحرّك فى هذا الوعى الحالم النشط، لتصبح هذه المعلومات (بالمعنى الأشمل) التى التقطناها قبيل اليقظة هى الأبجدية التى ننسج منها ما تيسر من تشكيلات وتربيطات نعيد صياغتها، على أنها الحلم الذى نحكيه، أو لا نحكيه، نفسره، أو لا نفسره.
وبقدر قربنا من وعى النوم يكون الحلم أقرب إلى البيولوجى والإبداع الأعمق، وبقدر قربنا من “وعى اليقظة، يكون الحلم أقرب إلى الخيال المعقلن المصنوع.
فى جلسة العلاج الجمعى التى عقدت فى قصر العينى يوم الأربعاء 25/8/2010، أشارت إحدى المريضات (ياسمين) إلى حلم حلمته الليلة السابقة، وحين همّت بحكاية الحلم نبهتُها (بصفتى قائد المجموعة والمعالج الأكبر والمدرّب) إلى أن هذا قد يبعدنا عن “هنا والآن”، وأنها يمكن إذا شاءت أن تحكيه موجزا باختصار، ثم هممت بأن أقترح أن نفرّق الأدوار لأشخاص الحلم على زملاء (أطباء ومرضى) ليقوموا بتجسيد ما تيسر من الحلم، ويمكنها بدورها أن تأخذ دورا أو أكثر، أو أن تواجه نفسها أو تواجههم بما تشاء “هنا والآن”، هذا الاسلوب نتبعه عادة لاستحضار الأحلام فى “هنا والآن” فيما يشبه “السيكودراما”، دون تفسير (طبعا) لكننى فى هذه الجلسة خطر لى ألا ألجأ لهذا الأسلوب.
وكنت مشغولا هذه الأيام بكتابة ورقة فى النقد للعدد الثالث من دورية نجيب محفوظ، عن حركية الزمن وإحياء اللحظة، وحضرنى هذا الفرض الباكر (1985) عن طبيعة الأحلام فقررت أن أنتهز الفرصة لتحريك المجموعة من ناحية، ولمحاولة متواضعة لاحتمال تحقيق هذا الفرض من ناحية أخرى.
خطر ببالى أن أطلب من كل فرد من أفراد المجموعة أن يحلم “هنا والآن” بما يتراءى له، وطلبت من ياسمين نفسها أن تبدا المحاولة فلم تفهم ما أريد (طبعا)، فانتقلت إلى د. دينا وهى طبيبة مقيمة متدربة، لم تشاركنا فى التدريب إلا منذ شهرين، وطلبت منها أن تبدأ هى بما طلبتُه من ياسمين ربما يسهل الأمر على المريضة فالآخرين ولم تعتذر (3) د. دينا، وكنت حاولت أن أوضح أن ما أطلبه منها ليس إعمالا للخيال، كما نعرفه، وبالذات ليس من قبيل “أحلام اليقظة”، ولكنه حلم “بحق وحقيقى”، وكل واحد وشطارته، وشعرت أننى أقول كلاما غير مفهوم لزميلتى الصغيرة.
استفسرت الدكتورة دينا قائلة: أقول حلم حلمته (يعنى)؟ فرددت فورا (أن) “لا”، فأكملتْ هى (يعنى) “أعمل حلم”؟ ففرحت فرحا شديدا بكلمة “أعمل”، ووجدت أنها كلمة قد تسهّل المهمه، وشكرتها، ولم أتماد فى محاولتى أن استفسر منها عن ما تعنى بــ “أعمل”، لكن يبدو أن الكلمة وصلت لكل أفراد المجموعة: أطباء ومرضى،بما يكفى، وبدأنا بالدكتورة دينا التى ابتدعت تعبير “أعمل حلم” وقد شعرت أنها أبعدتنا بهذه الكلمة عن كل من “الحكى” و“الخيال” أعنى عن نوع الخيال الذى يغلب فى ما نسميه أحلام اليقظة، وأن “عمل الحلم” هو نوع من التعامل الواعى نسبيا مع عالمنا الداخلى الذى يبدو ـأنه أصبح متعتعا – ربما بالعلاج – وفى المتناول، لأغلب افراد المجموعة، من خلال العلاج الجمعى، بدرجة أجهز من الشخص العادى.
فى هذه النشرة وبعد تمهيد مبدئى سوف أنشر نص هذه التجربة مع التعليق الذى غاب عن النشر الأول، إلا أنه حضرنى الآن لعل وعسى، علما بأن الهدف الأول منه كان اختبار احتمال تحقيق الفرض، وهو أننا نؤلف “نعمل” أحلامنا قبيل اليقظة، كما جاء سالفا، إلا أن النتائج مع التعليق الأحدث أعطت أبعادا أرحب.
ملاحظات تمهيدية:
قبل أن أنشر نص التجربة أود أن أنبه إلى الآتى:
أولا: حاولت أن أضيف إلى استجابات بعض الممارسين بدءاً من د. دينا مشاركتى شخصيا فى توجيه فعل تخليق الحلم، بأن أكرر لمعظم الذين يبدأون فى العمل كلمتىْ “أنا دلوقتى…” ولا أزيد، ربما حفزا على الابتعاد عن ما هو حكى لحلم سابق، وكذلك عن ما هو أحلام يقظة.
ثانيا: هذه التجربة لم تكن لعبة من الألعاب التى نمارسها فى العلاج الجمعى حين نكمل نصًّا معينا بتلقائية عفوية.
ثالثا: كنت أحاول بقدر المستطاع أن أمنع أن تنقلب المحاولة إلى التذكر، أو الخيال المعقلن، لكننى لا أصر على التصحيح أكثر من اللازم، فأستسلم وأفوّت.
رابعاً: لم أطلب من الزملاء، مرضى أو أطباء بعد انتهائنا من التجربة أن يعلقوا على خبرتهم هذه لا بالنسبة لغرابة ما فعلوا، أوصعوبته (كما بدأنا) ولا بالنسبة لمحتوى ما أبدعوه (عملوه) وكنت أقصد من ذلك ألا أشوه ما قد يساعد فى تحقيق الفرض السابق ذكره بالتفسير أو العقلنة اللاحقة.
خامساً: لم نعد ونحن نكمل الجلسة إلى الإشارة إلى هذه التجربة ولا نحن عدنا إليها فيما بعد، كما لم يطلب أحد الأطباء ذلك أو حتى يربط بينها وبين الفرض الذى طرح مقدما، ولم يلمحّ أحد من المرضى برغبته فى ذلك، برغم السهولة التى جرت بها، ولهذا دلالته التى لن أناقشها الآن.
نص الاستجابات
كالعادة: تغيرت اسماء المرضى ولم تتغير أسماء الأطباء وهم: د. دينا، د.محمد، د. مروة، د. يحيى.
وقد أضفت ما بين قوسين وهو قليل جدا على نص التفريغ حتى يمكن توصيل السياق بطريقة أدق، كما وضعت نقط مكان بعض المحذوف دون إخلال بالمراد.
……………….
……………….
د.يحيى: (لياسمين بعد أن أعلنت أنها حلمت حلما) تعرفى تحلمى “هنا ودلوقتى“؟
ياسمين: انا باحلم وانا صاحيه
د.يحيى: يابنتى استنى بس، أنا مش قصدى اللى بيقولو عليه “حلم يقظة”، أنا قصدى “هنا ودلوقتى” يعنى مثلا: انا دلوقتى ماشى وبعدين قابلت مش عارف إيه رحت متزحلق، رحت ميت ومش عارف إيه، راحت طالعالى شجره ما كانتش موجوده، والتعبان جرى ورايا، راح لافف على رقبتى، قصدى حاجات كده (يلتفت لعبد الحميد) تعرف يا عبد الحميد
عبد الحميد: لأ
د.يحيى: طب انا أراهن إنك تعرف
عبد الحميد: ايش عرفك (إنى أعرف)
د.يحيى: كلنا نعرف، أصل أنا عندى كده نظريه أن كلنا نعرف، كلنا دكاتره وعيانين، نقوم حلمانين كدهه وخلاص، هنا ودلوقتى.. إيه رأيك؟
عبد الحميد: لأ، هنا ودلوقتى لاَّهْ
د.يحيى: ليه ما هو حلم، بدل ما نقعد نعبّر وما نعبّرش (4)
عبد الحميد: لأ … دلوقتى لأ ….
د.يحيى: يا راجل حِلمْ، حاوِلْ …
عبد الحميد: لأ
د.يحيى: ليه
عبد الحميد: صعب
د.يحيى: طب نشوف دينا (د. دينا) (5)(إيه رأيك؟) تحاولى؟ مش تفتكرى لنا حلم وتحكيه، لأه..،
د.دينا: أقول حلم حلمته قبل كده ؟
د.يحيى: لأ
د.دينا: أعمل حلم؟
د.يحيى: “تعملى حلم!!! يا خبر يا عفريته، شوفى التعبير، الله يفتح عليكى، حليتيها لى فعلا، تعملى حلم!! بس مع حد، يا فلان: انا دلوقتى وتسيبى نفسك وتكملى، انتى خدت بالك؟ يعنى مثلا يا محمد كذا كذا، على فكرة تعبيرك “أعمل حلم” دا إبداع
د.دينا: انا دلوقتى فى محطة قطر عماله اجرى، بدّور على أختى الصغيره، عماله ادخل من قطر لقطر، قطر يقف، اروح داخله القطر اللى بعده، ….. قلقانه وخايفه على اختى الصغيره تنداس او تتوه منى، وباقابل ناس كتير فى النص، بس ما بابقاش مركزه معاهم، ولا شايفاهم (تسكت، ويطول الصمت)
د.يحيى: انا حفوّت لك عشان شطارتك يعنى، بس هو أنا شاعر إنه مش كفاية، زى ما تكونى حُشتى نفسك ما كملتيش، حاسس إنه: مش كفاية، يعنى مثلا ما شوفتيش الجدع اللى نط من الشباك؟ ما شوفتيش الكمسرى اللى بيضرب الواد اللى بيبيع كازوزه ونزله عشان كان حايقع تحت العجل
د.دينا: شفت
د. يحيى: ما شوفتيش القطر اللى كان جاى غلط على نفس القضيب….؟
د.دينا: آه
د.يحيى: طيب حاتعملى ايه لما يتصادموا بقى؟
د.دينا: مش عارفه
د.يحيى: (للجميع) دينا عملت بدايه كويسه جدا، ما هو اللى انا بقوله ده صعب، بس اى حد يبتدى، اظن اللى بعده حايبقى اسهل عليه شوية، لأنه عرف يعنى ايه معنى “أعمل حلم” “أعمل حلم”، الله ينور عليكى يا دينا، ياللا يا عبد الحميد.
……………
تعقيب على استجابة د. دينا، لاحظت ما يلى:
v أن مقاومتها كانت أقل مما كنت متوقعا، علما بأننى تصورت أن هذه التجربة سوف تكون أصعب على غير المرضى منها على المرضى
v أن النقلات كانت سريعة ، وفى نفس الوقت متماسكة برغم عدم التركيز
v أنها استعملت الزمن الحاضر (“عمالة أدخل”، “أروح داخله”، و”باقابل”)
v أنها لم تمانع فى أن يشارك المدرب فى التوجيه، وإن لم تستجب
v أنها لم تمانع فى مشاركة المدرب فى تشكيل الحلم، وكأنهما اصبحا مشتركان فى وعى إبداعى واحد
v أنها أقرت ما أضافه المدرب إلى الحلم حين سألها ما شفتيش الكمسارى اللى بيضرب الواد بتاع الكازوزة …إلخ أجابت : “شفت”.
v وحتى حين وصل الأمر إلى أضافة احتمال تصادم قطارين، أقرت بالموافقة برغم أنها أقرت أيضا أنها عاجزة عن الحيلولة دون ذلك.
(ثم نكمل ما تيسر من استجابات).
د. يحيى: …… الله ينور عليكى يا دينا، ياللا يا عبد الحميد
عبد الحميد: لأ لسه شويه
د.يحيى: مين بقى مش دكتور يحب يلعب بعد د. دينا ياللا يا صبرى
صبري: انا فيه حد بيطاردني، شبح، وبعدين طبعا جريت منه وانا باجرى كده لاقيت نفسى وقعت وما وصلتش لأى حاجه وفجأه لاقيت نفسى باطير فى الفضا، كده خلاص
د.يحيى: كمل كمل …..كملّ يا راجل
صبري: خلاص ما انا باقول لحضرتك لاقيت نفسى وقعت، ولاقيت نفسى باطير …
د.يحيى: بِجْنِحَه، ولا من غير جِنِحْه ؟
صبري: مش عارف
تعقيب على استجابة صبرى:
v نلاحظ هنا الاستجابة السريعة السلسة دون مقاومة
v وأن الغموض سائد أيضا
v ثم اختراق الواقع “باطير فى الفضا”
v ثم النهاية المفاجئة، وكأنها إجهاض للإبداع أيضا
v وكذلك العجز عن مواصلة التشكيل إذا ما جاء التوجيه من خارجه
د.يحيى: كتر خيرك اهى دى نقله كويسة، نرجع نعزم على أى دكتور هو يعنى حانشترى من بره “انا دلوقتى”…. يلاّ يا مروة (د. مروة زميلة د. ينا متدربة داخل المجموعة)
د.مروه: انا دلوقتى … تايهه، مش عارفه فين والدنيا ضلمه وفيه كلب عمال بيجرى ورايا وانا عماله اجرى عشان أبعد عنه
د.يحيى: الكلب لونه إيه
د.مروه: ما انا مش عايزه أبص له عشان ما خافش منه، انا سامعاه بيجرى ورايا
د.يحيى: يعنى اسود؟ اصل لو اسود تبقى مصيبه سوده؟ الدنيا ضلمه والكلب اسود لو ابيض حاتميزيه
د.مروه: لأ مش ابيض بس شكله يخوّف، وبعدين وقعت، وهو خلاص حايعضنى بس، فاحاصحى، بس بقى مش حاكمل…..
د.يحيى: انا مش عايز ألعبكها أكتر لأنها صعبه، مش عايز أتدخل تانى، فباقول لو أى واحد يساعد التانى إذا كان عايز، يعنى يكمل له الحلم زى ما أنا عملت، ولا أنتى يا مروة تقدرى تكملى؟
د.مروه: انا مش عايزه اكمل
د.يحيى: طيب حد يساعدك زى ما انا عملت مع دينا، ولاّ بلاش، بلاش خلينا على قد كده، واحده واحده، تدى الكوره لمين من العيانين (6)
تعقيب على استجابة د. مروة:
v الاستجابة أيضا سريعة دون مقاومة
v الزمن ما زال حاضرا والفعل مضارع
v تدخل المدرب لم يحل دون إكمال الحلم ، مع السماح بالحوار حول تفاصيله مثل لون الكلب
v التأكيد على الزمن الحاضر ” ما انا مش عايزة أبص له عشان ما اخافشى منه”
v وجود ما يقابل ما هو هلاوس سمعية “أنا سامعاه بيجرى ورايا”
v التوقف القسرى أيضا “بس بقى مش حاكمل”
v الدعوة التى دعاها المدرب لبقية أفراد المجموعة للإسهام فى تشكيل الحلم لم يستجب لها أحد، ومع ذلك يظل فرض المشاركة فى الوعى المبدع من أفراد الجماعة قائما بدرجات مختلفة.
v مع أن مروة كانت فى كامل يقظتها إلا أنها أنهت الحلم بأنها: “فاحاصحى بقى” ، كما لو أنها كانت نائمة فعلا، أى فى “وعى الحلم” على الأقل دون وعى النوم.
ثم نكمل…..:
د.يحيى : …..تدى الكورة لمين من العيانين؟
د.مروة: لمحمد
محمد: انا دلوقتى حاسس ان انا ماشى فى طريق مالوش ملامح خالص، مش عارف الصح من الغلط، وماشى وحاسس ناس كتير عايزه تضيعني، وماشى برضه فى طريقى باحاول اجتهد وبرضه ماشى بتقابلنى عقبات من الماضى بتيأسنى شويه وارجع اقف تاني، وبرضه ماشى من غير عقبات المرة دى، بس فيه استفزاز، ناس بيستفزونى وباحاول برضه
رضا: دى قصه دى مش حلم
محمد: مش عارف
د.يحيى: وصلت لفين فى الطريق ده
محمد: قابلت الدكتور محمد (الزميل المتدرب الثالث) واديته الكوره
د.يحيى: لأ بلاش د. محمد دلوقتي، نأجله شويه عشان نوزن الحكايه يعنى حد من العيانين
تعقيب على استجابة محمد:
v تعقيب رضا (7) على أنها “قصة مش حلم”، يشير إلى أن محمد كان فى وعى أقل عمقا من دينا وصبرى، أعنى أقرب إلى وعى اليقظة.
v ما زال الغموض هو السائد “طريق مالوش ملامح خالص”
v كذلك الحيرة : “مش عارف الصح من الغلط”
v ونقلات الزمن سريعة ، برغم استمرار الحكى، “غير عقبات المرة اللى فاتت”
v كما اختلفت تفاعلات الناس بسرعة أيضا، فانتقلت من “تضيعنى”، إلى “بتيأسنى” إلى” بيستفزونى”، وكلها فى الزمن المضارع “الآن”
v كما انتقل موقفه من الحيرة، إلى الاجتهاد، إلى مقاومة اليأس نتيجة لحضور خبرات الماضى فى الحاضر، لكن المحاولة مستمرة.
v وفجأة ينتقل إلى وعى الواقع فيرى د. محمد (المتدرب الثالث) أمامه، فيعطيه الكرة ، إعلانا بانتهاء الحلم، ودعوة له أن يواصل (عليه الدور)
******
وبعد:
حتى هذه المرحلة، وقبل أن نكمل يمكن أن نلاحظ ملاحظات مبدئية عامة كالتالى:
1) مرة أخرى إن “إبداع الحلم” (عمل الحلم) غير “أحلام اليقظة”
2) إن وعى الحلم، عكس المتصوّر فى الحياة العادية، وربما فى العلم التقدليدى، هو جاهز وممكن إحضاره، (وهو غير وعى اليقظة وغير الخيال وغير وعى النوم طبعا).
3) إن تشكيل الحلم لا يحتاج مهارات خاصة ولا تنظير، بل هو ممكن عند كل المستويات والتنويعات (مستويات الذكاء، مستويات التعليم، مختلف التشخيصات).
4) إن إيقاع الحلم وسرعة النقلات تشير، ولو بطريقة غير مباشرة، إلى مدى قصر الزمن الذى يمكن أن يستغرقه تشكيل الحلم
5) إن المشاركة فى وعى الحلم مع آخر هى ممكنة ولو من حيث المبدأ بشكل أو بآخر.
6) إن هذه المشاركة ربما تكون مؤشرا إلى كيفية تكوين الوعى الجماعى على مستوى أعمق من الاتفاقات والتربيطات الظاهرة
وقد نعود إلى هذه الملاحظات بعد الانتهاء من عرض بقية الاستجابات غدا.
[1] – يحيى الرخاوى “الإيقاع الحيوى ونبض الإبداع”، مجلة فصول- المجلد الخامس – العدد (2) سنة 1985 ص (67 – 91) وقد تم تحديثها دون مساس بجوهرها فى كتاب “حركية الوجود وتجليات الإبداع”، الفصل الأول، المجلس الأعلى للثقافة، 2007
[2] – هذه الكلمة الجديدة “ريم” نحتها المرحوم أ.د. أحمد مستجير لتصف هذا النوم النقيضى Paradoxical وهو نوم حركة العين السريعة Rapid Eye Movement Sleep REM وقد قبلتها مرحبا برغم أنها تعريب للاختصار الانجليزى.
[3] – والمتدربة من حقها أن تعتذر فى بداية التدريب وحتى تطمئن تسمح لاحقا فى أى وقت فتضئ ما تسميه “النور الأخضر”.
[4] – هناك اتجاه عام فى هذه الطريقة فى العلاج الجمعى أن ننبه أن العلاج النفسى ليس كما يشاع “أطلع اللى جوايا”، وليس مجرد “أعبر عن نفسى”، فقد لاحظنا أن هذا وذاك مرتبط بما هو تحليل نفسى وتفريغ أكثر من ارتباطه تآليات، هذا النوع من العلاج حيث يتركز التركيز على “فعل ما” فى “هنا والآن”.
[5] – كثيرا ما لا ألقب زملائى الأصغر بلقب دكتور
[6] – تعبير “تدى الكورة لمين” نقصد به من الذى تختار ليلعب بعدك.
[7]- (رضا مريضة لها حدس خاص، لم تكمل تعليمها المتوسط).