الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (33) ماذا يحدث بالضبط مما هو ضد “جماعة القطيع”؟

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (33) ماذا يحدث بالضبط مما هو ضد “جماعة القطيع”؟

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 2-6-2013

السنة السادسة3-6-2013_1

 العدد: 2102

 

كتاب: الأساس فى العلاج الجمعى (33)

ماذا يحدث بالضبط مما هو ضد “جماعة القطيع”؟

مقدمة:

النقلة من الاكتفاء الذاتى والترابطات الثنائية إلى الانتماء إلى “الوعى الجمعى”نقلة من أدق وأهم ما يتميز به الوعى البشرى على مسار تطوره حتى الآن، ويبدو أن العلاج الجمعى سوف يكون السبيل لتصحيح كثير من مفاهيم ما يسمى علم النفس الاجتماعى، أو حتى علم النفس الجمعى، ذلك أننى حين رحت أبحث عن ما يسمى “ذات الجماعة ” Group Ego، فوجئت بأن ما يذكر فى هذا الصدد أغلبه دراسات ومواصفات عن ما يمكن أن يسمى سيكولوجية العامة، أو سيكولوجية التجمعات أو سيكولوجية القطيع، وأخص بالذكر كتاب سيجموند فرويد عن علم النفس الاجتماعى وتحليل “الذات” Sigmund Freud:  Group Psychology and the Analysis of the Ego 1922 

والذى ذكر كثيرا عملا باكرا لجوستاف ليبون Gustave Le Bon and the Group Mind tradition first published in 1895. Moscovici (1981)، مع إشارات قوية لماك دوجال، المهم فى كل هذا أن هذا التوجه كان غريبا بالنسبة لى حيث وصلنى منه عكس ما نمارسه فى العلاج الجمعى تماما، ذلك أنه وصلنى أن التركيز فى مثل هذه التخصصات كان على وصف ما يحدث من إلغاء التميز الفردى (أو العقل الفردى، أو الذكاء الفردى، أو التفرد الذاتى) لحساب تحريك جموعى تنويمى انفعالى نكوصى ضعيف الكف قصير النظر.

حين رحت أتأمل هذه الصورة مع تقارب الاسم Group mind انتبهت إلى الفرق الشاسع حتى العكس بين ما نطلق عليه الوعى الجمعى Collective Consciousness، وهو الأسم الذى شبهته (قبل أن اطلع على هذه الاستعمالات الباكرة) بـ “ذات الجماعة”، وإذا بالمسألة غير ذلك، ومن هنا وجدت لزاما على أن أبين طبيعة هذا الاختلاف بشكل مبدئى وأساسى وجوهرى:

يبدو أننى حين اختلفت مع “يالوم” فى اعتبار “التقليد” من العوامل العلاجية إلا بدرجة طفيفة مؤقتة وعابرة، كنت متوجسا من تصور أن هذا التقليد قد يفهم على أنه إسهام فى تخليق الوعى الجماعى الذى أشرت إليه فرفضت التقليد كعامل إيجابى منبها إلى أن التقليد هو أقرب إلى غريزة القطيع التى أشرت إليها حالا فى مقدمة هذه النشرة. (1) وهو ما لا يساهم فى تكوين الوعى الجماعى إيجابيا.

هذه الظاهرة التى وصفها “لى بون” هى ظاهرة نكوصية انفعلاية (وليست حتى وجدانية) بدائية، وبالرغم من أنها توصف بوصف جماعى، وأحيانا بالعقل الجمعى بالذات، فإنها أبعد ما تكون عن موضوعية الواقع وعن النضج وعن التخطيط الهادف جميعا، وإن كانت لها وظيفة مرحلية فى السياسة وما إليها أحيانا، وفى مراحل معينة مما يسمى الثورة، وأيضا بالرغم من أنها تنتمى فى تفسيرها إلى فكر التطور، إلى أنها بالمواصفات السابقة هى أبعد ما يكون عن ما يجرى فى العلاج الجمعى، بل لعل العكس هو الصحيح، – كما ذكرنا –  مما نفصله على الوجه التالى:

(1) نحن نتعامل فى هذا العلاج مع عدد من العقول لكل فرد، معا باحترام شديد، وتبادل محسوب، فى حين أن عقل الجماعة فى القطيع هو عقل واحد انفعالى بدائى غالبا

(2) حركية التعامل فى العلاج الجمعى هى فى جدل هذه العقول معا على مستويات مختلفة ليست حتى قاصرة على التحليل التركيبى لإريك بيرن، وإنما هى تشمل أى مستوى متاح نعرف له تسمية أو لا نعرف، فهى حركية إبداعية تلقائية تحسب بنتائجها التراكمية كما ذكرنا

(3) تفسير ما يجرى بلغة حركية الوعى على المستويات المتنوعة والمتصاعدة والمتداخلة هو من أصعب ما يكون، علما بأن  تحديد أبعاد مفهوم الوعى نفسه ما زال من اصعب ما يكون أيضا

(4) إحياء ديالكتيك التطور، الذى وصفناه كآلية أساسية فى العلاج الجمعى،  لا يعنى العودة إلى مرحلة سابقة للتطور مثلما أشار  فرويد ولى بون، وإنما العكس: أعنى أنه دفع مستويات الوعى  المتبادلة “إيقاعا”، أو المتراوحة “ذهابا وجيئة”، إلى المواجهة اشتمالا فجدلا، ليتخلق منها المستوى الأرقى ما أمكن ذلك، فى حين أن التناقضات التى وصفت فى “العقل الجمعى” هى بمثابة تجاور الأضداد بلا حركية وبلا منطق.

(5) التعامل مع الزمن فى العلاج الجمعى شديد الحيوية بالغ الحساسية، انطلاقا من التركيز فى هنا والآن، بما يستتبع ذلك من استيعاب التغيرات الشديدة الضآلة لكنها فى نفس الوقت البالغة الدلالة نوعيا، وكل هذا لا يرصد أولا بأول بقدر ما يتراكم ويستنتج من النتائج، فى حين أن الزمن بالنسبة لآلية نشاطات العقل الجمعى يتراجع إلى اللافاعلية، إذ تدور الدوائر المفرغة فى المحل مع انفعالات الاستعادة نفسها طول الوقت.

(6) فى العلاج الجمعى تتأكد فردية كل فرد كلما انتمى أكثر إلى الوعى الجماعى المتكون فيما بين أفراد الجماعة، بما يحقق مقولة وينيكون “أن تكون وحيدا مع” To be alone with، وهو ما أشار إليه “يالوم” كأحد العوامل العلاجية ووافقته على ذلك، فى حين أنه فى حالة العقل الجماعى تذوب شخصية الفرد فى الجماعة ويصبح رقما مكررا لا أكثر، كأنه صدى يتردد فى فراغ.

(7) فى العلاج الجمعى يتواصل نشاط حركية برنامج الدخول والخروج، من الذات إلى الوعى الجمعى، وبالعكس، وفى كل رحلة تختلف نقط البداية والنهاية حتى لا تكون حركة فى المحل، أما فى العقل الجمعى الجماهيرى فتنطلق الحركة مثل إعصار لا يعرف أحد مصدره فى كثير من الأحيان، وتختفى معالم محتواه ولا يتراجع.

(8) فى العلاج الجمعى  يتواصل أيضا برنامج “الإيقاع الحيوى”، فينشط المشارك فى بعض مرحلة، ثم يبدو أنه توقف مستوعبا منتبها، وهو فى الحقيقة يتمثل ما وصل إليه، دون إعمال فكر ظاهر، أو مراجعة عقلنة، ثم ينشط من جديد، وهكذا، وعلى القائد أن يراعى هذا التناوب ما أمكن ذلك دون التزام بتوقيت معين أو توزيع الوقت بشكل ملزم، فالنبض الذى يجرى يختلف طول دوراته من شخص إلى آخر، ومن مرحلة إلى مرحلة طول الوقت، أما فى العقل الجمعى الجماهيرى فتتقلص الحركة فى اتجاه الاننقباض الدافع معظم الوقت ثم تتمادى بالقصور الذاتى فلا وقت للاستيعاب ولا وقت للملء، فأين الإيقاع الحيوى؟

(9) فى العلاج الجمعى ينشط الجدل الحيوى لاستيعاب ما يبدو متناقضا، من خلال آليات كثيرة، على سبيل المثال لا الحصر، من خلال العكس، والجملة الناقصة، والألعاب، وحين يحضر قصدا الشىء ونقيضه يتراجع التناقض ليس بحدوث حل وسط تلفيقى أو حتى توفيقى، وإنما بتوجه سهم المتناقضين إلى هدف ثالث مشترك من خلال فاعليتهما معا من أكثر من وجه على أكثر من مستوى.

(10) فى العلاج الجمعى ينسلخ أى شخص لأى فترة بعيدا عن الوعى الجمعى فى عملية مراجعة، أو مقاومة، أو حتى استراحة، ويعود حين يستطيع أو يقرر أو ينكشه القائد أو أحد الزملاء، أو لا يعود، ولا يعتبر ذلك خيانة أو خيبة أو تقاعسا، فى حين أنه فى العقل الجمعى يكاد  يعتبر من يفعل ذلك ناشزا، أو عدوا، أو شاذا، المهم أنه يُلفظ بطريقة ما من الجماعة سرا أو علانية.

وبعد

أتوقف الآن لأتساءل: بالله عليكم ما ذا يصل من كل ما سبق لواحد لم يره رأى العين أثناء الممارسة، متدربا، أو حاضرا فى الدائرة الأوسع متعلما؟ هل من المعقول أن متخصصا عاما يقرأ هذه النقاط العشرة، بهذا الإيجاز، مهما كانت تصف الأمر الواقع، يصله منها ما يعاونه على القيام بهذا النوع من العلاج؟

 الإجابة عندى جاهزة وحاسمة وهى النفى.

طيب هل يحتاج من يمارس هذا العلاج أو يتدرب عليه إلى مثل هذا التنظير، وكيف يستفيد منه؟

الإجابة عندى أن الإفادة ممكنة، بالمعنى العام الذى أشرت إليه فى البداية: أن تكون دعما لما يمارسه، وليست إرشادا مباشرا لما عليه أن يمارسه.

احترت بعد ذلك كيف أقدم عينات تبين بعض ما أشارت إليه هذه النقاط العشر كأمثلة؟ إن تقديم ما جرى فى جلسة ما، كما فعل يالوم فى كتابه السالف الذكر وغيره، هو أمر وارد وغالبا مفيد، فقط لمن يمارس العلاج ويستطيع أن يُعمل خياله ويتصور ما لم نذكره، وحتى تقديم بعض المقاطع من الفيديو لا يمكن أن يوصل الرسالة التى احتوتها هذه النقاط ومثلها وغيرها.

ما العمل إذن؟

ماذا يجرى بالضبط، وكيف نرصده، وما هو العامل (أو العوامل) العلاجية (أو المغيرِّرة) المسئولة عن تحريك الوعى، وتنشيط جدل النمو هكذا؟

رجعت إلى مقدمة هذا العمل وذكر ثبت المحتويات الممكنة، فوجدت أن الدور قد حان لتقديم مقتطفات من “مجموعة المواجهة” التى شاركت فيها، وكتبت ما وصلنى منها شعرا، متقمصا بعض المشاركين فيها، ثم قمت باستلهام هذا المتن الشعرى فى كتابى الذى نشر مسلسلا هنا فى هذه النشرة اليومية، بعنوان “فقه العلاقات البشرية”، قلت آن الأوان لأقتطف من هذا التقمص ما ينقل عمق ما وصلنى، أكثر مما يصف آليات ما يجرى، فهذا هو المتاح إذا كنت أريد أن أوصل هذا العمق.

تأكدت أن هذه الفرصة قد أتاحت لى ما لم أكن أتصور الغوص إلى عمقه، لكنها نشرت فعلا فى كتاب كامل، لكن من غير المعقول أن أحشر أغلب هذا الكتاب فى هذا العمل حشرا تحت عنوان مقتطفات، لكن يبدو أنه لا سبيل إلا تحمل بعض التكرار، لأنه لا ضمان أن يكون قارئ هذا الكتاب قد قرأ الكتاب الأول، وإنى لآمل ألا يكون تكرارا حرفيا، وأن أنجح أن اقدم مقتطفات مختارة، وترابطات مفيدة، لشرح حركية الوعى، وبالذات حركية الدخول والخرج، وتشكيلات المقاومة، (مثل المثال الذى أوردناه فى نشرة 2/4/2013: النقلة من العلاج الفردى إلى العلاج الجمعى)، دعونا نرى.

مؤقتا:

برغم من كل هذا العجز السابق بيان أبعاده، فإن شيئا ما شديد الوضوح يحدث، ويغيّر، ويفيد، ويعالج، وحين تتاح الفرصة أن نتحسس هذا الشىء مستعملين بعض آليات هذا العلاج يصلنا أن هذا “الشىء الـ ما” قد وصل إلى المرضى، وإلى المعالجين بيقين شديد، ولكن دون تحديد، ظهر ذلك جليا كمثال، فيما سبقت الإشارة إليه فى لعبتى “ياه …، دى طلعت صعبة بشاااكل، ولكن” (أكمل)، ولعبة “لو كنت أعرف إن الموضوع كده، كنت …” (أكمل).

وغدا قد نعرض نتائج إحدى هاتين اللعبتين أو كلتاهما

أو قد ننتقل مباشرة إلى مقتطفات من “مجموعة المواجهة”

[1] – والتى يمكن أن تفسر ما آلت حال ما يسمى الحركات الثورية مؤخرا 2013 فى مصر، والتى وجدت أن أدق وصف لوجهها السلبى هو ما قاله شوقى أثـّـر البهتان فيه: وانطلى الزور عليه، ياله من ببغاء:عقله فى أذنيه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *