الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قصة قصيرة: …. هيا يا جدى نلعب معا مثل أمس

قصة قصيرة: …. هيا يا جدى نلعب معا مثل أمس

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 27-8-2014

السنة السابعة

العدد: 2553

 قصة قصيرة

…. هيا يا جدى نلعب معا مثل أمس

-1-

الوقت قبيل الغروب،  وقرص الشمس يتوسط أفق الوعى إذ يتحدد ويلتهب.

ولمّا كان هو يحب “هذا” حبّا قديما شديدا، فقد راح يتبيّن لِم َظلّ يرفض طول عمره وصف ما يفوق الوصف، حتى لو رسموه شعرا، حتى لو أشرقت فيه وبه أضواء جنونُ فان جوخ شخصيا.

  فكاد يتوارى خجلا أن يضبطوه متلبّسا بكل هذا الاختلاف.

على أنه كان قد سمح لكل الحركات الهامسة التى كانت تتكوّر متداخلة باستمرار باستمرار، سمح لها أن تتجمع الآن أكثر من أى وقت مضى، فتخلّقت قبضة قويّة قادرة على البزوغ فى اتجاه بذاته.

-2-

قرص الشمس يقترب من خط الأفق، ويتوهّج، وتتحدد معالمه، ويهم بالغوص إلى العين الحمِئة،  هذا منظر يعرفه، حضره عشرات المرات، لكنه الآن يجد نفسه فى بؤرته، وهو متأكد أن أغلب ما وُصف به هذا المنظر كان كافيا لهم، لكنهّ لم يكن  له كذلك أبدا، القرص يزداد دموية حانية، الوهج تتجدد حمرته المصفرة إلى سواد رمادى  يوحى بطيف كامن،  لكنّ رذاذ الأفق لا يتقافز وهو يتناثر عليه.  هو يحب هذا جداً.

-3-

ترتبت السنون فى شكل لم يعمل حسابه أبدا كما بدت له الآن، لم يخطط له، لم يصدّق أنه هو، وإن كان  ذلك راح يتمّ فى هدوء واضح المعالم، لكنّه بلا تفاصيل، كان دائما على يقين من أن ذلك سوف يحدث، بل من أنه حادث فعلا ولم يبق له إلا أن يَظهر، كان ينتظره  أكثر مما كان يتمنّاه، كان واقعا أكثر من أى واقع، حقيقة ماثلة طول الوقت رغم أنه لم يتبيّنها بهذا الوضوح أبدا.

-4-

غاص القرص المتوهج   فتلقاه الأفق حانيا  بلا أدنى شهوة أو شبهة احتواء،  النار التى عبدها بعض البشر بعض الوقت كانت تنتمى إلى هذا الذى يعيشه الآن، ولو أن سيّدنا إبراهيم عاش هذه اللحظات لما استنكر أفول الشمس، أو لعله كان سوف يحبّ الآفلين، دون أن يعبدهم.

 لماذا تهان الألفاظ والأشياء ونحن نفهمها بالمقلوب؟

 لماذا نستعملها من الظاهر؟

-5-

إن الذى سيشرق من الجانب الآخر لن يكون “هو”، ذلك لأنه لا  الشمس تدور حول الأرض، فهذا تفكير جاهل متخلف نسخه العلم منذ كوبرنيكس، ولا الأرض تدور حول نفسها أمام  الشمس، فهذا سلوك راقصة خليعة شاذة ترتزق. لا بد من حل آخر يضعنا نحن البشر فى اعتباره، حل  يغلّب المنطق السليم، وهو – شخصيا –  ليس مسئولا عن إيجاد هذا الحل بأى درجة، ولا يوجد سبب واحد يضطره إلى ذلك.

-6-

قطرات الحياة تتجمّع فى بؤرتها المقعرّة وكأنها لم تتفرق وتتلاحق أبدا، هى وحدات أشف قليلا من القطرات، وأخفى،  لم تقل شيئاً جديدا، لكنهّا قالت ما يكفى لتتضح الأمور.

ليكن

فتقدّم نحو مغرب الشمس  ليهمس لها فى خدرها: إنه حزين.

ثم  راح يتذكّر  أشياء كثيرة كثيرة، أخذت تتضح أكثر فأكثر حتى صارت شديدة البساطة والمباشرة.

-7-

قال له حفيده فجأة:

 “هيّا يا جدى نلعب معا مثل أمس، كما وعدتنى”.

 ألقى ما بيده، واستجاب له دون تردد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *